عرض مشاركة واحدة
قديم 04-12-2006, 11:39 AM   #39
bagafar
حال نشيط

افتراضي الثبات في حظر القات

اليوم بين يدينا كتاب الثبات في حظر القات لمؤلفه أبو عبدالرحمن عبد المؤمن بن عالم الصومالى وهو كاتب صومالي ممن عاينوا مضار هذا المخدر القات اللعين في بلاده الصومال وماجاورها من بلدان أفريقيه والتي يعتقد أنها المصدر الاول لدخول القات لليمن والتي إنتشر فيها بصوره مفجعه حتى اصبح عاده او سمه من سمات الشعب اليمني التخزين فضاعت الحكمة اليمانيه وإحتلت مكانها ثقافة الإجترار أو الثقافة القاتية التي تحكم اليمن وتسيره الان .


والكتاب مؤلف من مقدمه وسبعه فصول ويحوي العديد من الحقائق التي لم نكن نعرفها والتي سنتطرق إليها في المشاركات القادمه إن شاء الله أترككم الان مع الكتاب.المنقول من موقع المؤلف على النت .




والآن مع الكتاب




بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونسستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله "ياءيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" ياءيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذى تساءلون والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً " ياءيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً.
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار أعاذنا الله منها ؛ ولهذا لا ينبغى للعلماء والدعاة أن يكونوا فى واد والأمة بمشكلاتها وأزماتها فى واد آخر، فإن علماء الإسلام فى القرون الماضية إذا ظهرت فى عصرهم قضية من القضايا ردوها إلى الكتاب والسنة حكموا عليها بما حكما به من الأحكام التكليفية الخمسة ، ولا تزال طائفة من هؤلاء فى عصرنا الحاضر إلا أنهم غرباء
ومعلوم أن الشريعة الإسلامية شريعة كاملة شاملة للقضايا كلها صغيرها وكبيرها دقيقها وجليلها ، والذى يعتقد أن الشريعة غير كاملة وغير شاملة فليعلم أنه فى عمق بحار الجهل غارق ومن دين الله مارق .

فنصوص الكتاب والسنة توجب على الأمة الإسلامية أن تكون منهم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ؛ لأن هذا هو سبب صلاح الناس وفلاحهم وعليه مدار سعادتهم فى قديم الزمان وحديثه قال الله تعالى " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"إن النهى عن المنكر هو مما يقلل فشوه وانتشاره ، وشرع الله جاء بجلب المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها .

فإن موضوع القات فى هذه الأيام من الأهمية والخطورة بمكان ؛ لأننى شاهدت أضراره الخطيرة وعواقبه الوخيمة ، وتحطيمه لأخلاق الأمة رجالاً ونساءً وأطفالاً ، وقد أورثهم دياثة مدمرة وضيّع حقوقاً كثيرة وبذر بذور الشقاق بين الوالد وولده وبين الزوج وزوجته وحمل أصحابه على تضييع الأموال والأوقات وحب الملهيات وترك الصلوات
وقد سرى فى الأمة الصومالية خلال هذه الأعوام الماضية كسريان النار فى الهشيم ، ويورده إليهم المنتفعون وتجار الموت من كينيا بطائرات صغيرة تهبط وتقلع فى المطارات الصومالية الصغيرة بدن رادع مستغلين غياب السلطة ، ويستهلك الفرد منه يومياً بحوالى خمسة عشر دولاراً وخاصة المليشيات المسلحة الذين فعلوا بالضعفاء الأفاعيل ليظلوا بلانوم لأطول فترة ممكنة لمواصلة الحرب والنهب ، وتوضح الإحصائيات أن الصوماليين يستهلكون يومياً بحولى مائة ألف دولار .

وقبل هذا أن الاستعمار قد سعى للاستفادة من هذه العادة وتعميقها حيث كان يستورد القات من الحبشة إلى عدن يومياً وبطائرات خاصة وقد تكلم العلماء قديماً وحديثاً فى حكم القات فى مواضع متفرقة من مؤلفاتهم ورأيت جمعها فى هذا البحث ليكون سهل التناول لمن أراد الوقوف على حكمه ، ويتكون هذا البحث من سبعة فصول ومقدمة ، الفصل الأول فى تعريف القات وطرق تعاطيه، الفصل الثانى :هل القات مخدِّر؟، الفصل الثالث : فى أضرار القات ، الفصل الرابع : فى بيان إحاطة الشريعة بأفعال العباد، الفصل الخامس : فى أدلة تحريم القات ، الفصل السادس : فى الرد على من أباح القات ، الفصل السابع : نصيحة ثمينة للمبتلى بتعاطىالقات ، وسميته بـ"الثبات فى حظر القات" وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم ، كما أسأله جل وعلا أن يهدى المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها إلى التمسك بدينهم وأن يهدى الأمة الصومالية إلى الصراط المستقيم ، وأن يرفع عنها الحرب الأهلية والقبلية النتنة والخصال الجاهلية العفنة ، وأن يذهب عن بلدها كل جبار عنيد ، وكل مجرم عميل إنه عليم بالظالمين ، وأن يغفر لى ولوالدى وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وأن يأخذ بنواصينا إلى الخيرات ، وصلى الله على نبينا محمد الذى أوتى جوامع الكلمات ، وعلى آله وصحبه وأزواجه الطاهرات وسلم تسليماً كثيراً إلى أن تبدل الأرض والسموات .



وكتبه أبو عبدالرحمن عبد المؤمن بن عالم الصومالى
فى القاهرة صباح يوم الإثنين 14 من ربيع الأول 1420هـ




الفصل الأول

تعريف القات وطرق تعاطيه


تعريف القات

القات شجرة دائمة الخضرة ، ويتراوح طول شجرة القات خمسة وعشرة أمتار وأوراق الشجرة بيضاوية مدببة ، وتقطف للمضغ وهى صغيرة السن يبلغ عمرها أياماً أو لا يزيد على أسابيع قليلة أى بعد القطف ، تنمو نبتة القات فى اليمن وهى أهم مناطق زراعته فى العالم وينشر فى جميع - وهى المناطق الجبلية - والحبشة والصومالووصفه بعض المؤرخين بأن طعمه حامض ، وأن لونه أحمر مع رثة من السواد ، يقول الدكتور عبد الله بن محمد الطيار : القات هو نبات ذو شجيرات صغيرة صالحة للنمو بكل تربة وتحت أى مناخ ولا تحتاج إلى عناية ومتابعة ولا تصيبها الأمراض ولا يأكلها الجراد .

ويحتوى القات على مادة فعّالة تسبب النشاط المصحوب بالخمول مع حالة تشبه حالة الحالم بالإضافة إلى مواد أخرى لم يتم عزلها حتى الآن .


طرق تعاطى القات

تختلف طرق تعاطى القات من بلد لآخر وتحكمها عوامل كثيرة منها الفترة التى يصل فيها لمتعاطيه ، وكذلك العادات التى جرت عليها طرق تعاطى القات وهناك بشكل عام طرق لتعاطى القات هى .


طريقة المضغ "التخزين"فى القات الغض


ويأخذ بهذه الطريقة ماضغ القات غصناً من أغصان القات ، ويضعها فى الفم وتظل فى شدقه حتى يستحلب كل عصيرها ويستعين بشرب الماء أو الشاى أوأى مشروب غازى آخر لتحلية مذاقه .

وتستغرق هذه العملية من 5-8 دقائق ثم يكرر نفس العملية حتى انتهاء فترة المضغ التى تتم عند معظم متعاطيه خلال فترة 6ساعات تقريباً وهذه الطريقة فى القات الغض وتنتشر فى اليمن والحبشة .


طريقة تعاطى القات الجافّ

يسحق القات ثم يوضع المسحوق فى ماء حتى يصبح له قوام عجينى ثم يمضغ وتنتشر هذه الطريقة فى السعودية والخليج العربى .

وهناك طريقة أخرى وغالباً ما تستعمل فى جنوب أفريقيا وهى تحضير القات بطريقة تحضير الشاى تماماً ويقال : إن هذه الطريقة كانت تستعمل فى اليمن أيضاً حتى سمى الأجانب القات " شاى العرب .


