[أبو صلاح]

رغبة الحضارم في إقامة علاقات دبلوماسية مع هولندا

نواصل حديثنا كما وعدتكم بمرافقة الضيفان الكريمان (دانيال فان در ميولين والدكتور. هـ . فون فيسمان )لوادي حضرموت في مايو عام 1931م ،وقد عرفنا مما سبق ذكره أنهما قد وصلا إلى مدينة حريضة وكانا في ضيافة السادة آل العطاس ،ونزلا في أحد قصورهم العامرة في حريضة ،وقد كنت قد نقلت لكما بعض مما دار من حديث وانطباعاتهما عن المنطقة ،ويسرني أن أواصل الحديث بعد أن أنقطعت عنه قبل رمضان الماضي تقريباً ،وأسأل الله أن يديم علي عافيته ، والتفرغ لإنجاز ماتبقى من الكتاب ، والغرض هو نقل صور ومشاهد حية عن حضرموت في تلك الفترة ،وما هو تفكير النخب السياسية في الحكم من السلاطين والمستوزرين الملتفين حولهم ،وبقية رعاياهم من أفراد الشعب الحضرمي في الساحل والداخل .والظروف التي تعتمل آنذاك ومدى نجاح تفكيرها أوفشله في تحقيق طموحات الحضارم في بناء دولة موحدة وقوية قبيل الحرب العالمية الثانية بثمان سنوات ،في ظروف الجهل و الفقر والتخلف و حصر التفكير فقط في بناء المهاجر الأجنبية والعمل فيها ثم بناء القصور وتشييدها في الداخل ومد مكنة الحروب القبلية بالمال والنفوذ والسلاح ،دون النظر للإنتاج الزراعي وتنمية بلدانهم ،ورفع مستوى المعيشة وغيجاد فرص عمل لألاف من أفراد الشعب الحضرمي في الجنوب العربي ، الذي كانت تسيطر عليه الخلافات القبلية والسلالية الضيقة في المهجر وانتقل غلى الداخل فترة طويلة من الزمان ، والإرتباط بالسياسات الإستعمارية في المنطقة ، الذي كان من نتائجه ،الفقر والتخلف الذي كان يسيطر على أغلبية الناس في القرى والأرياف والبوادي من حضرموت ،وساهم بقدر كبير بعدم نهوض اي مشروع وطني لقيام دولة حضرمية في الماضي قبل أكثر من ثلاثة عقود من جلاء بريطانيا عن عدن سنة 1967م .
في هذه الجلسة دارنقاش سياسي بأمتياز مع القنصل الهولندي وزميله الألماني الدكتور. هـ . فون فيسمان :كان نقاشاً حول قضايا عربية ومحلية وخارجية كلها لها علاقة بالمهاجرين الحضارمة حول الوضع السياسي في مصر واليمن والحجاز وجزر الهند الشرقية وحضرموت ذاتها. والموضوع الأخير أكثرها مشقة. طرح بالطبع سؤال بشكل عام حول استعداد هولندا لتعيين قنصل في حضرموت. رد القنصل الهولندي :(.. أن هولندا لا ترغب في شيء أفضل من هذا لكنها لا تستطيع أن تفعل ذك. إنها تتمناه, من أجل تقوية الروابط التي نشأت منذ قرون خلت مع العائلات الحضرمية المرموقة, وكذلك من أجل توسيع تجارة جاوا وهولندا مع جنوب الجزيرة العربية. لكنها لا تستطيع,)لماذا لاتستطيع الدولة الإستعمارية هولندا تحقيق رغبة بعض الحضارم الذين يقعون تحت ولاية هولندا في جزر جاوا؟وماهي الصعوبات لبتي تمنع ذلك ؟
قال القنصل الهولندي للحاضرين في محضرة المنصب بحريضة أن حضرموت مقسمة بين سلطنتين قعيطية وكثيرية ولاتوجد لهما سلطة على حضرموت حقيقية ولغياب الأمن والإستقرار خشيت هولندا على ممثلها المفوض لو أرسلته إلى حضرموت ولهذا كان تعليل السبب من قبل القنصل قائلاً :(... لأنه لا توجد وحدة هنا وليست بها سلطة عليا مسئولة. ) وأضاف أيضا (إلى من تتجه ملكتنا ومن سيكون مسئولاً عن ممثلها؟)
كانت هذه المناقشة واضحة لهم ومصدر اهتمام عميق من جانبهم. لكن الحضور قبلوا السبب على مضض وكأنهم لم يتوقعوا من الزائر هذه الإجابة .
كانت هذه رغبة بعض المهاجرين الحضارمة في أن يكون لحضرموت مكانة مرموقة لدى هولندا ،غير أنه غاب عن أذهانهم أن هذه السلطنات محكومة بمعاهدة حماية مع الإستعمار البريطاني ،وفي نفس الوقت تدرك هولندا طبيعة العلاقات الدولية والمصالح والنفوذ لهذا لم تلبي رغباتهم .
وأتجه الحديث إلى موضوع آخر قال القنصل (.... وحتى أخفف من حدة الوضع الذي برز, عبرت لهم عن تقديري للظروف الملائمة التي وجدتها هنا بعد أسبوعين من الترحال في منطقة متخلفة جدا. ويلاحظ الإنسان هنا نفوذ الأشخاص لهم إنجازات أكثر في البلدان الأخرى, مثال ذلك جاوا, مما في بلادهم. ونصحناهم بكثير من الحذر بأن يهتموا بخلق تجانس مع أنفسهم ويركزوا اهتمامهم وطاقتهم نحو بلادهم. وأدت تلك المناقشات إلى انخفاض مزاج الترحاب الحار إلى حد ما, لكن صلاتنا تمتنت مع مجموعة كبيرة من الزوار الذين كانوا يصغون باهتمام.)
وإلى لقاء آخر نكل بقية النقاش في الموضوع .