عرض مشاركة واحدة
قديم 02-29-2008, 02:59 AM   #5
الشبامي
المشرف العام
 
الصورة الرمزية الشبامي

افتراضي

حكم النبي صلى الله عليه وسلم فيمن سبه

ولما كان نبي الله صلى الله عليه وسلم ممثلاً لكل ما هو وحي وحق من عند الله جل في علاه ، كان القدح فيه والنيل من شخصه ليس كقدح في غيره لأن في ذلك تنفير من الدين واستخفاف بالحق

الذي جاء به من عند الله ، ولذلك كان من سنته وهديه صلى الله عليه وسلم قتل كل من نال من شخصه وهجاه بالشعر الذي هو جهاز إعلام العرب في ذلك الوقت ، فقد قال صلى الله عليه وسلم لما

بلغه ما نال منه كعب بن الأشرف : "‏من لكعب بن الأشرف ‏،‏ فإنه قد آذى الله ورسوله‏" ‏، فقام محمد بن مسلمة فقال ‏:‏ أنا يا رسول الله ، أتحب أن أقتله ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم"‏‏.‏ قال‏:‏ فائذن لي أن أقول شيئاً‏.‏

قال‏:‏ ‏"قل" ، ونهض مع ابن مسلمة عَبَّاد بن بشر، وأبو نائلة - واسمه سِلْكَان بن سلامة ، وهو أخو كعب من الرضاعة - والحارث بن أوس ، وأبو عَبْس بن جبر ، وكان قائد هذه المفرزة محمد بن

مسلمة‏ فقتلوا هذا الكافر ، فأفلحت وجوههم .‏.. والقصة مشهورة ..

ولشيخ الإسلام تعليق قيّم على هذه الواقعة في كلام طويل من جملته ذكر شبهة الأمان التي أعطاها الصحابة لهذا الخبيث ، فقال "هذا الكلام الذي كلموه به صار مستأمناً ، وأدنى أحواله أن يكون له

شبهة أمان، ومثل ذلك لا يجوز قتله بمجرد الكفر؛ فإن الأمان يعصم دم الحربي ويصير مستأمناً بأقل من هذا كما هو معروف في مواضعه ، وإنما قتلوه لأجل هجائه وأذاه للهِ ورسوله ، ومن حَلَّ قتله

بهذا الوجه لم يعصم دمه بأمانٍ ولا بعهد كما لو آمن المسلم مَن وجب قتله لأجل قطع الطريق ومحاربة الله ورسوله والسعي في الأرض بالفساد الموجب للقتل، أو آمن من وجب قتله لأجل زِناه ، أو

آمن مَن وجب قتله لأجل الردة أو لأجل ترك أركان الإسلام ونحو ذلك ، ولا يجوز أن يَعقِدَ له عقد عهد ، سواء كان عقد أمان أو عقد هدنة أو عقد ذمة ؛ لأن قتله حد من الحدود ..." (الصارم المسلول

: ج1) ، وقال في موضع آخر "دل هذا الحديث على أن أذى الله ورسوله علةٌ للانتداب إلى قتل كل أحدٍ ، فيكون ذلك علةً أخرى غير مجرد الكفر والردة ، فإن ذكر الوصف بعد الحكم بحرف الفاء دليلٌ

على أنه علةٌ ، والأذى لله ورسولهِ يوجبُ القتل، ويوجبُ نقضَ العهدِ، ويوجبُ الردة. (الصارم المسلول : ج2) .. وفي هذا رد على من زعم زوراً وبهتانا وكذبا بأن للأمريكان والبريطانيين أمان في

بلاد المسلمين وهم يقتلون أهل الإسلام ويحاربون دينهم ويستهزؤون بنبيهم ويدوسون على القرآن ويهتكون الأعراض ويسفكون الدماء ، فهؤلاء لا يجوز لأحد إعطائهم أمان أبدا ، ومثل هذا العقد

باطل شرعا وعقلاً ..