طريقة تدخين القات

يُدخَّن القات كالطباق تماماً أو الحشيش أى يصنع سجائر أو يدخن فى المداعة ، والأجزاء التى تستعمل لهذا الغرض هى البراعم الزهرية والأوراق الصغيرة إذا تفتتت وتلف سجائر وهذه الطريقة تستعمل غالباً فى البلدان الممنوع دخول القات فيها ولكن هذه الطريقة نادرة .


الفصل الثانى

هل القات مخـــدِّرٌ


لا شك أن هذا السؤال مثير وكل واحد يبغى له جواباً عاجلاً ولكى تعرف الإجابة الشافية يجب أن نعلم أن الإنسان فى بحثه عن السكينة واللذة وفى مكافحته للألم تعامل مع عدد من النباتات المتميزة بخواص وصفية ، ومن هذه النباتات ماهو شاف من الداء العضال ومنها هو سم قتال وبعض الناس يرى أن القات لا تأثير له سوى تنشيط الذاكرة وإزلة الهم ويرى البعض الآخر أنه مخدر ومفتر .

والصحيح أن القات مخدر ومفتر بشهادة كثير من الأطباء قديماً وحديثاً ، وتحقق أنه يحتوى على مواد مخدرة وسيأتى إن شاء الله مايؤكد ذلك .

الخدر مأخوذ من الخدر وهو الضعف والكسل والفتور والاسترخاء ، وأما القول بأن القات لا تأثير له سوى تنشيط الذاكرة فقول مخالف للحقيقة والواقع .

وأكثر من يدافع عن القات وينكر أنه مخدر هو من ابتلى بتعاطيه ، وأن الإنسان إذا أحب شيئاً دافع عنه بكل وسيلة ، ويرى منافعه دون مضاره ومحاسنه دون مساويه وهذا كما قيل حبك الشئ يعمى ويصم وقديماً قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى - والإنسان إذا فسدت نفسه أو مزاجه يشتهى ما يضره ويلتذ به بل يعشق ذلك عشقاً يفسد عقله ودينه وخلقه وماله .
ومن فقد الميزان المستقيم الكتاب والسنة غرق فى بحار الهوى يفعل ما تشتهى نفسه ويترك ما تكرهه حتى ولو كان ما يفعله مضراً له وما يتركه نافعاً، حتى أن بعض أهل اليمن يعتقد أن الذى لا يخزن القات هو رجل بخيل وغير مكتمل الرجولة وقال شاعرهم .


يا عاذلى عن حصول القات مت كمداً * * * لا نترك القات أحياء وأمواتاً


وقد أدرج القاتَ المؤتمرُ الإسلامى العالمى لمكافحة المسكرات والمخدرات والذى عقد فى المدينة المنورة فى الفترة من السابع والعشرين إلى الثلاثين من شهر جمادى الأولى لعام اثنين وأربعمائة وألف للهجرة النبوية ، بدعوة من الجامعة الإسلامية ضمن المخدرات وقرر المؤتمر بعد استعراض قدم إليه من بحوث حول أضرار القات الصحية والنفسية والخلقية والاجتماعية والاقتصادية أنه من المخدرات المحرمة شرعاً ؛ ولذلك فإنه يوصى الدول...بتطبيق العقوبة الشرعية الرادعة على من يزرع أو يروِّج أو يتناول .


الفصل الثالث

أ ضرار القات



لا شك أن للقات أضراراً خطيرة وعواقب وخيمة وآثاراً سيئة فينبغى لنا أن نشير إلى بعض من هذه الأضرار مفصلة على النحو التالى .

أولاً : الضرر البدنى

يسبب القات أمراضاً فتاكة يهيج الباسور ويفسد المعدة ويضعف البدن ويدر الودى ويحطم الأضراس ، ويضعف شهية الأكل ، وقد يسبب مرض الكلى ويسبب أيضاً عند الكبار من متعاطيه سدة قلبية واستسقاء رئوياً أو نزيفاً فمياً كما يسبب عند الشبان اتفاعاً فى ضغط الدم .

ومن الآثار التى تظهر على متعاطى القات زيادة فى التنفس وارتفاع فى حرارة الجسم واتساع فى حدقة العين ، وكذلك التهاب فى الفم وفى غشاء المعدة عند المدمنين والإمساك ويحدث بسبب ما فى القات من قدر غير صغير من " التتنين " وهى مادة قابضة وكذلك المادة الفعّالة فى القات ، ومن أدلة أن القات يسبب الإمساك أنه عندما منع استيراد القات فى عدن فى عام 1957م هبطت المبيعات من العقاقير الملينة والمسهلة نحو تسعين فى المائة .
القات والسرطان

ذكر أهل العلم بالطب أن القات يسبب السرطان قال رجل الأعمال اليمنى عبد الواسع هايل سعيد : إنه يصيب المتعاطى بالسرطان وقد كان فى زيارة للقاهرة وذهب مع أحد المرضى إلى مستشفى معروف وهناك وجد خمسة مرضى من اليمنيين وتبين بعد الفحص الطبى لهم أنهم مصابون بالسرطان فى اللثة أو القولون أوالمعدة ولما كانت هذه حالة غريبة ونتيجة لاعتراف المرضى بأنهم يتعاطون القات فقد أرسل الأطباء المصريون للحصول على بعض أشجاره وأوراقه وأجروا تحليلاً معملياً له فاتضح أنه به مادة تسبب الإصابة بالسرطان وهى التى أصابت المرضى اليمنيين به وقال عبدالواسع : إن هذه النتيجة قد تأكدت بعد ذلك علمياً .

ولذا قال عنه الشاعر سليمان العيسى :


سم به وطن الأحرار يقتات * سم يدمر من عاشوا ومن ماتوا

متى ستنفض عنك الداء يا بلدى * متى سيعدم هذا المجرم القات


ثانياً : الضرر النفسى

هذا الضرر يغفل عنه الناس أو أكثرهم وأقصد به أن الاعتياد على تعاطى القات يستعبد إرادة الإنسان ويجعلها أسيرة لهذه العادة السخيفة التى لا تصدر عن عاقل بحيث لا يستطيع أن يتخلص منها بسهولة إذا رغب فى ذلك يوماً لسبب ما كظهورها على بدنه أو سوء أثرها فى تربية ولده أو حاجته إلى ما ينفق فيها لصرفه فى وجوه أخرى أنفع وألزم أو نحو ذلك من الأسباب .

ونظرأ لهذا الاستعباد النفسى ترى بعض المتعاطين يجور على قوت أولاده والضرورى من نفقة أسرته من أجل إرضاء مزاجه هذا ؛ لأنه لم يعد قادراً على التحرر منه وإذا عجز مثل هذا يوماً عن القات لمانع داخلى أو خارجى فإن حياته تضطرب وميزانه يختل وحاله تسوء وفكره يتشوش وأعصابه تثور لسبب أو لغير سبب ولربما اضطر إلى تعاطى الخمر حتى يقطع تأثير القات عن نفسه ، ولا ريب أن مثل هذا الضرر كاف فى خطورته .

ثالثاً : الضرر الاجتماعى

للقات ضرر اجتماعى كبير وذلك أن متعاطيه لا يهتم بزوجته وأولاده وأقربائه بل يهمل شئونهم ومتطلباتهم ويصرف كل همه فى تحصيل القات وينفق أمواله فى شرائه مع أنهم فى أمسّ الحاجة إلى تلك الأموال .

إن أهم أسباب الطلاق فى أسر ماضغى القات هو ذلك الحبيب الأغلى عندهم من زوجاتهم وهو القات إذ أن الزوجة لا تستطيع أن تتحمل غياب زوجها وعدم اهتمامه وبالأطفال وبحاجاتهم لذلك لا تجد سوى العودة إلى منزل أهلها ولربما يكونون هم أيضاً محتاجين لها لكون أحد أقربائها قد طلق زوجته لنفس السبب ..... وهكذا يرتفع شعار تفتيت الأسرة فى سبيل القات .

ولا يخفى أن إهمال الأسرة وعدم الاهتمام بها ضرر اجتماعى يؤدى إلى التشرد والتشتت وعدم الاستقرار العائلى ويخل بأمر الشارع بحسن المعاشرة بين الزوجين والإحسان إلى الوالدين والأقربين قال الله تعالى " واعبدو الله ولا تشركوا به شيئاً وبالولدين إحساناً وذى القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وماملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً .

رابعاً : الضرر الدينى

هذا الضرر أعظم خطراً على الدين من الأ ضرار السابقة لأنه ضرر يؤدى مباشرة إلى إهمال فرائض الله تعالى وحدوده ومعلوم أن القات يثقل على العبد أداء الواجبات لا سيما الصلوات الخمس ؛ لأن مضغ القات يستدعى فترة طويلة يخزِّن فيها المتعاطى القات ويلازم فى غرفته مكاناً بعيداً عن الهواء لأن القات لا يأتلف مع الهواء ومع البرد ويصعب عليه الخروج من مكانه حتى تنتهى جلسة القات ، فإن كان المتعاطى من الذين كانوا يصلون كرهت نفسه الانفكاك عن القات إذا سمع الأذان ، ويؤخر الصلاة عن وقتها ، وأما أكثرهم فحملهم على ترك الصلوات واستحوذ عليهم الشيطان واتبعوا الشهوات ، وكلنا يعلم أن الصلاة هى الركن الثانى من أركان الإسلام ، فالله عز وجل أمرنا بالمحافظة عليها كما أنها فارق أساسى بين المسلم والكافر ، قال الله تعالى : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى " وقا ل تعالى : " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً " وقال تعالى :" فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً " وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة " وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله " وقال عبدالله بن شقيق العقيلى : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شيئاً تركه كفر غير الصلاة " وقد روى الحافظ ابن أبى شيبة رحمه الله تعالى أن المسور بن مخرمة وابن عباس رضى الله عنهما دخلا على عمر رضى الله عنه حين طعن فقال : الصلاة فقال : إنه لا حظ لأحد فى الإسلام أضاع الصلاة فصلى وجرحه يثعب دماً رضى الله عنه .

والتكاسل عن الصلاة صفة من صفات المنافقين ، قال الله تعالى : إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً " وقال تعالى : " وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلى أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون .

والنصوص الواردة فى أهمية الصلاة والتحذير من إضاعتها كثيرة ، وهذا القدر كاف إن شاء الله فى الاستدلال ، فكل ما حمل العبد على كراهة الخير فهو شر وضرر ، وليس هناك ضرر أخطر من التكاسل عن الصلاة .


الفصل الرابع

بيان إحاطة الشريعة بأفعال العباد


لا شك أن كل قضية من القضايا تحتاج إلى دليل من الشرع ولا يجوز لأحد أن يقول هذا حلال وهذا حرام بدون دليل منه ؛ لأنه قول على الله تعالى بغير علم والقول على الله تعالى بغير علم حرام ، قال تعالى : " قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغى بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزِّل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " وقال تعالى : " ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لايفلحون " وهناك من يقول : كيف يحرَّم القات بدون نص من الكتاب أو السنة وهو نبات من النباتات ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍

والجواب أنه ليس من الضرورى أن ينص الشارع على كل فرد من المحرمات ولكن يضع ضوابط أو قواعد تندرج تحتها جزئيات شتى ، وأفراد كثيرة ؛ فإن القواعد يمكن حصرها أما الأفراد فلا يمكن حصرها ويكفى أن يحرم الشارعُ الشيئ الخبيثَ أو الضارَّ ليدخل تحته ما لايحصى من المطعومات والمشروبات الخبيثة أو الضارة ؛ ولهذا أجمع العلماء على تحريم الحشيشة ونحوها من المخدرِّات مع عدم وجود نص معين بتحريمها على الخصوص .

فالشريعة الإسلامية محيطة بأفعال العباد ؛ ولهذا أمرنا الله تعالى إذا تنازعنا فى شئ أن نرده إلى الكتاب والسنة ، وهذا يدل على شمول الشريعة لكل حكم وصلاحيتها لكل زمان ومكان ، قال الله تعالى : " ياءيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شئ فردوا إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً " قال العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى : " إن قوله تعالى " فإن تنازعتم فى شئ " نكرة فى سياق الشرط تعم كل ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين دقه وجله جليه وخفيه ولو لم يكن فى كتاب الله ورسوله بيان حكم ما تنازعوا فيه ولم يكن وافياً لم يؤمر بالرد إاليه إذ من الممتنع أن يأمر تعالى بالرد عند النزاع إلى من لا يوجد عنده فصل النزاع ، وقال تعالى : " مافرَّطنا فى الكتاب من شئ " أي ما تركنا شيئاً من أمر الدين إلا وقد دللنا عليه فى القرءان إما دلالة مبيَّنة مشروحة وإما مجملة يتلقى بيانها من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو من الإجماع أو من القياس الذى ثبت بنص الكتاب ، قال تعالى: وأنزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شئ " وهذا أحد التفسيرين للآية ، قال مجاهد بن جبر التابعى الجليل رحمه الله تعالى فى قوله عز وجل " تبياناً لكل شئ " كل حلال وحرام ، وتبين لنا من هذه النصوص أن الشريعة الإسلامية محيطة بأفعال العباد وصالحة لكل زمان ومكان، وسنورد إن شاء الله تعالى أدلة من الكتاب والسنة على حرمة تعاطى القات مستعينين بالله العلى القدير ومتوكلين عليه إنه نعم المولى ونعم النصير .


الفصل الخامس

أدلة تحريم القات


هناك أدلة من الكتاب والسنة تدل على حرمة تعاطى القات فنذكرها بحول الله وقوته مع بيان وجه الاستدلال منها ، أما الدليل الأول من الكتاب فقول الله تعالى فى وصف رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم " الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوباً عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم " وجه الدلالة من الآية واضح وذلك أن من صفات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ، لا شك أن القات لا يكون من الطيبات التى أحلت لنا بلا منازعة ، بل هو معدود فى الخبائث لأضراره الخطيرة ، وعواقبه الوخيمة فى الدين والدنيا والنفس والبدن والمال والأهل لا يتجاهلها إلا مكابر

والقات خبيث من عدة أوجه

الوجه الأول : أنه ضار بصحة الإنسان عموماً مع كونه مغيرأً للأسنان وغير مستساغ لمرارته وبشاعته

الوجه الثانى : أنه محطم للقوة البدنية والعقلية والنفسية

الوجه الثالث : أنه يستعبد متعاطيه بأن يجعل همه مقصوراً على تحصيله

الوجه الرابع : أنه سبب للغفلة عن ذكر الله تعالى وعبادته بحيث يكون متعاطيه سابحاً فى بحار الأوهام والخيالات منغمساً فى الملهيات غير مكترث بالواجبات قلما تجد ماضغ القات يحافظ على الصلوات

الوجه الخامس : أنه يضيع الوقت فى عبث فارغ لا فائدة ترجى من ورائه هذا غيض من فيض ، وليس كون الشئ من الطيبات أو من الخبائث بأمزجة الناس أو وجهات نظرهم ؛ لأن الأمزجة فى الأمر الواحد قد تختلف ووجهات النظر فيه قد تتباين ، فمثلاً أنت ترى شيئاً أنه نافع ويراه غيرك فى الوقت ذاته ضاراً فى وجهة نظره ، قال جمهور العلماء : الطيبات التى أحلها الله ماكان نافعاً لآكله فى دينه والخبيث ماكان ضاراً له فى دينه ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى " فكل ما نفع فهو طيب وكل ما ضر فهو خبيث والمناسبة الواضحة لكل ذى لب أن النفع يناسب التحليل والضرر يناسب التحريم والدوران ، فإن التحريم يدور مع المضار وجوداً فى الميتة والدم ولحم الخنزير وذوات الأنياب والمخالب والخمر وغيرها مما يضر بأنفس الناس وعدماً فى الأنعام والألبان وغيرها " . فأما من ألف القات واعتاده فلا يرى خبثه كالجعل لا يستخبث العذرة ؛ ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى كما سبق : والإنسان إذا فسدت نفسه أو مزاجه يشتهى ما يضره ويلتذبه بل يعشق ذلك عشقاً يفسد عقله ودينه وخلقه وبدنه وماله ، وأما ما يجده بعض الناس من راحة نفسية فى تعاطى القات فليس منفعة ذاتية فيه وإنما ذلك لاعتياده عليه وإدمانه له فهو لهذا يرتاح لاستعماله شأن كل ما يعتاده الإنسان تعاطيه مهما كان مؤذيا وضارا غاية الضرر .

