الموضوع: شرك الدعاء
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-12-2002, 11:42 PM   #3
حسن البار
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية حسن البار

افتراضي

الجزء الثاني من (( مشروعية التوسل في الاسلام ))

اننا نعتقد اعتقادا جازما ان الاستعانة والاستغاثة والطلب والنداء لله سبحانه وتعالى ، فمن استعان بمخلوق او استغاث به او سأله سواء أكان حيا او ميتا معتقدا انه ينفع او يضر بنفسه دون الله فقد أشرك ..
لكن الله أجاز للخلق ان يستعين بعضهم ببعض وان يستغيث ببعضهم ببعض ، والاحاديث على هذا كثيرة جدا كلها تدل على اغاثة الملهوف واعانة المحتاج وتفريج الكربات . والنبي صلى الله عليه وسلم أعظم من يستغاث به الى الله سبحانه وتعالى في كشف الكربات وقضاء الحاجات . فأي شدة اكبر من شدة يوم القيامة فان الناس يستغيثون الى الله بخيرة خلقه .
فان قائل قائل : ان الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم انما تصح في حياته ، اما بعد موته فهو كفر وربما تسامح فقال ( غير مشروع ) أو ( لا يجوز ) .
فنقول : ان الاستغاثة والتوسل ان كان المصحح لطلبها هو الحياة فالانبياء أحياء في قبورهم وغيرهم من عباد الله المرضيين . ولو لم يكن من دليل على صحة التوسل به بعد وفاته الا قياسه على التوسل به في حياته لكفى فانه حي في الدارين دائم العناية بامته ، متصرف باذن الله في شؤونها خبير باحوالها تعرض عليه صلوات المصليين عليه من أمته ويبلغه سلامهم على كثرتهم ..
أما دعوى أن الميت لا يقدر على شئ فهي باطلة لثبوت حياة الارواح وبقائها بعد مفارقة الاجسام وقد نادى النبي صلى الله عليه وسلم قتلى المشركين يوم بدر :
(( يا عمرو بن هشام وياعتبة بن ربيعه الى آخر كلامه عليه الصلات والسلام )) فقيل له : ( ما ذلك ) فقال : (( ما أنتم باسمع لما اقول منهم )) .ومن ذلك تسليمه على القبور بقوله (( السلام عليكم يا اهل الديار )) وعذاب القبر ونعيمه ، واثبات المجئ والذهاب للارواح ..
ولنقتصر هنا على هذا السؤال :
أيعتقدون ان الشهداء أحياء عند ربهم كما نطق بذلك القرآن أم ؟؟ فأن لم يعتقدوا فلا كلام لنا معهم لانهم كذبوا القرآن حيث يقول ( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله اموات بل احياء ولكن لا تشعرون ) , ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون ) .
وان اعتقدوا ذلك فنقول لهم : ان الانبياء وكثيرا من صالحي المسلمين الذين ليسوا بشهداء كأكابر الصحابة أفضل من الشهداء بلا شك ولا مرية فاذا ثبتت الحياة للشهداء فثبوتها لمن هو أفضل منهم أولى ، لان حياة الانبياء مصرح بها في الاحاديث الصحيحة .

فاذن نقول حيث ثبتت حياة الارواح بالادلة القطعية فلا يسعنا الا اثبات خصائصها فان ثبوت الملزوم يوجب ثبوت اللازم كما ان نفي اللازم يوجب نفي الملزوم كما هو معروف .
واي مانع عقلا من الاستعانة الى الله بها والاستمداد منها كما يستعين الرجل بالملائكة في قضاء حوائجه او كما يستعين الرجل بالرجل ( وانت بالروح لا بالجسم انسان ) .
واما دعوى : ( ان الناس يطلبون من الانبياء والصالحين الميتين ما لا يقدر عليه الا الله وذلك الطلب شرك ) .
والجواب : ان هذا سوء فهم لما عليه المسلمون فان الناس انما يطلبون منهم ان يتسببوا عند ربهم في قضاء ما طلبوه من الله عز وجل بان يخلقه سبحانه بسبب تشفعهم ودعائهم وتوجههم كما صح ذلك في الضرير وغيره ممن جاء طالبا مستغيثا متوسلا به الى الله وقد أجابهم الى طلبهم وحقق مرادهم باذن الله ولم يقل عليه الصلاة والسلام لواحد منهم : اشركت ، وهكذا كلما طلب منه أحد من خوارق العادات كشفاء الداء العضال بلا دواء وانزال المطر من السماء حين الحاجة اليه ولا سحاب ، ونبع الماء من الاصابع ، وتكثير الطعام وغير ذلك مما لا يدخل تحت قدرة البشر عادة وكان يجيب اليه ولا يقول عليه الصلاة والسلام لهم : انكم اشركتم فجددوا اسلامكم فانكم طلبتم مني ما لا يقدر عليه الا الله .
أفيكون هؤلاء أعلم بالتوحيد من رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه ، هذا ما لايتصوره جاهل فضلا عن عالم .