وعن حِزام بن هشام بن خالد الكعبي عن أبيه قال: خرج عمرو بن سالم الخُزاعي في أربعين راكباً من خُزَاعَةَ يستنصرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويخبرونه بالذي أصابهم"، ـ وذكر قصة

فيها إنشاد القصيدة التي أولها :
اللهم إني ناشدٌ محمداً …
قال: "فلما فرغ الرَّكْبُ قالوا: يا رسول الله، إن أنس بن زُنَيْم الدَّيلي قد هجاك ، فندر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه" .. قال ابن تيمية : أي: أهدره ، ولم يندر دم غيره .... وهذا نص في أن

المعاهد الهاجي يباح دمه .... وأن الهجاء أغْلَظُ من نقض العهد بالقتال بحيث إذا نقض قومٌ العهدَ بالقتال وآخرون هَجَوا ثم أسلموا عُصِمَ دَمُ الذي قاتل، وجاز الانتقام من الهاجي .... والمهادن المقيم

ببلده يظهر ببلده ما شاء من مُنْكَرات الأقوال والأفعال المتعلقة بدينه ودنياه ، ولا ينتقض بذلك عهده حتى يحارب ؛ فعلم أن الهجاء من جنس الحراب وأغلظ منه ، وأن الهاجي لا ذمة له . (مختصرا

من الصارم المسلول : ج1) ..

وقصة القينتان اللتان أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمهما - في الفتح مع أربعة نفر - مشهورة ، فقد قال ابن إسحاق: حدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر أنهم كانوا ستة، فكتم اسم

رجلين وأخبرني بأربعة، قال: النسوة قَيْنَتَا ابن خطل، وسارة مولاة لبني عبد المطلب، ثم قال: و القينتان كانتا تغنيان بهجائه، وسارة مولاة أبي لهب كانت تؤذيه بلسانها .. قال شيخ الإسلام ابن تيمية

" وحديث القينتين مما اتفق عليه علماء السير، واستفاض نقله استفاضة يُستغنى بها عن رواية الواحد" ، وقال " فوجه الدلالة : أن تعمد قتل المرأة لمجرد الكفر الأصلي لا يجوز بالإجماع" ... إلى

أن قال رحمه الله " هؤلاء النسوة كن معصومات بالأنوثة ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلهن لمجرد كونهن كن يهجينه ، وهنَّ في دار حرب ، فعلم أن من هجاه و سبَّه جاز قتله بكل حال"

، وقال " النبي صلى الله عليه وسلم آمن جميع أهل مكة إلا أن يقاتِلوا، مع كونهم قد حاربوه وقتلوا أصحابه ونقضوا العهد الذي بينهم وبينه، ثم إنه أهدر دماء هؤلاء النسوة فيمن استثناه وإن لم

يقاتلن لكونهن كن يؤذينه ، فثبت أن جرم المؤذِي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالسب ونحوه أغلظ من جرم القتال وغيره ، وأنه يقتل في الحال التي ينهى فيها عن قتال من قتل وقاتل" ، وقال "

أن القينتين كانتا أَمَتَين مأمورتين بالهجاء، وقتل الأمة أبعد من قتل الحرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل العسيف ، وكونها مأمورة بالهجاء أخف لجرمها حيث لم تقصده ابتداء ، ثم مع

هذا أمر بقتلهما ، فعُلم أن السب من أغلظ الموجبات للقتل".. (الصارم المسلول :ج1) ..

قال الأموي: سعيد بن يحيى بن سعيد في مغازيه: ثنا أبي قال: أخبرني عبدالملك بن جريج عن رجلٍ أخبره عن عكرمة عن عبدالله بن عباس أن رجلاً من المشركين شتم رسول الله صلى الله عليه

وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من يكفيني عدوي" ، فقام الزبير بن العوام فقال: أنا ، فبارزه ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سَلَبَهُ، ولا أحْسِبه إلا في خيبر حين قُتل ياسر

، ورواه عبدالرزاق أيضاً.

قال شيخ الإسلام رحمه الله "وقد ثبت بالسنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بقتل الساب لأجل السب فقط لا لمجرد الكفر الذي لا عهد معه ، فإذا وجد هذا السب وهو موجب للقتل والعهد لم

يعصم من موجبه تعين القتل ، ولأن أكثر ما في ذلك أنه كافر حربي ساب، والمسلم إذا سب يصير مرتداً ساباً، وقتل المرتد أوجب من قتل الكافر الأصلي، والذمي إذا سب فإنه يصير كافراً محارباً ساباً

بعد عهد متقدم ، وقتل مثل هذا أغلظ." (الصارم المسلول :ج1)..
التوقيع :
  رد مع اقتباس