عرض مشاركة واحدة
قديم 10-31-2009, 01:20 AM   #1
باشراحيل
مشرف قسم الأدب والفن ورئيس لجنة المسابقة الشعر يه

افتراضي قراءة في "عزاء الى ردفان" للواقعي..من الشعر السياسي الحضرمي

قراءة في "عزاء الى ردفان" للواقعي ..من الشعر السياسي الحضرمي


رياض عوض باشراحيل :

ابديت با لرحمن ع العرش استقـر = هو ذي نصر في بدر جمع المسلمين
وارسل محمد لـي هدانـا للظفـر = بدد ظلام الجهل واهدى الضاليـن
ها جسي نبهنا وانا وسـط السمـر = و قال من عندك نبا جوهـر ثميـن
هت ما معك عن ثورة الرابع عشر = لي عمرها ذا اليوم سته واربعيـن
واتسلسلت لحداث عندي والصـور = ذكرت لي رحلوا ولي هم بـا قييـن
حتى القوافـي عاندتنـي والفكـر = من جور ما شفناه في ذيك السنيـن
اليوم ذكرى حلم فـي المهـد انقبـر = في زنجبار اغتاله ابليـس اللعيـن
نجني ثمر غرسوه يـوم المؤتمـر = قالوا لنا الثوره خـلاص الكادحيـن
يا ليتهم سمعـوا نواقيـس الخطـر = لي دقها فيصل وقحطـان الرزيـن
غابت عقول القوم والجهل انتصـر = هم فضّلوا اليسرى على اليد اليميـن
لي قالوا التصحيح مـا منـه مفـر = لا نهجهم صالح ولا هـم صالحيـن
تبعوانجّس منحوس ماتبعوا عمـر = لينين له قـدوه ولا يؤمـن بديـن
واتثلم السيـف االـذي حـدّه بتـر = ثم انكسر من يوم ذبحـوا سالميـن
كل من حفر حفره مكانه في الحفـر = واهل المقابر في عملهـم سابريـن
واتفجّرت لوضاع في الثالث عشـر = زمره مع الباطل وطغمه مجرميـن
من بعد نخل الحّب با يبقى الغشـر = والثعل يلعب لا ذهب مولى العرين
والباخره غابت وسـط غبـة قمـر = يوم النواخذ لي عليهـا خـايبيـن
ربانهم مهيون فـي السـوق انقمـر = باع البضاعه لي في الخن الزبيـن
تاريخ ياخـذ منـه العاقـل عبـر = واهل الجهاله في فلكهـم سابحيـن
احنا طرحنا ساس مبني بـالمـدر = والسيل هد الحصن لي مبني بطيـن
العفو يا أخواني اذا شي قد قصـر = وانتوا على ذيك الحوادث شاهديـن
هذا عزاء منـي لردفـان الأغـر = والعذر يا الشهداء في اليوم الحزين


يسهم الشاعر الواقعي بهذه القصيدة الغراء وبغيرها في مسيرة الشعر السياسي في الإبداع الشعري الحضرمي , فيجسد حركة الواقع السياسي في وطنه لمرحلة امتدت نحو ثلاثين عاما , وتعد من أسوأ المراحل التي عاشتها بلادنا خلال تاريخها . فيلخصها بكل ما فيها من أحداث وصراعات ونكبات ودورات عنف وجراح ومآسي في أبيات قليلة .. بأسلوب يتسم بصفة اللمحة الإيحائية الدالة , وبالإيجاز , والتكثيف , والتركيز , بعيدا عن الثرثرة وعرض التفاصيل التي قد تفسد الشعر ..إنها أبيات قليلة بعددها كثيرة بتعدد دلالاتها و ايحاءتها , تحمل في ثناياها التاريخ السياسي والاجتماعي للوطن بصدق , ونزاهة , وموضوعية , وجرأة ..

وقد بدا لي ان تقييم الشاعر لتلك المرحلة , وإبراز أمراضها وعللها وأخذ العبرة من أخطائها المنهجية والسلوكية وخاصة أخطاء القيادة في قصيدته , هو الغاية والهدف الذي ينبغي ان يكون الشعر والقصيد أداة مسخرا له ...

والشعر معرفة وإحساس وإبداع , معرفة خلاّقة وإحساس مرهف وإبداع يضيئه الفكر والمعرفة والإحساس .. واللغة أو اللهجة هي الوسيلة التي يستخدمهما الشاعر كي يمد جسرا بين الفكر والشعر .

