عرض مشاركة واحدة
قديم 10-06-2019, 11:29 PM   #266
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي



2019/10/06
كيف فشلت محاولات محو هوية الدولة الجنوبية من ذاكرة الجنوبيين؟


كانت لجان الوحدة قد وضعت أسسا معينة لإدارة شئون الدولة ومؤسساتها، ومن ضمن هذه المؤسسات الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي، وكان الاتفاق أن يكون رئيس الهيئة من الجنوب إذا كان مقر الهيئة في الشمال والعكس، فكان من نصيب الجنوب رئاسة الهيئة، واتخذت محافظة ذمار مقراً للهيئة، وتم تبادل المناصب على أساس أنه إذا كان المدير من الشمال يكون النائب من الجنوب والعكس. ومنذ الوهلة الأولى تبين أن هناك ترتيبا معينا واتفاقا سريا بين إخوتنا في الشمال لإدارة الهيئة، فإذا كان المدير أو النائب شمالياً يتم اعتماد توجيهه، فأصبح الجنوبيون مجرد ديكور لا حول لهم ولا قوة، أي أن نية الغدر كانت واقعاً مبيتاً.

وبعد حرب 1994 تم الانقلاب على كل المبادئ والأسس التي تم الاتفاق عليها، فتم إقصاء الجنوبيين من كل المناصب بما في ذلك رئاسة الهيئة. ولم يقتصر الأمر على العناصر الجنوبية القيادية، بل اشتمل حتى الكوادر المدنية الجنوبية التكنوقراطية والتي انتقلت للعمل في المحطات البحثية الشمالية، فقد تعرضت أيضاً للإقصاء والظلم الشديد تركز في الحرمان من الترقيات، وحتى عند الترقية لا تعطى لها مستحقاتها كاملة بل نجد أن الشمالي يحظى بالترقيات والعلاوات الغير محدودة وبدون كفاءة تصل مرتباتهم إلى مبالغ خيالية تتجاوز الجنوبي الأكثر كفاءة. وفي الجنوب اكتشفنا إن المناصب العليا لم تكن تعطى إلا للذين هم من أصول شمالية أو الذين ينتمون لحزبي المؤتمر والإصلاح والذين يدينون الولاء لنظام صنعاء وليس حسب مبدأ الكفاءة. وكانت أيضا تجري عملية توظيف شماليين في المحطات الجنوبية سرعان ما يعودوا إلى الشمال ويكون التوظيف محسوباً على الجنوب، وبذلك تم حرمان الشباب الجنوبي من التوظيف وأصبحت محطاتنا البحثية خالية من الكوادر، بل جرت عملية تجريف قاسية يمكن أن تؤدي إلى إغلاقها في المستقبل القريب.



إنها العنصرية بعينها..

خلاصة القول، نقول: إن الإقصاء والتهميش والظلم الشديد لم يطال السياسيين أو العسكريين الجنوبيين فحسب، بل امتد الأمر إلى الكوادر الجنوبية المدنية التكنوقراطية، وهذه هي العنصرية بعينها وما أصاب الوحدة في مقتل، وهذه الأوضاع لم تكن تقتصر على الهيئة، بل أيضا امتدت إلى بقية مؤسسات الدولة، وكان الهدف منها تصنيف الجنوبيين كأفراد من الدرجة الثالثة، وقد رُفضت هذه التراتبية رفضاً تاماً من قبل الجنوبيين. وأتذكر ما حدث جيداً عندما تم بيع السفارات الجنوبية التي كانت تمليكاً (أتحدث هنا عن سفارتنا في الهند) وتم الإبقاء على السفارات الشمالية التي كانت مستأجرة، قيل لنا حينها إن وراء ذلك عملية فساد كبيرة. لكن الأمر ليس كذلك فقد كانت هذه الإجراءات تخفي وراءها محاولات إخفاء وطمس معالم دولة الجنوب ومؤسساتها سلباً وإيجاباً وإزالتها من الوجود بالرغم من إن اتفاقية الوحدة كانت قد أوصت بالإبقاء على كل الأشياء الإيجابية سواء من الدولة الشمالية أو الجنوبية.

على سبيل المثال: أوصت بالإبقاء على الجهاز الإداري والمالي للدولة الجنوبية المشهود له بالنزاهة والكفاءة في إدارة الدولة ومؤسساتها. كما كانت التوصية الأهم وهي اعتماد الدينار كعملة أساسية بدلاً من الريال والذي كان حينها ضعيفاً، ولكن ما حدث هو العكس. واعتُمد النظام الإداري البيروقراطي الذي عانى منه الجنوبيون نتيجة ضياع حقوقهم المادية والمعنوية بسبب عدم القدرة على الصرف لمتابعة مستحقاتهم في صنعاء، والهدف واضح وهو تعزيز قوة المركز في صنعاء وطمس الهوية ومحو كل ما يذكّرنا بالدولة الجنوبية. وإذا ما قام أحد الجنوبيين بالنقد أو الاحتجاج للأوضاع المهترئة سرعان ما توجه له تهمة الدعوة للانفصال، وبذلك يتم إقصاءه بل ومعاقبته في إجراء أشبه بمحاكم التفتيش في العصور الوسطى، ولكن هذه التهم باتت اليوم فخراً ونيشان على صدور الجنوبيين. وتيقن الجنوبيون عندها إننا وقعنا في فخ ولم تعد الوحدة سوى ضم للجنوب واحتلال وضياع للدولة المدنية الحديثة.



