عرض مشاركة واحدة
قديم 05-21-2012, 11:01 PM   #67
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي


مفهوم وتجربة الوحدة عند عبد الناصر

5/21/2012 عمر حمدون

في احدى محاضراته الجماهيرية التوعوية القيمة حول مفهوم القضية الجنوبية من منظور شرعي ذكر الشيخ الفاضل المناضل حسين بن شعيب – اطال الله في عمره –موقفا بحاجة للتدبر والتمعن للزعيم جمال عبد الناصر حين اجتمع به قادة الجبهة القومية قبل ان يستلموا السلطة يناقشون معه التسمية الجديدة للدولة الوليدة في الجنوب ، وطرحت على عبد الناصر ثلاثة اسماء هي 1- جمهورية حضرموت العربية ، 2- دولة الجنوب العربي ، 3 – جمهورية اليمن الجنوبية ، وقد فاجأهم عبد الناصر بسؤاله لهم : " وهل يرضى الحضارم بهذا الأسم جمهورية اليمن الجنوبية ؟ " فرد عليه احد الحضارم في الجبهة القومية

قائلا ان الحضارم قد تجاوزوا هذه المسألة !!وقد علّق الشيخ بن شعيب على هذا الرد الجبهوى القومي بالقول ان المشكلة التي وقعنا فيها منذ يوم الأستقلال الى اليوم هي الأنفراد بالقرارات السياسية المصيرية الذي اوصلنا اليوم الى مانحن فيه من مآسي وكوارث ، وقد ذكر الشيخ بن شعيب هذا الموقف نقلا عن من شهدوا تلك الحقبة الزمنية من تاريخ الجنوب – كما قال – مادعاني الى الأشارة الى هذا الأمر هو موضوع هذه المقالة التي تتناول مواقف جدا بالغة الأهمية لجمال عبد الناصر ولها صلة بما نحن فيه اليوم من مصائب في الجنوب ، خصوصا موقفه تجاه مفهوم وتجربة الوحدة ، وهي مواقف لايعيرها الأهتمام او لايريد السير على نهجها والتأسي بها اؤلئك الذين يدّعون اليوم تبنيهم لفكر ورؤى عبد الناصر ممن يحلولهم تسمية انفسهم " بالناصريين " على مستوى الساحة العربية ، الأمر الذي يجعلهم اليوم بمواقفهم وتوجهاتهم المناقضة لنهج وفكر زعيمهم يخونون هذا الزعيم ويسيئون اليه والى مبادئه التي يدعون – كذبا - حرصهم عليها .

لقد كانت لهذا " الزعيم " العديد من المواقف المشرفة والمهمة والسياسات ذات الأبعاد الأستراتيجية ، والتي تكشف بحد ذاتها عن حقيقة عمق تفكير وبعد نظر هذا الرجل الأمر الذي يجعله بالفعل زعيم سياسي واستراتيجي التفكير في اتخاذه للكثير من القرارات والتوجهات التي تخص شعبه وامته العربية حاضرا ومستقبلا ,بغض النظر عما وقع فيه نظام حكمه من اخفاقات وفشل في بعض السياسات والخطط ليس اقلها بالطبع هزيمة 67م. لقد كان لمفهوم " الوحدة " في فكر عبد الناصر الشأن العظيم ، بل لقد تجاوز عبد الناصر مرحلة التنظير لهذا المفهوم وخاض غمار التجربة والتطبيق في وحدة بلاده الأندماجية مع سوريا في فبراير عام 58م ، ثم فشل هذه الوحدة بعد تجربة 3سنوات ورجوع كل دولة الى ماكان عليه وضعها قبل الوحدة ، وكان لعبد الناصر ذلك الموقف الشجاع والحكيم الذي رفض فيه استخدام القوة العسكرية لفرض الوحدة بالقوة على الشعب السوري , حين منع كتيبة المظلات المصرية من ان تطلق النار او تشتبك مع قيادة " الأنفصال " لأنه " لايمكن فرض الوحدة بالقوة " كما قال .

ولو استخدم يومها عبد الناصر القوة لوجد التأييد المنقطع النظير من كافة الجماهير العربية العاطفية الهوى ، ولكنها حكمة من هذا الرجل الذي قال في خطابه للأمه العربية بتاريخ 5/10/61م بعد انفصال سوريا : " انني اشعر في هذه اللحظات انه ليس من المحتم ان تبقى سوريا قطعة من الجمهورية العربية المتحدة ولكن من المحتم ان تبقى سوريا " .

ولأننا في الجنوب العربي قد غدونا – شعبا وارضا – ضحية لوحدة اندماجية ارتجالية وغير متكافئة وغير علمية وتم تعميد هذه " الوحدة " بالدم وبالقوة رغما عن ارادة شعب الجنوب وتحت شعار كريه يدل على الفناء لا الحياة وهو شعار " الوحدة او الموت " ، وماتبع هذا التعميد المخضب بالدماء من اجراءات وسياسات اقصائية والحاقية اشعرت شعب الجنوب بأنهم غرباء في ارضهم ، فاننا نستذكر مواقف عبد الناصر الزعيم القومي العربي الرافض لفرض الوحدة بالقوة على الشعوب ، ونتألم ونشعر بالحزن والأسى والقهر والظلم والخذلان ممن يسمون انفسهم بالقوميين العرب - والناصريون منهم – حين يباركون مأساة شعب كامل بحجم شعب الجنوب من خلال تأييدهم ومناصرتهم لفرض الوحدة بقوة المدفع والنار على هذا الشعب ، هؤلاء القوميون الذين يدّعون ناصريتهم وتمسكهم بفكر ورؤى عبد الناصر كم هم خائنون لفكر زعيمهم !!

وكم هم بعيدون عن رؤاه وتوجهاته !!ولن اتحدث كثيرا حول مواقف عبد الناصر بقدر ماسأنقل للقاريء الكريم اقواله وافعاله وشهادات معاصري حكمه وتجربته الوحدوية لعل وعسى ان يرد الوفاء لهذا الزعيم من يدعي ناصريته وقوميته من خلال انتهاج خط عبد الناصر وموقفه تجاه مفهوم وتجربة الوحدة بدلا عن خيانته والأساءة اليه والى افكاره من خلال مواقفهم وممارساتهم اليوم في تأييد وحدة معمدة بالدم والفناء لشعب عربي يسكن جنوب جزيرة العرب . دعونا اولا ننقل ما جاء في الميثاق الناصري حول مايتعلق بمفهوم الوحدة من مباديء، حيث يحددالميثاق 6قواعد خاصة بهذا المفهوم من اهمها البند الثاني :" ان الوحدة لايمكن بل لاينبغي ان تكون فرضا ، فان الأهداف العظيمة للأمم يجب ان تتكافأ اساليبها شرفا مع غاياتها ، ومن ثمّ فان القسر بأي وسيلة من الوسائل عمل مضاد للوحدة انه ليس عملا غير اخلاقي فحسب , وانما هو خطر على الوحدة الوطنية داخل كل شعب من الشعوب العربية ، ومن ثم بالتالي فهو خطر على وحدة الأمة العربية في تطورها الشامل " ( كتاب الناصرية ص436 –عبدالله امام) .

وفيما يتعلق بادعاءات بعض الدول العربية بان لها حقوقا تاريخية في اراضي شعوب عربية اخرى ، كان لعبد الناصر موقفا رافضا لهذه الأدعاءات انطلاقا من فهمه العميق وادراكه الحكيم للمتغيرات الدولية وحقائق الواقع ، ويمكن فهم هذا الموقف الأستراتيجي لعبد الناصر من خلال رفضه لأدعاءات العراق بحقوقها التاريخية في اراضي دولة الكويت ، وبهذا الصدد يكتب الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل في كتابه " حرب الخليج اوهام القوة والنصر " مايلي : "

جرى اجتماع تمهيدي في بيت الرئيس جمال عبد الناصر حضره رئيسا وفدي سوريا والعراق ، وكانت المفاجأة ان وفد العراق ورئيسه يومئذ السيد علي صالح السعدي فتح موضوع الكويت من زاوية تعيين حدود دولة الوحدة الجديدة (الوحدة الثلاثية التي ستضم مصر وسوريا والعراق عام 63م ) فاذا هو يطرح قضية الكويت وحق العراق الذي هو لاينازع فيها وكان وفد العراق يحفظ عن ظهر قلب كل الحجج والوقائع التاريخية والوثائق التي تعزز دعاويه ، وكان لعبد الناصر رأي مختلف وقد شرحه على النحو التالي ، قال :

" انكم تعلمون بالطبع اننا لنا رأي آخر في هذا الموضوع ، فنحن وقفنا ضد عبد الكريم قاسم عندما اراد ان يضم الكويت ، اننا لم نفعل ذلك عن عداء لعبد الكريم قاسم كما قال البعض في العراق وقتها وانما اتخذنا موقفا على اسس موضوعية اريد ان اشرحها لكم الآن لأن فيها مالم يكن ممكنا الجهر به علنا في ذلك الوقت " ثم مضى عبد الناصر يعدد اسبابه قائلا :" عليكم اولا ان تتذكروا ان مجيء دول الخليج الى اطار العمل العربي مكسب كبير في حد ذاته وينبغي لنا ان نشجع عليه مهما اختلفت اجتهادات كل منا .....