والواقعي شاعر شديد العشق وشديد الالتصاق بأرضه وشعبه وتراثه , فقد بدأ قصيدته على نسيج القصائد "المسرّحة" في تراثه الإبداعي في الشعر الشعبي الحضرمي حيث يبدأ الشعراء الشعبيون الحضارمة عادة قصائدهم باسم المولى جل شأنه وينتقلون للإشارة إلى النبي الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- , ثم يشرعون للتعبير عن مشاعرهم ومواقفهم من قضايا الحياة , وقد استطاع الشاعر باقتدار أن يحرز قصب السبق في براعته للاستهلال وحسن المطلع الذي يوحي بمضمون القصيدة من استهلالها . فاستخدام تقنيتان أسلوبيتان في وقت واحد هما :
أولا : توظيف شاعرنا "أسلوب التجريد " وهو أن يجرد الشاعر عضوا من أعضائه كالعين او القلب أو الفكر (الهاجس) كما في هذه القصيدة ويخاطبه مثلما يخاطب شخصا آخر .
ومثله جاء في تراثنا الغنائي (سألت العين .. حبيبي فين.. أجاب الدمع راح منك) , وهنا جرد الشاعر العين .
وجاء عند المحضار –يرحمه الله- قوله : ( قلت للقلب أقنع وأصبر .. قال لي في القنع لا تفكر .. المحبة لها عند كل حر عهد مشروع .. ما مع العاشق بصر غير الدموع ) , وهنا جرد المحضار القلب .

ثانيا : توظيف شاعرنا " أسلوب المراجعة " وهو أسلوب السؤال والجواب وقال وقلت كقول المحضار : ( قال لي ايش غير طباعك .. قلت ليلة وداعك .. عندما سرت والنفس محنونة .. عنب في غصونه ) .. السؤال والجواب في قصيدتنا مع الهاجس وقد ورد السؤال في البيتين الثالث والرابع من القصيدة , وكان الجواب في بقية أبيات القصيدة دون البيتين الأخيرين .. وكم تمنيت من الشاعر لو أضاف بيتا واحدا بين الرابع والخامس كأن يقول كجواب مباشر للهاجس :

فقلت ذا تاريخ يا هاجسي مر **** قد كبلوني فيه بالحبل المتين

والحبل المتين هو الحبل الماركسي الروسي , وبعد ذلك يأتي بيت الشاعر الذي بدأه بقوله : وتسلسلت الأحداث عندي والصور ..... .

وقد تشكلت في هذه القصيدة مقومات القصة الشعرية الثلاثة : الزمان والمكان والأحداث فالمكان والزمان تجلى في قوله " وأنا وسط السمر" المكان هنا موضع جلسة دان أو جلسة شعر , والزمان في المساء (السمر) , والأحداث تزدحم بها المرحلة السياسية منذ الاستقلال عام 1967م وحتى الوحدة عام 1990م .. ورائع قول الشاعر :

واتسلسلت لحداث عندي والصـور **** ذكرت لي رحلو ولي هم بـا قييـن

هذا هو الصدق الفني الذي يأسر مشاعر المتلقي . إن استعراض سلبيات تلك المرحلة الثورية وممارساتها السيئة التي أدت إلى تكبيل المواطن بحبل روسي ماركسي بعد إن أزاح الحبل البريطاني , وحررت شعبنا من استعمار مكشوف وأسرته في استعمار مقنّع . إن استعراض الشاعر لآلام وجراح تلك المرحلة وجور ما عاناه كأحد أبناء الشعب يجعله أن يصاب بالحيرة والاضطراب وعندما يضطرب الفكر يضطرب الشعر وتعانده القوافي فيقول شاعرنا :

حتى القوافـي عاندتنـي والفكـر **** من جور ما شفناه في ذيك السنيـن

ويعبر الشاعر عن حلم الشعب اليمني في الاستقلال الحقيقي ونيل الحرية وإحراز النمو الاجتماعي والتطور المنشود . بيد ان هذا الحلم للأسف لم يتحقق , بل تم وأده في المهد وقتله مبكرا . إذ اغتيل في مؤتمر زنجبار الذي أكدت أدبياته ان الثورة خلاص الكادحين في محو آلامهم وتحقيق أمانيهم وآمالهم في الحياة .

اليوم ذكرى حلم فـا ألمهـد انقبـر **** في زنجبار اغتاله ابليـس اللعيـن
نجني ثمر غرسوه يـوم المؤتمـر **** قالو لنا الثوره خـلاص الكادحيـن


وقد جنى شعبنا المر وحصد الآلام والتخلف والجهل والمرض , ولم يجن الرفاهية الموعودة , ولم يحقق تطلعاته وطموحاته كما تؤكد شعارات المؤتمر , وهذه هي ثمرة ما غرسوه يوم المؤتمر في زنجبار . ويعبر الشاعر في تكثيف عن مرحلة سلطة اليمين في الجبهة القومية ويوجزها في بيت واحد قال فيه :

ياريتهم سمعوا نواقيس الخطر **** لي دقها فيصل وقحطان الرزين

إذن فالرئيس قحطان الشعبي ورئيس الوزراء فيصل عبداللطيف كانوا من قادة الوطن ورموزه المخلصين ومن العقول الراجحة الرزينة وهما شخصيتان سياسيتان من العيار الثقيل كما يرى الشاعر الذي كم تمنى على قادة اليسار الإنصات لحكم الرجلين والعمل بسياستهما الحكيمة التي تخدم مصلحة الوطن والشعب .
ولكن ليس بالإمكان أفضل مما كان كما يقولون , فقد انقلب اليسار على اليمين وتسلم مقاليد السلطة وزج بالرئيس الوطني في السجن حتى وفاته , وتم قتل فيصل عبداللطيف وتصفيته جسديا في حينها . فعبر الشاعر عن هذه الفترة وكشف عن انتصار التخلف والجهل بقوله :

غابت عقول اليوم والجهل انتصر **** هم فضلوا اليسرى على اليد اليمين
لي قالوا التصحيح ما منه مفر **** لا نهجهم صالح ولا هم صالحين


لقد رحلت العقول وغابت الرموز والقيادات الجديرة بقيادة الوطن إلى بر الأمان , لقد هزمت رموز التطور وانطفأت أنوار اليمين المعتدل , وانتصر الجهل وشعت أنوار اليسار في الجبهة القومية .
وفي قوله (الجهل انتصر) الجهل هنا هو رمز التخلف والعودة إلى الوراء , وجميل جدا قول الشاعر :

لي قالوا التصحيح ما منه مفر **** لانهجهم صالح ولاهم صالحين

هذه خلاصة تجربة تلك المرحلة ورحيقها المصفى , وتلخيص لما آلت إليه الأوضاع في الوطن فيما بعد . ولازالت آثارها ظاهرة للعيان حتى اليوم ..والشاعر هنا يصدر حكمه , فيدين المرحلة ويدين قياداتها اليسارية ويكشف عن أسباب تلك الإدانة وذلك الحكم في قوله :

تبعوا نجس منحوس ماتبعوا عمر **** لينين له قدوة ولا يؤمن بدين

إن من لا يؤمن بالدين الحنيف , ومن قدوته الشيوعي الملحد لينين يستحق أن يصب عليه الشاعر جام غضبه ويصفه بالنجس والمنحوس .. ووصف الشاعر هنا دقيق وفي محله , ويؤكد بأنه يتمتع بوعي ديني وثقافة إسلامية رصينة . فالنجس من لا يعرف جسده ولا قلبه طهارة الصلاة والعبادات ولا سلامة النفس ولا حسن الطوية , ومثله لاشك في أصابته بلوثة النحس عقوبة من الله تعالى جزاء تمره على دينه كما يؤكد ذلك القرآن الكريم .

ويصل الشاعر إلى مرحلة قيادة الرئيس سالم ربيع علي (سالمين) فيقول :

وأتثلّم السيف الذي حدّه بتر **** وانكسر من يوم ذبحوا سالمين
كل من حفر حفرة مكانه في الحفر *** وأهل المقابر في عملهم سابرين


"واتثلّم السيف" أي صدأ حده القاطع ولم يعد حادا قاطعا باترا , وتثلّم السيف رمز للضعف والوهن الذي أصاب السلطة السياسية والوطن كنتيجة للخلافات الدائمة بين الساسة , أما سيف الوطن فقد انكسر بعد اغتيال رمز الوطن القائد الشجاع الرئيس سالمين . فالسيف رمز "القوة" , والشاعر هنا يستدعي الصور والرموز من بيئته القبلية كي يفهم بها رمزيا ما ينأى بنفسه عن التعبير به مباشرة , وبالصور والرموز تكمن عظمة كل شعر أصيل .

والشاعر يعتبر أن مقتل سالمين كان بداية النهاية للنظام السياسي في بلادنا , لأن باب الاغتيالات الذي تم فتحه لا أحد يعرف متى سيغلق , والقاتل لأخيه ورفيق نضاله لابد وان يقتل ولو بعد حين . وفي هذا المعنى إشارة إلى قول اشرف الخلق والمرسلين سيدنا محمد علية الصلاة والسلام (بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين) .. لذلك قال الشاعر :

كل من حفر حفرة مكانه في الحفر **** وأهل المقابر في عملهم سابرين

وأهل المقابر في عملهم سابرين .. تعبير ساخر هازئ ينم عن احتجاج ومعارضة الشاعر لتلك السلطة , كما يعبر فيه الشاعر بمرارة عن اتساع المقابر وكبرها مادام رجال المقابر في عملهم سابرين , وفي حفرهم للقبور مستمرين دون انقطاع .

ويصل بنا الشاعر في رحلة السياسة في بلادنا الى مواجهة أحداث 13 يناير الدامية , وكيف تم تقسيم قيادات والوطن وأتباعهم إلى "زمرة" و "طغمة" , ثم ينتقل إلى توصيف القيادة السياسية التي قادت السلطة في البلاد بعد أحداث 13 يناير وحتى الوحدة اليمنية في أربعة أبيات تتحدث عن نفسها بكل ما تحويه من رموز وإيحاءات ودلالات اسمعه يقول :

واتفجّرت لوضاع فا ألثالث عشـر **** زمره مع الباطل وطغمه مجرميـن
من بعد نخل الحّب با يبقى الغشـر **** والثعل يلعب لا ذهب مولى العرين
والباخره غابت وسـط غبـة قمـر **** يوم النواخذ لي عليهـا خـا يبيـن
ربانهم مهيون فـا ألسـوق انقمـر **** باع البضاعه لي في الخن الزبيـن


والباخرة هنا رمز الوطن , والنواخذ أو الربان رمز للقيادة السياسية .
فأنظر لهذا التوصيف للقيادة والسفينة والوطن يقول الشاعر : الغشر , الباخرة غابت , النواخذ خايبين , ربانهم مهيون , في السوق انقمر (كناية عن الغباء والبلاهة) , باع البضاعة لي في الخن .. والبضاعة رمز الثروة على الأرض مادية كانت ام بشرية .
ويختتم الشاعر القصيدة بالحكمة , والحكمة ضالة المؤمن وخلاصة التجربة الشعورية في قوله :

تاريخ ياخـذ منـه العاقـل عبـر **** واهل الجهاله في فلكهـم سابحيـن

كما قام الشاعر بتقييم عام للمرحلة السياسية والكشف عن مكامن القصور والخلل في مبنى السلطة وجدران الحكم وما آلت إليه أوضاعنا حتى اليوم قال :

احنا طرحنا ساس مبني بـا ألمـدر **** والسيل هد الحصن لي مبني بطيـن

ويعتذر الشاعر من القارئ ان رأى بعض التقصير في توصيف الأحداث وهذا دون شك هو الحلم والتواضع الذي يزين هامات القامات الكبيرة . فشاعرنا يعرف قدر نفسه ويدرك مقامه بين بني قومه ويعرف انه لا يصنع الا المرجان والجوهر الثمين ودليلنا على ذلك من قصيدته على لسان هاجسه أي فكره قوله :

ها جسي نبهنا وانا وسـط السمـر **** ثم قال من عندك نبا جوهـر ثميـن

ويحسن الشاعر ختام قصيدته بسلاسة وعذوبة وفكرة عبقرية غراء جسدها في العزاء لردفان النضال .
وفي هذا العزاء "تجسيد" لجبل ردفان والحوار معه كشخص له جسد وكيان او إنسان . والاعتذار للشهداء الذين ذهبت أرواحهم فداء للوطن والاستقلال والثورة , بينما الثورة خيبت ظنهم وظن الشعب فيها وحطمت آماله ولم تكن قياداتها أمينة على المبادئ والأهداف السامية التي ضحى بأرواحهم من أجلها الشهداء .

هذه قراءة سريعة للقصيدة وقد قد برزت لي بعض الملامح الموضوعية والفنية في القصيدة وبعض الصفات والقيم في الشاعر أوجزها فيما يلي :

أولا : يتمتع الشاعر بثقافة واسعة , وبوعي سياسي حصيف بما يدور في دهاليز السياسة , لذلك كان تعاطيه مع أحداث المرحلة ومنعطفاتها وتقييمه لها تقييما صادقا ودقيقا وموضوعيا .

ثانيا : يقول الفيلسوف الألماني هيغل حول العلاقة بين السياسة والفن : ( إن الفن لا يحتل مكانه الهام الفعال في حياة البشر ما لم يتصف العمل الفني باتخاذ موقفا سياسيا واضحا وجريئا , وما لم يكن صوتا حرا ناطقا باسم أغلبية المجتمع )..
أذن فهذه القصيدة تحتل مكانها اللائق بها في حياتنا الاجتماعية لأن الشاعر بها اتخذ موقفا سياسيا واضحا وجريئا , وكانت القصيدة صوتا حرا ناطقا باسم الشعب , ومعبرا عن آماله وأمانيه .

ثالثا : التزم الشاعر في نظم قصيدته بقافيتين أحداهما حرف الروي الراء في الصدر , والأخرى حرفي الياء والنون في العجز فمنح قصيدة تنغيما آسرا , وجوا موسيقيا رائعا يكون مساعدا للقارئ في الاسترسال في القراءة بارتياح وانسجام وغناء للوصول الى نهاية القصيدة .

رابعا : يتجلى من خلال القصيدة وما تحويه من رموز وصور وإيحاءات , ومن تصريحات أيضا باهتمام الشاعر بالتراث , والحرص للورود على مناهله العذبة والشرب من نبعه الصافي , وتوظيف رموزه بدقة ووعي فني في شعره , لذلك يعد الشاعر تلميذا نجيبا من تلاميذ مدرسة المحضار الشعرية للشعر الوطني والسياسي – كما سنرى - . إذن فالشاعر يقف على قاعدة صلبة من حيث اتصاله بالتراث وتوظيفه لمعالجة قضايا معاصرة وهذه قيمة مهمة تحسب للشاعر .

خامسا : تتوارد الخواطر والصور عند كبار الشعراء في المواقف المتشابهة او الواحدة , دون ان يطلع اللاحق على ما قاله السابق .. وقد تواردت أفكار شاعرنا الواقعي في قصيدته مع أفكار الشاعر الكبير المحضار في فنه من جانبين :
أ ) لقد شخّص المحضار علة النظام والسلطة السياسية في بلادنا آنذاك , وشرح أسباب أزماتها المتكررة التي تعود إلى الأيدلوجية الماركسية الدخيلة على وطننا والنهج الاشتراكي الذي حاولت السلطة استزراعه في تربة بلادنا .. وفي هذا المضمون وفي إحدى مساجلاته مخاطبا الشاعر حسن باحارثه قال المحضار :

أنتم سمعتوا الشر وانشدتوا بإنشاده **** جبتوه الى هذي البلد لي ماهي بلاده
ياويل من ربّـى مولّـد **** ياحسن ماهو بهذي الارض مولود

وعلينا ان ننظر بدقة وانتباه الى الفاظ المحضار في قوله : ( الشر – جبتوه – مولّد - ) .. فالمولّـد هو المولود في أرض أخرى أي النهج السياسي الذي جابوه إلى هذي البلاد لي ما هي بلاده هو شر الوطن وسبب أزماته وكوارثه .
أما شاعرنا الواقعي فأعلنها صراحة عندما حمّل القيادة في بلادنا مسئولية ما آلت إليه أحوال الوطن بسبب النهج الضار إضافة إلى أضرار سلوك القيادة حين قال في إيجاز وتركيز :

لي قالوا التصحيح ما منه مفر **** لا نهجهم صالح ولا هم صالحين

ب ) لقد كان المحضار مناصرا للرئيس سالمين وقيادته للوطن , وكان يرى فيه قيمة الرمز الوطني وصفات القائد الأمين وفي ذلك قال المحضار مخاطبا الرئيس :

قود السفينة وانت قائد أمين **** دخل بها في بحر بوكين
بقـيــادتــك والله ياسالميــن **** مابانجي فوق القشارة

ولأن الرئيس سالمين القائد الأمين قد غادر دنيانا ورحل إلى جوار ربه وفقد القيادة بعد اغتياله , فقد ارتطمت السفينة بالصخرة ولازالت راسية على القشار حتى اليوم . فالمحضار أتى بالصورة الشعرية الرمزية من بيئته البحرية في الشحر . أما شاعرنا الواقعي الذي اتخذ نفس اتجاه وموقف المحضار دون ان يعلم بما قاله المحضار – كما أظن - , فقد تجلت صورها الرمزية من بيئته القبلية التي ترنو الى السيف والسيل والمطر والوادي والطين والحصن وغيرها .. فعبر عن هذا الموقف والمضمون بقوله :

وأتثلّـم السيف الذي حده بتر **** ثم انكسر من يوم ذبحوا سالمين

أجل لقد تثلّـم سيف الوطن وانكسر , ولم يجبر بعد حتى اليوم , ولا ندري إلى متى سيظل مثلوما مكسورا .
نسأل الله ان يجبر كسره عاجلا لا آجلا .
التوقيع :
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

التعديل الأخير تم بواسطة باشراحيل ; 10-31-2009 الساعة 01:32 AM
  رد مع اقتباس