عرض مشاركة واحدة
قديم 03-04-2012, 12:16 AM   #32
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي


الحزب الاشتراكي اليمني بين الرطانة والسياسة

احمد هادي ناصر السبت 2012/03/03 الساعة 11:07:14



زمان.. كان قادة الحزب الاشتراكي اليمني يقولون لنا إن الوطني الجيد هو الأممي الجيد وكنا نصدقهم, فيما بعد اكتشفنا أن أمميتهم أضاعت منا عدن والجنوب, وكانوا كلما أرادوا إقناعنا بفكرة ما, مهما كانت سخيفة أو خاطئة, أمطرونا بخطابات تمتلئ بعبارات وجمل وتراكيب لغوية شديدة التعقيد والإبهام لإقناعنا, وكانت هذه الخطابات تحدث لدينا صدمة تشل عقولنا عن التفكير, لا نملك خلالها إلا الاقتناع بخطابهم والاعتراف ببراعتهم وعبقريتهم.

وكان أسلوب الإقناع باستخدام اللغة الثورية المعقدة هو الأسلوب الأثير لمنظري الحزب في مخاطبة الجماهير, وكانوا دائمي الاستخدام لمصطلحات مثل: البروليتاريا والدياليكتك والايدولوجيا والامبريالية وغيرها من المصطلحات الصعبة, لإدهاش الجماهير وإقناعها بعبقرية القيادة السياسية.

ولتأكيد براعتهم كانوا يتحدثون لساعات طويلة خلال الندوات والمهرجانات الخطابية, وكانوا يستمتعون بالإطالة ولا يلتفتون إن كان الناس يفهمون ما يقولون أم لا يفهمون, كان مثلهم الأعلى الرفيق فيدل صاحب الأرقام القياسية في طول التحدث.

وقد أدى انعدام الديمقراطية وحرية التعبير في الحزب والدولة إلى إضفاء قداسة على الخطاب السياسي لمنظري الحزب وقادته, كما أدي أيضا إلى تسطيحه وفقره, وحتى ما كان يسمى بالنقد والنقد الذاتي داخل الحزب مورس بطريقة انتقائية واستخدم كأسلوب لإقصاء الخصوم وإذلالهم.

وكأي حزب شمولي يتحكم في حياة الدولة والمجتمع, تحول الحزب الاشتراكي إلى مؤسسة مثالية ومفضلة للانتهازيين والوصوليين, وكان جلهم من الفاشلين ومعدومي الكفاءة, الساعين إلى جني المكاسب والوصول إلى أعلي المناصب, وكل ما كان يلزمهم من مواهب هو إجادة الرطانة والتفلسف والحذلقة الكلامية وحفظ العبارات المسروقة من مؤلفات لينين وماركس وترديد الشعارات الفارغة.

لكن هذه الرطانة وهذا الخطاب كان اعجز من أن يقدم الحلول لمشاكل البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة, واصطدمت الأحلام الطوباوية بالواقع المر والمتخلف, وأدى ذلك إلى دورات عنف وصراع داخل الحزب تساقطت على أثرها العديد من الرؤؤس, كما أدى ذلك إلى ظهور تيار الواقعية السياسية في الحزب والذي حاول إصلاح الحزب وسياساته دون أن يكتب له النجاح, وذلك لأنه ركز على الإصلاح في أطار قيادة الحزب لهذه الإصلاحات, دون إصلاح المنظومة السياسية للبلاد بشكل كامل, وكان المطلوب حل الحزب وإلغاء سياساته الخاطئة وفتح البلاد أمام التعددية السياسية والحزبية وانتهاج سياسة الاقتصاد الحر وإطلاق الحريات العامة.

ولان الحزب لم يدرك ذلك ولم يكن عامل الزمن يلعب لصالحه, فقد عصفت به التطورات الدراماتيكية التي شهدتها البلاد, وتجاوزته التطورات, وأصبح حاليا حزبا لا يشبه نفسه, حزب يملك مالا وإعلاما ولكنه لا يملك قاعدة أو مستقبل, يملك مقرات وفروع ولكنه لا يملك إيديولوجيا أو برنامج سياسي, حزب يدعي الحداثة والمعاصرة لكنه يتحالف مع أكثر قوى المجتمع تطرفا ورجعية, يدعي دعم القضية الجنوبية لكنه أول يخونها ويطعنها في الظهر, يدعي تمثيله للعمال والكادحين والمجتمع المدني, لكنه أبعد الأحزاب عن النقابات والكادحين ومنظمات المجتمع المدني.

بعد كل هذا ما الذي يجعل الحزب الاشتراكي يستمر بالبقاء؟ ولماذا يستمر؟؟ في رأيي أن ثمة عاملين وراء ذلك أولهما يعود إلى رغبة المنظومة السياسية الحاكمة في صنعاء في استمراره لإعطاء هذا النظام شكل من أشكال الشرعية أمام الرأي العام المحلي والخارجي بعد حرب إلغاء الجنوب في 1994م, فاستمرار هذا الشريك الوهمي استمرار لوهم الوحدة وشرعيتها, لذلك عمل النظام على إعادة الحياة إلى الحزب الذي مات سريريا وقدم الأموال الطائلة والأراضي الشاسعة والامتيازات الكثيرة لقادته للقيام بهذا الدور.

أما العامل الثاني لاستمرار الحزب فيعود إلى الإمكانيات الذاتية للحزب ويتمثل ذلك في عنصرين: الأول يرتبط بالأموال الطائلة التي يمتلكها الحزب مما يمثل أفضل خيار استثماري أمام القيادات الحزبية الطامحة إلى المال والجاه وهذا ما يوفره لها مال الحزب وإمكانياته, ومن المهم الإشارة إلى أن الكثير من القادة السياسيين للحزب ومنذ قدومهم إلى صنعاء عام 1990م بدأوا بالتعرف على حياة الترف والثراء والرفاهية وتركوا براءتهم الثورية, وأصبحوا يتعاملون مع العمل في أطار الحزب باعتباره شكل من أشكال العمل في مؤسسة استثمارية تحقق الربح والعائد المضمون, ولم تعد الأفكار الثورية الساذجة عن قضية الحزب ورسالته التاريخية تراود مخيلتهم منذ أمد بعيد. أما العنصر الثاني في الإمكانيات الذاتية للحزب التي كانت سببا في استمراره حتى الآن فيعود إلى القناعات السياسية الراسخة لعدد محدود جدا من كوادر الحزب, تعتقد بإمكانية عودة النظام الاشتراكي وانتصار الأفكار الاشتراكية وهولاء مجموعة من الواهمين الذين تحركهم العواطف والتمنيات لا الحسابات العقلية والمنطقية, وقد تجاوز تطور المجتمع والحياة هذا النفر.

ورغم انحسار تأثير ونفوذ الحزب إلى الحدود الدنيا, مع ذلك فان الرطانة السياسية والفهلوة الكلامية لقادة الحزب الاشتراكي اليمني لا تزال تتحفنا بتخريجات سياسية ونظرية لا نملك أمامها إلا الرثاء لأصحابها لأنها مجرد عرض(show) كلامي لا تخفى علينا أهدافه ومآرب أصحابه وهو جزء من لزوم الشغل للمصلحة الذاتية لا غير.

وللأسف أن قيادة الحزب الاشتراكي اليمني لم يدركوا بعد أن الزمن تجاوز وجود الحزب ودوره وضرورات استمراره, وان أساليبهم ووسائلهم في ممارسة العمل السياسي تفسد الحياة السياسية وتضر بتطور المجتمع, ومصالح الشعب ولا مجال إلا بحل الحزب حلا نهائيا لإفساح المجال أمام نشوء أحزاب جديدة أكثر حيوية وفاعلية وفائدة.

وختاما نقول لقادة الحزب أما آن لهذا الفارس أن يترجل بعد أدى دوره التاريخي بشكل كامل.

تمت الطباعة في 2012/03/04 : الساعة 00:12
التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح