عرض مشاركة واحدة
قديم 09-08-2015, 09:09 PM   #6
أبو صلاح
مشرف قسم تاريخ وتراث
 
الصورة الرمزية أبو صلاح

افتراضي

حضرموت والدولة الرسولية داعمة للتصوف ولأول سلطنة من القبائل الناقلة إلى حضرموت


حضرموت تاريخ من صراعات الكيانات القبلية وإنعدام الأمن و الإستقرار (الحلقة السادسة )

الدولة الرسولية التي حكمت اليمن من زبيد في القرن السابع الهجري كما مر بنا كان لها تأثير مباشر في بعض من أوضاع حضرموت الدينية والسياسية ، أما الدينية فقد كانت هذه الدولة [الرسولية ] قد مكنت للصوفية في اليمن وحضرموت تمكيناً تاما على الأوضاع المحلية ،الأمر الذي أدى تعديه إلى سلطنات أل يماني والكثيري والقعيطي آخر السلطنات تنتمي إلى عصبيات قبلية أمتد إلى عصرنا الراهن ... وهذا له علاقة بموضوعنا في ما لعبه كبار رجال التصوف من دور كبيراً ومؤثراً ومثبطاً في مجمل المشاكل في أتون الفوضى القبلية العارمة التي تنشب بين الفترة والأخرى في حضرموت وتوزعهم للإشراف وطلب الولاء من كل قبيلة لهم والتوجيه لكل فصيل قبلي على حدة في حضرموت.
فما من اعتراض كان من قبل من الفقهاء أو غيرهم على الصوفية إلاَّ ويقمعه ملوك بني رسول و السلاطين وشيوخ القبائل الذين أتوا من بعدهم ...، و قد تكامل نشر الصوفية ورسخت جذورها بل وبسقتْ وتمتْ فروعها وآتتْ ثمارها في هذا القرن، وواصلت التطور والتوسع في القرون اللاحقة ....
أما من الناحية السياسية ، مدت الدولة الرسولية نفوذها من تهامة زبيد باليمن بواسطة قوى قبلية محلية ساعدت " القائد اليمني للدولة الأيوبية عمر بن مهدي الذي أرسله"الأيوبيون إلى حضرموت مع جيشًا كثيفًا لإخضاع الإمارات الثلاث الحضرمية التي سبق أن أشرنا أليها في الحلقة الماضية التي قامت في مدن تريم وشبام والشحر. فاستولى ابن مهدي على الشحر وتريم وشبام بعد مجازر رهيبة ونكل بعموم الحضارمة وخواصهم.
غير أنها انهارت سنة 859 هــ - أي الدولة الرسولية - واستقل سلاطين أل يماني بالحكم من بعدهم في تريم ، ولاشك أنهم يعدون امتدادا للدولة الرسولية المنهارة التي كانت أقوى حليفاً لأل يماني ،ومما تجدر الإشارة أليه أن آل يماني وإمارتهم التي أنشاؤها برئاسة زعيمهم الأمير مسعود بن يماني بن لبيد الظنّي في تريم كانت في صراع دائم مع آل إقبال الكنديون في الشحر الذين استعصوا عليهم ، ومع أل الدغار في شبام بنو عمومة آل راشد القحطانيون الذين حكموا تريم من قبل .
وفي خضم هذه الصراعات بين الكيانات القبلية المتباينة التي يطمح كل منها في حكم حضرموت أو أجزاء منها ، ظهر (بني ظنه ) كحلف قبلي أو( عصبة ) جديد مسانداً وداعماً لأل يماني .
ويعد أل تميم الذين استوطنوا في وادي المسيلة أسفل حضرموت هم أكبر هذا التجمع القبلي بالرغم من أن رئاسة الحلف أو العصبة بالوراثة لابن يماني الذي استوطن في قسم شرقي مدينة تريم وله الزعامة على بني ضنه عموماً الذين منهم المناهيل وأقسام أخرى كالمعارة - وروح وغيرهم من القبائل الناقلة إلى حضرموت المختلف في أنسابها كثيراً على عدد كثير من الأقوال و من أي مناطق تم نزوحها إلى حضرموت ولازالت كثيراً من المعلومات التاريخية عنها متناقضة وشحيحة لدى الباحثين .
ومعهم قبائل (نهد) حيث يرجعون بنسبهم إلى رابطة واحدة هي عشيرة (بني حرام) بن ملكان بن كنانة من قضاعة، كما ذكر بعض ممن كتب في تاريخ حضرموت ولهذا فإن (نهد)ساعدت آل يماني في توطيد دعائم دولتهم أو أنهم على الأقل لم يعرقلوا نموها وتوسعها.
وكانت مدينة تريم والضواحي والقرى والوديان المجاورة لها أكثر المناطق التي استوطنتها هذه القبائل التي نزحت إلى حضرموت، وكذا قبيلة أل كثير وقبائل أخرى (والمهاجر السيد أحمد بن عيسى بن محمد بن علي العريضي) القادم من البصرة – العراق واستقر أبناءه وأحفاده من بعده في قرية "بيت جبير" شرق مدينة تريم ثم أخيراً في مدينة تريم ، وظهرت كل هذه الجماعات في أتون الصراعات القبلية على الحكم في حضرموت وكان لها أثراُ كبيراً في تغيير بعض المفاهيم وخلق مفاهيم أخرى في حضرموت من ذلك نظام التراتب الاجتماعي في المجتمع المحلي الذي يأتي على رأس هرمه السادة العلويون ، وكما سنلاحظ تأسيس أول سلطنة لفصيل من هذا الحلف لآل يماني .
ومما تجدر الإشارة أليه في هذا السياق أن هذه المنطقة السالفة الذكر التي استوطنها الكثير قد شهدت حروب الردة التي تحدثنا عنها في ماتقدم من حلقات وهجرات متتالية إلى خارج حضرموت نتج عن ذلك فراغا سكانياً كبيراً من أهلها الذين تم قتلهم في ما عرف بإلابادة الجماعية للسكان الحضارمة والكنديون أثناء حروب الردة ودخول الجيوش الغازية لتعقب حركات التمرد التي شهدته مدينة تريم ومدن أخرى ثم لهجرة الآلاف من العوائل الحضرمية والكندية كما تقدم ذكره في جيوش الفتح الإسلامي لم تعد إلى مواطنها هذه واستقر بها المقام في مصر والعراق والشام والحجاز وأماكن أخرى منهم البقيليون وغيرهم ...ثم لتوطن التصوف وابتعاد كثيراً من سكان هذه المناطق عن المقاومة وحمل السلاح للظروف السياسية التي مروا بها من مقاومة للجيوش الغازية لحضرموت أثر في قوتهم وتماسكهم ،وكانت هذه المناطق من أخصب الأراضي الزراعية في وادي حضرموت لكثرة المياه الجوفية فيها ولقربها من مصب الوادي .
ومما تجدر الإشارة أليه أيضا وله ارتباط بالموضوع أن أغلب السلاطين بدأ سلطانهم من مدينة تريم بإستثناء السلطنة القعيطية من مدينة القطن. وكان مسعود بن يماني الذي توفى سنة 648 هـ (1250م) أول من بنيت على قبره أول قبة تقام بمقبرة الفُرّيَّط بتريم.
وكان من ضمن المنافسين على الحكم والتسلط القبلي في حضرموت أيضا ،تيار أخر قادماً من ظفار قرب الإمامة الاباضية في عمان بقيادة "سالم بن إدريس الحبوضي الظفاري"و كان جده الأكبر محمد بن أحمد عاملًا للسلطان محمد بن أحمد الأكحل المنجوي والأقرب انه على مذهب الاباضية المنتشر في عمان قياساً على المكان ، ويظهر هذا من خلافه مع الأيوبين ذوي المذهب الأشعري و وزراءهم المماليك في اليمن بني رسول الذي امتد حكمهم إلى حضرموت كما تقدم ذكره...
ومع السلطان سالم بن إدريس الحبوظي ظهر تيار قبلي أخر طموح جديد كانوا عسكراً للحبوضي سيكون له شأن في صراع الكيانات القبلية القادمة خاصة منذ نهاية القرن التاسع و بداية القرن العاشر الهجري وهم (آل كثير) وحلفاءهم كقبيلة طموحة للحكم أيضا في حضرموت.و يرجع أصلها أيضًا إلى (بني حرام) على مايذكره جملة من الكتاب والمؤرخون الحضارمة منهم صاحب الشامل علوي بن طاهر الحداد وتاريخ الدولة الكثيرية الأستاذ محمد بن هاشم ،وأحمد بن حسن العطاس وغيرهم ،ويخالفهم في هذا من كتب عن تاريخهم ونسبهم وصدر عنهم حديثاُ أنهم من همدان باليمن ،والمسالة خلافية فيما أراه .
وكان آل كثير قد عمروا مدينة (عينات) سنة 629 هـ (1231 م) في وادي بُوح (وهي عينات القديمة لا الجديدة التي اختطها الشيخ أبو بكر بن سالم العلوي) كما يذكر بعض ممن كتب في تاريخ حضرموت .
وحين حاول سالم بن إدريس الحبوضي توسيع إمارته في ظفار قدم إلى حضرموت سنة 673 هـ واشترى مدينة شبام واستعمل أخاه موسى عليها. ثم هاجم واحتل مدينتي سيئون ودّمون. وحاصر مدينة تريم وكانت حينها تحت حكم الأمير عمر بن مسعود بن يماني.و صمد آل يماني في وجه الحصار الحبوضي الذي دام عدة أشهر.. وطال صمود ابن يماني فيئس الحبوضي من الاستيلاء على مدينة تريم وعاد إلى مدينة شبام، ثم غادر حضرموت إلى ظفار تاركًا آل كثير عسكره عمالًا على ممتلكاته الحضرمية التي استولى عليها وفي ظفار قتل بعد عودته .
وفي حلقتنا القادمة يظهر أل كثير طموحهم من خلال هذه الصراعات لإنشاء دولة جديدة أيضا في حضرموت ..
.
  رد مع اقتباس