عرض مشاركة واحدة
قديم 07-24-2006, 10:47 PM   #1
( masterkey )
حال نشيط
 
الصورة الرمزية ( masterkey )

افتراضي إبن تيمية مع اليهود والنصارى


في الحوار الأول مع إبن تيمية رحمه الله .. تطرقنا لحديث أنس رضي الله عنه الوارد في صحيح البخاري بخصوص إستسقاء عمر بالعباس رضي الله عنهما .. وأظهرنا كيف حاول إبن تيمية أن يقول بأن عمر إستسقى بدعاء العباس .. بينما الصحيح هو ان عمر لم يستسق بدعاء العباس .. بل إستسقى بشخص العباس ..ومن يريد الإستزادة في ذلك فليرجع لموضوعنا : حوار مع إبن تيمية (1) وما عليه من تعقيبات لبعض الاخوة المشاركين ..

وهنا سنجري حواراً آخر مع إبن تيمية ..

في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم صفحة 282 بعد أن ذكر إبن تيمية رحمه الله كثيرا من روايات حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ( لعن الله اليهود والنصارى . إتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) رواه مسلم .. سنأخذ هنا رواية مسلم لهذا الحديث .. ونجري حوارا مع إبن تيمية حولها .. فأقول :

هذا الحديث وبهذه الرواية لايصح إطلاقاً لعدة أسباب منها :
كما هو معلوم بأنه : هناك أحاديث قد يصح سندها وهي معتلة المتن وهناك أحاديث ضعيفةالإسناد صحيحة المتن .. وهذا يعلمه من له إهتمامات بذلك .. وللتوضيح أقول :
لقد وردت في الصحيحين وغيرهما من هذا النوع من الأحاديث .. فلا يعني بأنه إذا ورد حديث في البخاري أو مسلم أو غيرهما بأن ذلك الحديث قد صح سندا ومتناً .. ولنضرب مثالاً على ذلك :

أمر الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إبنه عبدالله بالضرب على أحاديث .. منها حديث ( يهلك أمتي هذا الحي من قريش قالوا ما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : لو أن الناس اعتزلوهم .) إلا أننا لاحظنا أن بعضا من هذه الأحاديث التي أمر بالضرب عليها الإمام أحمد قد خرجهما الشيخان .
قال عبد اللّه بن الإمام أحمد في المسند (2/301) عقب الحديث الذي ذكرناه :
( قال أبي في مرضه الذي مات فيه : اضرب على هذا الحديث فإنه خلاف الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله يعني قوله: اسمعوا وأطيعوا ) .

فالحديث الذي دندن عليه إبن تيمية ( لعن الله اليهود والنصارى . إتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) رواه مسلم .. هذا الحديث لايصح إطلاقاً ولو رواه من رواه .. لأن متن الحديث هذا يصادم القرآن الكريم مصادمة صريحة ويخالف كل ماقاله القرآن الكريم .. ومعلوم ان حديث رسول الله الصحيح لايصادم القرآن الكريم .. ولو قبلنا مثل هذه أحاديث لأصبح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يناقض ويصادم القرآن الكريم وحاشا رسول الله أن يصادم القرآن الكريم في كل ماقاله صلى الله عليه وسلم .. فعلينا أن نرد هذا الحديث وننزه رسول الله صلى الله عليه وسلم من مصادمة القرآن الكريم .. لأنه أحق بالتنزيه من رواة الحديث .. فهو صلى الله عليه وسلم المعصوم .. وهم لاعصمة لهم ..
( وعلى أقل تقدير يجب أن نحمل الحديث على غير هذا المعنى والتأويل ) ..

فنص الحديث يظهر بأن اليهود والنصارى إتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .. ومعنى ذلك : أنهم عظّموا وقدسوا الأنبياء وبالغوا في تعظيمهم حتى إتخذوا قبورهم مساجد .. بينما القرآن الكريم يثبت عكس ذلك تماماً .. فالقرآن يثبت بأن اليهود إستخفوا بالأنبياء والرسل بل كذبوهم وقتلوهم وكانوا يؤذونهم .. قال تعالى:
( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) (البقرة:87) ..
وقال تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (البقرة:91)
وقال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (الصف:5) ..

فهذه الآيات الكريمة تنطق وتشهد بإستخفاف اليهود بالأنبياء .. وقتلهم لأنبيائهم وتكذيبهم لهم .. وإبن تيمية رحمه الله يحاول أن يستميت لنصرة قوله في النهي على البناء فوق القبور ويستدل بهذا الحديث .. ولو سألنا إبن تيمية رحمه الله :

لماذا إتخذ اليهود والنصارى قبور أنبيائهم مساجد .. هل هم إتخذوها مساجد لأنهم بالغوا في تعظيمهم ؟؟ قد يقول إبن تيمية لا بل هم إستخفوا بهم وقتلوهم .. فنقول له : من يستخف بأحد ويكذّبه بل يقتله هل يعظمه ويبالغ في تعظيمه لدرجة أنه يبني على قبره مسجداً ؟؟ ماذا سيكون جواب إبن تيمية ؟؟

ثم اننا نطالب الشيخ إبن تيمية أن يدلّنا على قبر نبي واحد من أنبيائهم .. فهذا موسى عليه السلام وهو أعظم أنبياء بني إسرائيل أين قبره ؟؟ وأين المسجد الذي إتخذه اليهود على القبر .. فإلى اليوم لم نسمع ولم نعلم بأن اليهود إتخذوا قبر نبيا واحدا من أنبيائهم مسجدا .. فأين هذه المساجد أو الأبنية و أين كانوا يسجدون ؟؟ فإن قال إبن تيمية إتخذوها مساجد للسجود ولم يبنوا عليها فنقول له :

أولاً : لم نسمع بأنهم اليهود إتخذوا قبور الأنبياء مساجد ولم نعلم بأنهم بنوا على قبر نبي من أنبيائهم .. بل هم قتلوا الأنبياء وكذبوهم وإستخفوا بهم بنص القرآن .. ولم نعلم بأن أحد من اليهود إلى يومنا هذا يتحرّى أو يبحث عن قبر موسى عليه السلام اوغيره من الأنبياء ليسجد عنده ..

ثانياً : أنت ياإبن تيمية تستدل بهذا الحديث في ( النهي عن الأبنية التي تقام على القبور ومن ثم إتخاذها مساجد) .. وقد قلت في كتابك المذكور في الصفحة 282 مانصه :
( فهذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين والملوك وغيرهم يتعين إزالتها بهدم أو بغيره ........ إلخ ) انتهى قول ابن تيمية .
فأنت هنا ياشيخ ابن تيمية تعمم بقولك ( قبور الأنبياء والصالحين ) .. وكأنك تريد أن يزال حتى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا معنى قولك .. وعندما خرج أحد المتأخرين ليطالب بإزالة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم .. فإنه يستند ويتكئ على رواية إبن تيمية هذه ( هذا ليعلم من يفهم ) .. ثم عاد إبن تيمية في الصفحة 286 من نفس الكتاب ويقول مانصه :
( فإن النصارى عظموا الأنبياء حتى عبدوهم .. وعبدوا التماثيل .. واليهود إستخفوا بهم حتى قتلوهم .....إلخ ) إنتهى قول إبن تيمية .
عاد إبن تيمية ليقول بأن اليهود قتلوا الأنبياء .. لماذا ؟؟ لأنه لايستطيع أن يقول عكس ماقال القرآن الكريم .. بينما نجده عندما ينهى عن الأبنية على القبور نجده يركّز على أن السبب في إتخاذ المساجد على القبور أو عند القبور هي : المبالغة في التعظيم لأصحاب القبور .. وقد أثبتنا ان اليهود لم يعظموا الأنبياء حتى يتخذوا قبورهم مساجد ..
ثم ان إبن تيمية يقول بأن النصارى عظموا الأنبياء حتى عبدوهم ( نعلم ماقالته النصارى وزعمهم بألوهية عيسى عليه السلام وغير ذلك من أباطيلهم ) .. ولكن أين عيسى عليه السلام ياإبن تيمية ؟؟ ألم يرفعه الله ؟؟ فكيف يكون له قبر حتى يتخذه النصارى مسجدا ؟؟ وهل رأينا نصرانيا اليوم أو من قبل يسجد عند قبر أحد الأنبياء ؟؟ بل أين هي قبور أنبياء النصارى وهل يعلمها إبن تيمية ؟؟
ولو قبلنا بأن النصارى عظّموا الأنبياء حتى عبدوهم .. فإن متن الحديث لم يختص بالنصارى وحدهم بل متن الحديث جمع اليهود والنصارى .. ولم ينحصر في النصارى وحدهم ..

ختاماً : نحن هنا لسنا بصدد مسألة النهي عن البناء فوق القبور .. فهذه مسألة إختلف حولها أهل العلم ولكل أدلّته فيما ذهب إليه ولكننا بصدد ( إستدلال إبن تيمية بحديث روايته تصادم ماجاء في القرآن الكريم صداما صريحا ) كل ذلك من أجل الإنتصار لقوله فجعل يستدل بأي دليل يتوهمه .. ولايليق بنا أن نقبل حديث متنه يصادم ماجاء في القرآن الكريم لمجرد ان هذه الرواية تقوّي وتدعم ما نقوله في مسألة من المسائل .. وإلى حوار آخر مع إبن تيمية رحمه الله .