وسوف تكون كارثة اذا تصور الناس في هذه المنطقة انها تخلصت من الوجود الأنجليزي السافر لكي يبتلعها العالم العربي الواسع ، وانا مستعد ان اتفهم بعض دعاويكم وقد سمعت وقرأت الكثير من وثائقكم ، ولكنني اقول لكم في منتهى الوضوح ان ماتطلبونه شي فات اوانه بحكم الحقائق العربية والدولية ...." ويستطرد عبد الناصر في حديثه للوفد العراقي قائلا :" ...

ان يتحقق نوع من التعاون الوثيق اقوى مائة مرة من الوحدة الدستورية . اننا كنا في وحدة اندماجية مع سوريا ، وكنا بلدا واحدا ، ولكن لأن التفاعل بين الناس لم يحدث ، فان الأنفصال جاء سهلا " وخلص عبد الناصر الى القول " مهما كانت آراؤكم وحججكم القانونية والتاريخية فانا لاانصحكم باثارتها ، ان العالم اختلف والمنطقة تتغير كل يوم وعلينا ان نقبل بهذه المتغيرات كحقائق واقعه ولكم ان تتذكروا تجربة مصر مع السودان قبل الثورة كان هناك كلام كثير عن حقوق تاريخية ووثائق ونحن لنا روابط اخوية وثيقة مع اهل السودان ولنا مصالح كبيرة تتمثل في المياه ولكننا ادركنا ان البقاء في السودان يعني اعتراضا لحق اهله في تقرير مصيرهم ومعنى ذلك انها الحرب ونحن لانريد حربا مصرية سودانية ولاحربا عربية عربية وهكذا اجرينا الأستفتاء وتركنا الشعب السوداني يقرر مصيره بنفسه وعلاقتنا مع السودان طيبة الآن وسوف تتحسن وسوف يحدث ذلك بالتفاعل الحر وليس بالحق المفروض بقوة السلاح " كتاب هيكل ص274-276.

هكذا كان عبد الناصر ، واترك التعليق لدعاة فرض الوحدة بالقوة على شعب الجنوب العربي من ناصريين وقوميين عرب !! الاّ ان اروع مواقف عبد الناصر كانت في بيانه الذي وجهه الى الأمة العربية في 5/10/61م عقب فك الأرتباط بين مصر وسوريا او ماسمي بحدث الأنفصال الذي تم في 28/9/61م ، حيث تضمن هذا البيان الهام اجزاء مهمة لابد من الرجوع اليها لانها تعكس فكر ورؤية عبد الناصر للوحدة مفهوما وتجربة في اشد لحظات المحنة والأزمة ، ومما جاء في هذا البيان : - "

لااستطيع ان اتصور في القاهرة ودمشق الاّ اخوة كفاح والاّ زملاء معركة والاّ شركاء قدر ومصير مع كل عاصمة عربية اخرى مع كل مدينة عربية مع كل قرية عربية " - "انني اذا كنت رفضت ان تكون الحرب العسكرية وسيلة الى تدعيم الوحدة فأنني ارفض الآن ان تكون الحرب الأهلية بديلا لذلك ...وانني اليوم لاأرضى ان تبقى وحدات من الجيش السوري متربصة بالشعب ولاان تبقى جموع من الشعب متربصة بعناصر من الجيش السوري " - " انتم تعرفون انه كان رأيي ان الوحدة ، خصوصا في فترات البناء الوطني عملية شاقة ومرهقة وكان من رأيي التمهيد لها تدريجيا على سنوات نتمكن خلالها من ان نضع الأسس الحقيقية لها قبل ان نقيم اطارها الدستوري ..." -

" انني اشعر في هذه اللحظات انه ليس من المحتم ان تبقى سوريا قطعة من الجمهورية العربية المتحدة ولكن من المحتم ان تبقى سوريا " - " ولهذا فانني اعلن على مسمع منكم جميعا ياابناء الأمة العربية اعلن مايلي : 1) انني اطلب الى جميع القوى الشعبية المتمسكة بالجمهورية العربية المتحدة وبالوحدة العربية ان تدرك الآن ان الوحدة الوطنية داخل الوطن السوري تمثل المكانة الأولى ، ان قوة سوريا قوة للأمة العربية وعزة سوريا عزة للمستقبل العربي والوحدة الوطنية في سوريا دعامة للوحدة العربية وتمهيد حقيقي لها " 2) لقد بعثت الآن الى رئيس وفد الجمهورية العربية المتحدة الدائم لدي الأمم المتحدة بان لايقف في وجه طلب قبول سوريا عضوا في الأمم المتحدة . 3) لقد طلبت الى وزارة الخارجية ان لاتقف الجمهورية العربية المتحدة حائلا دون عضوية سوريا في الجامعة العربية ." فكم نحن في الجنوب العربي اليوم نفتقد الى زعيم عربي بحجم جمال وبحجم مواقفه الحكيمة تجاه مفهوم وتجربة الوحدة ، رحم الله جمال عبدالناصر وغفر له .!! عمر حمدون
[email protected]
التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح