عرض مشاركة واحدة
قديم 11-18-2008, 10:41 PM   #18
نجد الحسيني
شخصيات هامه

افتراضي

لحج بلد الطبيعة الخلاّبة والجمال الأخّاذ والسحر والفن، لحج بساتين الحسيني ووادي تبن (بضمّ التاء وفتح الباء)، لحج شذا الفلّ وعطر الكاذي، لحج الزهور والرياحين والمشمش والعنبرود، لحج باقرمش وبامضروب، لحج الحوطة والرمادة وغزلان الوادي، لحج الخضيرة .. ملهمة الشعّار وقبلة العشّاق، لحج سبيت والقمندان، لحج فضل اللحجي ومحمد سعد وبن حمدون وفيصل علوي و... و...

ولحج منذ الزمن الأوّل كانت سبّاقة في ظهور الأغنية اليمنية حتّى من قبل القمندان واللحجي إلاّ أنّ الأمير الشاعر أحمد فضل علي العبدلي اليافعي (القمندان) يعتبر بحقّ باعث النهضة الفنية في لحج، معه برزت الأغنية اللحجية إلى العلن، وظهرت على الناس بحلّة جذّابة تسحر الألباب وكادت أن تنافس الأغنية الصنعانية واليافعية في فترة من الفترات بل أنها نافستهما فعلا بعد قول على المراكز الثلاثة الأولى وما تزال الأغنية اللحجية منافسة خطيرة.. منذ عشرينيات القرن الماضي مرورا بالثلاثينيات وحتى الستينيات وإلى غاية الآن، لم ينطفئ بريق الأغنية اللحجية.. كيف لا وقد أعاد بناء قواعدها أمير الشعر والغناء على أسس صلبة وبأعمدة أصلب.

الأمير القمندان أسطورة تحكى وتروى للأجيال المتعاقبة.. الأمير القمندان نجم لا يأفل وشمس لا تغرب وظاهرة سرمدية.. الأمير القمندان جاء بالحداثة لتصبح الحداثة من بعده تراثا خالدا ..
طعّم الأغنية اللحجية ولقحها بكلّ ألوان وزخرفات ألوان قزح اليمانية خاصة اليافعية منها حتى أضحى المستمع يأخذه الطرب فلا يدري بحركات جسمه من سكناته.. تميل من ألحانه أوراق الشجر والأغصان، وترقص على ايقاعه الجوار الحسان، وتتفتح الورود والأزهار وتغرّد البلابل والأطيار.
من شهرة القمندان أنها طغت على شهرة شاعر آخر من لحج وأبرز فرسانها في ميادين الشعر عبد الله هادي سبيت.. بل أن شهرته جاوزت كلّ الحدود من اليمن حتى الكويت ومن الشام حتى الرياض.
وانّ لفارس الأغنية اللحجية فضل محمد اللحجي الأثر الأكبر فيما وصلت إليه أغاني لحج وأشعار القمندان.
غنّى فنانو لحج كلّ ألوان وأطياف الغناء اليمني: الصنعاني واليافعي واللحجي والحضرمي والبدوي وأبدعوا في كلّ لون غنّوا له.
كوكبة من الرجال لا تتكرّر بسهولة:
الشيخ يحي عمر اليافعي في يافع
والأمير فضل القمندان اليافعي في لحج
والسيّد حسين المحضار في حضرموت
والأستاذ عبد الله عبد الوهاب نعمان الفضول في الحجرية (بضمّ الحاء وفتح الجيم)
والشيخ جابر رزق في تهامة
ومحمد سعيد جرادة ولطفي جعفر أمان في عدن
وغيرهم من جهابذة الكلمة والنغم
ويعتبر القمندان علما من أعلام الأدب والفن في اليمن بل أنه أديبا ومثقفا ومؤرخا وشاعرا وملحنا وعازفا على معظم الالآت الموسيقية في عصره، كان يقدّم القصيدة للفنّان بالكلمة واللحن والصوت.
من أروع قصائده المغناة: هل أعجبك يوم في شعري والشهيرة بـ (صادت عيون المها)
وجميع قصائد القمندان المغناة رائعة بدون استثناء


ليس مستغربا عندما يأتي الحديث عن الغناء والدان في حضرموت أو لحج يأتي بذكر رجل أو رجلين أو ثلاثة، كلّ ما نشاهده حولنا من حضارة واختراعات إنما أتوا من أشخاص معدودين قد حباهم الله تعالى بالعقل والمنطق ووهبهم الفكر والعلم والحكمة، الأوطان لا تخترع والأمم كذلك لا تجتمع على رأي أو فكر أو اختراع ما، وإنّما يولد من رحم تلك الأوطان وهذه الأمم رجل أو بضعة رجال يحملون على أكفهم وظهورهم نهضة هذه الأمّة وذاك الوطن..
وعلينا الاعتراف بأن الغناء والدان الحضرمي واللحجي كان بحاجة لرجال من أمثال المحضار والقمندان ولفنانين من أمثال محمد جمعه خان وبالفقيه وفضل اللحجي وفيصل علوي...الخ.