والد ليل الثا ني من الكتا ب قو له تعا لي " ولاتلقوا بأ يد يكم إ لي التهلكة"وجه الدلالة من الآية أن الله تعا لي نهانا عن كل ما يؤدى بنا إلي الهلاك فى غير طاعة ، وتعاطى القات يؤدى بالإنسان إلى الهلاك عاجلا أو آجلا

قال أبوجعفر بن جرير الطبرى رحمه الله تعالى عندما أورد أقوال السلف فى تفسير الآية "فإذا كانت هذه المعانى كلها يحتملها قوله تعالى "ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة" ولم يكن الله عز وجل خص منها شيئا دون شئ فالصواب من القول فى ذلك أن يقال"إن الله تعالى نهى عن الإلقاء بأيدينا لما فيه هلاكنا "وأما التهلكة فإنها التفعلة من الهلاك"وقال أبوحيان محمد بن يوسف الأندلسى رحمه الله تعالى " بعد سرده لأقوال المفسرين فى الآية": وهذه الأقوال كلها تحتمل هذه الآية والظاهر أنهم نهوا عن كل ما يؤول بهم إلى الهلاك فى غير طاعة الله تعالى" وقال جمال الدين القاسمى : وقوله تعالى "ولاتلقوا بأيديكم " أى ما يؤدى إلى الهلاك أى لا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى الهلاك وذلك بالتعرض لما تستوخم عاقبته جهلا به " لاريب أن القات يؤدى إلىالهلاك بلا نزاع وأنه مما تستوخم عاقبته ، والواقع شاهد على ذلك .

والدليل الثالث من الكتاب قوله تعالى ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً ) وأما وجه الدلالة من الآية فهو أن الله تعالى نهانا عن قتل أنفسنا وهذا يحتمل وجهين : الوجه الأول أن يقتل بعضنا بعضاً وهو منهى عنه بنصوص أخرى كثيرة ، والثانى :أن يتسبب المرء فى قتل نفسه وذلك بأن يمارس ما يقضى على حياته وهو محل الشاهد من الآية فى مقامنا هذا ، ولا يجوز لأحد أن يمارس ما يقضى على حياته فى غير طاعة الله , وتسبب الإنسان فى قتل نفسه أمر خطير جداً وقد قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم : كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات ، قال الله عز وجل: عبدى بادرنى بنفسه حرمت عليه الجنة، قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى : الحديث أصل كبير فى قتل النفس سواء كانت نفس الإنسان أو غيره لأن نفسه ليست ملكه أيضاً فيتصرف فيها على حسب ما يراه ، وقال الحافظ ابن حجر العسقلانى رحمه الله تعالى : وفى الحديث تحريم قتل النفس سواء كانت نفس القاتل أو غير ه وفيه الوقوف عند حقوق الله تعالى ورحمته بخلقه حيث حرم عليهم قتل نفوسهم وأن الأنفس ملك الله .... وفيه تحريم تعاطى الأسباب المفضية إلى قتل النفس .

لا شك أن كل ما يعرض النفس للهلاك عاجلاً أوآجلاً محرم شرعاً فالقات إن لم يعرض النفس للهلاك فى العاجل فإنه يعرضها له فى الآجل بدون شك ؛ ولذا قال الشيخ محمد بن سالم البيحانى رحمه الله تعالى : ومعلوم من أمر القات أنه يؤثر على الصحة البدنية فيحطم الأضراس ويهيج الباسور ، ويفسد المعدة ويضعف شهية الأكل ويدر السلاس وربما أهلك الصلب وأضعف المنى وأظهر الهزال وسبب القبض المزمن ومرض الكلى وسيأتى كلامه بتمامه إن شاء الله تعالى .

والدليل الرابع من الكتاب قوله تعالى : وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً * إن المبذر كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً ، أمرنا الله عز وجل بإيتاء ذى القربى حقه والمسكين ونهانا عن التبذبر وهو تفريق المال فى غير موضعه مأخوذ من تفريق حبات وإلقائها كيفما كان من غير تعهد لمواقعه ، وقوله جل ذكره " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " تعليل للنهى عن التبذير ببيان أنه يجعل صاحبه ملزما فى قرن الشياطين ،ً والمراد بالأخوة المماثلة التامة فى كل ما لا خير فيه من صفات السوء التى من جملتها التبذير .

والدليل الخامس من الكتاب قوله تعالى : ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ، فالله عز وجل نهانا فى الآية عن الإسراف وهو تجاوز الحد فى صرف المال ويدخل فى ذلك إضاعته من باب أولى وثبت فى صحيح البخارى من حديث المغيرة بن شعبة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم كان ينهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعةالمال ، قال الإمام النووى رحمه الله تعالى : وأما إضاعة المال فهو صرفه فى غير وجوهه الشرعية وتعريضه للتلف وسبب النهى أنه إفساد والله لا يحب المفسدين ؛ ولأنه إذا أضاع ماله تعرض لما فى أيدى الناس , وقال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى : وأما إضاعته فحقيقته المتفق عليها بذله فى غير مصلحة دينية أو دنيوية وذلك ممنوع ؛لأن الله تعالى جعل الأموال قياماً لمصالح العباد وفى تبذيرها تفويت لتلك المصالح إما فى حق مضيعها أوفى حق غيره فكيف إذا كان مع تبذير المال وإضاعته والإسراف فيه ضرر يقيناً أو ظناً أى أنه اجتمع عليه إتلاف المال والبدن معاً ، والذى يتعاطى القات مع إسرافه وتبذيره وإضاعته للمال يضيع حقوقاً كثيرة بسبب القات يضيع حقوق زوجته وأولاده ويجور على قوتهم والضرورى من نفقتهم وقد قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم : كفى بالمرء إثما ً أن يضيع من يقوت ، فالحديث يدل على وجوب النفقة على الإنسان لمن يقوته فإنه لا يكون آثماً على تركه لما يجب عليه وقد بولغ هنا فى إثمه بأن جعل ذلك كافياً فى هلاكه عن إثم سواه .

انظر إلى ما رتب على إضاعة المال فى القات و تبذيره فيه من التضييق على الفقراء والمساكين وحرمانهم من الصدقة بعد التضييق على الزوجة والأولاد وحرمانهم من النفقة الواجبة .

ويهدر مع ذلك كله وقتا كثيراً لأن تخزين القات يتطلب فترة طويلة وتراهم يجلسون من بعد الظهر حتى منتصف الليل أو آخره ، استمع إلى هذا الخبر المفجع قال أحد الزائرين لليمن : كان لا بد أن نحضر جلسة قات وانتهت الجلسة وثارت ثائرتنا على ما شهدنا وتوجهنا مباشرة إلى مكتب رئيس وزراء اليمن دولة محسن العينى نسأله بكل بساطة : لماذا لا تمنعون القات بجرة قلم وتريحوا البلاد من مآسيه ومشاكله ونظر إلينا رئيس الوزراء وقال بألم ومرارة : ما من شك أن فى سؤالكم الكثير من الغيرة ولكن مشلكة القات لا يمكن حلها بجرة قلم وكم بودى أن أوقع فى هذه اللحظة قراراً يمنع القات إذا كان يقضى على هذه المشكلة ولكنى أعلم أنها سوف تخلق لليمن مائة مشكلة أكثر تعقيداً من مشكلة القات نفسه ويتابع رئيس وزراء اليمن كلامه يكفى أن أذكرلكم أن اليمن تخسر سنوياً ما يزيد على ثلاثة آلاف مليون وخمسمائة مليون ساعة عمل ، إن هذا الوقت الهائل هو الذى يقضى أبناء اليمن فى مضغ القات وتخزينه كل سنة إنه وقت ثمين للغاية بلا دنا فى أمس الحاجة إليه يضيع هكذا دون أى فائدة أو مكسب للبلاد فيصيب اقتصادنا القومى بخسائر فادحة تصوروا أننا حاولنا دعوة موظفى الحكومة للعمل فى الدواوين بعد الظهر لنسرع فى حل بعض مشاكل اليمن المستعجلة ولكن مواعيد تخزين القات وقفت حائلاً بيننا وبين تحقيق أمنيتنا إنها مأساتنا ومشكلتنا الكبرى .

أ خى الكر يم انظر الى فداحة هذه الخسارة نظرة فاحصة مد ققة كى تد رك جناية هذا الشجر الفاتن على الوقت الذى هو من أجل النعم التى منحها الله تعالى للإ نسان ورغم ذالك يهمل كثيرا فى استخدامه بفاعليه وكفاءة .

