عرض مشاركة واحدة
قديم 06-13-2010, 01:28 AM   #19
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي


قراءة في الشعار الانتخابي للرئيس علي عبدالله صالح بمناسبة مضي نصف الفترة الرئاسية

نعم.. «اليمن القديم» أفضل

محمد العبسي
[email protected]

رفع مرشح المؤتمر الشعبي العام علي عبدالله صالح، في الانتخابات الرئاسية، 2009 شعاراً انتخابياً لا يخلو من "تنطّع" وإدّعاء، وعد في شقه الأول بـ "يمن جديد". ووعد في شقه الثاني بـ "مستقبل أفضل". اليوم، أما وقد مضت نصف فترة الحكم الرئاسية، حان وقت طرح الأسئلة وفي مقدمتها: هل وفى الرئيس علي عبد الله صالح "مرشح المؤتمر الشعبي العام" بوعديه الانتخابيين أم لا؟.


ينبغي علي إذن، إن أردت الإنصاف، إعادة صياغة السؤال ليكون على النحو التالي: ما الذي تحقق على أرض الواقع، من البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية وما الذي لم يتحقق منذ فوزه، قبل 3 سنوات و 8 أشهر، على منافسه النزيه فيصل بن شملان -رحمه الله - في انتخابات 2006؟ أو أن علي صياغته هكذا: هل اليمن القديم أفضل أم اليمن الجديد؟



الشعار الانتخابي.. دالاً ومدلولاً!
لا أريد التعريض بالرئيس ولا السخرية منه، ولا أريد التهكم من شعاره الانتخابي "يمن جديد" غير أنه يتوجب عليَّ فعل ذلك. فهذا الشعار لم يسئ لليمنيين وماضيهم، القديم والحديث، فحسب. وإنما أساء إساءة بالغة، من حيث لا يدري الرئيس إليه شخصياً وإلى تاريخه في الحكم، وكأن الشخص الذي اختاره شعاراً للحملة الانتخابية يعمل ضد الرئيس وليس معه!.

أية خفة عقل هذه؟


إن شعار "يمن جديد" يحمل في طياته إدانة واضحة لـ 28 عاماً من سنوات حكم الرئيس علي عبدالله صالح وكأن أشخاصاً نافذين، داخل السلطة، تعمدوا الإيقاع بالرئيس. ذلك أن القول "يمن جديد" يقتضي، بالضرورة، وجود "يمن قديم" سابق له زمناً ومختلف عنه حالاً ومآلاً. وهذا يقود إلى بديهية لا يختلف عليها اثنان وهي: إن الشيء الذي لم يأت خلال 28 مضت لن يأت، بطبيعة الحال، بعدها: مثل "العروسة" بالضبط في المثل الشعبي: إذ لم تأت من قبل فلن تأتي من بعد! وإذا كان الوعد بـ "يمن جديد" لم يتحقق خلال سنوات حكم الرئيس صالح لـ "28" عاماً منذ العام 1978 وحتى 2006، فمن البديهي، إذن، ألا يبصر الـ "يمن الجديد" النور خلال سنوات حكمه المقدرة بـ 7 سنوات انقضى أكثر من نصفها، فهي، في الأول والأخير، أقل من خُمس سنوات حكمه السابقة.

هل كان فخاً إذن؟


ليس لدي أدنى شك أن شعار الحملة الانتخابية "يمن جديد" يحمل، وهو حمّال أوجه، إدانة صريحة لتاريخ الرئيس في الحكم منه إليه، ولا أدري ما الذي جعل شخصاً في ذكاء ودهاء علي عبدالله صالح يقع في شراك هذا الشعار الإدعائي الفج! غير اني أعرف قولاً قديماً يفسر، على الأقل، السبب من زاوية شخصية فقد ورد في الأثر أنه "يؤتى الحذر من مأمنه"ت. ومن مثل الرئيس صالح في حذره ومن مثل واضعي شعاره الانتخابي أشخاص مقربون يأمنهم الرئيس ويركن إليهم؟



يمن أفقر... مستقبل أسوأ!!
قال الرئيس علي عبدالله صالح، في خطاب رئاسي شهير: إنه ومن خلال برنامجه الانتخابي سيقضي نهائياً على الفقر بحلول العام 2010. افترض في الرئيس الصدق وحُسن النية في خطابه هذا. غير أن أحدث تقرير دولي صدر مطلع الشهر الجاري، فيما يفترض أنه عام القضاء على الفقر، يقول عكس ذلك!.


لست مسروراً بهذه الأنباء السيئة: فبحسب تقرير أممي لمنظمة الغذاء العالمية، التابعة للأمم المتحدة، فإن شخصاً يمنياً بين كل 3 أشخاص يعاني من الجوع الدائم، فضلاً عن أن 60% من الأطفال اليمنيين يعانون من سوء التغذية. يبدو الأمر كارثياً، ولو أن هذه المعلومات جاءت على لسان منظمة أخرى غير الغذاء العالمي، لقلت إن في الأمر مزحة، لكنه، للأسف، بؤس الـ "يمن الجديد"!.