الأخ العزيز مسرور، للأسف، كان همّه من الموضوع برمتّه هو: "القمندان كان انفصالي ياجدعـــان"

ومن قال ذلك؟ مسرور وحده ومن لفّ لفّه..
أبدا لم يكن في يوم من الأيام، عملاق اليمن القمندان ومارد أرض حمير وبلقيس إنفصاليّا..
أعجبتني مداخلة الأخ العزيز باشراحيل على الموضوع وكذلك أيضا أعجبني تعقيب مسرور عليه.. لكن لا أدري لماذا يصرّ مسرور على موقفه من القمندان ولم يلقى له عذرا كما فعل مع الشاعر يسلم بن علي باسعيد وكذلك الشاعر المرحوم الكندي والشاعر المرحوم المحضار.

سواء ما جاء به القمندان من أبيات في البدرية أو في صادت عيون المها لا تعني مطلقا أن لحج في وادي واليمن في آخر..

القهر في فؤاد القمندان لأجل وطنه اليمن لا يختلف عن قهر البردوني والزبيري.. بل أن البردوني رحمه الله قد كانت أبياته أنكى وأدمى وقد تفوق على القمندان في حدّة لسانه بجلد الذات.

أليس الأمير الشاعر القمندان من أبياته:

إذا رأيت على شمسان في عدن
تاجاً من المزن يروي المحل في تبن
قل للشبيبة نبغي هكذا لكمُ
تاجاً من العلم يمحي الجهل في اليمن

هذا الأمير المثقف يدعو ويجاهد لمحو الجهل والتخلف والأمية في عموم أرض اليمن وليس في لحج أو الحسيني على وجه الخصوص.

من حقّ الشاعر القمندان ومن واجبه وواجب كلّ شاعر وإنسان أن يفخر بوطنه وقبيلته.. ما الضير في ذلك؟.. والفخر بالبلدة أو القبيلة جزء من الفخر بالوطن كلّه بجبله وسهله. وفي هذه الأبيات وصف الشاعر حبّه الكبير لأرضه وجعل منها (يعسوب اليمن).. كيف تكون يعسوب اليمن في عين أو لسان أو قلب انفصالي كما يحبّ مسرور تصويره لنا:

لحج الهناء والرخاء تبن
لله درك من وطن
بالروح نفديك وهل ؟
لك ايها الوادي ثمن!
اجري كما تهوى فإن
الرعد فوق الحيد حن
وأسق العبادل يا تبن
اما عسل والا لبن
يالحج انت غرة الدنيا
ويعسوب اليمن

وهنا يسأل الأمير القمندان أخاه السلطان العائد من سويسرا:-

كيف أوروبا وما شاهدتموه؟
أجياع أعراة أهلها؟
أسويسرلند وحش كاليمن
في شقا جهل وبؤس ومحن

ما زال الأمير القمندان يحزّ في نفسه ويقضّ مضجعه وينكّد حاله الشقا والجهل والبؤس والمحن التي تعاني منها بلده.

لكن ما رأي مسرور بهذه الأبيات التي تنسب هي الأخرى إلى القمندان؟:

تبت لا الشيخ باسكنا ولا المعلا
بس توبه ويا احلا
باسكن الا الحسيني قضى اطلع مثلا
مابا الدار تخلا
حيث الظبى يسحرني بعينين كحلا
والقمر ذي تجلا

لو أخذنا بأحكام مسرور العرفية، فإنّه بما أن الشيخ عثمان والمعلا في عدن، إذن عدن أصبحت خارج اللعبة.. وكما انفصل القمندان عن صنعاء فهو ينفصل عن عدن.. أليس كذلك؟.. أي منطق هذا؟

لو صمّم مسرور على انفصالية القمندان، إذن فقد سبقه إلى ذلك انفصالي آخر منذ مئات السنين ولكن هذه المرّة من الضفّة الأخرى.