لقدعنىالقرآن الكريم والسنة المطهرة بالوقت من نواج شتى وصور عديدة ، فقد بين الله تعالى أهميته وعظم نعمةالله فيه فيقول الله تعا لي في معر ض الامتنا ن وبيان عظيم فضل الله علي الإنسان .

وسخّر لكم الشمس والقمر دا ئبين وسخّر لكم الليل والنهار * وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها .

وقال تعالي: وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آ يةالليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب .

وجاءت السنة النبوية لتؤكد قيمة الوقت وتقرر مسؤلية الإنسان عنه أمام الله تعالى يوم القيامة قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم ( لاتزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه ؟ وعن علمه فيما فعل ؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ؟ وعن جسمه فيما أبلاه ؟

وقد أدرك العقلاء والحكماء أهمية الوقت وقيمته , فقال بعضهم : الوقت كالذهب ، وقال آخرون : الوقت كالسيف ، ورحم الله الشيخ الذى قال : الوقت هو الحياة .

لا شك أنه أغلى من الذهب وأحد من السيف .

أما الدليل الأول من السنة فحديث أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وآله وسلم ورضى الله عنها قالت : نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن مسكر ومفتِّر ، قال أبو سليمان الخطابى رحمه الله تعالى : المفتر كل شراب يورث الفتور والرخوة فى الأعضاء والخدر فى الأطراف وهو مقدمة السكر ونهى عن شربه لئلا يكون ذريعة إلى السكر ، والمفتر أيضاً هو الذى يفتر الجسد إذا شرب أى يحمى الجسد ويصير فيه فتوراً وهو ضعف وانكسار .

والقات مفتر ومخدر إن لم يكن من المسكرات ، وله أصول فعالة منها " الكاثين " ولهذه الأصول تأثيرات نفسية تتم بالتأثير فى الجهاز العصبى لكل من يتعاطى القات ومن أهم هذه التأثيرات " التنشيط العام " ويظهر مفعول القات النفسى على عدة أشكال .

أولاً : زيادة التوتر العصبى

ثانياً : زيادة استعداد الشخص لتقبل الأشخاص الجدد وتعرفه عليهم بسهولة
ثالثاً : زيادة فى الحركة والنشاط

رابعاً : زيادة فى الإثارة
خامساً : الاتجاه إلى العنف

سادساً : الاضطراب

سابعاً : تصرفات لا إرادية يلى ذلك كله السهر والأرق مع ارتفاع فى حرارة الجسم ، وقد يؤدى تعاطى القات بكميات كبيرة فى بعض الحالات النادرة إلى ظهور أعراض التسمم التى تؤدى إلى الهلوسة وجنون العظمة والهيجان العصبى

يقول الدكتور عبد الله بن محمد الطيار : تعاطى القات يؤدى إلى الشعور بالخفة و النشاط والثرثرة وتحسين الاندماج مع الأصدقاء والتهيج والأرق وباسمرار تعاطى القا ت يدخل الشخص فى دائرة الاعتماد النفسى الذى يتميز بالحاجة الملحة فى الحصول على القات ويصاب المدمن بعدة أعراض صحية منها تمدد حدقة العين ، الإسراع فى ضربات القلب ، ارتفاع ضغط الدم ، احتقان الملتحمة ، الصداع وفقد الشهية للطعام ، الضعف الجنسى الذى ينتهى بالعجز الكلى فى مراحله المتأخرة .

وقال الشيخ عبد الله بن جار الله : القات نبات مخدر ومفتر يزرع فى اليمن وفى غيرها .

ويجدر هنا أن نسوق كلام الشيخ محمد بن سالم البيحانى رحمه الله تعالى بتمامه فى شرح حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما فى الخمر والمسكرات ، فقال : وهنا أجد مناسبة وفرصة سانحة للحديث عن القات والتنباك والابتلاء بهما عندنا كثير ، وهما من المصائب والأمراض الاجتماعية الفتاكة وإن لم يكونا من المسكر فضررهما قريب من ضرر الخمر والميسر لما فيهما من ضياع المال وذهاب الأوقات والجناية على الصحة ، وبهما يقع التشاغل عن الصلاة وكثير من الواجبات المهمة ولقائل أن يقول هذا شئ سكت الله عنه ولم يثبت على تحريمه والامتناع منه أى دليل وإنما الحلال ما أحل الله والحرام ما حرمه الله فقد قال جل ذكره " هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعا ً " وقال تعالى : " قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحاً أو لحم خنزير " وصواب ما يقول هذا المدافع عن القات والتنباك ، ولكنه مغالط فى الأدلة ومتغافل عن العمومات الدالة على وجوب الاحتفاظ بالمصالح وحرمة الخبائث ، والوقوع فى شئ من المفاسد ، ومعلوم من أمر القات أنه يؤثر على الصحة البدنية ، فيحطم الأضراس ويهيج الباسور ، ويفسد المعدة ويضعف شهية الأكل ويدر السلاس - وهو الودى - وربما أهلك الصلب وأضعف المنى وأظهر الهزال ، وسبب القبض المزمن ومرض الكلى ، وأولاد صاحب القات غالباً يخرجون ضعاف البنية صغار الأجسام قصار القامة ، قليل دمهم مصابين بعدة أمراض خبيثة.


إذا رمت أن تعرف آفة الآفات ** فانظر إلى إدمان مضغ القات

القات قتل للمواهب والقوى ** ومــولـــد للــهم والحـــــــــسرات

ما القات إلا فكرة مسمومة ** ترمى النــفوس بأشبـــع النكـــبات

ينساب فى الأحشاء داء فاتكا ** ويعرض الأعصاب للصدمات

يذر العقول تتيه فى أوهامها ** ويذيقــها كأس الشـــقاء العـــاتى

ويميت فى روح الشباب طموحه ** ويذيب كل عزيمة و ثبات

يغتال عمر المرء مع أمواله ** ويريه ألــوانــاً مــن النقـــمات

هو للإرادة والفتوة قاتل ** هو ماحق للأوجـــــــــــه النضرات

فإذا نظرت إلى وجوه هواته ** أبصرت فيها صفرة الأمــــوات

وهذا مع ما يبذل أهله فيه من الأثمان الغالية المحتاج إليها ، ولو أنهم صرفوها فى الأغذية الطيبة وتربية أولادهم ، وتصدقوا بها فى سبيل الله لكان خيراً لهم وصدق شاعرنا القائل :


عزمت على ترك التناول للقات ** صيانة عرضى أن يضيع وأوقاتى

وقد كنت عن هذا المضر مدافعاً ** زمانا طويلاً رافــــعاً فيه أصـواتى

فلما تبينت المضــــــرة وانجــلت ** حقــيقتــه بادرتـــه بالمــــــنــاواة

وقيمة شارى القات فى أهل سوقه ** كقيمة ما يدفـعه من ثمن القــــات


وإنهم ليجتمعون على أكله من منتصف النهار إلى غروب الشمس وربما استمر الاجتماع إلى منتصف الليل يأكلون الشجر ، ويفرون أعراض الغائبين ، ويخوضون فى كل باطل ، ويتكلمون فيما لا يعنيهم ، ويزعم بعضهم أنه يستعين به على قيام الليل ، وأنه قوت الصالحين ، ويقولون جاء به الخضر من جبل قاف للملك ذى القرنين ، ويرون فيه من الحكايات والأقاصيص شيئاً كثيراً وربما رفع بعضهم عقيرته بقوله :

صفت وطابت بأكل القات أوقاتى

كـــله لما شئت من دنيا وآخرة

ودفع ضر وجلــب للمــــسـرات


ومن الشيوخ الذين قضى القات على أضراسهم من يدقه ويطرب لسماع صوت المدق ثم يلوكه ويمص ماءه ، وقد يجففونه ثم يحملونهم معهم فى أ سفارهم ، و إذا رأهم من لا يعرف القات سخر منهم وضحك منهم وإن أحد المصريين ليقول فى قصيدته يهجو بها اليمنيين .


أسارى القات لا تبغوا على من ** يرى فى القات طباً غير شافى


أما التنباك وهو التبغ فضره أكبر ، والمصيبة به أعظم ولا يبعد أن يكون من الخبائث التى نهى الله عنها ، ولو لم يكن فيه من الشر إلا ما تشهد به الأطباء لكان كافياً فى تجنبه ، والابتعاد عنه ، وقد أفرط جماعات من المسلمين فى حكمه حتى جعلوا مثل الخمر وحاربوه بكل وسيلة ، وقالوا بفسق متعاطيه ، كما أن آخرين قد بالغوا فى استعماله إلى حد بعيد ، وهو شجرة خبيثة دخلت بلاد المسلمين فى حوالى 1012هـ وانتشر فى سائر البلاد واستعمله الخاصة والعامة فمن الناس من يأخذه فى لفائف السجارة ومنهم من يشعله فى المشرعة ، ومنهم من يشربه بالنارجيلة ، وهى المداعة التى عم استعمالها سائر البلاد اليمنية حتى أصبحت زينة المجالس وعروس البيوت واستصحبها المدخنون فى حضرهم وسفرهم وأنشدوا لها ، وفيها قصائد والمقطوعات الشعرية .


مـدامتى نديمتى *** أنيستى فى وحـــدتى

تقول فى قرقارها *** يا صاح خذنى بالتى


وأخبث من ذا وذاك من يمضغ التنباك ، ويجمعه مطحوناً مع مواد أخرى ، ثم يضعه بين شفتيه وأسنانه ويسمى ذاك ( بالشمة) فيبصق متعاطيها حيث كان بصاقا تعافه النفوس ويتقذر به المكان ، وربما لفظها من فيه كسلحة الديك فى أنظف مكان ، وللناس فيما يعشقون مذاهب ، وبعضهم يستنشق التنباك بعد طحنه وهو البردقان يصبه فى أنفه صباً يفسد به دماغه ، ويجنى به على سمعه وبصره ، ثم لا ينفك عاطساً ويتمخط بيده وفى منديله أو على الأرض وأمام الجالسين ، وأخبرى أحد أصدقائى عن قريبه الذى كان يستعمل البردقان لما مات مكث ثلاث ساعات وأنفه يتصبب خبثاًً ، ولو اقتصر الناس على ما لا بد منه للحياة لاستراحوا من التكاليف والنفقات الشاقة ، ولما عرضوا أنفسهم لشئ من هذه الشرور ، وأنا لا أقيس القات والتنباك بالخمر فى التحريم ، وما يترتب عليه فى عقاب الآخرة ولكنى أقول هذا قريب من هذا وكل مضر بصحة الإنسان فى بدنه أو عقله أو ماله فهو حرام والبر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك فى النفس وتردد فى الصدر وإن أفتاك المفتون .

ووصف بعض المتعاطين شعوره أثناء تخزينه للقات فقال : عندما أتناول القات أشعر بانسجام نفسى واسترخاء عصبى وبلورة فكرية ، ونشاط فى جسمى فبعد أن كنت أتثاءب والخمول يسيطر على جسمى وفكرى ، أتحول إلى شخص كله انتعاش وصفاء ذهن ، فأتذكر ما كنت قد نسيت سابقاً فأنشد الشعر وأتبادل النكات وتستمر هذه النشوة طيلة الوقت الذى أخزن فيه القات فى فمى وقبل انتهاء جلسةالقات أشعر بقلق نفسانى ينتابنى وينتاب جميع الجالسين فى المجلس فيخيم علينا صمت وشرود ذهن ووجوم فنشرب القشرة أى القهوة المصنوعة من قشر البن ، لنزيل هذا القلق الذى انتابنا ، وأحاول تحليل هذا الخوف هل هو رد فعل النشوة التى عشتها ؟ أم الحزن على انفضاض هذ المجتمع اللطيف الذى أحبه ؟ وأخرج من الجلسة والنشاط يدب فى جسمى ولكنى لا أستطيع تناول العشاء إذ أشعر دائما بالشبع وبانقباض فى معدتى ويطير النوم من عينى وأسرح بفكرى وحواسى وتنتابنى الأفكار السوداء فاضطر إلى تعاطى الخمر حتى أقطع تأثيرالقات وأستطيع النوم وفى صباح اليوم الثانى أستيقظ بكل تعب ولا أجد فى نفسى قابلية للعمل أصاب أحياناً بإمساك وأحياناً بإسهال شديد لهذا أعاود شراء القات لأتخلص من هذه المتاعب .
فقد نقل العلامة ابن حجر الهيثمى رحمه الله تعالى عن أبى بكر بن إبراهيم المقرى الحرازى الفقيه أنه قال فى مؤلف له فى تحريم القات : كنت آكلها فى سن الشباب ثم اعتقد تها من المشتبهات وقد قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم : " فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه " ثم إنى رأيت من أكلها الضرر فى بدنى ودينى فتركت أكلها فقد ذكر العلماء رضى الله تبارك وتعالى عنهم أن المضرات من أشهر المحرمات ، فمن ضررها أن آكلها يرتاح ويطرب وتطيب نفسه ويذهب حزنه ثم يعتريه قدر ساعتين من أكله هموم متراكمة وغموم متزاحمة وسوء أخلاق وكنت فى هذه الحالة إذا قرأ علىّ أحد يشق على مراجعته ، وأرى مراجعته جبلاً ، وأرى لذلك مشقة عظيمة ومللاً ، وأنه يذهب بشهوة الطعام ولذته ، ويطرد النوم ونعمته ، ومن ضرره فى البدن أنه يخرج من أكله بعد البول شيئ كالودى ، ولا ينقطع إلا بعد حين وطالما أتوضأ فأحس بشئ منه فأعيد الوضوء وتارة أحس به فى الصلاة فأقطعها أو عقب الصلاة بحيث أتحقق خروجه فيها فأعيدها وسألت كثيرأ ممن يأكلها فذكروا ذلك عنها وهذه مصيبة فى الدين وبلية على المسلمين وحدثنى عبد الله بن يوسف المقرى عن العلامة يوسف بن يونس المقرى أنه كان يقول : ظهر القات فى زمن فقهاء لا يجسرون على تحريم ولا تحليل ، ولو ظهر فى زمن الفقهاء المتقدمين لحرموه ، ودخل عراقى اليمن وكان يسمى الفقيه إبراهيم وكان يجهر بتحريم القات وينكر على آكليه ، وذكر أنه إنما حرمه على ما وصف له من أحوال مستعمليه ثم إنه أكله مرة أومراراً لاختباره قال فجزمت بتحريمه لضرره وإسكاره ، وكان يقول ما يخرج عقب البول له بسببه منّى ثم اجتمعت به فقلت له : نسمع عنك أنك تحرم القات قال نعم فقلت و ما الدليل ؟ فقال : ضرره وإسكاره ، فضرره ظاهر وأما إسكاره فهل هو مطرب ؟ فقلت : نعم فقال : قالت الشافعية وغيرهم فى الرد على الحنفية فى إباحتهم ما لم يسكر من النبيذ حرام قياساً على الخمر بجامع الشدة المطربة فقلت له : يروون عنك أنك تقول مايخرج عنه منّى وليس فيه شيئ من خواص المنّى فقال : إنه يخرج قبل استحكامه ، وكان عمى أحمد بن إبراهيم المقرى - وكان له معرفة بالطب وغيره - يصرح بتحريمه ويقول : إنه مسكر فرأيت أكثر من أكله جن !! ، وكان الفقيه حمزة بن عبد الله الناشرى اليمنى تقى الدين يقول بحرمة القات ومن نظمه فيه .


ولا تأكلن القات رطباً ويابساً *** فذاك مضر داؤه فيه أعضلا

فقد قال أعلام من العلماء *** إن هذا حـرام للتضــــرر مأ كلا


انظر- وفقنى الله وإياك لطاعته - إلى أقوال العلماء الذين أدركوا أضرار القات بالعقل والبدن قبل القرن العاشر الهجرى مع أن أضراره كلها لم تظهر فى ذلك الوقت كما هى ظاهرة فى عصرنا الحاضر ؛ لأنه انتشر فى كثير من البلدان وتنوعت طريقة استعماله وطغت مفاسده ونتجت عنه نتائج صحية خبيثة .

يقول العلا مة الشيخ محمد بن إبراهيم فى فتوى له عن القات :

هذه المسألة حادثة الوقوع ، والحكم عليها يتوقف على معرفة خواص هذه الشجرة وما فيها من المنافع والمضار وأيهما أغلب وقد تتبعنا ما أمكن العثور عليه من كلام العلماء فظهر بعد البحث وسؤال من يعتمد بقولهم من الثقات أن المتعين فيها المنع من تعاطى زراعتها وتوريدها واستعمالها لما اشتملت عليه من المفاسد والمضار فى العقول والأديان والأبدان ، ولما فيها من إضاعة المال وافتتان الناس بها ولما اشتملت عليه من الصد عن ذكر الله وعن الصلاة فهو شر ووسيلة لهذه الشرور والوسائل لها أحكام الغايات ، وقد ثبت ضررها وتفتيرها وتخديرها بل وإسكارها ولا التفات لمن نفى ذلك ، ثم قال : إنها مقيسة على الحشيشة المحرمة لاجتماعهما فى كثير من الصفات واستدل على تحريم ما يسكر ولو لم يكن شرابا بمطلق قوله صلى الله عليه وآله وسلم : كل مسكر حرام فيدخل فى ذلك الحشيشة وغيرها .

وما أحسن قول حافظ بن أحمد الحكمى فى ذم القات وغيره من الخبائث .


يا باحثاً عن عفون القات ملتمساً ** تبيانه مع إيجــاز العـــــــــبارت

كله لما شئتت من وهن ومن سلس ** ومن فتـــــــور وأسقام وآفات

كله لما شئت من لهو الحديث ومن ** إهلاك مال ومن تضييع أوقات

لقد عجبت لقوم مولعـــــين به ** وهم مقرون منه بالمضــــــــــــرات

فى الدين والمال والأبدان بل شهدوا ** بسكرهم منه فى جل المحـلات

إنــــــــــى أقول لشاربه وبائعه ** إن لم يتوبوا لقد بـــــــــاؤوا بزلات

والبردقان به الجــــــــــهال قد فتنوا ** حتى رأوا أكله من خير مقتات

كذا الدخان بأنواع له كثـــــــــــــــرت ** وغير ذلك من أنواع الدنيــئات

داء عضال ووهــــــــــن فى القوى ولها ** ريح كريه مخل بالمروءات

أليـــــــــــس فى آية الأعراف مزدجر ** لطالب الحق عن كل الخبيثات

والنهى جاء عن التبذير متضحاً ** وعن إضاعة مـــــــــال فى البطالات

دع مـا يـريبك يا ذا الـلب عــــك إلى ** ما لايريبك فى كــــــل المـهمات

ثم الصلاة على خير الأنام مع التسليم ** تغشـاه مـــــع أزكــى التــحيات


وتجدر الإشارة إلى أن ما يفعله القات بعقول متعاطيه يشبه ما تفعله الخمر بعقول شاربيها حيث يرى شارب الخمر فى حال سكره أنه ملك كل ما كان يتمناه من الدنيا .. ... وكذلك ماضغ القات يسبح فى أحلام كاذبة وخيالات فاسدة ويبنى بيوتاً وهمية وقصوراً لا حقيقة لها فى الواقع ولكن سرعان ما تنقشع عنه تلك الأحلام وتتراكم عليه هموم وغموم من كل مكان ، فلقد روى أبوعمر أحمد بن عبد ربه الأديب رحمه الله تعالى حدثاً يناسب هذا المقام فقال : حدثنا أبو جعفر البغدادى قال كان بالجزيرة رجل يبع نبيذاً فى ماخور له وكان بيته من قصب وكان يأتيه قوم يشربون عنده فإذا عمل - أى أثر - فيهم الشراب قال بعضهم لبعض : أما ترون بيت هذ النباذ من قصب ؟ فيقول بعضهم علىّ الآجرّ ويقول الآخر علىّ الجصّ ويقول الثالث علىّ أجرة العامل فإذا أصبحوا لم يعملوا شيئاً فلما طال ذلك على النباذ قال فيهم .


لنا بيت يهدّم كل يوم ** ويصبح حين يصبح جذم خص

إذا مــا دارت الأقــداح قالوا ** غداً نبنى بآجــرّ وجص

وكيف يشـيد البنيان قوم ** يمـــرون الشتاء بغير قمص


وأما الدليل الثانى من السنة فقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم : لا ضرر ولا ضرار .

اختلف العلماء فى معنى الضرر والضرار فى الحديث هل هما بمعنى واحد أم بينهما فرق والمشهور أن بينهما فرقاً ، وقيل فى معنى كل منهما أقوال ولعل أرجحها أن الضرر أن يلحق أذى بمن لم يؤذه والضرار أن يلحق أذى بمن قد آذاه على وجه غير مشروع وكلا المعنيين ممنوع وغير جائز فى شرع الله عز وجل ، وواضح لكل ذى عقل ينظر فى شرع الله عز وجل أن الله تعالى أباح للعباد كل ما فيه سلامة عقولهم وصحة أبدانهم ولم يحظر عليهم إلا ما فيه الإخلال بحواسهم وقدراتهم وملكاتهم والإفساد و الضرر بصحهم وأبدانهم ، قال الله تعالى : " قل من حرّم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين ءامنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة " لا شك أن تعاطى القات يسبب أضراراً جسيمة يسبب أضراراً نفسية وعقلية وبدنية ومالية واجتماعية ويؤدى إلى الإضرار بالزوجة والأولاد ، والأقرباء حيث يضيع متعاطيه حقوقهم ولا يهتم بشؤنهم ويقدم شراءه على ضروريات حياتهم ومصالحهم ، وقد مرت أضراره مفصَّلة فى موضعها ولا حاجة هنا لإعادتها ، ويحرم أكل كل ما يضر بالإنسان أخذاً من عموم النصوص .

قال أبومحمد بن حزم رحمه الله تعا لي : وأما أكل كل ما أضر فهوحرام لقول النبي صلي الله عليه وآله وسلم : "إ ن الله كتب الإحسا ن علي كل شىء " فمن أضر بنفسه أو بغيره لم يحسن ومن لم يحسن فقد خا لف كتاب اي كتا بة الله الإ حسا ن علي كل شيء ، وقال في مو ضع آخر: ولايحل أكل السم القاتل ببطء أو بتعجيل ولا ما يؤذي من الأطعمة ولا الإكثار من طعا م يمر ض الإ كثا ر منه لقو ل الله تعـــــا لي : " ولا تقتلو انفسكم .

ومن أجود العبا رات الفقهية في تحر يم تناول المضرات عبا رة الإمام النووي رحمه الله تعا لي إذ يقول في رو ضته : كل ما أضرأكله كالزجاج والحجر والسم يحرم أكله وكل طاهر لا ضررفي أكله يحل أكله إلاالمستقذرات الطاهرات كالمني والمخا ط ونحوهما ، فإ نها حرام علي الصحيح .

ويقول الشيخ محمد بن أحمد الشنقيطي رحمه الله تعا لي : اتفق أهل المذ اهب الأربعة علي إبا حة ما تنبته الأرض إلا إذا كا ن مسموما أو مضرا بالجسم أو مذهبا للعقل أو مخدرا فيحرم .

وينبغي لنا هنا أن نشير إلي أن الضرر التدريجي كالضرر الدفعي الفوري ، كلا هما مقتض للتحريم ؛ ولهذا كان تناول السم السريع التاْثير كالسم البطيىء التاْثير في التحريم ، وقد سئل مفتي الد يار المصر ية الشيخ عبد المجيد سليم رحمه الله تعا لي عن حكم الشر ع في المواد المخد رة ، واشتمل السؤال علي تعا طي المخدرات وغيره ، فأجاب قائلا : إنه لايشك شاك ولا ير تاب مر تاب في أن تعا طي هذه المواد حرام ؛ لاْنها تؤ دي إلي مضار جسمية ومفاسد كثيرة فهي تفسد العقل وتفتك بالبد ن إلي غير ذلك من المضار والمفا سد ، فلا يمكن أن تاْذن الشر يعة بتعا طيها مع تحر يمها لما هو أقل منها مفسدة وأخف ضررًا .

