عرض مشاركة واحدة
قديم 10-31-2009, 12:54 AM   #2
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي


ما يمكن أن تعلمنا إياه سفينة الذخائر الصينية

محمد العلائي
[email protected]


قبل بضعة أسابيع، أذاعت قناة روسيا اليوم خبراً مقتضباً: سفينة محملة بأسلحة صينية يرجح أنها تخص فارس مناع، ترسو في ميناء الحديدة. من شبه المؤكد أن مصدر المعلومة استخباراتي محض. وأظنني في غنى عن القول بأن اليمن زبون دائم لدى متجر السلاح الروسي العتيق. ناهيك عن أن الأمور المتعلقة بالسلاح- أسواقه وممراته، وصفقاته- هي من أكثر الحقول التي تنشط فيها أجهزة الاستخبارات العابرة للحدود. وفوق كل شيء، هو أن اجتذاب السواحل اليمنية لاهتمام القوى الدولية على خلفية القرصنة البحرية، جعل منها موضع رقابة مشددة وتمحيص لا حدود له، كما تلك المخاوف التي ما برح الاضطراب اليمني يؤججها في المحيط الإقليمي.

أثار الخبر زوبعة خفيفة في البدء. لكن الزوبعة ما لبثت أن تعاظمت وصارت عاصفة. فالمعلومات الأولية كانت تشير إلى أن صفقة السلاح تم إبرامها في الصين بوثائق من وزارة الدفاع اليمنية عبر سمسار أسلحة لم يكشف عنه حينها. وفيما أدركت الحكومة أنها في ورطة، سارعت إلى إعلان قائمة سوداء تضم أبرز تجار الأسلحة، ويتصدرها كل من فارس مناع، وعبدالله بن معيلي، وجرمان محمد جرمان، وأحمد عوض أبو مسكة، وحسين أحمد الحثيلي، وعبدالله مبارك الصغير، وعلي ضيف الله السوادي.

باشرت الحكومة معالجة الأمر إعلاميا، كما يحلو لها أن تفعل. فبالموازاة مع إشهار قائمة تجار السلاح، اعترفت بالسفينة الصينية إنما على طريقتها، هكذا: "الأجهزة المختصة أحبطت إدخال شحنة ذخائر حاول تجار أسلحة استيرادها من الصين بوثائق رسمية مزورة"، وأن التحقيقات الأمنية جارية مع المتورطين في العملية تمهيدا لمحاكمتهم، لافتة إلى أنها رفضت كل الوساطات التي حاولت تمرير الصفقة. لا شيء أسهل من هز الكتفين المصاحب للنفي: أجل، ثمة شحنة سلاح في ميناء الحديدة، وتمت بوثائق رسمية، لكنها وثائق مزورة طبعا. كيف يمكن لأحدنا إثبات العكس؟

أثيرت القضية في مجلس النواب. وطلب النواب مثول وزير الدفاع أمامهم. ذلك أن المسألة أخطر من أن يتغاضى عنها أحد. فالجيش يخوض حربا لا هوادة فيها ضد متمردين طوروا ترسانة فتاكة. وإذ اعتذر وزير الدفاع عن حضور الجلسة، نظرا لانشغاله بمقارعة الحوثيين، فقد مثل بدلا عنه رشاد العليمي نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن. تفاجأ النواب بالعليمي وهو ينفي أن تكون السفينة قد رست في ميناء الحديدة. لقد قال العليمي: " كل ما في الأمر هو أن إحدى الشركات الملاحية أبلغت وزارة الدفاع بأن هناك سفينة محملة بالسلاح والذخيرة تحمل وثائقها". لكنه طمأنهم بأن الحكومة أصدرت تعميما لكافة الوحدات الأمنية والعسكرية البحرية والبرية، "ورفعت درجة الاستعداد لمواجهة نزول شحنة الأسلحة في الميناء". وبالغ في تسليتهم بأن "السفينة تخضع للرقابة الدولية من كافة القواعد والأساطيل العالمية الموجودة في البحر العربي، وليس الرقابة اليمنية فحسب".

كانت مداخلات النواب واستفساراتهم تعكس تعطشهم للحقيقة. كانت جريئة وقاسية. فالنائب الهجري قال إن السفينة جاءت لتقتل اليمنيين وأن رسوها في ميناء الحديدة هو بمثابة "عمل إرهابي". واعتبر الهجري أن أخطر ما في هذه "السفينة الإرهابية" هو أنها جاءت باسم وزارة الدفاع، متهما الحكومة بالتورط في شراكة مع مستوردي الصفقة، وأن انكشافها نجم عن خلاف بين الطرفين على نسبة كل منهما.

النائب علي عبدربه القاضي لم يستسغ حكاية تزوير الوثائق. وربما كان أكثر من يعرف كم أن الوثائق حقيقية. لهذا فقد ألصق بوزارة الدفاع تهمة تهريب الأسلحة والمتاجرة مع شركائها منذ 20 سنة. ولم يخف النائب صخر الوجيه قلقه من أن تبحر السفينة إلى ميناء فرعي لتفرغ حمولتها وتنقل للحوثيين، مطالبا بالإفصاح عن اسم الشخص الذي عقد الصفقة. وتبدى رئيس كتلة المؤتمر شخصاً لا يفتقر إلى الجسارة. فسلطان البركاني من أشد النواب مناهضة للأسلحة. لقد انتقد التعامل "البارد" من قبل وزارة الدفاع مع قضية بحجم تزوير وثائق. وقال إنه كان "يفترض ألا يناموا حتى يتعرفوا على الشخص الذي زور باسمهم".

الرواية الرسمية حاولت إصلاح ما لا يمكن إصلاحه. وكان لا بد من ظهور الطرف المعني الآخر ليقول ما لم يقال. وقد كان. فلسوف نقرأ في موقع "مأرب برس" الخبر التالي: "طالب وكيل إحدى الشركات الصينية المتخصصة في صناعة الأسلحة من وزارة الدفاع سرعة إفراغ السفينة المرابطة حاليا في ميناء الحديدة من حمولتها بأسرع وقت. وكشف وكيل الشركة الصينية أن شحنة السلاح المتواجدة حاليا في ميناء الحديدة هي صينية الصنع وليست روسية، نافيا الخبر الذي أوردته قناة روسيا اليوم التي نسبت ملكية صفقة السلاح لتاجر السلاح المعروف فارس مناع . وأضاف الوكيل أن وزارة الدفاع رفضت تفريغ شحنة السلاح بحجة أن الصفقة تأخرت عن موعدها، مؤكدا أن التأخير آت من المصنع ولم يكن له كوكيل أي دور في ذلك التأخير".

في الخبر إياه، سنجد هذا السمسار يجأر بالشكوى من أن تأخر إفراغ الشحنة يكبده خسائر كبيرة. لكنها شكوى القوي الذي لا يقبل الضيم. إليكم كيف ختم شكواه: " لقد عدنا إلى احتجاجنا في منطقة قرب صافر وذلك لمطالبة وزارة الدفاع بأن تلتزم بشراء الصفقة وتفريغ الشحنة فورا". هل انتهت القصة هنا؟ كلا، فنحن سنعرف عن طريق "مأرب برس" أيضا، أن اسم تاجر الأسلحة هذا هو الشيخ هادي مثنى، أحد المدرجين في قائمة الحكومة، والذي يزعم أنه الوكيل الحصري لشركة سلاح صينية عملاقة.

إلى جانب مثنى، ستكشف تفاعلات القضية عن تاجر سلاح آخر ذي صله بالأمر: الشيخ عبدالله بن معيلي. ففي يوم الأحد اتهمت مصادر محلية في محافظة مأرب "نافذين في المحافظة" بالتقطع لناقلات الغاز على خط صافر صنعاء. وقالت المصادر في رسالة إليكترونية: "أن أزمة الغاز الراهنة التي يشكو منها المواطنون حاليا، هي بسبب قيام كل من تاجري السلاح عبدالله بن معيلي عضو مجلس النواب، وهادي مثنى، وبدعم من كل من حمد بن جلال عضو مجلس الشورى، ومحمد الأمير من أشراف مأرب بالتقطع على طريق مأرب صافر ". وفسرت هذا التصرف بأنه نوع من الضغط يمارسه هؤلاء الأشخاص "على الدولة للتراجع عن قراراها بعدم السماح بإدخال باخرة الذخائر الصينية، التي قاموا باستيرادها من الصين بوثائق مزورة باسم وزارة الدفاع ".

الشاهد هو أن السفينة، التي لا يزال مصيرها يلفه الغموض، أيقظت الشكوك والخوف لدى القاصي والداني. إذ لطالما كان ملف السلاح أحد أشد الملفات اليمنية تعقيدا. وليس اليمنيون فقط هم المعنيين بهذه الأمر، بل إنه مدعاة لقلق دول الجوار، لا سيما السعودية، بأكثر مما نتصور. ولما كان لها أن تثير كل هذا الكم من الأسئلة وردود الفعل، لو لم تكن نار صعدة في لحظات الذروة.

والسؤال هو: ما الذي يمكن لهذه الصفقة أن تعلمنا إياه؟
الحوثي لا يجد غضاضة من التبجح بأن مصدر سلاحه الأساسي هو الجيش. وهو يعرف أن بمقدوره عقد صفقات ضخمة بالطريقة نفسها التي يحصل بها الجيش على السلاح. ولا يحق لأحد أن يتفاجأ لو خرج طارق الفضلي ليتباهى على غرار يحيى الحوثي قبل أسبوع في البي بي سي، حينما قال: "الحمد لله والشكر لله، الخير واجد، معنا دبابات، وكل سلاحنا من السلطة".
إن هذه النيران مثلما هي موجهة إلى نحر النظام الحاكم، هي قبل ذلك تصيب البلد في مقتل. صحيح، يا لها من فكرة رائعة، فالرئيس، يتولى تخليص اليمن من نفسه، وذلك بمنح مناوئيه الذخيرة اللازمة لقتله، لكن هذه الذخيرة تصيب اليمن بينما هي في طريقها إليه.

الأعاصير مفيدة أحيانا. فهي تدمر بقدر ما تهتك أسرار حتى أكثر الأشياء احتشاماً.
التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح
  رد مع اقتباس