فشل محاولات محو هوية الدولة الجنوبية من ذاكرة الجنوبيين

وأخذت أيضاً مظاهر الاحتلال تتكشف نتيجة الإصرار على تعيين المحافظين للمحافظات الجنوبية من غير الجنوبيين، واتخذت مبدأ محافظين شماليين لمحافظات الجنوب، وبعض الجنوبيين لمحافظات الشمال، ولم يكن الهدف من ذلك سوى فرض الاحتلال بالقوة، واستكملت حلقات الاحتلال بفرض عناصر شمالية لإدارة الأجهزة الأمنية من أقسام الشرط إلى الأمن المركزي، كل ذلك لاستحكام القبضة الحديدية على الجنوب. وقد عكست هذه السلوكيات نفسها على دستور الوحدة والذي كان الوثيقة الأساسية التي تجسد النظام السياسي للوحدة المتفق عليها، ولكن للأسف فقد جرى العبث به وتم إجراء التعديلات تلو التعديلات، فقد تم إلغاء المجلس الرئاسي وأصبح القرار منفرداً في شخص رئيس الدولة عفاش (والذي دام حكمه 33 عاما) فلا مجال لصعود أحزاب سياسية أخرى بدلاً عن حزب المؤتمر الشعبي العام، وبذلك لا مجال لأي ديمقراطية فالحكم ثيوقراطي دكتاتوري.

مظاهر وإجراءات كثيرة كان الهدف منها في الأساس إنهاء وإخفاء إي أثر لدولة الجنوب ومحوها من الذاكرة الجنوبية، وقد اتضح فيما بعد أن هذه الإجراءات لم تكن إلا عملية احتلال للجنوب، بل مجرد ضم أراضٍ جنوبية إلى ملكية الشمال دون أي اعتبار لشعب الجنوب، ذلك الكيان الحر الذي لا يعرف العبودية والاستعباد. وليس هناك أصدق مما قاله كبيرهم الأب الروحي للإرهاب على محسن الأحمر عندما كان يتملق شباب ثورة 11 فبراير حينما قال: "عفاش حكم الجنوب بالاحتلال وحكم الشمال بالدكتاتورية"، فقد شهد شاهد من أهلها، فهذا الرجل وحزبه الإصلاح كانا يمثلان الدولة العميقة والتي تمكنت من السيطرة على الوحدة وتصفية الشريك الجنوبي وتدمير مؤسسات الدولة الجنوبية ومحاولة محوها من الوجود، وهي الآن من يرث نظام عفاش ولكن بسلوكها اغتالت الوحدة وأصبح بقاؤها أمراً مستحيلاً.



الموت السريري للوحدة

لقد تتالت لجان إنقاذ الوحدة بعد أن ماتت سريريا لمحاولة معالجة ما يسمى بالاختلالات على الوحدة، ومنها من حدد 18 نقطة (12 لمعالجة القضية الجنوبية 6 نقاط لمعالجة قضية صعدة)، لكن هذه المعالجات لم تجد آذاناً صاغية من الطاغية عفاش بل مزقها ولم يعترف بها.

وخرجت أيضاً لجنة "باصرة – هلال" بكشف يشير إلى 16 شخصية حمّلتها اللجنة مسئولية الاختلالات والفساد والاستيلاء على الأرضي في الجنوب، لكن عفاش لم يتقبلها بل ركبه الاستعلاء والاستكبار والصلف والإنكار رافضاً أي تنازلات ولو شكلية، واستمر العبث في الجنوب. كل هذه المحاولات فشلت لأن العقل السياسي الشمالي قيادة وشعباً وأحزاباً ونخباً كانت تصر على الإبقاء على صيغة الاحتلال والضم للجنوب بل ومقتنعة وراضية بهذا الوضع وليست مستعدة لأي مراجعة شاملة لكل هذه الاختلالات.



صفعة انسحاب التمثيل الجنوبي من مؤتمر الحوار

وأضاعت قوى الشمال فرصاً تاريخية جديدة؛ نقول لترميم الوحدة، لأن الوحدة قد ماتت بعد عام 1994، ولكن كان هناك أملٌ في استيعاب هذه الاختلالات بسقوط عفاش بعد ما يسمى بثورة الشباب 11 فبراير، وتم الاتفاق على عقد مؤتمر الحوار الذي شكل الشباب فيه 40% (اتضح فيما بعد أن معظم هؤلاء الشباب ما هم إلا شباب الإصلاح أو مناصرين له)، لكن نتائج هذا الحوار كان صادماً ومثلما يقول المثل: تمخض الجبل فولد فأراً، فقد رفض الجنوبيون المشاركون في مؤتمر الحوار نتائجه وانسحبوا من الحوار فسارعت القوى الشمالية بتعيين أعضاء آخرين من الجنوبيين للتوقيع ليس إلا، وكان لهم ما أرادوا.

وجرى التطبيل والدعاية لمخرجات الحوار والتي لم تكن تساوي الحبر الذي كتبت به. مجرد كلام إنشائي وحشو وحديث كثير عن الديمقراطية والحرية وإعادة بناء الدولة المدنية، لكنني أتحدى أياً كان أن يعطينا فقرة واحدة تشير إلى حل للقضية الجنوبية سوى تقاسم مؤقت للسلطة على مستوى السلطة التشريعية والتنفيذية مناصفة ين الشماليين والجنوبيين لدورة انتخابية واحدة، وحتى ما يتعلق بالأقاليم الستة فلا توجد أي إشارة تدل على ضوابط وآلية إدارة، هذه الأقاليم وكل ذلك أيضاً لم يعكس في الدستور، ويستغرب المرء ماذا كان يعمل هؤلاء خلال الستة أشهر. ولكن واضح إن هذه المخرجات ما هي إلا حركة غدر جديدة الهدف منها كسب الوقت وأيضاً للاستهلاك الإعلامي والضحك على الذقون. فعند التطبيق العملي لأي مقترحات يكون من السهل عندها التنصل عن أي وعود، فقد رأينا اليوم ما كشفه البحسني محافظ محافظة حضرموت من إصرار هذه القوى في عدم الالتزام بتسليم حصتها المالية من ثروات المحافظة، في حين تقوم هذه القوى بنهب وسرقة إيرادات المحافظة، وبذلك يظل الحديث عن الأقاليم مجرد كلام للاستهلاك.



من يطلق رصاصة الرحمة؟

أما اليوم وبعد حرب دامت خمس سنوات نجد أن الخَلَف لهذا النظام ماهي إلاّ عصابة من قوى المتأسلمين وقادة عسكريين ومشايخ القبائل وتنظيمات إرهابية انتهازية هم في الأساس من الشمال تتستر تحت مظلة الشرعية، لا ترى من الوحدة سوى الغنائم ونهب الثروات، ولحماية مصالحها الخاصة تحاول التشبث بالوحدة، وتستخدم لذلك استراتيجيتين:

الأولى تجنيد جنوبيين واستخدامهم كمرتزقة لخلق فتنة داخل الجنوب بتصوير الأمر وكأن هناك معركة جنوبية جنوبية، وإن هناك فريقاً وحدويا من الجنوب وهم في الواقع قلة قليلة امتهنت القرصنة وتلوث بفكر القاعدة التكفيري وهم لا يمثلون أي مشروع سياسي ولا يكترثون لشيء سوى ما سيجنوه من الفتات من المال من قوى الشمال أصحاب المصالح.

أما الاستراتيجية الثانية فهي استخدام الضغوطات الخدماتية لتركيع الجنوبيين ومضايقتهم، وهذه القوى لا تجد حرجاً من استخدام كل أنواع العقوبات والتعذيب على شعب الجنوب. وهاتان الاستراتيجيتان فاشلتان لسبب بسيط وهو أن الجنوبيين باتوا أكثر استيعابا لمخططاتهم العبثية. حقا لقد انفضح أمرهم وانكشفت نواياهم وأصبحت هذه القوى رمزاً للاحتلال والظلم والقمع والتخلف والإرهاب.

وفي الضفة الأخرى من شمال الشمال نجد الحوثيين، وهي قوى تطمح في إقامة حكم ولاية الفقيه القائم على السلالية، ولكن دون شك لديهم حاضنة شعبية في الشمال، وهذا ليس شأننا فلهم كل الحق في إقامة النظام الذي يختارونهم. وعليه فإن المشهد اليوم أكثر وضوحاً فعلى الأرض هناك سيطرة شاملة للحوثيين على مناطق الشمال وهناك سيطرة شاملة للانتقالي على محافظات الجنوب، وبذلك تكون المسألة قد حُلَّت تلقائيا فقد آن الأوان لفك الارتباط وعودة الدولتين الشمالية والجنوبية وبالتالي إيقاف الحرب والتي ستكون نتائجه في مصلحة الطرفين، ولا مكان بيننا لمن يريد إطالة أمد الحرب واستنزاف البلدين وزيادة معاناة المواطنين.



ظƒظٹظپ ظپط´ظ„طھ ظ…ط/////ط§ظˆظ„ط§طھ ظ…ط/////ظˆ ظ‡ظˆظٹط© ط§ظ„ط¯ظˆظ„ط© ط§ظ„ط¬ظ†ظˆط¨ظٹط© ظ…ظ† ط°ط§ظƒط±ط© ط§ظ„ط¬ظ†ظˆط¨ظٹظٹظ†طں | ط§ظ„ط£ظ…ظ†ط§ط، ظ†طھ
التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح
  رد مع اقتباس