عرض مشاركة واحدة
قديم 02-17-2010, 08:12 PM   #19
نجد الحسيني
شخصيات هامه

افتراضي

أستاذنا الغالي أخي وحبيبي عصام صالح عمر ،
بداية، إنه من دواعي سروري أن أعبر لك عن عرفاني وامتناني برقة أسلوبك الساحر وبلطف حوارك الفتّان..
كما أتأسف إليك لأني لم آخذ بالي من العنوان...
تاليا، شدتني العواطف حتى درجة العصبية المقيتة وليست العواطف بعلم وليست العصبية بحقّ..
هو كما ذكرته عزيزي بأن ذلك التأريخ السحيق ليس من دليل دامغ عليه سوى ما تناقلت عنه الرواة حتى بات من الأساطير..
ويكفي توجيه الله تعالى لنبيه في خالد ذكره:
- تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا.
وقوله تعالى:
-ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ.
صدق الله العظيم.
وكان رسول الله صلّ الله عليه وسلّم إذا نسب نفسه توقف عند ذكر عدنان قائلا: أما عن القرون الأولى فعلمها عند ربي.
وبهذا إنما نأخذ من الروايات شطحاتها وخرافاتها خاصة فيما يتعلق ذكره بتلك القرون الغابرة..
اقتباس :

ولكن فن الصوت وعلى مقاماته السبعة كانت انطلاقته من الحجاز وازدهر في المدينة المنورة في عهد الخلفاء الراشدين ومن ثم إلى باقي العالم العربي هذا ما هو مُثبت في أغلب الكتب والمراجع

كلاّ، أخي الحبيب، ففي هذا خلط للأمور بعض الشيء..
تلك إنما سلالم تتألف من الأصوات السبعة وليست بمقامات..
وكما عرفنا أو اطلعنا بأن كل سلم موسيقي يتألف من سبعة أصوات (دو، ري، مي، فا، صول، لا، سي) تختلف في ابعادها الواحد عن الاخر مما يؤلف انواعا من السلالم وما أدرج على إطلاق مسمى الكراسي الموسيقية في نغم صاعد ونغم هابط ويتقدم هذا ويتأخر ذاك ويستبدل بين هذا وذاك.
وبما أن الأصوات قد حدّدت قطعا إلاّ أن المقامات فبإمكانك تخريجها وتفريعها وتسميتها إلى سبعين أو ربما سبعمائة... فمقام عراق وحده ربما تسلسل من أصله سبعين مقاما تقريبا ومقام الرست يدخل ضمن المقامات العراقية كمقام إلا أنه لا يعني عراقيا كذلك للرست دور في المقام الحجازي كما لمقام نهاوند دون أن يوصف الرست أو نهاوند بالحجازي.

أهم مقامين أساسيين في الشرق شكلاّ أصلا ومرتكزا لكلّ المقامات الأخرى ممّا جعل كلّ نتاج موسيقي أو غنائي من حجازي وعراقي وشامي ويماني ومصري وتركي وإيراني وهندي و... يبنى على اساس مقام اساسي من هذين المقامين هما:
العجم والنهاوند.
تماما كما يعتمد عند الغرب مقامين اثنين تتفرع منهما كلّ نتاج الموسيقى والغناء وهما:
الميجر majorترجمة للسلم الكبير والماينر minor ترجمة للسلم الصغير..
كذلك الحال في الشرق القديم حتى اليوم حيث يقابل مقام العجم لدينا مقام ميجور لديهم ومقام نهاوند المقابل لسلّم ماينور.

من خلال التعريفين تبدو لنا وتتضح عجميتهما وأنهما من الحضارة المجوسية (الفرس/الهند وغيرها من الثقافات).. ولا غرابة في ذلك لو علمنا بأن معظم نتاجنا الفكري والفلسفي والعلمي إنما امتزج بأهل بلاد فارس والهند وأيضا اليونان والرومان والبربر...
ولست بعنصري ولا طائفي ولا مذاهبي من حيث إحقاق الحقّ وردّ الحقوق إلى أصحابها والإعتراف لكلّ ذي حقّ بحقّه.
هي حضارات وثقافات دمجت ببعض وأثرى بعضها بعضا..
بل أنّ أئمتنا وفقهاءنا من المسلمين قد تشربوا من تلك البلاد ووفدوا منها ليس أقلّ من ذلك الإمام أبو حنيفة والإمام الجيلاني ومن أئمة الحديث البخاري والترمذي والنسائي وفي الطب والعلوم والفلسفة بن سينا والرازي والخوارزمي والأصفهاني وغيرهم...
كلّ أولئك وغيرهم كثر من بلاد فارس.
ومع ذلك فإنه لولا الإسلام وأن أشرقت على الأمم شمس حضارة اسلامية لما كنا سمعنا بتلك الأسماء وبقيت فارس منعزلة تتحارب بين حين وآخر مع غريمها اللدود من الروم وكانت ظلّت هكذا بين ناقر ومنقور.
بل حتى أن أدبنا العربي لم يخلو من اختلاط ودمج حتى أضحى واحدا لا تفريق بين حضارة وأختها..
وإلا فماذا تعني لك أروع أدبياتنا كألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة لابن المقفع .. معظمها من آداب وتراث المجوس.. فالعرب لم تشتهر بالروايات بل اشتهرت بالشعر (الملحون) وكان يلحّن عند تأديته.. حتى أن الروايات العربية إنما ظهرت وطبعت في عصر المأمون العباسي كعنترة وسيف بن ذي يزن وحمزة البهلوان والاميرة ذات الهمة وتغريبة بني هلال (أبو زيد الهلالي) كلّها توسعت في العصر العباسي والأندلسي وبالتحديد في عصر المأمون عندما طرأت على المسلمين ودخلت في أوساطهم حضارات بقية الأمم من يونانية ورومانية وبربرية وبابلية...الخ.
والأدهى بأن من وضع لنا قواعد لغتنا العربية وأخرج لنا نحوها وصرفها وتعلّمها إنما يعود إلى فارس.. ونظرة إلى معاجمنا وأمهات كتبنا ترشدك وتدلك على سيبويه والفيروز آباذي وغيرهم...
ربما بعض تلك الأسماء عربية الجذور لا خلط في نسبها ولـكن حتى بهذا فإنّه لا ينزع من أصحابها المولد أو النشأة أو التعلّم في بلاد فارس وكذا أرض العراقين بعربه وعجمه.

نعم، لقد اطلعت في الموسوعة الحرة بأن المقام الحجازي من الحجاز واشتهر في العراق..
صحيح عن شهرته ولـكن للتصحيح أيضا بانطلاقته من العراق.. فالعراق أكبر حضارة وثراء في العلم من أي قطر عربي آخر.. وخاصة في الفنون والموسيقى، كما في غيرها من المجالات الثقافية، استطاع العراق أن يمزج في تراثه ثقافة العراقين، عراق العرب وعراق العجم.. وأعرف بأن العراقيين من جهابذة الموسيقيين العرب وإلاّ ما تفرّع من مقام عراق 56 أو 58 مقامات.. لا شكّ في ذلك..

ربما يكون قد دخل المقام الحجازي إلى كوفة وبصرة وبغداد وهي حواضر الإسلام في تلك العصور ثم انتشر واشتهر وتفرعت عنه ذاته عدد مقامات.

القول بأن المقام الحجازي انطلق من الحجاز وازدهر في المدينة في الخلافة الراشدة ثم من بعد في العالم العربي ينفيه العلم حتى وإن سلّمت به بعض الكتب وأشاعته الأخبار.

اقتباس :
ويكفي العالم بآسره وخصوصاً العالم العربي أن الحجاز أهداهم مقام يسمى ( مقام الحجاز ) إحدى المقامات العربية الأصيلة ، ولن تجد أي بلدٍ من البلدان العربية لها مقام سمي باسمها سوى الحجاز حفظها الله

في هذه بعض من مبالغة وتجاوز على الواقع.. ليس منطقيا أن الحجاز أهدى العالم متضمنا العرب مقام يسمى الحجاز.. وليس بالضرورة أن يأخذ اسم المقام من بلده.. وإلا فمن أين الحسيني ومن أين نهاوند والرست وكرد و...
كذلك أننا لن نجد بلد من البلدان العربية مقام سمي باسمها فماذا يعني لنا إذن اسم مقام العراق وما تفرعت عنه من مقامات عراقية تزيد عن خمسين مقاما.

مقام الحجاز فرع من مقامي العجم ونهاوند كما سلف ذكره..

وفي فقرة نص لملخص من محاضرة ألقيت في جمعية الأطباء العراقيين في بريطانيا عام 2004مـ، أوجزها د. حسقيل قوغمان بأنّه في الموسيقى الشرقية يوجد نفس المقامين الموجودين في الموسيقى الغربية: العجم (المقابل لسلم ميجر) و النهاوند (المقابل لسلم ماينر). و بنفس الطريقة يجري في الموسيقى الشرقية عزف هذين المقامين او النغمين في مواقع مختلفة من السلم الموسيقي و لكن الشرقيين يسمون ذلك تصويرا للمقام. فيقال عجم على السي بيمول او عجم على الصول و هكذا الانغام او المقامات الاخرى. و لكن الموسيقى الشرقية فرعت هذين المقامين باشكال مختلفة. فاي تغيير في ترتيب الابعاد السبعة من السلم او اي تغيير في كيفية انهاء المقام جعلوها مقاما منفصلا و هكذا نشأت مقامات عديدة تختلف عن بعضها في عرف الموسيقي الشرقي مثل الحجاز و النگريز و النوا اثر و الحجاز كار و الحجاز كار كرد و اللامي و غيرها. و الموسيقى الغربية تستطيع ان تعزف من خلال المقامين جميع هذه الانغام او المقامات الشرقية ولكنها تعتبرها جزءا من المقامين الاساسيين.

