عرض مشاركة واحدة
قديم 04-11-2011, 09:01 AM   #2
من السادة
مشرف سقيفة المناسبات
 
الصورة الرمزية من السادة

افتراضي مغامرات داعية يوميات في أدغال نيجيريا

خرجنا من المطار وكان في استقبالنا سيارتان فيها عدد من الدعاة لكنهم كانوا يتكلمون مع زوجي بالإنجليزية ولا يجيدون العربية، ثم انطلقنا ودخلنا شوارع لاغوس فرأيت عالماً غريباً، فتحت عيني بكل قوة لأنظر إلى عالم مختلف جذرياً عما تعودت عليه، وكنت أشير لزوجي كلما رأيت شيئاً غريباً، وكذلك كان يفعل، أدركت كم هو ممتع التعرف على العالم من حولنا، كم هو جميل أن تكسر (الروتين) الذي تعودت عليه لترى ما لم تر عينك من قبل من العجائب والغرائب.

نزلنا وكانت السماء ملبدة بالغيوم والجو لطيفاً فقلت في نفسي: (الله يرحم حالنا في تنور الرياض وسمومه الحارق).

سارت بنا السيارة إلى مسجد ليس بالبعيد من لاغوس فوجدنا جمعاً من الدعاة الأفاضل في استقبالنا ومعهم إحدى الداعيات لاستقبالي – وكانت تلك المرأة تجيد العربية بطلاقة – وهذا من حسن أخلاقهم وجميل أدبهم.

دخلنا إلى مصلى النساء فأصرت عليّ الأخت الداعية أن أصلي بها جماعة فصليت بها وأدينا الصلاة جمعاً وقصراً في المسجد ثم انطلقنا إلى مقرنا فمررنا بمدينة (إيبادان) وتوقفنا فيها قليلاً، وهي أكبر المدن الإفريقية في غرب إفريقيا حيث يزيد سكانها على عشرة ملايين نسمة بل قد يصل إلى خمسة عشر مليون – يعني باختصار حارة من حاراتها تساوي عدد سكان بعض الدول- توقفنا فيها لصرف النقود وشراء بعض الحاجيات لأن القرية قد لا نجد فيها بعض الضروريات مثل المكرونة والشطة التي تعودنا عليها.. مدينة غريبة يصعب وصفها لكن باختصار هي مدينة الرياض قبل خمسين سنة لكن وسط طبيعة خلابة ساحرة وأدغال كثيفة، كانت الأغنام مختلطة في الشوارع مع البشر، ولا تدري هل الشارع ممر أغنام أم طريق سيارات؟.. حتى أغنامهم كانت غريبة فهي صغيرة جداً وقصيرة وتزاحم السيارات لكنها محترفة في تفادي الاصطدام بالسيارات لخبرتها الطويلة والتي كانت مثار إعجابي بها! مما يدل أنها تعمل عقولها أكثر من بعض الناس.

صرف زوجي مبلغ أربعمائة دولار مبدئياً كمصروف يومين أو ثلاثة فيما كنا نظن، ولكن لم يخطر ببالنا أنه سيكفي لمدة الإقامة كلها بل ويبقى أكثر من نصفه، حيث بلغ المبلغ سبعة وخمسين ألف نيرة وهو مبلغ كبير يكفي لشراء عشرة هكتارات زراعية أي أكثر من مائة ألف متر مربع، باختصار شراء حي كامل هناك في ضواحي المدن المتوسطة، والمصيبة أن المبلغ كبير إلى درجة أنه إذا وضع في (كيسة) لا يتسع الجيب العادي لإخفائه وحمله، وذكرني ذلك بصورة كنت رأيتها لنقود ألمانيا حينما هزمت وفرضت عليها غرامة تكاليف الحرب فانخفضت عملتها إلى درجة أن شراء بعض الخبز يتطلب حمل سلة كبيرة مملوءة بالنقود يحملها شخصان.

توجهنا من (إيبادان) إلى مدينة (إيوو) مقر إقامتنا ومكان إقامة الملتقى الدعوي، وفي الطريق كنت أتبادل مع زوجي كلمات الإعجاب بالطبيعة الساحرة والمناظر الخلابة التي كانت في الطريق الذي يشق الأدغال والمزارع بصورة جميلة بشكل يجعل المسافر لا يمل من السفر بل يستمتع بالسفر فيها، فالأشجار والأنهار والعشب والزروع والثمار وغيرها تتكلم بلغة لا يفهمها إلا من رآها، وتجعلك تعجز عن الكلام وتقول سبحان الخالق، وهذا هو الفرق بين إفريقيا وبلاد الغرب فإفريقيا: الطبيعة على حالها بدون تدخل الإنسان إما في الغرب والشرق فقد شوه الإنسان الطبيعة الخلابة، هناك حيث الأدغال والغابات الطبيعية التي لا تستطيع المشي فيها من كثافتها وتشابكها وكثرة أغصانها وأشجارها.

أردنا الحصول على بعض المشروبات الغازية فاكتشفنا أنها عملية معقدة وصعبة حيث لا توجد المشروبات التي تعودنا عليها وتحرّج الإخوة معنا كثيراً لأنهم لم يجدوا من يبيعها بسهولة ثم عثروا على أشياء تشبه المشروبات فأخذناها مجاملة ونسينا أمر المشروبات إلى أجل غير مسمى، ثم بعد عدة أيام عثرنا على بعضها ففرحنا بها.

في الطريق – (وكالعادة ناس ما شافوا خير)- كنا نصور كل شيء كالمجانين، ومن فرط اللقافة صورنا رجال الشرطة الذين كانوا يستوقفون الناس في الطريق فغضب الشرطي وأوقفنا – ثم تكلم معه الإخوة وبعد فترة هداه الله وفك أسرنا وعلمنا فيما بعد السبب حيث أن (كاميرتنا) الفضولية صورتهم وهم يستلمون الرشوة من سيارات الأجرة كما هي عادة الشرطة هناك فظن أننا نريد إيذاءه.

في إيوو مدينة العلماء
وصلنا مدينة إيوو التي تشتهر بأنها مدينة العلماء والدعاة والمحجبات لكثرتهم فيها وانتشار النشاط الدعوي بقوة وظهور التيار السلفي هناك على يد الشيخ المجدد عبد الباقي محمد ذي التسعين خريفاً أمد الله في عمره وأحسن خاتمته، وكان الإخوة والدعاة في استقبالنا أيضاً، وكانوا قد رتبوا لنا دوراً كاملاً في منزل الدكتور سراج الدين بلال الأسرع حفظه الله، حيث أن الفنادق هناك خمسة نجوم تحت الصفر ولا تليق بمقام الضيوف في نظرهم وفيها خمور وعربدة ومخاطر السرقة فكان البيت هنا أحسن وأكثر أمناً وفيه حراسة من باب الاحتياط فقط ، كما يسكن الدكتور وأهله وعدد من الدعاة في الدور الأرضي، وكان مكاناً مناسباً ونظيفاً، لكن الترف الذي اعتدناه لم يتقبل بعض مظاهر البساطة التي كانت عندهم، حيث لم يصل الماء للمسكن بعد فيضطرون لجلب الماء ووضعه في براميل، وهذا يعني أنه لا توجد حنفيات ولا صنابير ماء.. يا إلهي، في البداية صدمت وقلت كيف؟: يعني نغرف الماء؟! ولا يوجد مكيف! نعم الهواء عليل لكن داخل البيت يحتاج إلى مكيف نظراً لطبيعة الجو الاستوائي، ثم قالوا توجد مروحة ففرحنا بها قلنا (تمشي الحال)، ثم صدمنا حين انقطع التيار الكهربائي علينا فجأة فعلمنا أنّ مشكلة الكهرباء من المشاكل العويصة عندهم، لكن كم هو غني من يوجد عنده مولد احتياطي يعمل عند الحاجة، وهو ما حصل لنا ذلك اليوم حيث عمل المولد وسارت الأمور لكن ليس على ما يرام.

مشكلة الكهرباء هذه أوقعتنا في مشاكل كثيرة، منها أنها أحرقت الأجهزة التي وضعها لنا المضيف من مسجل وفيديو وتلفزيون وغيرها فاضطررنا إلى الاستغناء عنها إلى نهاية الرحلة، وكنا نستمتع ببعض برامجهم وأفلامهم المفيدة لكن حرمنا منها بسبب الكهرباء.
التوقيع :
كلما تعلقت بغير الله أذاقك الله الذل على يديه لا ليعذبك ولا ليحرمك __بل رحمة منه لتعود إليه__
أخيكم المحب في الله
  رد مع اقتباس