لا يقتصر الأمر على ذلك، فاليمن، عاماً بعد عام، من سيئ إلى أسوأ، وإليكم الأدلة:
تقول تقارير البنك الدولي إن 40% من الأسر اليمنية (قرابة 7 ملايين نسمة) دخلهم الشهري في عامي 2005 – 2006، أقل من 50 دولاراً أمريكياً (ما يعادل 10 آلاف ريال). ليرتفع عدد الأسر الواقعة تحت خط الفقر، التي يقل دخلها عن دولارين في اليوم إلى أكثر من 60% في العام الحالي، في حين قدرت المؤسسة الدولية الأسر والأفراد اليمنيين الذين يتراوح متوسط دخلهم بين 5 آلاف و 100 ألف ريال بنسبة 7% فقط، ما يعني امحاء الطبقة الوسطى كلياً، بينما يحقق 3% فقط من سكان اليمن دخلاً مالياً جيداً يتيح حياة كريمة، حده الأدنى 100 ألف ريال فما فوق!.


هل اليمن القديم، وفق هذه الأرقام، أفضل أم اليمن الجديد؟.
إن مقارنة بسيطة بين أسعار المواد الغذائية والمواد البترولية في اليمن القديم قبل 2006 وبين أسعارها فيما يفترض أنه "يمن جديد" تؤكد أن الأعباء المعيشية تزداد ثقلاً على المواطنين عاماً بعد عام، كما أن مراجعة سريعة لتقارير البنك المركزي تؤكد، بما لا يدع مجالاً للشك، أن الأوضاع الاقتصادية في البلد من سيئ إلى أسوأ.


اليمن القديم إذن من ناحية اقتصادية أفضل.



تمزق تحالفات الرئيس
فهل اليمن القديم أفضل سياسياً من اليمن الجديد؟ يسوؤني أن أقول، جازماً، إن كفة "اليمن القديم" راجحة أكثر، وإن قراءة سريعة لتحالفات الرئيس في الساحة السياسية تؤكد أن البلد في العام 2010 أكثر تمزقاً وتفتتاً منه قبل أربع سنوات ..إنه على شفا جرفٍ هار!.


في اليمن القديم، قبل 2006، كان "طارق الفضلي" يدير بنفسه الحملة الانتخابية للرئيس علي عبدالله صالح في أبين وعدد من المحافظات الجنوبية كأحد أتباعه المخلصين. وفي اليمن الجديد بعد 2006، انضم الفضلي إلى قائمة خصوم الرئيس وتزعم، في وقت سريع، إحدى فصائل الحراك الجنوبي وأكثرها بشاعة. مطالباً، باللغة العنجهية التي يقدرها القصر ويحترمها، بفك الارتباط وانفصال الجنوب!.


في اليمن القديم، قبل 2006 كان "حسين الأحمر" رئيساً لفرع المؤتمر الشعبي العام في عمران ليس إلا. وفي اليمن الجديد، بعد 2006، أصبح حسين الأحمر نجماً معارضاً مشاكساً وواحداً من خيارات التغيير المهمة في البلد. أما وقد صار على رأس مجلس التضامن الوطني الذي جمع بين طرفي القوة في البلد: القبيلة، بما لدى شيخ حاشد الشاب من إرث، والمال بدعم سخي من الجارة السعودية التي أعاقت -لعقود- أي مشروع نهضوي في البلد مفضلة دعم مشاريع مشابهة لمجلس التضامن التي تغدق عليه شهرياً، بقرابة مليوني ريال سعودي!.


حتى داخل الأسرة الحاكمة: ففي اليمن القديم، قبل 2006، كان محمد عبداللاه القاضي لما يزل أحد أفراد الأسرة الحاكمة الذين يسهل احتوائهم. أما في اليمن الجديد، بعد 2006، فقد انضم القاضي إلى قائمة الساخطين من سياسات الرئيس والضائقين ذرعاً به. انتقل القاضي في سنوات قليلة من موظف حكومي "رئيس مؤسسة الأدوية" إلى رئيس لشورى مجلس التضامن الوطني. لم يكن الرئيس ليشعر بالحرج وهو يقول لقناة الجزيرة، إن سبب سخط محمد عبداللاه القاضي مرده أن "الكعكة صغرت" وأنه يريد المزيد!. فالأخير كان نقده للرئيس، بالنظر إلى قرابته، موجعاً!


