الموضوع: في غرام اليمن !
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-25-2004, 09:36 AM   #1
أبومحمد
حال نشيط
 
الصورة الرمزية أبومحمد

افتراضي في غرام اليمن !

<<
جونتر جراس ، الألماني صاحب (الطبل والصفيح) - روايته الطويلة ، وحامل نوبل للآداب، جاء الى اليمن منذ عام أو أقل قليلا ، كان اليمن أكتشافا مدهشا بالنسبة له: "لقد وقعت في غرام اليمن" - هكذا قال الروائي الكبير بدهشة فتى يقع في حب صبية من أول نظرة - ليس جونتر جراس فتى اليوم ، أنه اليوم في السادسة والسبعين ، ذاهب الى الثمانين ، والبلد الذي أحبه ليس شابّه لعل هذا ماأدهش الرجل ، حين توقف في حضرموت تلك "المدينة" العريقة العظيمة . يوم كنا صغارا كنا نعرف من اليمن عدن وحضرموت ، بدتا لنا كما لو كانتا تنتسبان الى عالمين مختلفين ، كما لو أن عدن وحضرموت بلد. ولكن ليس ثمة ماهو يمني أكثر من حضرموت (!) . رأى جراس هناك أقدم ناطحات سحاب في العالم. سمير جريس من جريدة "الحياة" وصف بجمال :"تلك البيوت الطينية المتلاصقة ذات الواجهات المصقولة المزخرفة وكأنها تنطح سحاب الصحراء" ، أما جمال الغيطاني الذي كان هناك، فقد تحدث بحب عن مدينة شبام المشهورة بعماراتها المستطيلة المرتفعة.
يخيل للرائي أنه يرى عمارة ذات واجهات حجرية او رخامية ، أما النقوش والتفاصيل فتحمل مؤثرات عديدة من حضارة عربية قديمة وأصداء هندية قادمة من تاج محل وأخرى من وسط آسيا ، من سمرقند ، لكن مابدا للغيطاني وربما لجونتر جراس قبله ، واجهات حجرية أو رخامية ليست سواء طلاء جيد لمادة الطين المتحدرة من تربة الوادي مخلوطة بالقش ، تتخللها عروق خشب السدر الذي لايمكن للحشرات القارضة أن تؤذيه ، هذه العمارت الضخمة الشاهقة المشادة بالطين منذ قرون دليل عبقرية المعماري اليمني القديم الذي أقام هذا التآلف المدهش مع البيئة مسكونا بذوق معماري عال ومخيلة فنية خصبة . الرجل الذي وقع في غرام اليمن هاله أن هذه العمارة المدهشة التي قد لايوجد لها مثيل في العالم، مهددة بالزحف الأسمنتي - الزجاج القبيح الذي يجتاحنا، وأدرك بحسه كفنان وروائي ونحات ورسام ، أن أبداعا جميلا للأسف قد يتبدد دون أن يحافظ عليه احد أو يحميه ، فاقترح أقامة معهد أو مركز عالمي للحفاظ على العمارة اليمنية القديمة ، وتبرع هو شخصيا بعشرة آلاف دولار! للبدء في أنشاء هذا المركز محفزا بذلك همم هيئات وحكومات للمساهمة في أنجاز مشروعه ، ولم يفته أن يتساءل عن مساهمة دول الخليج الغنية في المشروع الذي هو عبارة عن مدرسة يتعلم فيها البنّّاؤون الشبان أسرار هذه الحرفة من معلمي البناء المخضرمين الذين لن يكونوا معنا بعد حين ، وذلك حرصا على استمرار هذه المدرسة المعمارية التي قد تنقرض مالم يجر أنقاذها وسط هذا التخطيط المعماري الذي يجتاح العالم ويجعل من مدنه وبلدانه نسخا مكررة "فوتوكوبيز" لاتحمل مذاق المكان ولا روح بيئته ولانفسية اهله ومشاعرهم وتراثهم وصور تفاعلهم مع محيطهم الذي أعطاهم روحه وأعطوه أرواحهم في مزيج مدهش فريد من نوعية لايتكرر ثانية.

الكاتب : د / حسن مدن

منقول >>

نشر بجريدة الخليج الأماراتية، السبت 24/01/2004
التوقيع :
أهل الشروع الطويلة وأهل الوفاء والجود من سابق دويل

التعديل الأخير تم بواسطة أبومحمد ; 01-25-2004 الساعة 09:41 AM
  رد مع اقتباس