فهل القاضي علي العنسي هو الآخر انفصالي عندما قال:

صاح مالي وأوطان العدين ..... مطلبي بغيتي صنعا اليمن
هل معي للنوى يا ناس دين ..... ساقني من محلي والوطن
فرّق السهد بين المقلتين ..... وبلاني بأنواع الشجن
ما العدين يا نديمي ما عدن ..... ربع صنعا اليمن كل المنى

هذه بتلك.. هل في أبيات العنسي ما تجعله يتبرأ من العدين وعدن ويحب على جملة الانفصاليين أو المنفصلين.

إذن، الحكم هو أنّ هذا مردود التعصّب الأعمى ليس إلاّ، سواء أجاء من العنسي أو من القمندان أو غيرهما من الشعراء والمطربين.

بأي قانون تحكم يا مسرور؟

يا مسرور، إن مبادئ التأريخ والأدب والثقافة والشعر والفنون ثابتة لا تتغيّر.. وحدها السياسة تتغيّر لأنّ ليس للسياسة مبدأ.. وأنت أردت بقولك تسييس الشعر والفنّ عند القمندان الذي كان باعه في السياسة لا يقل عن باعه في الأدب والتأريخ والثقافة.

أؤكّد على القول بأن مسرور قارئ متبحّر، لديه مكتبته الخاصة التي جمعت أمهات الكتب.. وحتما قد قرأ مسرور في كتاب: هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن.
فهل قرأت فيه أو لمست شيء من حديث يفصل لحج وعدن وسائر بلاد اليمن عن بعضهم البعض؟ أم أنّه تأريخ موصول ببعضه.

عندما غنّا المرشدي هل أعجبك يوم في شعري لم يردّد ذكر الفقرة التي تحوم حولها يا مسرور بل أن أستاذ الغناء اللحجي فضل محمد العبدلي اللحجي وتلميذه فيصل علوي قد أسقطوا جملة وتفصيلا الأبيات من الفقرة الأولى كاملة وشرعوا بالبدء من حيث صادت عيون المها.. وإن فعلوا فليسوا بملومين ولا تحسب عليهم خطيئة .. لا هم ولا القمندان.

فلا تتهم اليوم الأمير أحمد فضل العبدلي بالانفصالية ولا تتهم غدا يحي عمر اليافعي بأنّه هو الآخر انفصالي.. الأحداث والوقائع تكذّب ذلك جملة وتفصيلا.

هناك من مثقفي الخليج من حاول سلخ يحي عمر من بني جلدته في يافع لولا أن يحي عمر كذبهم من رمسه بشهادة أشعاره..
كذلك أيضا في المؤرخين الخليجيين ومنهم مؤرخ بحريني مشهور، لا يحضرني اسمه الآن، حيث قام بدراسة مستفيضة عن القمندان أراد أن يثبت في دراسته بأن القمندان لا ينتمي إلى يافع وأنّ شجرة نسبه التي زرعها في كتاباته إنّما جاءت لكي يستقوي برجال قبيلة كبيرة وقوية في الحرب حتى يهزم بسواعدهم أئمة اليمن أبّان الحروب المشتعلة بين الطرفين في ذلك الزمن.. لكن ما فات المؤرخ البحريني أنّه لم يقدّم لنا الدليل على ذلك أو يبرهن لنا بالوثائق ما يفيد بأن القمندان بغير ما زعم.. ولم يخبرنا ويعرفنا فيما إذا كان قد توصل إلى معرفة نسب القمندان الحقيقي أم لا، وإنّما ترك الأمور جارية عائمة، معلّقة في الهواء سابحة في الفضاء ..
وبهذا يبقى القمندان وشجرة نسبه كما جاء بها القمندان وسقاها بمداده ودمه.

عن القمندان والأغنية الصنعانية واليافعية واللحجية، فقد أسهبت بالحديث عن كلّ ذلك في موضوعي الخاص بالفنّان فضل محمد اللحجي (الجزء الثاني).. وبإمكانك الرجوع إليه، ربّما عرفت بعضا من أسرار تلك المرحلة والعصبيات التي سادتها.

وعلى فكرة يا مسرور، قد قمت بالردّ على تعقيبك على موضوع "شبام! الجدل والعمل.. والسيل العرم" في سقيفة الحوار السياسي..

ولا تقرح عندك المرغانة وقات المثاني لأنّي بصراحة بدأت أتعب من الردود الطويلة والعريضة.. فأرحني أراحك الله!.


وسلّي النفس يا مسرور بسماعك أغنية صادت عيون المها من أبيها وعمها وخالها وجدها الشيخ فضل محمد اللحجي

التوقيع :
ما خاصمني عاقل إلاّ غلبته = ولا خاصمني جاهل إلاّ غلبني

التعديل الأخير تم بواسطة نجد الحسيني ; 11-18-2008 الساعة 10:53 PM
  رد مع اقتباس