عرض مشاركة واحدة
قديم 03-15-2011, 01:19 AM   #170
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي


الديّني أيضاً لم يفهم: الآن يعني أمس .. التغيير يعني هنا

المكلا اليوم/كتب/ د.سعيد الجريري14/3/2011

(1)

مثلما لم يفهم بن علي إلا بعد أن حاصر المحتجون وزارة الداخلية التونسية العتيدة، ولم يعِ مبارك إلا بعد أن زحفت جماهير 25 يناير على قصر العروبة، ولم يصدّق القذافي فجُنّ جنونه وهو يرى (جرذان) جماهيريته يغادرون حالتهم الجرذانية بحثاً عن كرامتهم الإنسانية التي داس عليها، ولم يتوقّع صالح فارتبك وذهب يتهم تل أبيب والبيت الأبيض بإدارة الرفض لحكمه، يبدو أن لبعض المحافظين الجدد، نصيباً من عدم الفهم.



الأخ خالد الديني محافظ حضرموت المعيّن بقرار جمهوري، خلفاً للأستاذ سالم الخنبشي المُقال على خلفية أمنية، وجّه خطاباً إذاعياً مهماً -على حد وصف موقع المكلا اليوم- إلى أبناء حضرموت الأوفياء، وكأنه لا يرى أحداً في الشارع يقول: لا للنظام الفاسد. والنظام لا يعني- بطبيعة الحال- الرئيس علي عبدالله صالح، ولكنه يعني الرئيس ومرؤوسيه بمن فيهم المحافظون طبعاً.
تأملت ما وُصِف بالخطاب المهم، فوجدته ( يطحْوس) الكلام، بالتعبير الدارج، إذ يتناسى المحافظ أنه جزء من النظام الذي يهتف ضده أغلب أهل حضرموت، وإن توزع هتافهم على قسمين: الأول منذ سنوات وهو لا يعترف بالنظام أصلاً ويعدّه محتلاً( الحراك السلمي وأنصاره)، والآخر يدعو إلى إسقاط النظام أو تغييره (التشكيلات الشبابية وأحزاب المعارضة وأنصارها)، فإلى أيٍّ من (كافة) أبناء حضرموت يوجه المحافظ الديني خطابه الإذاعي؟.

لعله يخاطب جماهير افتراضية، فالطبيعي أنه يخاطب جماهير الحزب الحاكم، فهم الذين مازال جزء منهم يرى شرعية معينة للنظام الحاكم، وجزء آخر بدأ يتململ وهو يراقب الكفة إلى أين تميل، ويشعر بحرج شديد كلما تمادت القوى الأمنية في المواجهة المسلحة للاحتجاجات. أقول هذا توصيفاً وتشخيصاً للواقع كما هو بلا رتوش أو تزييف، وأؤكده بشفافية وبدون مواربة، كي لا يستمر مسلسل التعميات المقصودة وغير المقصودة، ولكي يكون الأخ خالد، وهو في مقتبل حياته السياسية، على بيّنة من حقيقة الوضع إن كان يراه من وراء زجاج، أو يحاول أن يتعامى عن رؤية الحقيقة الماثلة كالشمس.

(2)

افتتح المحافظ خطابه بالتعبير عن سعادته كما قال نصاً:(( يسعدني أن أتوجه إليكم بهذا الخطاب ومحافظتنا العزيزة تشهد أحداثا أضرت بمسيرة البناء والتنمية والعلم وأوقفت المصالح العامة والخاصة))!. هل في هذا السياق شيء مما يبعث على السعادة؟!. لست أدري، لكن إحساس المحافظ يبدو مختلفاً، فهو يشعر بالسعادة في غمرة الأحداث العصيبة والملاحقات والضرب والجرح والقتل!.

استهلال الخطاب غير موفق، ليس على سبيل التعبير، ولكن على خلفية التفكير والرؤية للأحداث ومجرياتها وتداعياتها. هذه واحدة، والثانية أنه يشكر لأبناء المحافظة حسن ثقتهم وظنهم منذ تعيينه محافظا لهذه المحافظة المباركة. لكن المعلوم أنه لم يمنحه أحد من أبناء المحافظة ولا حتى أعضاء المجلس المحلي ثقته ولا حسن ظنه، إذ تم تعيينه ولم ينتخَب منهم، لكنه في ما يبدو يستخدم تعبيراً افتراضياً جداً، فيتحدث عن الثقة والظن، ويصف الثقة بأنها حسنة، أي أن أبناء حضرموت منحوه حسن ثقتهم وظنهم منذ تعيينه!. من قال هذا؟!. لست أدري!.

وامتداداً للتعبير الافتراضي يعبر عن تشرفه بأن يكون (( خادماً ووفياً لقضايا المواطنين فيها، والاهتمام بهموم الشباب وفتح الحوار معهم لتلمس متطلباتهم باعتبارهم عماد الحاضر وصناع المستقبل)).

وعلى طريقة النظام النمطية في رشوة الشعب، في لحظات الزنقة، يقول المحافظ الجديد (( وهنا أجدها فرصة مناسبة أن أشير إلى أن مجلس الدفاع الوطني قد وجه يوم أمس بتوزيع ستين ألف وظيفة عمل للشباب على محافظات الجمهورية)).

مجلس الدفاع الوطني، وليس مجلس الوزراء، هو الذي يوجه بالوظيفة العامة!! أليس غريباً؟! ناهيك عن أن هذه الستين الألف وظيفة أين كانت مخبوءة قبل ثورة الشباب، وهل لتحقيقها من سبيل؟ ألا يمكن أن تكون مجرد تلويح في الهواء حتى تمر عاصفة الاحتجاجات؟!.

المحافظ يطمئن إخوانه الشباب في حضرموت بقوله: (( وسأسعى أن أتابع لحضرموت نصيبها من هذه الوظائف التي ستسهم إلى حد كبير في امتصاص البطالة في أوساط الشباب وخاصة خريجي الجامعات والمعاهد المهنية)). طبعاً لم يقل ما هو نصيب حضرموت محافظة النفط والثروة من هذه الستين الألف وظيفة المخصصة للشباب، لكن وزير الخدمة المدنية قال كلاماً عن خصوصية التوظيف في صنعاء وتعز وعدن.

(3)

ثم انتقل الخطاب إلى المسيرات والاعتصامات، فأشار المحافظ إلى دستوريتها من دون أن يفوته تأكيد أنها (( في إطار النهج الديمقراطي الذي اقترن بالوحدة اليمنية المباركة))، ثم أوضح أن هناك توجيهات - لم يحدد مصدرها- بعدم التعرض للمسيرات والاعتصامات، بل ثمة توجيهات بحمايتها، لكنه عبر عما ((يحز في النفس أن تخرج بعض المسيرات عن مسارها وإطارها السلمي وتتخذ منحى لإثارة الفوضى والشغب وتخريب المال العام والخاص المحرم الاعتداء عليه شرعا إلى جانب قذف أفراد الأمن الذين يقومون بحماية هذه المسيرات بالحجارة والهتاف بشعارات تثير الفرقة والكراهية بين أبناء الوطن الواحد وهذا أمر مرفوض مما يضطر رجال الأمن إلى التعامل مع أولئك النفر من المتظاهرين وفقا للنظام والقانون)).

اللافت في هذا القول أنه لم يشر من بعيد ولا من قريب إلى إطلاق الرصاص الحي على المواطنين، أو تصويب خراطيم المياه الساخنة على أجسادهم، أوكربجتهم بالهراوات، واكتفى بقول غير مستحب جريانه على لسان محافظ شاب كالأخ خالدنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة( مما يضطر رجال الأمن إلى التعامل مع أولئك النفر من المتظاهرين وفقا للنظام والقانون)). فهل توجيه الرصاص الحي نحو المواطنين والأطفال يندرج ضمن التعامل وفقاً للنظام والقانون؟!.

بل لعل اللافت أكثر في خطاب المحافظ أنه خلا من الأسف لجرح بعض المتظاهرين أو الترحم على من راحت أنفسهم المحرمة شرعاً ضحية تلك الرصاصات اللئيمة، وآخرهم التلميذ رامي بارميل في فوه القديمة، لكن المحافظ بدا مهتماً كثيراً بالإشارة إلى قذف أفراد الأمن بالحجارة!!.

نحن أيها المحافظ ممن يمشون على أقدامهم في الطرقات، ونشاهد أفراد الأمن المركزي المحمية رؤوسهم بالخوذات والمدججين بالعتاد في حالة استعداد قتالي عالٍ، وكأنهم في الطريق إلى مواجهة العدو الصهيوني، الله أكبر!! ولا نرى إلا شباباً وأطفالاً عزلاً، يستفزهم مشهد الأطقم العسكرية الغريبة، المتربصة بهم بكراهية الشحن (الوحدوي) ضد أبناء المحافظة، فتحدث التفاعلات وردود الأفعال المؤسفة.

(4)

وفي ظل أجواء تغلي فيها أصقاع الوطن من أدناه إلى أقصاه، يكون من التعامي أن يشعر الطلاب بالاستقرار النفسي المساعد على تلقي المعرفة والتحصيل العلمي، لكن المحافظ يخاطب الآباء والأمهات والإخوة والأخوات فيذكرهم بأهمية التعليم البالغة، طالباً أن يحثوا أبناءهم وبناتهم (( على التحصيل العلمي وإبعادهم عن السياسة والزج بهم في المماحكات والتجاذبات السياسية من خلال دفعهم نحو المسيرات والاعتصامات وأعمال الشغب والتخريب للمال العام والخاص وقطع الطريق وغيرها من الأساليب التي لا يليق بطلاب العلم والمعرفة الانجرار وراءها وترك مقاعد الدراسة التي هي مستقبلهم ومستقبل وطنهم وأمتهم)).

ليس هناك أدنى شك في أن التعليم هو إستراتيجية التنمية والمستقبل لأي أمة حية، لكن المحافظ يتعامى عن معطيات اللحظة، وأن السلطة المحلية والإدارة التربوية لم تثبتا قدرة على تأمين شروط الدراسة الآمنة. أقول هذا من واقع التجربة بوصفي رئيساً لأحد مجالس الآباء، ففي أحد الطوابير الصباحية حاولنا- مخلصين- في مجلس الآباء أن نعين الإدارة المدرسية على انتظام الطلاب في صفوفهم، فقلنا لهم كلاماً أبلغ، ربما، مما قاله المحافظ وأكثر شفافيةً منه، لكن الاستماع إلى آراء الطلاب كشف لنا عن وعيهم باللحظة والواقع، مع حرصهم الأكيد على أفضل تحصيل، غير أن تأمين شروط الدراسة الآمنة - وهو ليس مسؤولية أولى لمجالس الآباء والأمهات أو الطلاب ولا حتى الإدارات المدرسية- هو العائق الرئيس والحائل دون تلقي المعرفة في بيئة سليمة، بعد إن تجاوزت مطالبهم الجغرافيا المدرسية، كما لعلكم تعلمون!.

(5)

ثم يختم المحافظ خطابه الإذاعي المهم بقولهنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة( إننا على ثقة من أن مواطني حضرموت سيظلون دائما عند مستوى المسؤولية لتظل محافظتنا نموذجية في التعبير عن الرأي بالطرق السلمية والحفاظ على الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي لكي نتفرغ لحل قضايا المواطنين والسير لتحقيق المزيد من الانجازات لتحسين البنية التحتية لأنه لن يتأتى ذلك إلا في ظل الاستقرار ولا يمكن للإنسان أن يفكر بطريقة سليمة إلا إذا كان يعيش في أجواء آمنة وهادئة)).

في هذا الختام مفارقة تذكرنا بمفارقة الاستهلال، فالمحافظ على ثقة من أن مواطني حضرموت على ما وصفهم، وهم كذلك بلا أدنى شك، لكنه يقيم بعد ذلك حالة افتراضية فيها شيء من الشيزوفرينيا السياسية- إن جاز التعبير- أو البراغماتية الذاتية، فهو معني بتأكيد نموذجية حضرموت ((في التعبير عن الرأي بالطرق السلمية والحفاظ على الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي))، لكنه لا يؤكد ذلك إلا ليخلص إلى أنهم بعد توكيد تلك النموذجية، سيهيئون له الجو لكي يتفرغ - كما قال- لحل قضايا المواطنين والسير لتحقيق المزيد من الانجازات لتحسين البنية التحتية لأنه لن يتأتى ذلك إلا في ظل الاستقرار ولا يمكن للإنسان أن يفكر بطريقة سليمة إلا إذا كان يعيش في أجواء آمنة وهادئة.

ألا يسمع الأخ خالد هتافات أولئك الحضارمة المعبرين عن الرأي؟ ألم يصل إلى سمعه أنهم يرددون: ((الشعب يريد إسقاط النظام)) ويهتفون ضد الرئيس (( إرحل))؟ أولم يصل إلى سمعه منذ سنوات هتافات عالية من مثلنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة( ثورة ثورة يا جنوب))...إلخ؟!.ثم ألا يعلم أننا في عصر ثورة المعلومات والتكنولوجيا والعالم القرية؟

الخطاب موجّه إلى جمهور افتراضي كما يبدو، لأنه وهو يصف جمهور مخاطبيه بأبناء حضرموت كافة، فهو يخرج من تلك (الكافّية)، كل المحتجين في الشوارع والساحات شباباً وكهولاً ونساءً وشيوخاً وطلاباً وأطفالاً، ولا يبقي سوى أفراد ذلك الجزء الذي مازال يرى في نظام حزب الحاكم خيمته الأخيرة، الثابت منهم والمتململ. فإلى من توجه خطابك أخي العزيز خالد حفظك الله ورعاك؟!.

(6)

أُصدقك القول أخي العزيز، ولست ممن يبيعون الكلام: إن لغة الرصاص التي تحاور بها أطقم الأمن أبناء حضرموت في هذه اللحظة التي أدوّن فيها هذه السطور عند العاشرة مساءً، كما هي يومياً، صباح مساء في الأزقة والأحياء، ليست مما يسهّل مهمتك، وأنت كما نعلم رئيس اللجنة الأمنية، فأبحثْ عن أساليب جديدة في التعامل مع مسيرات حضرموت واعتصاماتها، مادمت((على ثقة من أن مواطني حضرموت سيظلون دائما عند مستوى المسؤولية لتظل محافظتنا نموذجية في التعبير عن الرأي بالطرق السلمية والحفاظ على الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي))؛ لأن ما يصلح استخدامه في غير حضرموت ربما لا يصلح فيها، لخصوصية أنت تدركها لأنك من أبنائها. فهل تستطيع، في هذه اللحظة الاستثنائية بالذات، أن تكون محافظاً يحافظ على حضرموت بما تعنيه الكلمة، ورئيساً للجنة أمنها وأمانها؟.

حضرموت التي تعرفها، يا خالد، محافظة مدنية سلمية، فكُنْ لها بمنطقها هي، لا بمنطق غيرها، يكُنْ لك أهلها آباءً وأمهات وإخوة وأخوات كما خاطبتهم افتراضياً عبر الإذاعة.أما سوى ذلك فيبدو لي لعباً في الوقت الضائع، وسياسة في غير سياقها، والله المستعان على ما تصفون.
التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح