عرض مشاركة واحدة
قديم 08-22-2015, 11:46 PM   #3
أبو صلاح
مشرف قسم تاريخ وتراث
 
الصورة الرمزية أبو صلاح

افتراضي

الحلقة الثالثة
عندما أمتنعت بعضاً من قبائل حضرموت عن دفع زكاة أموالها للصديق خليفة رسول الله


كنت قد تحدثت في ماسلف ذكره من هذا الموضوع أن حضرموت أصبحت لأول مرة تنظم إلى دولة الإسلام الجديدة التي كانت عاصمتها المدينة ،وقد تأخر إسلامها إلى العام التاسع من الهجرة بالرغم من أن الدعوة قد وصلتها عن طريق إرسال النبي صلى الله عليه وسلم الرسائل إلى زعماءهم وانتدب أليهم أيضا بعضا من الصحابة فما استجابوا للدعوة كغيرهم من أعراب الجزيرة العربية خارج مكة والمدينة ،ظلوا يرقبون الموقف حتى فتحت مكة في العام الثامن من الهجرة ودخل الناس في دين الله أفواجا...
ومن الطباع البدوية للقبيلي إلا من رحم الله عدم الانصياع بسهولة والتسليم حتى ولو كان الأمر يتعلق بالدين والجنة والنار والأمثلة على ذلك كثيرة.
إذ كان مفهوم الإسلام في بعضاً من جوانبه صادم ومعارض على ما نشأ عليه القبيلي في عشيرته كاستبدال رابطة الدم برابطة الدين والعقيدة، كما أنّه مطلوب من المسلم بعد إسلامه تطبيق تعاليم الدين الإسلامي طوال حياته ، في وقت السلم والحرب، وكانت ثمة عادات متأصلة من الجاهلية بين الزعماء وشيوخ القبائل ستضيق عليهم بعد دخولهم الإسلام .
منها الكبر والتفاخر بالا حساب والأنساب والعصبية ولهذا باشروا رفضهم للإسلام في عدة صور مختلفة من منطقة إلى أخرى في جزيرة العرب ومنها حضرموت بعد أن بويع الصديق رضي الله عنه بالخلافة وأنتشر خبر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم.
فالخروج على الشرعية والحنين للعصبية القبلية والرئاسة والملك كان أيضا من دوافع من ارتد في حضرموت ؛ إذ امتنعوا عن دفع زكاة أموالهم المشروعة فدخلوا في مفهوم الردة التي عرفت في تلك الفترة كما في حديث أبو هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم الإمام النووي محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي في كتاب الإيمان في شرح صحيح مسلم " باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لااله إلا الله محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ...":
( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِأَبِي بَكْرٍ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ" فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ".
وقال النووي في شرحه للحديث:
( يعلم أن أهل الردة كانوا صنفين صنف ارتدوا عن الدين ونابذوا الملة وعادوا إلى الكفر وهم الذين عناهم أبو هريرة بقوله وكفر من كفر من العرب . وهذه الفرقة طائفتان أحداهما أصحاب مسيلمة من بني حنيفة وغيرهم الذين صدقوه على دعواه في النبوة وأصحاب الأسود العنسي من أهل اليمن وغيرهم وهذه الفرقة بأسرها منكرة لنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مدعية النبوة لغيره .... ثم قال :( والصنف الآخر هم الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة فأقروا بالصلاة وأنكروا فرض الزكاة ووجوب أدائها الى الإمام وهؤلاء على الحقيقة أهل بغي وإنما لم يدعوا بهذا الاسم في ذلك الزمان خصوصا لدخولهم في غمار أهل الردة فأضيف الاسم في الجملة إلى الردة إذ كانت أعظم الأمرين ...
وكان بني وليعه بن عمرو بن معاوية من كندة أن الحرب التي وقعت بينهم وجيش المسلمين أختلف في أسباب ذلك:
قيل أن السبب المباشر هو امتناعهم عن البيعة لما خطبهم زياد بن لبيد الأنصاري ألبياضي ودعاهم إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنه فنكص الأشعث عن بيعة أبي بكر رضي الله عنه ،وقيل أن السبب هوأن عامل خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضرموت أخذ قلوصا (ناقة )لغلام من كندة وكانت كوماء من خير إبله فلما أخذها زياد وعقلها في إبل الصدقة ووسمها بميسم الصدقة جزع الغلام الكندي ، وصاح في قومه فانحاز إليه من أنحاز من كندة حمية وعصبية معه فأعاد أحد شيوخ كندة وهو حارثة بن سراقة الكندي الناقة المتنازع عليها من بين إبل الصدقة تحدياً منه وعنوة ،فأعترضه أفرادا من قومه من السكون ومن قبيلة حضرموت كانوا مع زياد بن لبيد الأنصاري فنشب بينهم القتال في مكان يقال له محجر الزرقان ،فانهزم حارثه الكندي ومن معه من كندة ووقع بعضهم في الأسرـ واقبل زياد بن لبيد بالسبي والأموال فمر على الأشعث بن قيس وقومه فصرخ النساءُ والصبيان فحمي الأشعث أنفاً وخرج في جماعة من قومه فعرض لزياد ومن معه وأصيب ناس من المسلمين، وكانت هذه الواقعة هي بداية الأمر الذي من أجله تحزبت كندة ، فاجتمعت عظماؤها على الأشعث بن قيس الكندي ، فاتفق بنو معاوية على منع الصدقة الا شراحيل بن السمط وابنه انحاز على صفوف جيش المسلمين وقاتل قومه وأشار على زياد بمعاجلتهم قبل أن ينضم إليهم بعض السكاسك و قبيلة حضرموت .و اما أبضعة وجمد ومشرح ومخوس وأختهم العمردة وهم من ملوك أو زعماء بني وليعة من كندة وقيل أن السبب أقدم من ذلك ( إذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توضع بعض صدقة حضرموت في كندة وبعض صدقة كندة في حضرموت ،وبعض صدقة حضرموت في السكون وبعض صدقة السكون في حضرموت فرفض بنو وليعة من كندة هذه التقسيمات في توزيع صدفة الأموال فيمابينهم . فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء ذلك الإبان (أي الموعد ) دعا زياد بن لبيد الناس إلى ذلك فأختلق بنو وليعة قوم الاشعث بن قيس الكندي أسبابًا للمنع لما في النفوس من بقايا العصبية الجاهلية ، والظاهر من سياق هذه الأحداث أن العصبية القبلية والخلافات القديمة أيضاً لها دوراً في انقسام جميع الأطراف القبلية في حضرموت ،ووقعت الحرب بين طرفين لهما مؤيدون من كل القبائل سواء من حضرموت أو من فروع كندة وأسفرت في الأخير عن حصار للمحاربين في صفوف الممتنعين في حصن "النجير "قيل أنه لرجال من قبيلة حضرموت وهذا ما أرجحه لأنه واقعاً في شرق مدينة تريم وهذه المنطقة أغلب سكانها من قبيلة حضرموت التجأ إليه المحاربون لجيش المسلمين ثم أن الخليفة أبا بكر الصديق رضي الله عنه أرسل بكتاب إلى المهاجر بأنه إذا ظفرت بأهل النجير فأستبقهم، ولكن الكتاب جاء متأخر اًبعد أن تم قتل اغلب من في الحصن من رجال كندة المحاصرين الذين بلغوا سبع مئة رجل كما ذكرت بعض الروايات على يد جيوش المسلمين التي وصلت حضرموت لمواجهة المرتدين . منهم عكرمة بن أبي جهل على رأس جيش قدم من اتجاه عمان من الشرق،والمهاجر بن أبي أمية المخزومي من أنجاه الغرب من مأرب . وذكروا أن الأشعث خرج من الحصن إلى عكرمة بأمان وكان لا يأمن غيره واستأمنه له على نفسه ونفر معه تسعة على أن يؤمنهم وأهليهم على أن يفتحوا لهم الباب فأجابه إلى ذلك وقال انطلق فاستوثق لنفسك ثم هلم كتابك أختمه ونسى نفسه ،ولما لم يبق إلا أن يكتب نفسه وثب عليه جحدم [رجل من المحاصرين] بشفرة وقال نفسك أو تكتبنى فكتبه وترك نفسه فلما فتح الباب اقتحمه المسلمون فلم يدع عود فيه مقاتل إلا قتلوه ضربوا أعناقهم صبرا وقال الطبري( في تاريخ الإسلام ) أيضا أن القتلى بلغ عددهم سبع مئة قتيل وبعث بالأشعث من تريم إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه موثقاً أسيراَ في سنة اثنتي عشرة للهجرة النبوية على أرجح الأقوال ولما وصل إلى المدينة جعل يكلم أبا بكر الصديق وهو يقرعه و يقول له: فعلتَ وفعلتَ فقال الأشعث: استبقني لحربك فو الله ما كفرتُ بعد إسلامي ولكني شححتُ على مالي فأطلقني وزوجني أختك أم فروة فإني قد تُبتُ مما صنعتُ ورجعتُ منه من منعي الصدقة فمن عليه أبو بكر رضي الله عنه وزوجه أخته أم فروه ومع هذا لم تكن كندة كلها في المرتدين ولا مانعي الزكاة فكانوا إبطالا صنعوا في تاريخ الإسلام العجائب
وبطولاتهم ورجالهم لاتعد ولا تحصى حين أصبح الإسلام هو القبيلة والقبيلة هي الإسلام .

يكتب هذه الحلقات الأستاذ الباحث في تاريخ حضرموت أبو صلاح حسين صالح بن عيسى بن سلمان .
تنشر هذه الحلقات في صفحة تاريخ وتراث حضرموت على الفيس بوك وتويتر وفي سقيفة التاريخ والتراث منتدى بسقيفة الشبامي حضرياً

التعديل الأخير تم بواسطة أبو صلاح ; 08-31-2015 الساعة 04:43 PM
  رد مع اقتباس