في بعض من نص ملخص تلك المحاضرة موجز البلاغة ..

حتى أنّنا نجد المقام الحجازي يتفرع إلى حجاز وحجاز كار وحجاز غريب ...و... كما لا يخلو من تداخل مع الرست ونهاوند الخ...

وإنّ تطوّر الموسيقى وتنوع المقامات واختلافها لا يمنح المقام الحجازي درجة أفضل من غيره أو يجعله صاحب فضل على ثقافة الموسيقى في الشرق والغرب.

هناك عشرات العشرات بل المئات من المقامات المتنوعة في الشرق والحجازي أحدّ تلك المقامات الموسيقية بما وصل إليه العلم وما سبقت إليه من حضارات متنوعة وما لحقت بعده أيضا من ثقافات وحضارات وتمدّن وتكنولوجيا حتى اليوم كذلك ما فجّره العقل الآدمي من عبقريات بفضل الله تعالى ومنّه على عباده.

أخي الحبيب،
إنما يأتي كلامي هذا عن علم متواضع قد أكون اكتسبته .. فبداية عزفي على العود كانت على يدي والدي وعمي رحمهما الله تعالى ثم أخذت قليلا من المرحوم البامخرمة وقليلا أيضا من المرحوم عبد الله هادي سبيت.. وحتى ذلك الحين، لم يدر في خلدي بأن علم الموسيقى واسع بكلّ هذا التوسّع الخيالي حتى تقربت من الموسيقار العربي المصري أحمد أحمد صيام فتتلمذت على يديه العزف أكاديميا لأنّ كلّ هواياتي السابقة انما كانت عزفا سماعيا، ليس إلاّ.. وحتى مع الموسيقار صيام لم أكمل الدرس ولم أجيد على العزف بطريقة النوتة سواء خمس إلى سبع مقامات ربما.. وهجرت الأمر لعدم التفرّغ فهناك أولويات وأمور أخرى أكثر أهمية في حياتي.
كذلك ما درسته وحفظته من مختلف الكتب العامة منها أو المتخصصة.

الموسيقار أحمد أحمد صيام قد ذكر لي بأنه هو الذي وضع أو قدّم في أواخر الستينيات لحن النشيد الوطني الكويتي السابق وكذلك النشيد الوطني الليبي (سابقا)، وكان يحدثني كثيرا عن المرحوم أحمد قاسم وكذلك الفنان أحمد فتحي وأيضا عبادي الجوهر عندما عرف أنّي يمني.. والحقّ يقال بأنه قد أشاد كثيرا بفيلسوف موسيقى اليمن أحمد بن أحمد قاسم وكذلك بالأستاذ أحمد فتحي كذلك لم يخفي عتبه على الفنان عبادي الجوهر بسبب تركه الأكاديمية ولم يواصل دراسته رغم ما أظهره من نبوغ.
وحكايات كثيرة سردها لي عن العود ومختلف الآلات الموسيقية وعن ملوك العزف في الوطن العربي كالقصبجي والسنباطي وفريد الأطرش كنت أصغي إليه بكلّ شغف وانبهار.
قدّم لي نصيحة مفادها أنّي إذا هجرت العود يوما فسوف يهجرني (العود) سنة.. وأما هجره سنة فهجران العمر..
وقد صدقت النصيحة ها أنا بعد هجران امتد إلى عقد وعقدين أتعامل مع العود كتعامل الطفل الصغير بلعبته. ..
لا إجادة عزف ولا تذكّر مقام ولا يحزنون غير ما بقي في صدري من حفظ القراءة والكلام.
كانت هواية ثم هَوَت.

لقد أطلت عليك أخي الحبيب فمعذرة على ما سلبته من وقتك وأشكرك على منحي إيّاه بأخوة ومحبة.
التوقيع :
ما خاصمني عاقل إلاّ غلبته = ولا خاصمني جاهل إلاّ غلبني

التعديل الأخير تم بواسطة نجد الحسيني ; 02-17-2010 الساعة 08:34 PM
  رد مع اقتباس