عرض مشاركة واحدة
قديم 10-23-2010, 10:09 PM   #248
الحضرمي التريمي
حال متالّق

افتراضي

أبن تيمية /الهجر الجميل والصفح الجميل والصبر الجميل
أقسام الناس في التقوى والصبر

بسم الله الرحمن الرحيم
سئل الشيخ الإمام، العالم العامل، الحبر الكامل، شيخ الإسلام، ومفتي الأنام، تقي الدين بن تيمية أيده الله وزاده من فضله العظيم، عن الصبر الجميل والصفح الجميل، والهجر الجميل، وما أقسام التقوى والصبر الذي عليه الناس؟ فأجاب رحمه الله: الحمد لله، أما بعد فإن الله أمر نبيه بالهجر الجميل، والصفح الجميل، والصبر الجميل، فالهجر الجميل هجر بلا أذى، والصفح الجميل صفح بلا عتاب، والصبر الجميل صبر بلا شكوى، قال يعقوب عليه الصلاة والسلام: " إنما أشكو بثي وحزني إلى الله " مع قوله: " فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون " فالشكوى إلى الله لا تنافي الصبر الجميل.
ويروى عن موسى عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول: اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان.
ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، اللهم إلى من تكلني؟ أإلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي غير أن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت الظلمات له، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي سخطك، أو يحل علي غضبك، لك الغنى حتى ترضى " .
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرأ في صلاة الفجر " إنما أشكو بثي وحزني إلى الله " ويبكي حتى يسمع نشيجه من آخر الصفوف. بخلاف الشكوى إلى المخلوق.


هجر أهل البدع عند أهل السنة

اشتهر في كتب السنة والاعتقاد التحذير من مجالسة أهل البدع، بصورة لا تضاهيها أي صورة أخرى من صور تحذيرهم من أنواع التعامل مع أهل البدع.
ويستندون إلى مجموعة كبيرة من الأدلة الشرعية منها ماهو من كتاب الله تعالى :فقد قال الله تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: ((وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)) [الأنعام:68].

عن أبي عون قال: " كان محمد (يعني ابن سيرين) يرى أن أسرع الناس ردة أهل الأهواء، وكان يرى أن هذه الآية أنزلت فيهم ((وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ)) {أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى (2/431). }
وقد ذكر الله تعالى بما حذر منه هنا من مجالسة هؤلاء في سورة النساء فقال: ((وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)).
نقل البغوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في تفسير هذه الآية: " دخل في هذه الآية كل محدث في الدين، وكل مبتدع إلى يوم القيامة " {
تفسير البغوي (1/491). }
ويستدلون من السنة أيضا ما دل على مشروعية ترك مجالسة أهل البدع، ووجوب هجرهم، عدة أحاديث، منها قصة كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم وهو حديث طويل رواه الشيخان عن كعب ذكر فيه قصة تخلفه عن الرسول r في غزوة تبوك وهجر النبي صلى الله عليه وسلم له ولصاحبيه وفيه:
" ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف، فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض، فما هي التي أعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يُكَلّمُني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام عليّ أم لا؟ ثم أصلي قريباً منه، فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إليّ، وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال عليّ ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسَّورْتُ جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي وأحب الناس إليّ، فسلمت عليه، فوالله ما رد السلام، فقلت يا أبا قتادة: أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله؟ فسكت، فعدت له فنشدته فسكت، فعدت له فنشدته فقال: الله ورسوله أعلم ففاضت عيناي .. "
{ رواه البخاري في (كتاب المغازي – باب حديث كعب بن مالك) فتح الباري (8/114-115) ح:4118، ومسلم كتاب التوبة – باب حديث توبة كعب وصاحبيه) (4/2124-2125) ح:2769. }
وأما آثار السلف كثيرة جدا يستدلون بها أيضاً على هجر أهل البدع والأهواء وعدم مجالستهم والسماع لهم ومخالطتهم والأدلة كثيرة عن السلف منها :
ما ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من ضربه لصبيغ العراقي وكتابته لأهل البصرة أن لا يجالسوه
أنظر الإبانة الكبرى (2/414).
- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلب " خرجه الآجري ي الشريعة ص61، وابن بطة في الإبانة الكبرى (2/438).
-ومن ذلك هجر أبي بكر الصديق رضي الله عنه لِمسْطَح بن أُثاثة لكلامه في حادثة الإفك، وترك النفقة عليه حتى نزلت الآية ((وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) [النور:22] فترك أبو بكر هجره وأعاد عليه النفقة وقال: " بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي "
خرجه البخاري ضمن ذكر حادثة الإفك (كتاب التفسير – باب لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا...) فتح الباري (8/455) ح:4750، ومسلم (كتاب التوبة – باب حديث الإفك ...) (4/2136) ح:2770.
-ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه أن قريباً لعبد الله بن مُغَفَّل رضي الله عنه خذف فنهاه، وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، فأعاد فقال عبد الله: " أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه، ثم تخذف لا أكلمك أبداً "
صحيح مسلم (كتاب الصيد والذبائح – باب إباحة ما يستعان به على الاصطياد والعدو..) (3/1548).
والأمثلة لذلك من سيرة الصحابة كثيرة جدا لمن أراد أن يعرفها مبسوطة في كتب أهل العلم 0

ولاشك أن لهجر المبتدع ضوابط شرعية بينها أهل العلم في كتبهم منهم شيخ لإسلام أبن تيمية رحمه الله
وفي هذه المسألة لابد من بيان الضوابط الشرعية لهجر المبتدع، ومتى يكون مشروعاً أو غير مشروع.
وبيان ذلك أن هجر المبتدع لا يكون مشروعاً إلا لمقصدين إما لتأديب المبتدع وزجر مثله عن فعله، وإما لخشية حصول الضرر والفتنة بمجالسته.

قال شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 5/ 408 :(0000فبهذا ونحوه رأى المسلمون أن يهجروا من ظهرت عليه علامات الزيغ من المظهرين للبدع الداعين إليها والمظهرين للكبائر فأما من كان مستترا بمعصية أو مسرا لبدعة غير مكفرة فإن هذا لا يهجر وإنما يهجر الداعي إلى البدعة ؛ إذ الهجر نوع من العقوبة وإنما يعاقب من أظهر المعصية قولا أو عملا . وأما من أظهر لنا خيرا فإنا نقبل علانيته ونكل سريرته إلى الله تعالى فإن غايته أن يكون بمنزلة المنافقين الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله لما جاءوا إليه عام تبوك يحلفون ويعتذرون . ولهذا كان الإمام أحمد وأكثر من قبله وبعده من الأئمة : كمالك وغيره لا يقبلون رواية الداعي إلى بدعة ولا يجالسونه بخلاف الساكت وقد أخرج أصحاب الصحيح عن جماعات ممن رمي ببدعة من الساكتين ولم يخرجوا عن الدعاة إلى البدع .)
وقال أيضاً :( ومن كان مبتدعا ظاهر البدعة وجب الإنكار عليه ومن الإنكار المشروع أن يهجر حتى يتوب ومن الهجر امتناع أهل الدين من الصلاة عليه لينزجر من يتشبه بطريقته ويدعو إليه وقد أمر بمثل هذا مالك بن أنس وأحمد بن حنبل وغيرهما من الأئمة والله أعلم .)
  رد مع اقتباس