عرض مشاركة واحدة
قديم 10-30-2018, 01:58 PM   #201
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي



المعلمون ليسوا عبيدا.. والإضراب رسالة تحذيرية من حوثنة الجنوب



الثلاثاء, 30 / أكتوبر / 2018 - الساعة 1:00 ص | (80 مشاهدة)


تحولت الجمهورية اليمنية في العقود الثلاثة الأخيرة إلى مسرح تنافس بين القوى العالمية والإقليمية،
حيث قام كل واحد منها بتعزيز مصالحه الوطنية في مختلف المشاريع الجيوسياسية والاقتصادية، لكن هذا التنافس بالنسبة لنا لم يساهم في التنمية والتطور والتعليم ولم يضمن الأمن، بل على العكس أصبح السبب الرئيسي للوضع الحالي السيئ للبلاد، واليمن اليوم هي نتاج لهذا التنافس المسموم، ونتاج لقصر نظر النخبة اليمنية بكل أطيافها القبلية والسياسية وطموحها الأناني، نُخبة تحارب التعليم والمعرفة وتذل المعلم وتصر على جمود العملية التربوية ومصادر المعلومة والتقنيات، لأنها تدرك أن تطوير ذهنية المواطن سوف يؤثر على مصالحها الشخصية، التي هي فوق الوطن والإنسان، وقد تسبب عناد هذه النخبة البائسة، في تدمير قطاعات واسعة من مؤسسات الدولة وبالذات التعليمية التي كانت ولا تزال تسير غصبا عنها في اتجاه تطوير واحد، وهو صنع مواطن ذي عقلية تبعية للشيخ فلان أو القائد علان.


في العالم الحديث يحتل التعليم و موارده ومصادره مكانة مركزية، حيث يتم وضع آمال كبيرة على المعلم؛ لأن لتعليم في هذا العالم يعني التنمية والوطنية والحقوق المتساوية والتطور والإبداع والمنافسة على الأفضل في الحياة، أما في اليمن فقد تم تدمير منظومة التعليم بطريقة متعمدة، نتيجة لسنوات عديدة من رفض الدولة شروط أساسية متكاملة لعمليات تطوير وتحديث المجتمع وانتشار الفساد في قطاع التعليم وارتفاع الأعمال العدائية بين المذاهب والجماعات ونُخب سياسية، تعاني من حساسية المعلم وفوبيا التعليم والمعرفة، أهملت المعلم وحقرت من راتبه للضغط عليه للسكوت على الأخطاء وتقبل الوضع دون حداثة أو مغادرة سلك التعليم، لمعرفتها أن بعض من قيادات الدولة وشيوخها بحاجة لأكثرية سكانية جاهلة وبدون تعليم، يكون سقف حياتها محدود الطلب ضيق الأفق مع رؤية لمستقبل صعب ومظلم لا ينفع معه، إلا أن يكونوا مدنيين تابعين دون وعي ومعرفة، أو جنود خالين من الوطنية، قطعان من الجهلة يساقون للحروب الداخلية فقط، انظروا إلى كمية الحروب والدمار على أرض اليمن الموحد وإلى التخلف و أعداد القتلى والجرحى والمفقودين والمعاقين، انظروا إلى إصرار بقاء بعض المدراء والوزراء على رأس مؤسسات في قاع الفشل والفساد والرشوة، انظروا إلى الدبلوماسية المنهكة الرثة والى السفارات، التي تحولت بعضها إلى حلبات مصارعة وفضائح، انظروا إلى أعداد المدارس، التي دمرت وأغلقت بسبب الصراعات وإلى كمية أسواق القات الجديدة، التي شيدت وفتحت أبوابها، انظروا إلى فصيلة الجهل المنفصلة عن العلم والوطنية والواقع، التي تقاتل في صفوف الظلام والكهنوت ضد التحرر من العبودية، واغلبهم أبناء المناطق ذاتها، التي يقصفونها ويدمروها فوق رؤوس أهاليهم، انظروا إلى الأعداد الهائلة لرجال الدين من خارج عالم الإنسانية والتسامح، الذين يحرضون على القتل وحولوا الكثير من البسطاء إلى روبوتات بشرية مليئة بالكراهية والتطرف والقتل.

إضراب المعلمين السلمي والحضاري في عدن جاء بسبب تردي الأوضاع التي تعيشها البلاد واحتجاجًا على الظروف السيئة التي يعيشها المعلم، إضراب استمر ونجح، رغم كل أساليب الترغيب والترهيب، التي استخدمها البعض من سماسرة السلطة ضد المعلمين وغياب الحديث والإخبار عن الإضراب في وسائل الإعلام التابعة للحكومة الشرعية وناطقها ومراسليها، لأن هذه الوسائل عادة لا تنطق بشيء طالما السوء يضرب عدن وأهلها.. وللأسف أيضًا وسط صمت محزن من قبل من تسمي نفسها النخبة، التي تنسي أن الدنيا دوارة وإن كانوا أولادهم اليوم في مدارس خاصة وخارج البلاد، فأن أحفادهم غدًا عرضة لتقلبات الزمن.

يا سادة عليكم أن لا تصمتوا بل اشكروا المعلم وقفوا معه وليس ضده، لأنه هو من أوصلكم إلى هذه المناصب بتعليمكم وتثقيفكم، هذا إن كنتم متعلمين، أما إن كنتم العكس فعليكم أن تعرفوا أن المعلم في عدن أضرب بسبب فقره وقهر الزمان والجوع والمذلة وظلم الحكومات، المعلم أضرب في عدن ليطالب بحقوقه القانونية، ودائما ما ينسى هذا المعلم المسكين بأنه يناشد دولة فاشلة نصف مسئوليها أشباه متعلمين ومتسلقين راضين وسعيدين بأكثرية سكانية حاصلة على شهادات عليا في الرشوة وتعاطي القات والكسل والجهل، وكذلك إتباع هؤلاء المتسلقين في الدولة لسياسية التحقير لوظيفة المعلم التي تعتبر من المقدسات في كثير من البلدان مثل ألمانيا المسيحية واليابان البوذية، التي فيهما راتب المعلم أعلى من راتب الوزير، وحتى في إسرائيل التي لم يتجاوز عمرها 70 سنة، أخرج المعلمون هناك في فترة قصيرة جدًا جيل من حملة جوائز نوبل العالمية، وحق التعبير مكفول للجميع وأولهم المعلم الذي يستطيع مخاطبة وزير التربية والتعليم على الشبكات الاجتماعية مباشرة وفوق هذا ترفع الحكومة رواتب المعلمين وتطورهم معرفيًا بشكل مستمر.

يا ترى كيف ستكون ردة فعل المعلمين في هذه الدول لو عرفوا بأن النوايا الحسنة للمعلم في اليمن للتطوير والمعرفة غالبا ما تواجه واقعا قاسياً ومعارضة شديدة وتهديد ووعيد من الدولة، وتجبره على العيش في ظروف سجين مقيد الحركة والمعرفة، وسجنه اسمه المدرسة، يلبس نفس ألبدله بسبب الفقر، مكبل الراتب وأسلوب التدريس، وهذه الدولة تتلاعب دون خجل بمستحقاته وأحيانا كثيرة تنهبها وتمنعه من الدورات العلمية، وهي تدري أن المستقبل هو للكفاءات الاجتماعية المتعلمة، التي لديها الإلمام والقدرة على التعرف على المشكلات وحلها، وعلى إتقان أجهزة وأنظمة تكنولوجيا المعلومات الجديدة، والتعليم المدرسي يجب أن يخلق المتطلبات الأساسية لهذا الإلمام في وقت مبكر وبشكل مستقل.

كانت إحدى عواقب التوترات والصراعات المستمرة على السلطة في اليمن هو إغلاق المدارس في مختلف المحافظات، و بعد انتهاء هذه الصراعات تعيد بعض المدارس فتح أبوابها وهي في حالة يرثى لها، فصول قليلة بعضها مدمرة وأخرى ضيقة خالية من الطاولات والكراسي والكتب المدرسية و معلم بدون راتب وحقوق، أو براتب مخجل ومتقطع، والخاسر الدائم من هذا الوضع هو المعلم والطالب، ولهذا جوهر المشكلة الرئيسية في زيادة نسبة التخلف والعنف في اليمن، هو في انحسار شروط التعليم الحقيقي وسلب حقوق المعلم، حتى يكون أدائه باهت ولا يستطيع مواكبة العالم المتغير بسرعة تنافس كثافة وسرعة الصراعات المسلحة في اليمن، التي حولت المدارس إلى مخازن وثكنات عسكرية والطالب إلى جندي في الجبهات والمعلم إلى شخصية مسلوبة الإرادة والقدرة على العطاء يبحث عن عمل إضافي في المطاعم وأسواق الخضار والأفران، وهذا ما يريده بالذات الحوثة الذين غالبيتهم من الجهلة، ممن يحاربون التعليم والمعرفة، حولوا الكثير من المعلمين والأكاديميين في مناطق سيطرتهم إلى تابعين يردون الصرخة ويدرسون ملازم الحوثي، بينما جاء إضراب المعلمين في عدن، بمثابة رسالة لحوثة الجنوب يجب قراءتها ودراستها بعمق، وتحذير في نفس الوقت من محاربة المعلم لحوثنة عدن، لأن مجتمعنا أصبح يستهلك طلقات الكلاشنيكوف، أكثر من استهلاك أقلام الحبر، والرصاص في عموم مدارسنا والجامعات.​

الأيام
التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح