عرض مشاركة واحدة
قديم 12-02-2019, 01:00 PM   #272
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي



الحرب الإعلامية على الهوية الجنوبية


عبدالحكيم العراشي
2019-12-01 09:55:47
عبدالحكيم العراشي
إرشيف الكاتب
الاثنين 01 ديسمبر 2019 - الساعة:09:55:47

تشنّ الدوائر الإعلامية الشمالية هجمة شرسة على هوية الجنوب، وتزعم الدعوات الشمالية لنفسها أنها هي الأصل الذي يسبق الجنوب في الزمان والمكان والثقافة، والذي يتسع لجوانب شاملة من الخبرة الإنسانية والتي تضيق عنها في الجنوب، وبجانب مزاعم الأسبقية في الأصل والسعة في الانطباق، توجد مزاعم بأن الهوية اليمنية هوية شمالية، ويرون هوية الجنوب هوية طفيلية مفروضة على هوية أصلية، وأنها على أفضل الأحوال لا تعدو أن تكون هويةً ثانويةً هامشيةً لها مجال محدود جدّاً تنطبق فيه، وهو مجال لا يتعدى ما يسمى بعلاقة الجنوب بالشمال، أو بما يسموه الابن الضال أو عودة الفرع إلى الأصل.


كما أن قسماً كبيراً من الصراع والمحاججة الفكرية الدائرين الآن على الساحة الإعلامية من قنوات فضائية، ومحطات إذاعية، ومواقع إلكترونية، وصحافة مطبوعة، ووسائل التواصل الاجتماعي يدور حول محور القضية التي نحن بصددها (الهوية)؛ حيث تتخذ التيارات المضادة للجنوب سلاحاً تحارب به الهوية والذاتية الجنوبية؛ وأصبح من المألوف الآن أن يسمع المرء صيحات من نوعية (يمني) .

لكن لا يلتبس عن الفطن المنصف أن مفهوم الهوية المطلقة المشتركة بين خصوصيات الهويات أمر اعتباري (مسلمين، عرب، اليمن، الخليج، الشام...)، وهو مفهوم أكبر للهوية، إلا أن إدراكها إجمالي لا يعني الرفض بالهويات المتداخلة في الإجمال، وهذا يقودنا إلى أن للحضارة سمات كبرى وصغرى، وكل هذه السمات مألوفة.

لكن الجديد في الأمر في الفترة القريبة هو نفي قضية الهوية الجنوبية عندما تطرح من الوجهة الجنوبية، والحجة التي تتكرر كثيراً في كتابات الكثير ممن يطلق عليهم الآن ممثلو النخبة الثقافية والفكرية في الشمال، هي أن قضية الهوية والذاتية والانتماء الجنوبي قد أصبحت جزءاً من ماضٍ بائد، وأن التمسك بهذه المفاهيم والتأكيد عليها لا محل ولا معنى له في عالم تسيطر عليه المفاهيم الشمالية، ويرون أن الحضارة اليمنية هي حضارة الشمال وهويته، وهم بذلك لم يصيبوا كبد الحقيقة؛ لأن اليمن أوسع وأكبر من الشمال والجنوب، فحضارة اليمن هي حضارة للجنوب، كما أن اليمن يمن جنوبي وشمالي.

وفي تشخيص الحالة الراهنة يلمس المراقب أن الموجة الشمالية الغازية التي تستهدف الجنوب تتحرك بوتائر طاغية؛ لأنها تعتمد في انتشارها الأفقي على السياسات والأهداف والتحالفات الشمالية، معتمدة على الخطاب الإنشائي القديم، وتتوغل أفقياً عبر وسائط الاتصال الفائقة السرعة التي أنتجتها ثورة المعلومات.

وتتأتى خطورة المرجعيات الدينية والنخبوية المختلفة في الشمال بوسائلها الإعلامية من أنها تستهدف الثقافة الجنوبية؛ بإلغاء الخصوصيات الثقافية وجعلها تابعة لثقافة الشمال، وبث وتسييد مفاهيم اجتماعية تفيد بتعبية الجنوب للشمال وتهشيم قاعدة المُقَدَّس بإحلال مفهوم الحاد الجنوب في دينهم، وهتك القيم؛ ومن ثم خلق الذهنية القابلة لتطور القيم وكسر الأمور المحرمة التي تحمي ثبات هذه القيم؛ باعتبارها النواة الصلبة والثابتة التي تتمحور حولها مفردات الهوية الجنوبية.

كما أن الموجة العدائية الحديثة للشمال على الجنوب ليست كولونيالية عسكرية، كما أنها ليست غزواً ثقافياً بالمعنى التقليدي؛ إنما هي حملة استئصال ثقافي تستهدف عقيدة الجنوب؛ لأن العقيدة مصدر قوة الهوية.

إن هذه الحملة الخطرة للشمال لا يمكن أن يقف في وجهها الخطاب السياسي للنخب الجنوبية الذي يعتمد البلاغة اللغوية وإثارة العاطفة والحماس الثوري الذي عفا عنه الزمن في زمن التكنلوجيا الحديثة، إنما يلزم لمواجهتها إنتاج برامج منتظمة وفق مراكز معرفية تعتمد المعلومات سلاحاً في المواجهة واستثمار وسائط الاتصال المعاصرة وسيلة ناجعة في إيصال الرسالة المبتغاة.

ومما زاد الطين بِلَّة غياب المرجعيات السياسية والدينية والنخبوية المختلفة في الجنوب الذين لا دور لهم في هذه المواجهة، أضف إلى ذلك رغم تعدد المناهج والرؤى المطروحة في الأفق الجنوبي، لكن هناك انعدام المهارة اللازمة لإدارة هذا التنوع وتوظيفه لصالح هوية الجنوب وقضيته.

التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح
  رد مع اقتباس