وحكى القرآن الكريم قول نبي الله سليمان ( ياأيها الملأ ايكم يأتيني بعرشها قبل ان ياتوني مسلمين ) فهو يطلب منهم الاتيان بالعرش العظيم من اليمن الى الشام ، وهذا مما لا يقدر عليه الا الله وليس داخلا تحت مقدور الانس ولا الجن عادة ، وقد طلبه سليمان من اهل مجلسه وقال ذلك الصديق له : أنا افعل ذلك ، أفكفر نبي الله سليمان بذلك الطلب وأشرك ولي الله بهذا الجواب حاشاهما من ذلك .. وانما اسناد الفعل في الكلامين على طريقة المجاز العقلي وهو سائغ بل شائع ..
فالقائل يا نبي الله اشفني أو اقض ديني فانما يريد اشفع لي في الشفاء وادع لي بقضاء ديني وتوجه الى الله في شأني .
وهذا هو الذي نعتقده فيمن قال ذلك وندين الله على هذا فالاسناد في كلام الناس من المجاز العقلي الذي لا خطر فيه على من نطق به ، كقوله سبحانه وتعالى (( سبحان الذي خلق الازواج كلها مما تنبت الارض )) وقوله عليه الصلاة والسلام ( ان مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم ) .

موقف محمد بن عبدالوهاب من الالفاظ التي زعم بها البعض انها شرك وضلال ...
استمع الى قوله ضمن رسالته الى عبدالله بن سحيم :
اذا تبين هذا فالمسائل التي شنع بها منها : ما هو من البهتان الظاهر وهي قوله :
اني مبطل كتب المذاهب ، وقوله : اني اقول : ان الناس من ستمائة سنه ليسو على شئ وقوله : اني ادعي الاجتهاد وقوله : اني اقول : ان اختلاف العلماء نقمة ، وقوله : اني اكفر من توسل بالصالحين ، وقوله : اني اكفر البوصيري لقوله : يا أكرم الخلق ، وقوله : اني اقول لو اقدر على هدم حجرة الرسول لهدمتها ، ولو اقدر على الكعبة لاخذت ميزابها وجعلت لها ميزابا من خشب ، قوله : اني انكر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله اني انكر زيارة قبر الوالدين وغيرهم ، وقوله اني اكفر من يحلف بغير الله ،، فجوابي فيها ان اقول ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) ، ولكن قبله من بهت محمدا صلى الله عليه وسلم انه يسب عيسى بن مريم ويسب الصالحين ، ( تشابهت قلوبهم ) .
كذا في الرسالة الحادية عشرة من رسائل الشيخ ضمن مجموعة مؤلفاته القسم الخامس ص 61 .. وقد نشرتها جامعة محمد بن سعود الاسلامية ..

الخلاصة :
أنه لا يكفر المستغيث الا اذا اعتقد الخلق والايجاد لغير الله تعالى ، والتفرقة بين الاحياء والاموات لا معنى لها ، فانه ان اعتقد الايجاد لغير الله كفر ، وان اعتقد التسبب والاكتساب لم يكفر .
وانت تعلم ان غاية ما يعتقده الناس في الاموات هو انهم متسببون ومكتسبون كالأحياء لا انهم خالقون موجدون كالإله اذ لا يعقل ان يعتقد فيهم الناس أكثر من الاحياء وهم لا يعتقدون في الاحياء الا الكسب والتسبب / ويثبتها للميت على سبيل التأثير الذاتي والايجاد الحقيقي فانه لا شك ان هذا مما لا يعقل .
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : (( ان اعمالكم تعرض علي اقاربكم من الاموات فان كان خيرا استبشروا به وان كان غير ذلك قالوا : اللهم لا تمتهم حتى تهديهم الى ما هديتنا )) اخرجه أحمد وله طرق يشد بعضها بعضا ، انظر الفتح الرباني ج7 ص89 وشرح الصدور للسيوطي .
وجاء عن ابن المبارك بسنده الى ابي ايوب قال : تعرض اعمال الاحياء على الموتى ، فاذا رأوا حسنا فرحوا واستبشروا ، وان رأوا سوءا قالو : اللهم راجع بهم ( انظر كتاب الروح لابن القيم ) ..
التوقيع :
الناس في الدنيا معادن
  رد مع اقتباس