عرض مشاركة واحدة
قديم 11-07-2015, 11:23 PM   #9
أبو صلاح
مشرف قسم تاريخ وتراث
 
الصورة الرمزية أبو صلاح

افتراضي

الحلقة التاسعة
تصوف سلاطين واحتلال جيوش الإمام حضرموت دون مقاومة
حضرموت تاريخ من صراعات الكيانات القبلية وإنعدام الأمن و الإستقرار

تقدم أن السلطان بدر بن عبد الله الكثيري "بو طويرق " رحمه الله حاول أن يوسع نفوذه وينشي دولة كبيرة تسيطر على كل أرجاء القطر الحضرمي من عين بامعبد إلى ظفار بعد فترة من تعدد السلطات القبلية والأمارات المتعددة في الساحل والداخل وأن يؤمن حدود الدولة من جهة الشرق والغرب ورغم نجاحه المؤقت إلا أن من جماعته القبلية ومن بيته السلطاني، وحلف الشنافر المساند له لم يكونوا عوناً له وراضيين عنه،إذ ظلوا يضعون العراقيل أمامه كما تؤكد ذلك المصادر التاريخية ، إضافة إلى حروبه مع مختلف قبائل حضرموت المتمردة عليه ـ لم تترك له صد يق ولاحميم يعينه،فأنهكته هذه الظروف والحروب وغيرها وأسلمته لأيدي خصومه داخل قبيلة أل كثير وبإيعاز من كبار المتصوفة والمناصب الذين لم يرضوا عنه ورموه بالطياشة والتهور؛ ولهذا كانوا يصفونه وأعماله بالشاذة فأوعزوا لأبنه أخيرا بسجنه والانقلاب عليه قبل أن يتم مشروعه وبالمقابل أيضا أنهك جمهور الحضارم البعيدين عن الصراع والحروب بكثرة الضرائب والأثقال عليهم خاصة أهل الحرف والتجارة والأعمال الخاصة الدافعين للضرائب دون غيرهم من الناس . فلم يستطع السلطان في النهاية أن يكسب أحداً إلى صفه أو يقف معه ضد خصومه المتزايدون باستمرار .
وبعد وفاته سنة977هـ عقب اعتقاله وسجنه نستطيع القول أن الدولة الكثيرية الأولى أصبحت في مهب الريح بل في العد التنازلي لها ،فمن القوة إلى الضعف ثم التمزق ،ومن الهجوم إلى الدفاع فالاحتلال الأجنبي لحضرموت .
فانقسم سلاطين آل كثير على أنفسهم بعد وفاة أبي طويرق ودخلوا في تطاحن لا نهاية له على السلطة، ونتيجة لذلك شهدت حضرموت حروباُ متقطعة وتمردات مناطق مختلفة،ومال أغلب السلاطين بعد بدر بو طويرق رحمه الله في هذه الفترة إلى التصوف والبعد عن سياسة الدولة واعتزالهم السلطة،وأصبحوا مطية لرجال التصوف من العلويين وغيرهم بل و تصوف البعض منهم وترك السلطنة كما تدل على ذلك تراجمهم في كتاب (تاريخ الدولة الكثيرية أنظر من ص90 ومابعدها .. )بدء من السلطان علي بن عمر الكثيري حاكم شبام الذي كان من المريدين للشيخ معروف باجمال، الذي حبسه السلطان بدر ونفاه إلى بضه بدوعن بعد أن نكل به – كما مر بنا في الحلقة الماضية -، وأخرجه أبنه عبد الله بن بدر من حبسه بعد موت أبيه وظل متصوفاً حتى مات.
وتتابع سلاطين بعد ذلك من التقرب من كبار الصوفية الذين أصبح لهم التوجيه لبعض من السلاطين حتى كان عام 1024هـ (1615م) عندما استولى على السلطة بدر بن عمر بن بدر أبي طويرق. فاستعان هذا الأمير بالإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم.
فأشاع عنه منافسوه أنه اعتنق المذهب الزيدي فأدّت هذه الإشاعة إلى انقسام الناس بين مؤيد له ومؤيد لابن أخيه السلطان بدر بن عبد الله بن عمر ابن بدر أبي طويرق، وإلى السلطان عبد الله بن عمر هذا تُنسب (دولة آل عبد الله) [التي قامت في تريم واستعادت سيئون وتريس وقرى أخرى من سيطرة يافع وانتهت في أكتوبر 1967م مع السلطنة القعيطية أيضا .]
