عرض مشاركة واحدة
قديم 04-19-2011, 03:57 PM   #1
أبوعوض الشبامي
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية أبوعوض الشبامي

افتراضي الشاعر خميس سالم الكندي المرحلة الثانية ( الحبشة والصومال )...!!



نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

في ربيع عام 1943م ميلادية ضاقت الارض بما رحبت ، ضاقت بشاعرنا خميس سالم كندي ، إذ لم تعد بضاعة الشعر ومدح بن عبدات تجد لها سوقا في مدينته - الغرفة - المحاصرة من جميع الجهات ، ناهيك ان أمانيه واحلامه بدأت تتبخر وتذهب أدراج الرياح ، ليكتشف أن بن عبدات كان يتشدق بشعارات الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية ، في حين كانت تصرفاته الحمقى وممارساته و سلوكه في ذلك الحين تدل على ان الصراع مجرد صراع عشائري بن الأفخذ المتناحرة في الأتحاد الشنفري ، وأن طموح بن عبدات يقتصر في أن يكون سلطانا ضمن حدود الغرفة ، كثرت تجاوزات بن عبدات في فترة المجاعة واطلق عبيده لينهبوا الناس ( ناهيك عن أعراض انتهكت داخل الغرفة وماحولها ) ويعلم ذلك أهل الغرفة....!!

قرر الشاعر خميس سالم الكندي الهجرة والهروب من داخل أسوار وتحصينات عبيد صالح بن عبدات ، وكان حينئذ لم يتجاوز التاسعة والعشرون عاما من عمره، توجه شاعرنا ( خميس كندي ) الى المكلا ومنها الى عدن ، وفي عدن التقى ببعض من معارفه واصدقاءه فعرضوا عليه العمل مع وكالة بازرعة وتعد هذه الوكالة التجارية من أقدم الوكالات في الجزيرة العربية وربما في الوطن العربي .

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

قابل شاعرنا خميس سالم كندي مدير الوكالة المسؤول من آل بازرعة ، وبعد أن عرف نفسه ومستواه التعليمي ، وبأنه شاعر معروف اختصر ( بازرعة ) المقابلة وقال لكندي ( نطلب في وكالتنا موظفين حضارم وليس شعراء إذا كان عندك استعداد تشتغل عندنا مندوب لنا في الحبشة في ( هرر ) لشراء البن من المزارع وتصديره الى عدن بإسمنا ) وعرض على كندي معاش مغري ومجزي ، وافق خميس سالم الكندي بالعرض واستعد للذهاب الى زيلع ومنها الى ( هرر ).

لم يكن شاعرنا خميس كندي يحمل أي وثيقة سفر ، وكان ( مجهول الهوية ) فأسر إلى صديقه باعطوة في عدن أن بصدد استخراج وثيقة سفر انجليزية خاصة برعايا دول المستعمرات ، فضحك صديقه باعطوة ضحكة عالية وقال له : (( منته إلا ياخميس ضد الاستعمار وضد انجرامز وعادك ليه تحمل باسبورت انجليزي ، خلك هوكذا )) .. فأسرها كندي في نفسه ، وقرر أن يتهرب عبر البحر الى ( زيلع ) الواقعة في اقصى الشمال من أرض الصومال على خليج عدن ، كان البريطانيون لا يسمحون لأي مسافر يركب البحر من ميناء عدن إلا إذا كان يحمل وثيقة سفر معترف بها ، لهذا سافر كندي عبر البر نحو محافظة لحج وركب السيارة ومر بالشيخ عثمان يوم الأحد ، وبعد ثلاث أيام تحرك نحو قرية عمران التابعة لمحافظة لحج وهي قرية تقع على مدخل باب المندب، ومن عمران تنطلق السنابيق الصغيرة نحو البر الشرقي لأفريقيا ( الحبشة والصومال ) تهريبا ، ومن المحطة الأولى عدن ، ينتقل كندي نحو محطته الثانية ( زيلع ) ومن ثم يتوجه الى ( ديردوا ) ومن محطته الثالثة ( ديردوا ) يتوجه الى المحطة الرابعة ( هرر ) .

لم ينس كندي أن يصور لنا رحلته من عدن الى ( دردوا ) عن طريق ( زيلع ) في قصيدة جميلة ورائعة ، وهي تعد وثيقة مهمة تصور ما كان يعانيه الحضارمة في دروب اسفارهم نحو الحبشة والصومال ، وقد جاءت هذه القصيدة في معانيها العفوية الصادقة محملة بصور من المعاناة والخوف من المجهول في خضم تلك الغربة وسط أقوام يرى نفسه كما رأى الشاعر المتنبي نفسه في أرض العجم :

ولكن الفتى العربي فيها= غريب الوجه واليد واللسان


تعد هذه القصيدة وثيقة العامية ، من وثائق هجرات الحضارم ليس بوصفها أنها أول قصيدة نظمها شاعرنا خميس كندي حين وطأت أقدامه البر الأفريقي ، وإنما لأنه استطاع أن يصور معانات الحضارم في الغربة ، وتعد ايضا نقلة مهمة في شعر خميس سالم كندي إذ أنها جاءت صادقة التعابير مفعمة بأحاسيس المرارة والألم ، وهي لوحة رائعة يتنقل فيها القارئ والسامع لها بين مربعات اليأس والرجاء ، والأمل للغد الحالم الجميل . في أرض الأغتراب الأفريقي ولأهميتها نضعها لقارئ السقيفة نصها كما كتبها الشاعر كندي بخط يده في ديوان ونستمع اليها بصوت الشاعر خميس سالم كندي وقد غير قليلا في بعض الأبيات وسيلاحظ ذلك القارئ المستمع للقصيدة:


يبدأ شاعرنا كعادة الشعراء الشعبيين قصيدته بالإستهلال التقليدي الذي عادة ما يتصدر قصائد الشعراء الشعبيين يقول كندي في استهلال قصيدته:

با سين بسم الله بسمك ياإلهي ياصمد= يامنزل الزخرف وسورة قل هو الله أحد
والفي صلاة الله على أحمد عد ما ساجد سجد= وعد ما بارق سرى يلمع وما راعد رعد

ثم يتخلص سريعا من الاستهلال ليدخل مباشرة في موضوع القصيدة و رسم خريطة تبين لنا خط سير رحلته من بندر عدن الى الشيخ ومن الشيخ الى عمران ومن عمران الى ( العارة ) ثم الإبحار نحو ( زيلع ) يقول :

ثم قال من صالى المصايب والشدايد والنكد=بشرح لكم حالي وما صالته نفسي من كبد
خرجت من بندر عدن للشيخ (1) في يوم الأحد=خذنا ثلاث أيام ما واحد على الثاني نشد
والعصر روحنا الى عمران(2) في زين الرود(3)= جينا الى الساحل لحقنا البحر ينقع بالزبد
دخل بنا الهوري (4)إلما غار ما يدخله حد= فيه الباحيشي (5) كلت لثياب من فوق الجسد
والعصر جاء سنبوق(6) عوده رام(7) واحباله قدد= طلَّع شراعه لا مشى يومين ثالث يوم رد
خذنا ثمان أيام ما واحد بدى ليله رقد=لاقوت يستاكل ولا ماء في حناجرنا ورد
ودخل بنا العاره (8) وقالوا كل شي فيها يجد=حصلتها بلده خبيثه نعنبوها من بلد
سكانها عجزان في العروش علل مثل القدد= بلاد للسرقان ما عوده ترد من كل ند
ذا لي معه تمباك والثاني من بلاده شرد=ودخل بنا المغرب الى زيلع ودبر وافتقد

بعد مشقة وعناء وغثاء ودوار البحر وتقلب الأنواء والرياح وصل ( السنبوق ) مغرب ذلك اليوم الى (زيلع ) الواقعة في البر الشمالي الصومالي والقريبة من حدود الحبشة الجنوبية الشرقية ، وعلى تخوم سواحل زيلع كعادة المهربين انزل ( ناخوذة ) المركب الشراعي ركابه سرا واحد تلو واحد بعيدا عن رقابة اعين شرطة الموانئ وكان ومن بينهم شاعرنا كندي ، الذي دخل زيلع خائفا متوجسا ( لا ياتلفت ولا تشوّف لحد ) يقول كندي:

وقال ذك زيلع وشف هاذي خشه(9) ياولد= جينا الى الساحل وكل واحد من الثاني بعد
صبحت لازيلع ولا لي من بلاء زيلع مصد= دخلتها مختاف لا اتلفت ولا تشوّف لحد

ويصف كندي زيلع كما شاهدها ونقلت ما قاله من ديوانه ( مع ملاحظة استعماله بعض الكلمات التي يشم منها القارئ تمييزا عنصريا ) ويبدو أن كندي حاول أن يصحح بعض من تعبيراته في القاءه الصوتي يقول كندي:

حصلتها بلده ملاها الله بالجنس السّود=بوليسها صومال والحكام عربي ما يجد
ما تسمع إلا ( هوي كالي )(10) في مطاريق البلد= دخلتها وانشد على بيت الأسد ابن الأسد

وكعادة الحضارمة في مهاجرهم يسخر الله من بينهم رجال كرماء فضلاء يرحبون بالقادم أيّا كان ، وفي زيلع واحد منهم اسمه ( حمد بن مبارك ) كما أشار اليه شاعرنا كندي ، وقد استقبل هذا الشهم الكريم ( كندي ) وأمنه وطمنه وأكرمه ولهذا لاغرابة أن يقول شاعرنا كندي في ذلك الرجل الذي ترك أثر طيبا في نفس كندي يقول :

من حين ما جيته سكن خوفي وحس جاشي برد=لله درّك ياعريق الأصل يالعربي حمد
من جملة أهل الصّدر لوّل يابن امبارك تعد=لقيت لك تاريخ ما باينتسي لمّا الأبد
تاريخ بايبقى مخلد لك على رغم الحسد= لولاك في زيلع حرم والله ما عربي ورد
إن كان هجروها وخلوها كما غار الأسد= كان اهلها بحره ويصطادون حيتان الثمد
إنت الذي عزيتها وألقيت الصومال حد= وعرفته إن عاد العروبه في بلد زيلع تجد

مقصد كندي كان الى المحطة القادمة مدينة ( دردوة ) الواقعة شرق بلاد الحبشة ، تحركت سيارة النقل الكبيرة والتي حدد لنا فيها كندي موديلها باللغة الايطالية ( 1934 ) حتى وصل ( طابية ) وهناك تعرض لابتزاز رجل الأمن حين علم ان شاعرنا كندي مجهول الهوية ولا يحمل أي وثيقة وطلب رشوة مائتين شلنغ ، دفع كندي مجبورا ما يرضي رجل الأمن وسمح له بمواصلة رحلته نحو ( دردوا ) وأخيرا يصل الى ( دردوا ) بعد الشدائد والنكد ، وفي دردوا يستقبله ( ولد أحمد ) ويحل عليه ضيفا قبل أن يواصل رحلة البحث عن ( البن ) في ( هرر ) يقول كندي :

والحاصل إن العزم لما ( دردوه ) يا اخوان جد= روحت في موتر ترنت كواترو(11) كلما بعد
من ( طابيه ) ميلين حط نحن وبنشرن الرود=لمان جينا طابيه في ملاعين الكبد
كلمه بالعربي قلب لونه عليّه وابتلد= وقال شي ميتين ما تنقص شلنغ في العدد
الحاصل إن ريقي ربع ساعه وسط حلقي جمد=وروّح الموتر ولكن صاحب الموتر قعد
دخلنا ( يشعه ) قريب الظهر والخاطر برد= وصلت لما ( دردوه ) بعد الشدايد والنكد
حصلت ولد احمد وقال آنستنا يا بن كند= شرحت له حالي جميع قال لاتحكي لحد
اصبر على ما بك ولا تنصر خصومك والحسد=مااليوم ماشي حال باينقص عليك إلا اشتد
حقه وحق أهله لهم تاريخ ظاهر في البلد=والسر بايسري من الآباء الى ظهر الولد
والفي صلاة الله على أحمد عد ما ساجد سجد= وعد ما بارق سرى يلمع وما راعد رعد

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة


صوت كندي وهو يلقي القصيدة






.

--------------------------------------------------
(1) الشيخ : الشيخ عثمان .
(2)عمران من قرى لحج الوقعة على البحر.
(3) الرود : الاطارات.
(4) الهوري : القارب الصغير.
(5) الباحيشي : من سرطانيات ساحل البحر.
(6) سنبوق : مركب شراعي صغير.
(7) رام : قديم وبالي.
(8) رأس العارة : تطل على باب المندب
(9)خشة : عريش.
(10) هوي وكالي : كلمتان صوماليتنان ومعناها ( أنت تعال ).
(11) ترنت كواتر : كلمتان ايطاليتان وتعني رقم 34.



.
التوقيع :

التعديل الأخير تم بواسطة أبوعوض الشبامي ; 04-20-2011 الساعة 09:10 PM
  رد مع اقتباس