عرض مشاركة واحدة
قديم 06-12-2011, 03:37 AM   #277
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي


حضرميات في القاهرة

2011/6/11 المكلا اليوم / كتب: حسين السقاف

تُعَد أرض الكنانة متحفا للتاريخ الإنساني في كل المعمورة على تعدد قاراتها واتجاهاتها واثنياتها وقومياتها وألوان شعوبها، لذلك فإنه يصل بي الاعتقاد بأنه قلما يكون هناك متعلم ومتذوق للتراث الإنساني إلا وتهفو به أمانيه لزيارة هذا البلد الذي حباه الله بوافر نعمه وحضيَّ بأكبر قدر مما حواه عالمنا من الآثار ولعل هذه الميزة تصنع ضمانة رخاء واستقرار هذا البلد.

تُعَد أرض الكنانة متحفا للتاريخ الإنساني في كل المعمورة على تعدد قاراتها واتجاهاتها واثنياتها وقومياتها وألوان شعوبها، لذلك فإنه يصل بي الاعتقاد بأنه قلما يكون هناك متعلم ومتذوق للتراث الإنساني إلا وتهفو به أمانيه لزيارة هذا البلد الذي حباه الله بوافر نعمه وحضيَّ بأكبر قدر مما حواه عالمنا من الآثار ولعل هذه الميزة تصنع ضمانة رخاء واستقرار هذا البلد.

ومما يميز العمران هنا انه اتصف أكثر من غيرة بالمتانة والدقة المتناهية والروعة في نقوشه وقد عمل صُنَاع الحضارات الذين تعاقبوا على مصر بان كانت آثارهم قوية ومتينة اقتفاء لأثر أسلافهم الفراعنة التي ما تزال معالم حضارتهم تقاوم التاريخ وعوامل تعريته طوال حقبه المختلفة.

كانت الثقافة والأدب هما من أهم المحفزات الشخصية لزيارتي لمصر من جبل المقطَّم إلى الإسكندرية بمكتبتها العظيمة وعلَّني أبدأ من المقطَّم حيث نصب عمرو بن العاص أول راية للمسلمين على هذا الجبل وحيث بُنيَ أول مسجد، كانت أرضيته تعود للأمير الحضرمي قيسبة ابن كلثوم السكوني فأوقفها ليقام عليها أول مسجد في أرض مصر ذلك الصحابي حدثنا بقصته - عند ما كان أميراً في حضرموت - أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني.



جبل المقطَّم الذي تجده على يسارك وأنت وافد من ميناء القاهرة الجوي قاصدا أحيا القاهرة العتيقة التي تحوي مدافن الشهداء والصالحين من أهل بيت رسول الله المطهرين وصحابته الأكرمين فتجد تحت الجبل مسجد ومرقد السيدة عائشة ومسجد السيدة زينب والسيدة نفيسة رضي الله عنهن جميعاً وقد وضعت على مقربة من مرقد السيدة نفيسة شاهدة كبيرة من الرخام كتب عليها بعد البسملة "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" صدق الله العظيم هنا يرقد سيدي عبدالرحمن العيدروس من علماء اليمن وتجد إلى الغرب من هذا الجبل قلعة المجاهد محمود بن ممدود حفيد "خوزم شاه" الذي فضَّل أن يكون مملوكاً في نظر حاشيته ورعيته على أن يكون سليل الملك والرئاسة إنه "المظفر قطز" ذلك الرجل الذي أعده جبار السماء لهزيمة جبابرة الأرض، لقد كان بحق أعدل وأحكم وأشجع أمير بعد عمر بن عبد العزيز غير أن عمر لم يبلى عشر معشار بلائه، لقد حرر قطز بلاده والبلاد العربية من التتار والصليبيين ومات في قلعة القاهرة التاريخية - عشية عيد النصر- مغدوراً به من أعز أصدقائه وقد سبقته زوجته "جرنال" لتستشهد في معركة عين جالوت التي هزم فيها التتار إنها قلعة القاهرة الشامخة التي حملت ملامح الدولة الحديثة التي أنشاءها والي مصر "العثماني" محمد علي باشا جد الملك فاروق أخر ملوك مصر.