ومن أهم الفتن التي حدثت بين الأبناء والأحفاد وكانت سبباً في تدخل إمام الزيدية حاكم اليمن في شؤون حضرموت واحتلالها دون مقاومة تذكر ومن ثم إخضاع حضرموت فترة من الزمان للنفوذ الزيدي الذي تدخل حتى في فرض (حيا على خير العمل )في الأذان وهذه الفتنة بين سلطانين كلاهما يرى أنه أحق بالحكم احدهما يسنده أحد رجال التصوف بعينات والأخر يسنده إمام اليمن الزيدي ،و بدأت سنة 1024 هـ - كما تقدم ذكره - وفي سنة 1058 هـ وثب بدر بن عبد الله بن عمر على عمه بدر بن عمر بحصن سيئون وقبض عليه وعلى ابنه محمد المردوف وضيق عليهما ثم أرسلهما مكبلين بالأغلال إلى حصن مريمة حيث سجنهم هناك و لمابلغ الخبر الإمام بالقبض على بدر بن عمر وأنه لم ينله ما ناله من الأذى إلا لموالاته أئمة اليمن ،اشتد الأمر بعد المكاتبات والتهديد والوعيد وكانت هذه القضية فرصة سانحة للتدخل الزيدي في حضرموت، ففي عام 1069 هـ نادى الإمام بالنفير من غير تأخير وجمعت الجيوش من جميع الجهات وقامت الخطباء والدعاة إلى الجهاد في صنعاء وجهاتها ،واعتبرها اليمنيون حرباً مقدسة حشدت لها القوات ومن القبائل اليمنية المختلفة ،وفي آخر شهر رجب سنة 1070 هـ (1659 م) قدم الإمام بجيش جرار إلى حضرموت تحت قيادة القاضي الصفي أحمد بن حسين الحيمي ومعه السلطان بدر بن عمر بن بدر الكثيري
لنصرة السلطان بدر بن عمر ضد مناوئه ابن أخيه بدر بن عبد الله.
وأما الطريق التي سلكها جيش الإمام فكانت من غرب حضرموت ابتداء من أرض العوالق وابن عبد الواحد – في محافظة شبوة حالياً – ثم إلى دوعن تحت نفوذ الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله العمودي تلقاهم إلى نحو جردان وسار الإمام بالجيش عن طريق حجر.
وطلعوا عقبة المدلاة على الصوط وخرجوا عقبة في الجزع تسمى بعقبة باعقبة ونصبوا خيامهم بحد فرة بيضان، وأقاموا يومين ورحلوا إلى ضمر عشير يوم الخميس وخاف أهل الهجرين منهم خوفاً عظيماً.
وإلى الهجرين ورغم أنهم أعطوا أماناً لأهل الهجرين إلا أنهم نقضوه وقاموا بالنهب والسرقة والقتل لـ 20 شخصاً بها ودخلوا هينين وسدبه وحوره .. وغيرها من مناطق حضرموت دون أي مقاومة ،فالكل يستسلم ويفر من المواجهة، حتى ذكرت المصادر التاريخية فرار السلطان بدر بن عبد الله الكثيري إلى أخواله بتاربه ....
ومما تجدر الإشارة أليه أن كل منطقة دخلها جيش الإمام ابتداء من غرب حضرموت إلى شرقها من المناطق القبلية والحوط الصوفية ذات المنصب والسلطان و التي كانت لها شوكة، وجولة وصولة في إذكاء الفتن والمصائب ، ونهب وسرقة الأمانين والمارة، والفتك بالضعفاء والمساكين وسلب أموالهم بقوة السلاح ، والتمرد على السلطان بدر بو طويرق وعرقلته من قبل كل هذه المناطق بمختلف قبائلها ومسمياتها وتحالفاتها جبنت في مواجهة الجيش[ أنظر ماكتبه المؤرخ اليمني الجرموزي ] فهذا الجيش الغازي وصل غل سيئون وتريم كما ذكرت مراجع كتب التاريخ وأعلنت استسلامها له وقام الإمام وأفراد قوته العسكرية الزيدية بنهبها دون قتال ولم يفلح من أراد أن يثنيه عن العودة في ذلك الزمان.
وكانت النتيجة، في آخر الأمر، أن تلاشت سلطة سلاطين آل كثير جميعهم، وأصبح الأمر والنهي في حضرموت لزعماء الجيش الإمامي الذين أرغموا أئمة المساجد أن يزيدوا في الأذان جملة «حي على خير العمل» .
وفي سنة 1113هـ (1701م) على عهد السلطان بدر بن محمد المعروف انقسم الزيود ويافع (جُند الجيش الأمامي )، وعمت البلاد موجات من الجور والاقتتال بين الزيود ويافع ومن كان في صف كل جانب منهما.
وفي سنة 1117 هـ (1705 م) ذهب السلطان بدر إلى يافع، وبتأييد من العلويين لاستقدام مجندين يافعيين لإنقاذ من بها من أهل السنة وكادت حضرموت أن تتشيع مع مذهب الزيدية، وعاد بستة آلاف مقاتل وطرد الزيود من حضرموت.
بعدها تبدأ مرحلة جديدة أخرى من الصراع القبلي على السلطة والفوضى القبلية العارمة ونهاية السلطنة الكثيرية الأولى في حضرموت وبداية سلطة يافع من العسكر الدفعة الثانية وأصبحوا المنافس القوي لأل كثير وحلفاءهم الشنافرة ،إذ سيطرت يافع على أغلب حضرموت الساحل كله و من وادي حضرموت...
هذه هي صفحات من تاريخ الصراع القبلي على السلطة لم يزد حضرموت إلا مزيداً من التخلف والتأخر عن مواكبة التطور الذي يجري حينها في العالم ولقرون طويلة من الزمان لاسنوات ....

  رد مع اقتباس