عرض مشاركة واحدة
قديم 11-22-2010, 08:09 AM   #43
عمر خريص
مشرف سقيفة التراث
 
الصورة الرمزية عمر خريص


هواياتي :  القراءة والكتابة
عمر خريص is on a distinguished road
عمر خريص غير متواجد حالياً
افتراضي

اقتباس : المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوعوض الشبامي [ مشاهدة المشاركة ]
.

المتابع لحركة الشعر الشعبي الحضرمي بإمكانه رصد الخطاب الشعري من القصائد التي قيلت في ثلاثينيات القرن الماضي ، ذلك من خلال البنية الدلالية والرؤية التأويلية حول النص الشعري الشعبي ، فقد شهدت مرحلة الثلاثينيات كثيراً من التحولات والتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الحضرمي ، فكان من الطبيعي أن تستجيب الحياة الثقافية بعامة والأدبية بخاصة لكل هذه التحولات.

في اعقاب عقد اتفقيات الصلح بين القبائل عام 1938م ، وما تلاها من فرض دولة النظام والقانون ، سقطت الرموز القبلية وتلاشى نفوذها على المجتمع الحضرمي ، وتبددت أساطيرها التى هيمنت على الواقع الحضرمي ، مما أدى إلى سقوط الكابوس والرعب الذى راود عقول الحضارمة بعامة والمصلحين منهم خاصة. وعلى أثر هذا السقوط، تشكل الوعي الحضرمي الجديد ، والذي كان سبباً قوياً فى تمرد شعراء الشعر الشعبي في حضرموت ، وتمكن شعراء الثلاثينات من طرح إنتاجهم الشعرى الذى يعبر عن منطلقاتهم الفكرية والثقافية، لتأسيس الشكل الفكري الجديد للقصيدة الحضرمية لمجابهة الحياة الجديدة بعد فرض السلم الاجتماعي وفرض دولتي القانون ( سلطنة القعيطي - سلطنة الكثيري ) ، وفرض الاصلاحات التي كانت سببا في دفع المجتمع الحضرمي نحو اعتاب العصر الحديث . ورفض الفوضى والحروب الأهلية القبلية واضطراب السلم الاجتماعي وهيمنت القبيلة وافكارها على المجتمع .

ولهذا نطرح هنا من نماذج الشعر لجيل الثلاثينات و إنتاجهم الشعرى الذى يعبر عن منطلقاتهم الفكرية والثقافية، لتأسيس الشكل الجديد للقصيدة الثلاثينية والتى ينتمون إليها وتنتمى لهم..مجابهين بذلك الحياة الثقافية السائدة آنذاك.
ونطرح في هذا الموضوع الملامح الفنية للقصيدة الثلاثينية ومدى قدرة شعراء الثلاثينيات على امتلاك أدواتهم الفنية من خلال تجاوزاتهم على مستويي الشكل والمضمون وطرح جماليات الخطاب الشعرى الثلاثيني من خلال رصد الأدوات الفنية فى النص الشعرى الثلاثيني (كاللغة، والإيقاع، والصورة، والرمز الشعرى، وتوظيف التراث ...) .

النموذج الأول للخطاب الشعري الثلاثيني قصيدة الشاعر ( محمد البحر ) نشرها في مجلة الترجمان والتي كانت تصدر في المهجر الشرقي الحضرمي بين اعوام 1356- 1357هـ يقول الشاعر الذي اختار عنوان قصيدته ( بين أمس واليوم ) .
امس لاسمعنا قرحة البندق= تخمخمت من هولها المصران (1)
واليوم إلاّ بالقبولة ننذق= لما قد جات مراكب الطيران (2)
امس لا قرح بيننا البادي= تقافزنا توّاً الى النيران(3)
واليوم ظهرت شجاعة القادي= لي هي مخبيه في قلوب الشجعان(4)
امس لو باتعمل جاك خنفوس= يقهرك مرفوق حطيط كرعان(5)
واليوم الظلم قده منفوس=- قبلت النصفة وانكسرت الكيزان(6)
امس الظلم في نياحه= خوفا من عقربه والحنشان
واليوم المعتزي ابن حه ياحه= كرفت كرانيفك شف قفاك حمران(7)
امس ما يذوق النوم شارح = على ماله وروحه في البلد سرقان(8)
واليوم يانعسان نم واسترح= لحيث سيف العدل مصلت على الكيران(9)
امس غراب الظلم في الجو يعربد= جالك مشؤوم ياتي على العمران
واليوم عندليب السعد غرد= ومن شجى صوتك يطرب الفزعان(10)
امس في مسقط الراس الدم سائل= لا شيخ له قيمه ولا سيد ولاقروان
واليوم يهناك الأمان يافاضل= فتح له الابواب والسدد والخلفان
امس الناس في غدرا ياساتر= ما حد يذكر ولا ينصح ينبه السكران
واليوم والحمدالله الواحد القادر= خرجت جريدة للعرب الترجمان


من قراءتنا لهذه الخطاب الشعري الثلاثيني لابد من وقفة حول البنية اللغوية للقصيدة في تلك الفترة ، من حيث ركنيها الاساسيين الإفرادي والتركيبي ، ومعرفة منهج الشكل فالنص كما يقال ( مجرد كائن لغوي مركب من مجموعة عناصر ابداعية متضامّة ) ، ويمكن تحليلها و تفكيكها من حيث التركيز عن ملاصقة الشعر بالواقع ، وتركيز الشاعر على الدور الإيجابي في تحديد الموضوع . حتى جاءت القصيدة انعكاسا للصورة الاجتماعية ، وصورا واضحة بين الأمس الماضي والحاضر المطل على المستقبل . ونستقرأ الألفاظ التي جاءت كمادة إبداع أدبي و ليست مجرد انفعالات .

أولا : نلاحظ في النص تمرد الشاعر على النمط التقليدي لشكل القصيدة الحضرمية والخروج عن قاعدة ( الاستهلال ) التي عادة ما يبدأ الشعر الحضارمة بها ( أبدي - وبسم الاله - وابديت بك وادعوك ..الخ ) ، وعدم توظيف آيات القرآن الكريم، والحديث النبوي ، أوتوظيف الأسطورة ضمن استهلاليات قصيدته ، كما دأب كثير من شعراء عصره .


ثانيا : نلاحظ في النص توزع الفعل بين دلالتي الماضي و الحاضر ( امس واليوم ) والأمر , حيث احتوت الأبيات على أفعال ماضية منها : ( سمعنا ، تخمخمت ، قرح ، تقافزنا ، باتعمل ...الخ ) في حين احتوت على افعال امر منها: ( ننذف ، كرفت شف نم ، استرح ، غرد ، فتح ... الخ ) و نلاحظ في هذا الشأن سيطرة فعل الأمر على الماضي ، وهذا يحيلنا الى أن التحول الاجتماعي والسياسي كان قد جاء بقرار ( فعل أمر ) ، والدلالة على ذلك ( لما قد جات مراكب الطيار ) وهذا يحيلنا بوجود قوة عسكرية كبيرة ( الوجود البريطاني ) الذي فرض اتفاقية الصلح بين القبائل وفرض النظام والقانون والسلم الاجتماعي في حضرموت . وانهى بذلك قرون من حالة الفوضى والاضطراب الذي كانت تشهده حضرموت قبل عام1938م .

ثالثا : نلاحظ بوضوح شكل القصيدة التي ابتعدت عن الرمز الشعري ، لأنه ليس هناك من سبب يجعل الشاعر يتوارى خلف الرموز الغامضة خوفا في التعبير عن رؤيته ومقارنته ( بين الامس واليوم ) ، فالشجاعة الأدبية تنشأ مع وجود الحرية الشخصية ، وحرية التعبير في ظل دولة المؤسسات والقانون .

رابعا : الصور ضمن النص، احتوت هذه القصيدة على صور متعددة منها ما عبر عن الخوف والقهر الطبقي (( تخمخمت - هولها - تقافزنا - يقهرك - نياحة خوفا - مايذوق النوم - غراب الظلم - الدم سائل- ) ومنها صورا تعبر عن الفرح والسعادة وانتصار السلم عبر الصلح ودعاته ، والاصلاح وانصاره ( بالقبولة ننذف- الظلم منفوس- قبلت النصفة - نم واسترح - عندليب السعد غرد - يطرب - يهناك الأمان ... )

خامسا : إن كانت هناك وقفة أخيرة في هذه القصيدة فإنها مع هذين البيتين وما يحملانه من صور جميلة ودلالات عميقة:

امس لاقرح بيننا البادي= تقافزنا توّا الى النيران
واليوم ظهرت شجاعة القادي= لي هي مخبيه في قلوب الشجعان

( البادي والقادي ) مصطلحان في فقه اللغة الحضرمية ضمن مصطلحات الحرب ومعنى ( البادي ) المعركة القبلية المحدودة بزمان ومكان معين ، اما ( القادي ) فمعناه الاستسلام والخضوع للمنتصر فالصورة الجميلة التي ركبها الشاعر من كلمتي ( البادي والقادي ) هو انه في الماضي إذا سمع قرحة وضرب البندق معلنا عن بداية معركة قبلية فيدفعه الخوف الفطري الى القفز نحو مصدر النار المشتعلة في البيت لإطفاء ضوءها حتى لايكون مصدر الضوء هدفا يتعرض لضرب البنادق ، اما في الحاضر فيسخر الشاعر حين رأى هؤلاءك الاشاوش الذين ظهرت شجاعتهم على حقيقتها شجاعة والتي كانت ( مخبية في قلوبهم ) انها ( شجاعة القادي) شجاعة الاستسلام والخضوع للقوي المنتصر .
وهنا دلالة على قوة دولة النظام والقانون في حضرموت ، والتي استطاعت فرض الأمن والأمان واشاعة السلم الإجتماعي بين جميع طبقات المجتمع الحضرمي .




_______________________________________________
(
1) قرحة البندق : الصوت الناتج عن اطلاق رصاصة البندق ، ( تخمخمت ) تقلص الأمعاء وانقباضها من الخوف.
(2) ننذق : نلقي بها ونرميها بعيدا.
(3) البادي : المعركة القبلية المحدودة بزمان ومكان معين.
(4) القادي : الاستسلام والخضوع للمنتصر.
(5) مرفوق : الرفق عادة قبلية كانت تفرض على الغير وهي تعني المنع عن العمل أو التصرف في الممتلكات.( حطيط ) نحيف .
(6) النصفة : دعاء المظلوم بطلب العدالة السماوية لتأخذ بحقه ، كقولهم ( الله ينصف لنا ).
(7) المعتزي : العزوة املتفاخر بالنسب أو بالكنية ، ( ابن حه ياحه ) كلمتان تقال للتعبير عن التوجع والألم ، ( كرفت كرانيفك ) أثني كفيك .
(8) شارح : حارس النخل والزرع.
(9) الكيران : جمع كور والكور هو الرأس.
(10) الفزعان : الخوفان.


لنا تواصل مع الموضوع.




.

يتحفنا استاذنا أبو عوض بجميل موضوعاته القيمة والمثيرة للجدل دائما.. ونلك ميزة امتاز بها استاذنا ابو عوض .. وما موضوعه هذا عن الخطاب الشعري الذي شرق فيه المعقبون وغربوا الا واحدت من تلك المواضيع المثيرة للجدل .. وجدلنا هذا حول الاتفاق والاختلاف لا يزيد الموضوع الا تجلية ولمعانا ..
واعتقد ان الخطاب الشعري في الشعر الحضرمي الشعبي لم يختلف خلال النصف الاول من القرن الثالث عشر للهجرة .. فهواجسه وهمومه واحدة .. ومعاناته المتعددة تنضح من أناء وأحد .. ولعلنا نزكي ماذهبنا اليه بقول استاذنا (محمد عبد القادر بامطرف) اذ قال في كتيبه (التراث وصناعة الشعر) ص 16 ( لكن الشعر الشعبي غير ذلك .. أنه البساطة الفنية التي تخاطب عواطف وعقول الافراد والمجاميع بتصوراتها للحاضر والمستقبل في لهجة عادية مألوفة .. وهذا هو الشاعر الحميني سالم المردوف الحامدي الشعفي يقول في قصيدة عدد ابياتها سبعون قالها سنة (1319هـ) يدين بها جور (الدولة القعيطية) وبتنبأ بأن الملك في النهاية سوف بؤول الى المواطنين ومنهم البدو الرحل ويقول /ـ
ذا فصل والبارحة هاجسي صال=من غيل يشرب ومن ماء الحياة
مايشرب الا كرع صافي زلال=صافي مصفى عتومه جاريات
يوزن كلامه بميزان القفال=ولا يجيب الزلل والمخطيات
معي حليلة لها ميتين فال=تعلم خوافي أمور امغيبات
الى قوله :ـ

رفيق كثرت على الناس الثقال=لهم وقائع كما موت السكات
من زول الناس يبشر بالزوال=موعود به في خطوط مسجلات

الى قوله :ـ

وانته تريض متى ما الظل مال=الملك لهله والبدو الرعات .


انتهى كلام بامطرف .
وهذا الخطاب الشعري من المردوف في عشرينيات القرن الهجري الماضي انما هو امتداد لخطاب شعري سياسي تشكل في اوائل القرن وامتد الى الستينيات منه .
شكرا جزيلا لاستاذتا ابو عوض .
التوقيع :
وماتوفيقي الا بالله

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
  رد مع اقتباس