ما عليك إلاَّ أن تتقدم قليلا لتصل إلى الأزهر الشريف الذي كان يُعد بوصلة العالم الإسلامي المتأخرة التي أوقف نشاطها في عام 1958م لتجد بعد ذلك بعض المذاهب المتطرفة طريقها إلى هذا البلد والى الكثير من بلدان العالم الإسلامي.

والى جوار الأزهر الشريف هناك مرقد الحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة في الجنة وفي هذا الحي يمتد أطول شارع إسلامي وهو شارع المعز لدين الله "الاسماعيلي" باني قاهرة المعز وحيث يقع مسرح الروائي "النوبلي" نجيب محفوظ في حيي الأزهر والحسين الذي يكون فيه قصر الشوق وبين القصرين والسكرية حيث خطر بعكازه أحمد عبد الجواد وحيث كانت صولاته وحيث الست أمينة التي تطل من من خلال خصاص نافذة عالمها الصغير إلى أطراف عالم زوجها الغامض، وتجد في الحسين قهوة الفيشاوي وخان الخليلي وزقاق المدق ونجد قصر السلطان الغوري الذي تحول إلى معرض للفنون التشكيلية وقد طاف بي في أرجائه الفنان التشكيلي المبدع سمير العشماوي وغيرها الكثير من المشاهد السياحية والمعالم الثقافية.

أما أول تلك المحطات الحضرمية فهي عندما ترجلتُ من عربة مترو الأنفاق قاصدا محطة السادات المؤدية إلى منفذ جامعة الدول العربية في ميدان التحرير وبينما كنت ماراً في أحد ردهات المترو الواسعة والأنيقة والمكيفة والموغلة تحت الأرض لفتت انتباهي بعض الرسومات المعلقة على احد تلك الردهات، اتجهت صوبها وجدت شابا يجلس على كرسي عرَّفته بنفسي كفنان تشكيلي، ولعل أفضل الضيوف لمعارض الفن التشكيلي هم الفنانون التشكيليلون لذلك كان الفنان نبيل صابر المصري محتفيا بي وعندما ذكرت له بأنني من حضرموت كان أكثر ابتهاجا واحتفاء وكأنه يحتفي بصديق قديم قال بأنه يمتُ بنسابة إلى رجل من أسرة "بن سلم" الحضرمية وقد كان "بن سلم" مشرفا على الرواق الحضرمي في الأزهر الشريف.

كان هذا الشاب بحق فناناً ملهماً فهو يستنطق الطبية في أعماله الفنية ويستنطق فيها بديع صنع الخالق وقد ذكر لي انه عند زيارته للحجاز لتأدية فريضة الحج أعد دراسات فنية لأعمال إنشائية تعالج مشكلة الازدحام لحجاج بيت الله الحرام كانت تقف إلى جانب الفنان فتاة تعدُ بذاتها لوحة متحركة أبداع الخالق صناعتها ورسم ملامحها، كانت تساهم في معرض المترو ببعض لوحاتها الجميلة،أخذت تطوف بي بين لوحاتها التي أكثر ما تشتمل على "بورتريهات" رباعية الألوان.

عندما كنت انظر إلى جبل المقطم بدا لي على صهوته مسجداً أشبه بمساجد حضرموت المجصصة بالنورة البيضاء شكَّل المنظر في مخيلتي لوحة "ميلودرامية" أخذت ألوانها من التاريخ لتعيدني إلى الفتوحات الإسلامية فاستحضرت حينها سيرة الفاتح معاوية ابن حديج السكوني الحضرمي وقصته مع محمد ابن أبي بكر الصديق عند ما أساء التعامل معه بأمر عمرو ابن العاص في التمثيل بجثته وهي قصة مشهورة غير أن عبد الله بن شماسة المهري قد روى بأنه دخل في نفرٍ من أصحابه على عائشة فسألتهم: كيف كان أميركم في غزاتكم ؟ تعني معاوية بن حديج، فقالوا: ما نقمنا عليه شيئاً وأثنوا عليه خيراً، قالوا: إن هلك بعيرٌ أخلف بعيراً، وإن هلك فرسٌ أخلف فرساً، وإن أبق خادمٌ أخلف خادماً فقالت: أستغفر الله، إن كنت لأبغضه من أنه قتل أخي، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم، من رفق بأُمتي فارفق به، ومن شق عليهم فاشقق عليه, كان ابن حديج مثالا في الشجاعة والإقدام فقد شهد فتح مصر وذهبت عينه في غزوة النوبة مع بن أبى السرح وغزا المغرب مرارا.



واتصف ابن حديج بالجرأة في الحق والوقوف في وجه الفساد والظلم ومن الأمثلة على ذلك ما حدث مع ابن أخت معاوية عبد الرحمن بن أم الحكم عندما أرسله معاوية ليكون والياً على مصر فلما سار إليها تلقاه معاوية بن حديج على مرحلتين من مصر فقال له ارجع إلى خالك معاوية فلعمري لا ندعك تدخلها فتسير فيها وفينا سيرتك في إخواننا أهل الكوفة فرجع ابن أم الحكم إلى معاوية ولحقه معاوية بن حديج وافدا على معاوية فلما دخل عليه وجد عنده أخته أم الحكم وهي أم عبد الرحمن الذي طرده أهل الكوفة وأهل مصر فلما رآه خاله معاوية ابن أبي سفيان قال بخ بخ هذا معاوية بن حديج فقالت أم الحكم لا مرحبا به "تسمع بالمعيدى خير من أن تراه" فقال معاوية بن حديج على رسلك يا أم الحكم أما والله لقد تزوجت فما أكرمت وولدت فما أنجبت أردت أن يلى ابنك الفاسق علينا فيسير فينا كما سار في إخواننا أهل الكوفة فما كان الله ليريه ذلك ولو فعل ذلك لضربناه ضربا يطأطئ منه رأسه وإن كره ذلك الجالس أي معاوية بن أبى سفيان.

وكان معاوية بن حديج قد اختط القيروان الأولى بموضع يدعى اليوم بالقرن، وقد عقب ابن حديج على ولاية مصر مسلمة بن مخلد وهو على علاقة متميزة بسلفه ابن حديج وكان يستفيد من استشارته.

كانت قدرات الحضارم في المجال الإداري والعسكري وفي مجال القضاء محط انبهار من الساسة والقادة لذلك فقد انتشر القضاة الحضارمة في كثير من المحاكم الإسلامية وقد أحبتهم الرعية حيث حكموا، لعدلهم وكياستهم ليصبح القضاء من الوظائف المميزة للحضارم حتى قيل فيهم:



لقد وليَ القضاء بكل أرضٍ ××× من الغر الحضارمة الكرام
رجالٌ ليس مثلهم الرجال ××× من الصّيد الجحاجحةُ الضخامُ


وذكر المؤرخ محمد بامطرف في كتابه الجامع عن كتاب القبائل العربية بمصر انه قد ولي القضاء من الحضارمة في المدة ما بين 84 عام حتى سنة 244 هجرية تسعة رجال من حضرموت، أولهم يونس بن عطية وأخرهم لهيعة بن عيسى عدا من ولي القضاء في بقية الأمصار مثل فلسطين وبرقة ودمشق وحمص والأندلس حتى قال الشاعر يزيد بن مقسم الصدفي:



يا حضرموت هنيئا ما خصصت به ××× من الحكومة بين العرب والعجم


في الجاهلية والإسلام يعرفه ××× أهل الرواية والتفتيش والطلب



ولعل الأمر يستدعي أن نستعرض هنا شخصية قضائية حضرمية وصفها الإمام علي كرم الله وجهه بأقضى العرب وهو القاضي شُريح الحضرمي وهو أبو أمية شريح بن قيس بن جهم بن معاوية الكندي الكوفي، ولي قضاء الكوفة لعهد عمر في سنة اثنين وعشرين للهجرة إلى أيام الحجاج بن يوسف فاستعفى الحجاجَ بعد أن بلغت خدمته في القضاء ستين سنة، أتُفقَ على أنه أعلمهم بالقضاء ناهيك عن ورعه وحدة ذكائه ونرد هنا القصة المشهورة للقاضي شريح مع اليهودي الذي قضى له شُريح بدرعِ كان ينازعه فيه الإمام علي كرم الله وجهه، مما حذا باليهودي إلى اعتناق الإسلام إكبارا للعدل في دولة الإسلام الفتية.

وقد كتب معاوية بن أبي سفيان إلى مسلمة بن مُخلد "عامله على مصر" كتاباً قال فيه: "لا تولَّ على عملك إلا أزدياً أو حضرمياً" والأزدُ هم بني قضاعة التي تسكن الشريط الساحلي لحضرموت والمهرة التي تلاصق محافظة حضرموت من جهة الشرق.

استذكرت من هذه المشاهد طلائع الفاتحين من قضاعة بن حيدان المهرية التي رضخ لمطالبها عمرو بن العاص المتمثلة بمساواتهم في الأجر والعطايا بالفاتحين القرشيين بعد أن اثبتوا قدراته في الحرب والسلام.


كنت أحاول في رحلتي هذه أن اقتني الكتب التي لا تتوافر لدينا في اليمن وكنت في ذلك مثل الذئب الذي يعمل على خنق قطائف القطيع ليدخرهن ليوم جوعه، لذلك كنت اقتني كل ما وقع عليه نظري من روائع الأدب حتى غدوت لا أمتلك ثمن وزنها في المطار ولعلي كنت في ذلك أشبه بالصائم الذي يذهب عصراً إلى سوق المشويات والعصائر فيشتري منها الكثير معتقداً بأنه سيأكلها غير أنه عند ما يحين موعد الإفطار يكتفي من كل ما يحضره بلقيمات يقمن صلبه.

ومن تلك المحطات ان رائعة الروائي جمال الغيطاني رواية "هاتف المغيب" قد أغرتني بشرائها وكانت هذه الرواية تتحدث عن بطل روايته "الحضرموتي" الذي يمثل الشخصية المحورية في روايته هذه الرواية التي جمع فيها الغيطاني بين أسلوب السرد القديم والحديث ليصنع من ذلك اسلوبا فريدا رائعا وقد تمحورت أحداث الرواية على بطلها الحضرموتي الذي كان يتحدث عن بلاد النوبة أكثر مما كان يتحدث عن بلده حضرموت واليمن وقد تحدثت عن ذلك الحضرموتي أكثر من شخصية من شخوص هذه الرواية، ولعل أهمهم هو قائد القافلة "التنيسي" الذي كان معجبا بالحضرموتي حتى انه يقول: جل ما أحسد عليه هو أن يكون معي في رحلاتي الحضرموتي الذي تعلم علم الميقات من إبحاراته المتعددة في البحار الهندية وتعلم علم الجهات من رحلاته في الصحاري العربية وأتم علمه بعلم النجوم في النوبة ليكون عالما بعلم المجرات والظواهر الكونية ليحفظ خارطة النجوم حتى انه يعرف حركة المذنبات وكان يقدر الوقت في النهار من لون الظل ودرجة سطوع الضوء ويصغي إلى صوت الريح وهو دائم التبسم حريص على تعليم علومه لمن جدَّ في طلبها وهو دائم الترحال للتجارة ونشر علومه وتعلم ما لا يعلمه ليصل به ترحاله إلى الصين فإذا سُئِل عن مدينة دلَّ على موقعها وما تنفرد به من الصفات ويذكر من عاش بها من الصالحين وهو يعرف مواعيد الزراعة بها ونوع ثمارها وتفتح أزهارها ويدل على علامات السحب الممطرة والغيوم المخلفة والبروق الصادقة التي يعقبها المطر ويدلُ على أنواع الرياح ومساراتها عبر أيام السنة وهو على تعدد الأسماء التي يطلقونها عليه بين بلد وآخر إلا أنه يفضل أن يدعونه بالحضرموتي.

وما يجدر ذكره هنا إنني كنت متنقلا بين أكشاك المجلات والصحف والدوريات فوجدت إصدارا حديثا لم يمض على طباعته أكثر من أسابيع وهو من إصدارات الهيئة العامة للقصور الثقافية باسم "سلسلة الذخائر" وهذه تعني بنشر نفائس التراث العربي التي تحقق رغبات القارئ المعاصر من حيث التحقيق العلمي وحيوية المضمون مع ملاحظة أن رئيس تحرير هذه السلسلة هو جمال الغيطاني ً واسم الكتاب هو "التشرف إلى رجال التصوف" لأبي يعقوب يوسف بن يحى التادلي "الحضرمي" خُطَ سنة 617 هجرية، وقد حققه أحمد توفيق، وبحثت مقدمة التحقيق إشكالية نسب المؤلف وقد استعرضت جملة من المؤلفين والقضاة والعلماء الذين ينتهي نسبهم إلى الحضرمي ممن عاصرو ونقلو عن المؤلف وأذكر بعض ممن وردوا في الصفحات الأولى في هذا الكتاب وهم المحدث والراوية المقيد المسند القاضي أبو عبد الله محمد بن إبراهيم صاحب كتاب فهرس الفهارس المطبوع في مدينة فاس وأبو سعيد محمد بن الأستاذ عبد المهيمن الحضرمي المتوفي سنة 787هجرية وأبو عبد الله بن أبي بكر عبد المهيمن الحضرمي صاحب كتاب "الوقاد في من حل في سبته من العلماء والصلحاء والعبَّاد" والشيخ الفقيه الجليل عثمان بن ليون التجبي الذي لا أظنه إلا منسوباً إلى قبيلة تجب بن أشرس الكندية الحضرمية

لقد حرصتُ على أن التقي بالروائي جمال الغيطاني غير أن نفاذ نسخ روايتي الأخيرة "الرجل الحوت" التي كنت أعتزم إهداءها له جعل همتي تفتر عن ذلك وعند وصولي إلى بلدي حضرموت أخبرت أخي عبدالرحمن مدير عام مكتب الآثار فأخبرني أن الغيطاني زاره في المتحف قبل خمس سنوات وعندما دخل وجد أحد الموظفين في المتحف منهمكا في قراءة أحد كتبه فانبهر الغيطاني بذلك واتصل من فوره بزوجته لينقل إليها انطباعاته.

ومن المحطات الحضرمية انه كان كثيرا ما يرافقني في جولاتي الثقافية الدكتور احمد باحارثة ذلك الشاب المثابر صاحب العقلية النظيفة المتوهجة فعندما دخلت بمعيته احد المكاتب وقع نظره على كتاب "الفكر والثقافة في التاريخ الحضرمي" للأستاذ سعيد عوض با مطرف الذي طبع عام 1961 في القاهرة والذي استعرض فيه رجالات الفكر والثقافة في حضرموت بدء من العصر الجاهلي مروراً بالخمسة القرون بعد الهجرة ثم المرحلة بين القرن السادس حتى القرن الرابع عشر ثم رجالات العلم والثقافة في النصف الأول من القرن العشرين وقد كان الجميع يعتقد بأن هذا الكتاب القيم في حكم المفقودة نسخه، والدكتور باحارثة حاليا يبحث في الصحافة والدوريات القديمة المصرية عن الفعاليات السياسية والثقافية التي كانت تزخر بها حضرموت قبل الثورة، ولم أورِد ذلك لعصبية مناطقية أو للتمييز بين الحضارمة وغيرهم ممن أسهم في الحضارة الإنسانية بقسط وافر ولكنني أوردته إسهاماً للمقارنة والتدليل والتشخيص للانحطاط الفكري والثقافي الذي وصلت إليه حضرموت وبالأخص واديها وما هو عليه اليوم من الفقر والعوز الثقافي وتدني المستوى التعليمي الخطير وتفشي الأمية وتفاقم ظاهرة التسرب من الدراسة، بعد أن أصبح فرع اتحاد الأدباء والكتاب في وادي حضرموت لا يعدو عن كونه مبنى يمتلك جدرانا متسلحة بالحديد لا تحوى جنباته أي نشاط ثقافي وبعد أن تمركزت الثقافة واختزلت فعالياتها وسفرياتها وإصداراتها وأنشطتها لتكون حكراً على القائمين عليها وبعد أن اغتدت الثقافة نوعاً من الاستثمارات المحتكرة من قبل القائمين عليها.
التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح