عرض مشاركة واحدة
قديم 03-18-2010, 05:44 PM   #22
أبوعوض الشبامي
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية أبوعوض الشبامي

افتراضي


الدلالة في شعر باحريز
============



في كتاب التعريفات للجرجاني جاء تعريف الدلالة على النحو التالي :
(( الدلالة هي كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر و الأول هو الدال، و الثاني هو المدلول )).
هناك مستوى في البنية اللغوية يسمى المستوى البلاغي ، وهو متداخل مع المستوى الابلاغي الذي يعتمد التراكيب أو الإسناد أساسا ، و هناك أنواع من التصرف في الكلام تجعله بليغا ، و يتفاوت في ذلك المتكلمون ، و مما يشير إلى أن الدلالة البلاغية في سياقاتها تختلف عن الدلالات الأخرى مع ارتباطها بها أننا لو أخذنا المثال المشهور من التراث اللغوي العربي (كثير الرماد). فالدلالة النحوية هنا لو وققنا عندها كانت أن شخصا ما عنده الكثير من الرماد (بقايا النار) و قد يكون ذلك للاتجار به أو أن يكون للقذارة و عدم التخلص منه، و لكن في السياق البلاغي تكون دلالة (كثير الرماد) الكرم . ويأتي مثال لنا أخر من شعر باحريز مستوى بلاغي يتداخل لنا مع المستوى الابلاغي وفيه دلالة بلاغية حين نقف عند قول الشاعر سعيد باحريز:



ومن غراك لا تغتر ومن طمعك لاتطمع=لا شفت السماء سوده تعوذ من مناشيها


فالدلالة النحوية هنا ان (( السماء سوداء )) ولو وقفنا عند (( السماء سوده )) ربما أن شدة الغيث وتلبد الغيوم منع ضوء الشمس من الوصول الينا ، وربما دلالة ان عذابا ربانيا نذره تبدو بعاصفة ، أو أن الآتي من ظلمة وظلمات متراكمة تنذر بالعواقب الوخيمة ، ولكن في السياق البلاغي دلالة (( السماء سوده )) احالتنا الى مدلول العواقب الوخيمة والتي تنذر بقرب الخراب .

ومثال آخر من شعر باحريز يقول :


بغيت الصدق والواقع سبوله خير من مقلع= ونخله ما تعشي الضيف قعرها لا تخليها


فالدلالة النحوية هنا (( سبولة خير من مقلع )) والسبولة هي سنبلة محصول الذرة ، والمقلع هو فسيل النخيل ، ولو وقفنا عند (( سبوله خير من مقلع )) ربما قائل يقول أن قيمة السبول الغدائية عند البعض خير من التمر، وربما أن المثل الذي يقول (( عصفور باليد خير من عشرة في الغد )) يترجم لنا عبارة (( سبوله خير من مقلع )) ويتوافق معه خاصة إذا عرفنا ان السبولة قد قاربت للحصاد وان (( المقلع )) لازال فسيلا صغيرا على صاحبه الانتظار عدة سنوات حتى يأتي بالتمر هذا إذا سلم من العطش والامراض وغيرها من الآفات الزراعية . ولكن في السياق البلاغي للبيت (( سبوله خير من مقلع )) يحيلنا إلى مدلول أن الصغير والذي يتمتع بجاهزية المنفعة ، خير من الكبير الذي سيطول انتظاره ، بما معنى أنه يترجم قول الشاعر المتنبي في قوله:


خذ ما رأيت ودع شيئا سمعت به = في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل


لهذا جاء الشعر الشعبي الحضرمي في تراكيبه الفنية والغنية معتمدا على بيئة الشاعر ومحيطه الاجتماعي ، لأن المحيط الدلالي يعكس بيئة الشاعر وهو في مفرداته وعباراته يصور ما يحيط به من نبات وحيوان وجبال ووديان وظواهر طبيعية محيطة به ، واحداث يومية تمر عليه ، و قصائد شعراءنا لا تصور لنا احاسيس الشعراء فقط ، او تصويرهم للأحداث التي تحيط بهم او المعاناة التي يمرون بها ولكنها ايضا تصور المحيط والبيئة الحضرمية التي هي من حول الشاعر أو كما يسمى ب (( المحيط الدلالي )).




.
التوقيع :
  رد مع اقتباس