في اليمن القديم، قبل 2006، كان يحيى محمد عبدالله صالح، ابن شقيق الرئيس أحد أبناء العائلة المخلصين، دون قيد أو شرط، لكبير العائلة: الرئيس،. أما في اليمن الجديد، بعد 2006، وقد تزايد عدد الساخطين من طريقة حكم الرئيس، فقد بدأ أركان حرب الامن المركزي العميد يحيى كما لو أن لديه أجندة خاصة. فهو يتحدث إلى الصحافة بشفافية ووضوح ويعارض التعديلات الدستورية ويدين حبس الصحفي عبد الكريم الخيواني مطالباً، أثناء اعتقاله، بالإفراج عنه. وعلاوة على تقديمه المبادرات السياسية المختلفة فقد سبق وأعلن العميد يحي، بشكل صريح، معارضته للمشروع الأكبر في البلد: توريث السلطة. وهو بهذا يعمل، حسب مراقبين، لمشروعه هو. ويحرص باستمرار على تقديم نفسه كشخص منفتح يقف نصيراً للحريات والمرأة والصحافة.


والدائرة في اتساع:
في اليمن القديم، قبل 2006، كان عبد الوهاب محمود – نائباً لرئيس مجلس النواب، وفي اليمن الجديد بعد 2006 فقد أصبح عبد الوهاب محمود رئيساً لأحزاب اللقاء المشترك وقد تعرضت سيارة له قبل أسابيع – يا للمكافأة – لإطلاق نار قيد ضد مجهول.


في اليمن القديم، قبل 2006، كان فارس منّاع أحد رجال الرئيس المخلصين وشديدي القرب. فعلاوة على كونه رئيساً لإحدى لجان الوساطة في حرب صعدة، كان فارس بمثابة "مدير مشتريات القصر" المسئول عن معظم صفقات الأسلحة وعقود تزويد الجيش. هذا ما كانه فارس مناع في اليمن القديم. أما اليوم، في اليمن الجديد، فإنه قابع في إحدى زنازين الأمن على اثر تداعيات حرب صعدة وفي تحول لا يخرج، من حيث السياق، عن تحولات طارق الفضلي أو حسين الأحمر أو القاضي وغيرهم.


وفي السلطة كما في المعارضة والمجتمع اليمني: الدائرة في اتساع. في اليمن القديم كان الزميل عبد الكريم الخيواني، وحده، ضيفاً عزيزاً على زنازين الاعتقال. أما في اليمن الجديد فقد كبرت قائمة الصحفيين لينضم إليه محمد المقالح والسقلدي واللسواس وفؤاد راشد وحتى سيف الحاضري (انضم هو الآخر) إلى قائمة نزلاء السجن من الصحفيين. كانت صحيفة الشورى وحدها، المصادرة في اليمن القديم، أما اليمن الجديد فقد شهد يوماً أسود جرى فيه إيقاف ومصادرة 7 صحف أهلية في يوم واحد فيما وصف حينها بـ "الجنان اللوزي"!.


في اليمن القديم، كانت حرب صعدة نزيفاً داخلياً في مقدور اليمنيين تضميده. أما في اليمن الجديد، بعد 2006، فقد دوّلت قصية صعدة وصارت شأناً إقليمياً مخلفة وراءها الآلاف من القتلى والجرحى وأكثر من 250 ألف نازح!.


في اليمن القديم، قبل 2006 كانت المملكة العربية السعودية داعماً رئيساً لنظام الرئيس علي عبد الله صالح، أما في اليمن الجديد، وبعد دخول السعودية في حرب حدودية مع الحوثيين، فقد أخذ صناع القرار السعودي يتحدثون، تلميحاً وصراحة، عن فشل النظام اليمني ومخاطر انهياره. ويكفي، لمعرفة مدى ريبة الرياض في نظام صنعاء، أن يقرأ المرء مقالاً لعبد الرحمن الراشد، مدير قناة العربية، تحت عنوان "دهاء حوثي أم مكر صنعاني" في الشرق الأوسط .


في اليمن القديم، قبل 2006، كان الرئيس وأحزاب اللقاء المشترك، على حد سواء، يرفضون الاعتراف بشيء اسمه "القضية الجنوبية". أما اليوم، في اليمن الجديد، فالجميع، سلطة ومعارضة، يتحدث عن الجنوب معترفاً بقضيته السياسية. غير ان الوقت، في تقديري، قد أزف. وما كان ممكناً حله، بكل سهولة، قبل سنوات صار من المستحيل عمله اليوم من دون خسائر وتضحيات جمة لم يعتد النظام، طوال فترة حكمه، على تقديمها. غير ان الضرورات، كما تقول القاعدة الفقهية، تبيح المحظورات.


والآن: ألا توافقوني الرأي، بعد كل ذلك، أن اليمن القديم أفضل اقتصادياً وسياسياً أيضاً؟.
التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح
  رد مع اقتباس