وكيف تبيح الشريعة الإسلامية القات الذى حاق ضرره الجسيم بالأمة أفرادا وجماعات دينياً وأخلاقياً وصحياً ومالياً مع أن مبنى الشريعة الإسلامية على جلب المصالح الخالصة أو الراجحة وعلى درء المفاسد والمضار كذلك ، وكيف يحرم الله العليم الحكيم الخمر من العنب مثلاً كثيرها وقليلها لما فيها من المفسدة ولأن قليلها داع إلى كثيرها وذريعة إليه ويبيح من المخدرات ما فيه المفسدة ويزيد عليها بما هو أعظم منها وأكثر ضررا للبدن والعقل والدين والخلق والمزاج ؟! هذا لا يقوله إلا رجل يتعامى عن مقاصد الشريعة ، والأمر فى ذلك ظاهر جلى .

ومعلوم أن من مقاصد الشريعة حفظ الأمور الضرورية للناس فى حياتهم وهى التى لا يمكن الاستغناء عنها فى مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد وتهارج ، وبفقدها يختل نظام الحياة وتعم الفوضى وينتشر الفساد ويفوت النعيم الأبدى فى الآخــــــــرة .

وحفظها يكون بأمرين أحدهما : مايقيم أركانها ويثبت قواعدها ، والثانى : ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها ، وهذه الأمور الضرورية خمسة : هى الدين ، والنفس ، والعقل ، والنسل ، والمال ، فعلى هذه الأمور الخمسة يقوم أمر الدين والدنيا ، وبالمحافظة عليها يستقيم أمر الأفـــــراد ونظام الجماعات .

فالقـــــــــــات يخل بهذه الأمور الضرورية إخلالاً خطيراً ويهدد كيانها ووجودها ، والقات أبو الخبائث كما أن الخمر أم الخبائث .


الفصل السادس

الرد على من أباح القات



ومن الناس من يتمسك هنا بقاعدة الأصل فى الأشياء الإباحة إلا ما نص الشرع على تحريمه ، والرد على هؤلاء أن من علماء أصول الفقه من عكس ذلك فقال : الأصل فى الأشياء الحظر إلا ما جاء الشرع بإباحته والصحيح من قول هؤلاء وهؤلاء التفصيل ، فالأصل فى المنافع الإباحة يقول الله تعالى فى معرض الامتنان على عباده " هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعاً " ولايمتن عليهم بما هو محرم عليهم .

وأما المضار هى ما يؤذى البدن أو العقل أو النفس فالأصل فيها الحظر والتحريم ، لقد تحققت فى القات أضرار خطيرة لا يمكن التغاضى عنها فكيف يكون مباحاً ؟

ويقول الدكتور عبد الكريم زيدان : الأشياء النافعة من طعام أو شراب أو حيوان أو نبات أو جماد ولا يوجد دليل على تحريمها هى مباحة ؛ لأن الإباحة هى الحكم الأصلى لموجودات الكون وإنما يحرم ما يحرم منها بدليل من الشارع لمضرتها والدليل على أن الحكم الأصلى للأشياء النافعة هى الإباحة قوله تعالى ممتناً على عباده : " وسخّر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعا منه " وقوله تعالى " هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعاً " ولا يتم الامتنان ولا يكون التسخير إلا إذا كان الانتفاع بهذه المخلوقات مباحاً ، أما الأشياء الضارة فالأصل فيها التحريم لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم " لا ضر ولا ضرار " وإلى هذا أشار الحاج محمد بن اسعد البوقيسى رحمه الله تعالى بقوله فى منظومته فى أصول الفقه


والأصل فى ذى الضر بعد الشرع *** تحريمه والحل فى ذى النفع


وقد يقول قائل : لم لا يكون القات مباحاً وله إيجابيات ، وذلك كونه رابطاً دائم التواصل بين الأصدقاء وهو الوسيلة التى تجمعهم ، وبالتالى يكون هذا التجمع وسيلة للمناقشات والحوارات بجانبها المتعددة وكونه ينشط الذاكرة ويذكر الإنسان بما هو منسى ويستعين به على العبادة والخلوة لذكر الله تعالى والقات قوت الأولياء .

الجواب على هذا أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح أى إذا تعارضت مفسدة ومصلحة وجب دفع المفسدة وإن أدى ذلك إلى ضياع المصلحة ، وأنه إذا تعارض المانع والمقتضى يقدم المانع أى إذا كان لأمر ما محاذير تقتضى منعه ودواع تقتضى تسويغه والسماح به يرجح منعه .

ومعلوم أن المفاسد التى يسببها القات تطغى بكثير على هذه المنافع الموهومة واشتهر لدى العلماء أنه إذا حدث تعارض بين دليل مبيح ودليل محرِّم فإن المحرِّم يقدم على المبيح ، فقال جلال الدين السيوطى رحمه الله تعالى إذا تعارض دليلان أحدهما يقتضى التحريم والآخر الإباحة قدم التحريم فى الأصح .

وقد جاء فى كتاب الموافقات والتعليق عليه - تعليق وشرح الشيخ عبد الله دراز -: إذا ترجح دليل الجواز على دليل المنع راعوا القول بالتحريم تنزها عن الشبهات ، فكيف يكون القات مباحاً وقد ترجحت أدلة المنع فيه على دليل الجواز ؟!! فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور .


فقد أسمعت لو ناديت حياً *** ولكن لا حياة لمن تنادى


وليس صحيحاً أن القات يعين متعاطيه على العبادة بل بالعكس وترى أغلب من يزاول هذه العادة السيئة لا يحافظ على الصلوات المفروضة فضلاً عن السنن والنوافل ، وكثيراً ما يصاحب تعاطيه تضييع أوقات الصلاة وسماع الأغانى والاختلاط بالنساء فى جلسة القات وغير ذلك من المنكرات كما هو معروف فالعبرة للغالب الشائع لا للنادر ، والقات قوت أولياء الشيطان وليس قوتاً لأولياء الرحمن .

الفصل السابع

نصيحة ثمينة للمبتلى بتعاطى القات


يا من ابتليت بتعاطى القات هل خطر يوماً فى بالك أن تهجر هذه العادة السيئة وتتحرر منها وهل أدركت أضرارهذا الشجر على نفسك وبدنك وخلقك ومالك وأهلك ؟ فالله عز وجل خلق الإنسان لعبادته وحعل له السمع والبصر والعقل لكى يشكر ، ولا يجوز له أن يمارس ما يخل بهذه النعم بل عليه أن يحافظ عليها ، قال الله عز وجل " وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " وقال تعالى " والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لاتعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لكم تشكرون " والشكر على هذه النعم ليس بالقول فقط بل بالمحافظة عليها وتنزيهها عن كل ما يغيرها ويخرجها عن الاعتدال .

فالقات لا يسمن ولا يغنى من جوع ، وأضراره لم تعد على متعاطيه خافية فضلاً عن غيره فكيف يصرّعلى ما يضر وهويرى أضراره ؟ فالله عز وجل رحيم بنا ويعلم ما ينفعنا وما يضرنا ؛ ولذلك أمرنا بأكل الحلال الطيب فقال تعالى : " يا ءيها الناس كلوا مما فى الأرض حلالاً طيباَ ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين " قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى عند تفسير هذه الآية : لما بين الله تعالى أنه لا إله إلا هو وأنه المستقل بالخلق شرع يبين أنه الرازق لجميع خلقه فذكر فى مقام الامتنان أنه أباح لهم أن يأكلوا مما فى الأرض فى حال كونه حلالا من الله طيباً أى مستطابا فى نفسه غير ضار للأبدان ولا للعقول ونهاهم عن اتباع خطوا الشيطان ، وقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم : " اشربوا ما لا يسفِّه أحلا مكم ولا يُذهب أموالكم " فكلنا يجزم بأن القات يسفّه الأحلام ويذهب الأموال فكيف يباح تعاطيه ؟

قيل لأعرابى ما لك لا تشرب النبيذ ؟ قال : لا أشرب ما يشرب عقلى .

تم البحث بحمد الله وفضله وأسأل الله العظيم أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم ، ومن رأى فيه عوجاً فليقومه ، أو خطأً فليصوبه ؛ لأن الإنســـــــــــــــــان لا يسلم من الخطأ والنسيان إلا من عصمه ربنا الرحمن ، إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، ربنا اغفر لى ولوالدى وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ، وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .


والله تعالى أعلم ولله الحمد والمنة .
التوقيع :
----------------------------------------------*****************------------------------
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

إنما القات حشيش أخضر ليس يحتاج إليه البشر
فإذا ماأكلته أمة فاعذروهم إنما هم بقر
  رد مع اقتباس