عرض مشاركة واحدة
قديم 08-01-2010, 12:30 AM   #112
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي


نصائح في إدارة السلطات\" من الأوراق السياسية المجهولة في حضرموت

المكلا اليوم / كتب : محمد علي باحميد2010/7/30

وقع في يدي وأنا أقلّب أوراقاً في ملف رسمي مرت عليه عقود طويلة نص لخطاب مترجم ألقاه – على ما أعتقد – المندوب السامي البريطاني في مؤتمر أقيم بحضرموت في عقد الخمسينيات


حضره السلطان الحسين بن علي الكثيري سلطان الدولة الكثيرية (1) والسلطان ناصر بن محسن سلطان سلطنة الواحدي ، وسعادة القدال سعيد القدال الذي كان يتولى منصب وزير السلطنة القعيطية يومها (2) وجمْع من مديري مرافق السلطنات الثلاث والأمراء والوجهاء والأعيان .
ولقد شد انتباهي واستحوذ عليّ ما جاء في محتوى ذلك الخطاب وهو الموقف المشرّف الذي ينتزع الإعجاب من المسئولية وتبعاتها ، ومن يتحمل أعبائها ، ويتحمل أمور الناس وقضاياهم .

فهو قد مس مساً مباشراً ، ووخز وخز الإبرة التي تشد انتباه الذاهل في الكثير من مسائل الوطن والوطنية ، والفساد في الإدارة والحكم ، كما شخص وعالج الأمراض التي تنخر عادة في مؤسسات ومصالح الدولة كعدم الجد في العمل والكفاءة ، وفساد الأخلاق ، وأنواع الظلم ، وعدم الاستماع إلى المرؤوسين والتعايش معهم .

وبما أننا قد خرجنا للتو من خضم وزخم الحملة الانتخابية وإعلان نتائجها على مقعد رئاسة الجمهورية ، ومقاعد المجالس المحلية للمحافظات والمديريات ، أراها فرصة مواتية للكشف عن تلك النصائح وتقديمها كما وردت في ذلك الخطاب لكل أولئك الذين حالفهم النجاح والفوز بتلك المقاعد التي لا شك أنهم يدركون أن لها إغراء وإغواء ، وأن للمنصب والسلطة مغريات ونفوذ وجاه ومال ، ليجعلوا منها نبراساً يضيء لهم طريق البدء في مباشرة أعمالهم (3)

فالوطن والحمد لله ليس فقيراً كما يُدعى ، أو يخلو من الإمكانيات والقدوة الحسنة ، بل الحقيقة التي يـجب مواجهتها أن الوطن تُساء إدارته ، وتدمر مؤسساته ، وتبدد ثرواته فالسلطة المتجبرة غالباً ما تتسبب في إفقار الأوطان وتخلفها .

لقد جاء في ذلك الخطاب :

( ... إنكم لفي أول الشوط ، كما وأنكم في طور لو أردتم أن يكون كيانكم ثابتاً لا يؤثر عليه الزمن والظروف ، يـجب عليكم أن يكون تقدمكم خاضعاً للحكمة القائلة : « في التأني السلامة » لا تحاولوا الإسراع بل تأكدوا من أن أساس بنائكم يمتاز بطابع

المتانة قبل أن تستمروا في البناء .

لا تظنوا أنني أشير إلى الظواهر المادية للإدارات : كالمكاتب والماليات والمستشفيات والمدارس والبلديات والبنايات العامة الأخرى – كلا – هذه البنايات هي الهياكل المادية المهمة ، ولكن أهم من ذلك كله أو حجر الأساس ، أو قطب الرحى لأي إدارة هو وضع تقليد صحيح والمحافظة على ذلك التقليد .

يمكنك أن تخلق كياناً إدارياً مدهشاً ، وكياناً اجتماعياً ممتازاً يفوق كل النظم الموجودة في العالم ، ولكن كل هذه المنظمات تصير عديمة الفائدة إذا كان موظفوك فاسدين ، ومدرسوك غير أكفاء ، وأطباؤك تعوزهم الكفاءة والمقدرة ، فإذا كان لديك الموظفون الإداريون المستقيمون الذين يعملون بجد ، ولديك المدرسون والأطباء الذين لديهم الكفاءة والخبرة إذا كان لديك كل ذلك فإنك في موقف تستطيع معه أن تعمل بدون تلك الإدارات الهائلة .




إن المبدأ الأساسي الذي أرجو أن يكون قد وضع هو النزاهة ، دع النزاهة والأمانة أن يكونا ديدن كل موظفيك ، وعليك أن تغرس هذه الروح فيهم منذ البداية ؛ لأنه إذا فعلت ذلك فسوف لا يكون هنالك ما يقلقك من ناحية الخدمات الإدارية ، إذا استطعت البدء بدون تفشي الرشوة ، وعدم المقدرة ، والمحسوبية ، فإنك قد قطعت شوطاً بعيداً في تكوين بنائك ؛ لأن عدم وجود هذه العناصر الهدامة أساس لقيام أية إدارة صالحة .

بكل أسف إن هذه المساوئ الثلاثة غالباً موجودة أكثر مما نريد وهنالك خدمات يعوق تقدمها وجود الموظفين الذين يرتشون ، والذين يعيّنون أقاربهم في الوظائف التي ليسوا لها ، ولا شيء نصّبهم فيها غير قرابتهم لذلك الموظف .

إنني أحذركم بكل جد أن لا تتركوا مجالاً لحصولها ، إن النقطة الأساسية هي تأكدكم أن موظفيكم نزهاء وقديرين . ثانياً : ينبغي أن لا تتكرر نفس الغلطات التي ارتكبت في أماكن أخرى ، كما يـجب عليك أن ترسم خطة ظاهرة واضحة لتدعيم إدارتك قبل أن تبدأ في أي عمل ، إنكم لأبرع الموظفين إذا كنتم لديكم الخبرة وإلا فإنكم محتاجون إلى النصح من وقت لآخر وإن الذين تعوزهم التجارب ربما احتاجوا إلى النصح .

لا تتردد في طلب النصح من أي شخص لديه خبرة وتجارب ومؤهلات أكثر منك ؛ لأنه ليس عيباً أن تطلب النصح ، إنك لست مقيداً بإتباع النصائح التي تعطى إليك ، ولكن هذه النصائح ستساعدك على اتخاذ قرار .

لا تقل لنفسك أنك بلغت من العمر ولبست من التجارب ما يـجعلني أشتغل بدون معونة ، ليس هناك أي شخص مهما كان عمره وتجاربه غير محتاج لنصائح ذوي الخبرة والذكاء . فمن خلال خبرتي الشخصية هناك إدارات كثيرة فشلت في أداء مهامها فقط بالغرور واستيراد صغار الموظفين .

لا تنس أنك لم تعيّن في وظيفتك بقدرة إلهية ، ولكن قد تعينت بواسطة الحاكم لكي تخدم الجمهور ، في الحقيقة إنك خادم الجمهور ، ويعني ذلك أنك الشخص الذي ينبغي أن تخدم الجمهور ، إنك جئت لكي تقدم لهم كل المساعدات التي في مقدورك إعطاؤها ، إنهم دائماً ينتظرون مساعدتك لا تنتظر الشكر منهم لأنك سوف لا تجده إلا في مناسبة أو مناسبتين في كل سنوات خدمتك التي ربما تربو على الثلاثين سنة ، فبالرغم من هذا فإنك تشعر براحة الضمير عندما تعمل لصالح الشعب وتعمل في تحسين أحواله ، إنني لا أظن أن هناك أي وظيفة تُقيم لصاحبها رضى أكثر من الخدمة الاجتماعية العامة .

أخيراً عندما تعالجون شئون الرعية لابد أن يكون ذلك بطريقة مهذبة وأن لا تألوا جهداً في معالجة مشاكل الطبقة الفقيرة بنفس الحماس الذي تعالجون به مشاكل الأغنياء ، إنهم جميعاً يستحقون مساعدتكم ، كما ليس من حقكم أن تقدّروا كمية المساعدة التي يستحقها منكم أي فرد من أفراد الجمهور ؛ لأن الجمهور الذي أنت خادمه مستحق للحد الأقصى من المساعدة التي في استطاعتك أن تقدمها ) .

هذا هو فحوى الخطاب الذي أكد على أن عماد المسئولية هو المعرفة ، كما حث على أن توجه كل الطاقات وكل الجهود من أجل خدمة الوطن والمواطن .

إن إصلاح أمورنا يـجب أن يكون عن طريق تعاليم ديننا فهي الأيسر والأسهل ، ولكن ليس يمنعنا ذلك من الاستفادة من تجارب الأمم والحضارات التي سبقتنا تقدماً وتطوراً في مختلف الميادين ، فالرسول e يقول : ( الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق الناس بها ) رواه الترمذي عن أبي هريرة .

الهوامش

الحسين بن علي الكثيري كانت فترة حكمه من عام ( 1948 – 1967 ) ثم تمت تنحيته بعد استيلاء الجبهة القومية على سيئون عاصمة السلطنة الكثيرية في 2 / أكتوبر / 1967م وتوفي بالمملكة العربية السعودية بجدة ، ودفن بمكة المكرمة عام 1976م .

2) كان القدال سعيد القدال وزيراً للسلطنة القعيطية في عهد السلطان صالح بن غالب بن عوض القعيطي من عام ( 1950 – 1957 ) ثم عاد إلى وطنه السودان وتوفي هناك عام 1975م .

3) كتب هذا المقال عقب الانتخابات الرئاسية والمحلية 2006م .

الصور :

الصورة الرئيسية لمجلس السكرتارية للسلطنة الكثيرية - مجلة العربي العدد (81)

الصورة الفردية للسلطان حسين بن علي الكثيري

المكلا اليوم | تفاصيل الخبر
التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح