03-18-2008, 06:30 AM | #1 | |||||
حال قيادي
|
الاخوان المسلمين في مصر والانتخابات: المغارم والمغانم
اخوان مصر والانتخابات: المغارم والمغانم
صلاح العربي حيلة طريفة استخدمها المسؤولون عن الحزب الوطني في مصر لمنع مرشحي جماعة الإخوان المسلمين من تقديم أوراقهم للجهات المسؤولة عن قبول أوراق المرشحين لانتخابات المحليات التي ستجري يوم 8 نيسان (ابريل) المقبل، الحيلة تكمن في قيام عدد من البلطجية والمستأجرين بالتزاحم علي أبواب الأماكن المخصصة لقبول أوراق الترشيح، وبذلك يمنعون مرشحي الإخوان من تقديم أوراقهم، حيث سيكونون قد ربحوا الجولة بذلك من البداية ومنعوا أعضاء الجماعة التي تصفها أجهزة الإعلام المصرية بـ المحظورة من الدخول لمنافستهم داخل صناديق الاقتراع. هذا من جانب مسؤولي اللجان الخاصة بقبول أوراق الترشيح أما من جانب الأجهزة الأمنية فإنها تقوم بصفة يومية بـ واجبها في اعتقال كل من يثبت انه سوف يقوم بترشيح نفسه للمحليات، حيث وصل عدد معتقلي الإخوان حتي كتابة هذه السطور إلي 750 شخصا، ومن جهة أخري كان مجلس الشـــعب قد سن قانونا يحظر استخدام الشعارات الدينية في الانتخابات، كما تم إلغاء الإشراف القضائي علي اللجان الانتخابية، وهو الضمانة الوحيدة التي كان يعول عليها الكثير لنزاهة العملية الانتخابية في بر المحروسة! إذن جماعة الإخوان تخوض الانتخابات هذه المرة دون استخدام شعارها الأثير الإسلام هو الحل وهو الذي كان يجذب الكثير للالتفاف حول مرشحيها، كما أنها تدخل في ظل ظروف نفسية قاسية، حيث تخلت عن التحالف معها جميع الأحزاب السياسية في مصر، بالإضافة إلي المعوقات التي ذكرناها من قبل مثل منع المرشحين من التقدم بأوراقهم واعتقال الكثير منهم بمجرد علم امن الدولة بنيتهم دخول الانتخابات أو أنهم ممن يعول عليهم في إدارة الحملات الانتخابية ونجاح المرشحين. الأمر الذي جعل كثيراً من الكتاب والمعلقين السياسيين في مصر يتساءلون: لماذا تصر الجماعة علي خوض انتخابات المحليات في ظل هذه الظروف الغريبة بل أكد بعضهم أنها الانتخابات تحملهم أعباء ومغارم بدون أن يحصلوا منها علي أية مكاسب أو مغانم خليل العناني مدير تحرير مجلة السياسة الدولية في موقع (المصريون) بينما تساءل البعض: هل الإخوان يدخلون انتخابات المحليات حتي يستطيعوا السيطرة علي السجون المصرية، (بتعبير إبراهيم عيسي في جريدة الدستور)، الأمر الذي يجعلنا نتساءل: ما هي المغانم التي سيكسبها الإخوان من خوض غمار انتخابات المحليات وما هي المغارم التي ستحل عليهم جراء ذلك؟ ابتداء جماعة الإخوان قررت المشاركة في انتخابات المحليات علي اعتبار أن مشاركتها تعد واجباً شرعياً تبتغي به مرضاة الله، ومساهمة منها في إنقاذ الأمة وذلك حسبما ورد في البيان الذي أصدرته الجماعة لتأكيد مشاركتها في الانتخابات ونشر علي الموقع الرسمي للجماعة، كما أنهم يعتبرون المحليات مهمة جدا فهي التي تساهم في تقديم الخدمات المباشرة للجمهور. ولكن كيف يحسب الإخوان مكاسبهم وخسائرهم من خوض هذه المعركة التي لا يريد النظام أن يخرج منها خاسرا، فلا بد من حساب دقيق للمغانم التي قد تعود عليهم وللمغارم التي ستطالهم من هذه المشاركة، وذلك بعيداً عن لغة الوعظ والإرشاد، فالمشاركة ليست هدفاً بحد ذاته، وإنما هي وسيلة لتحقيق مصالح و مآرب أخري. دعونا نبدأ بحساب المغارم، فحجم الاعتقالات والمآسي التي يتعرض لها أعضاء الجماعة وكوادرها في مختلف المستويات والمحافظات، وصل الي درجة غير مسبوقة من الإهانة والقمع ربما لم تحدث منذ ستينيات القرن الماضي ( 750 معتقلا منذ بدء الاستعداد للانتخابات حتي الآن بما يعني فقدان عائل 750 أسرة)، كما أن النظام يساوم علي العقوبات التي ستحكم بها المحكمة العسكرية علي 40 قياديا علي رأسهم خيرت الشاطر النائب الثاني لمرشد الإخوان، فإذا تخلي الإخوان عن النزول بكثافة للمحليات وبالتالي الفوز فيها فان العقوبات ستكون مخففة أما إذا زاد عدد المرشحين وعدد الفائزين بما يتجاوز الخطوط الحمر التي وضعها النظام فان الأحكام ستكون قاسية جدا! هذا من جانب وهناك جوانب أخري لا تري في الصورة من أول وهلة، منها إذا كان المرشح الاخواني رجل أعمال أو تاجراً فانه سوف يوضع في القائمة السوداء وسوف يزوره بصفة يومية محضرون ومأمورو ضرائب ومفتشون من كل لون حتي تكسد تجارته أو تتم مصادرتها ـ كما حدث من قبل مع البعض ـ وإذا كان موظفا فانه سيكون بترشيحه قضي علي مستقبله الوظيفي وغير ذلك كثير، حتي من يثبت تأييدهم لأي مرشح فان هناك طرقا كثيرة لإيذائهم فإذا كانوا طلابا فانه لن يتم تعيينهم في أية وظيفة وإذا كانوا موظفين سوف يتم تهميشهم وظيفيا أو فصلهم من وظائفهم. وقد تحالفت جميع أجنحة النظام الحاكم ضدهم فقد اتخذ وزير الأوقاف محمود حمدي زقزوق قرارا بمنع خطباء الإخوان من اعتلاء منابر المساجد، وهي الساحة التي كانوا يصولون ويجولون فيها، وهدد بالاستعانة بأمن الدولة إذا لم يستجب أي خطيب لهذا المنع، كما أن السلطة تتكئ علي مجموعة من العصا القانونية والدستورية والأمنية التي تعطيها الحق في محاصرة الأنشطة المختلفة للجماعة في المجالات الخيرية حيث يتم تأميم العديد من الجمعيات في هذا الإطار. وإذا كان الهجوم علي الجماعة قد بات نمطاً معتاداً تزداد حدته عشية مشاركة الجماعة في أية مناسبة سياسية (أزمة غزة مثالاً) أو انتخابية (الشوري والمحليات)، هل يصبح أجدر بالجماعة أن تتريث في اتخاذ أي قرار سياسي قد يؤدي الي استمرار مسلسل القمع والانتهاك؟ ولكن الكثير من قيادات الإخوان يردون علي هذه المغارم بالقول بأنه لن يحدث تراجع عن عمليات الاعتقال التي تجري بحق الجماعة حتي لو لم تشارك في انتخابات المحليات أو غيرها من الأنشطة السياسية، وان التضييق علي أعضاء الجماعة، من رجال الأعمال مثلا، حدث حتي قبل خوض الانتخابات، والمحكمة العسكرية تحاكم الآن 40 قياديا من رجال الأعمال وقادة الإخوان، كما أن كوادر الجماعة تعودوا علي التضييق عليهم في وظائفهم وأعمالهم ولديهم إجازة من القيادة بان ينفوا علاقتهم بالإخوان إذا تم التضييق عليهم، والأصل أن أي منتم للجماعة لا يعلن انتماءه لها إلا إذا كان معروفا للجهات الأمنية. كما أن الجماعة تقوم بترشيح عدد كبير من المرشحين، بعضهم مرشحون أساسيون وهم غالبا غير معروفين للجهات الأمنية وآخرون بمثابة واجهات اخوانية وفي الحسبان انه سيتم اعتقالهم وبالتالي نكون قد فوتنا الفرصة علي النظام فلا يستطيع اعتقال المرشحين الأساسيين، وحتي من يتم اعتقاله فانه سوف يتم الإفراج عنه بعد بضعة اشهر بحكم من القضاء أو بسبب ضيق السجون بأعداد المعتقلين وقلة موارد الإنفاق عليهم ولأن النظام لن يجد أية فائدة له من اعتقالهم. أما حساب المغانم لدي الإخوان فيتركز في أن فترة الانتخابات فرصة للحركة في الشارع والاحتكاك أكثر بالناس ودعوتهم للانضمام إلي صفوف الجماعة، مما يخلق أرضية جديدة للجماعة ومستوي انتشار أكثر لها، كما انها فرصة لإثبات وجود الإخوان علي الساحة السياسية وأنها الفصيل الأكثر حركة واحتكاكا بالشارع، وهي فرصة أيضا لاستطلاع آراء الناس في مدي تطلعهم للحل الإسلامي، وان نزول المعركة هذه المرة دون التسلح بشعار الإسلام هو الحل قد سهل علي أعضاء الجماعة التخفي عن أعين الأجهزة الأمنية، فهي الآن في حيرة من أمرها، لا تدري أي المرشحين من كوادر الإخوان وأيهم مستقل، كما انها فرصة لكي يثبت الإخوان لغيرهم أنه ليس بالشعار وحده يتحقق الفوز في الانتخابات. هذه حســـــابات المغارم والمغانم لدي القيادات الاخوانية فهل هي صحيحة أم أن الجماعة تعجلت أمرها بخوض انتخابات المحليــــات، وانه كان من الأفضل لها وفق هذه الحسابات ألا تشارك في معركة المحليات وتوفر جهد وطاقة أعضائها؟ هذا ما ستسفر عنه الأيام، وإنا لمنتظرون! ہ كاتب وصحافي مصري مقيم في الإمارات |
|||||
03-18-2008, 07:38 AM | #2 | |||||
حال قيادي
|
عن استنارة الاسلاميين وظلامية العقلانيين: تأملات في المنهج
د. عبدالوهاب الأفندي 18/03/2008 خلال الأشهر القليلة الماضية (ولآخر مرة في الصحافة بتاريخ 13 كانون الثاني (يناير) الماضي) نشر الكاتب السوداني عبدالعزيز حسين الصاوي (وهو الاسم المستعار للدبلوماسي السابق والناشط في حزب البعث العربي في السودان محمد بشير أحمد) سلسلة مقالات حول ما وصفه بـ البحث عن مكامن الاستنارة في صحراء الاسلاميين . وبحسب الصاوي فان فكرته تدور حول استغلال بعض جوانب الحداثة والعقلانية في الحركة الاسلامية الحديثة في السودان وقواعدها بهدف خلق الظروف المطلوبة للخروج من الطريق المسدود الذي وصلت اليه الحكومة والمعارضة معاً. ورغم أن الصاوي أصر علي أن هدفه لم يكن الدعوة الي التقارب مع المؤتمر الوطني الحاكم أو الي مصالحة مجانية مع الحكومة، الا أن الفكرة المعقدة التي طرحها تحتمل مثل هذا التأويل، كما صرح بذلك منتقدوه، وهو أمر سنعود له. فهناك دعوة ضمنية لتشجيع ما وصفه بالاستنارة في أوساط الاسلاميين، وتمنيات بأن يتأثروا بالنماذج التركية أو الماليزية، مما يوحي بأنهم لو فعلوا فان التقارب معهم سيصبح ممكناً. وهناك أيضاً اشادة بمؤهلات الاسلاميين الحداثية (مثل التعليم الحديث، والنجاح في مجال الأعمال والاحتكاك بالغرب) التي قال انها يمكن أن توظف لصالح قوي الحداثة العلمانية. اضافة الي ذلك فهناك دعوة للتعامل مع قواعد الاسلاميين وجذبها بعيداً عن قيادتها عبر تنشيط عمل مؤسسات المجتمع المدني. وقد كفتني القدس العربي مؤونة تقديم الصاوي الي القراء حين نشرت له يوم الأربعاء الماضي مقالة (نشرت يوم السبت الذي سبق في الصحافة ) تلخص موقفه السياسي العام الناقد لحزب البعث العراقي الذي كان من مؤيديه في السابق. ويمتد موقفه الناقد من نظام صدام الذي تحول بحسبه الي نقيض لمرحلته السابقة كمشروع نهوض واستنارة الي الاستخلاص بـ انه لمن قبيل الاحتقار للشعب العراقي واللاانسانية المطلقة عدم الاعتراف بحقه في التخلص من نظام استبدادي (وطني) تجاوز تقويضه لحياة العراق والعراقيين كل الحدود التي تتسبب فيها هذه النوعية من الانظمة، بكل الوسائل المتاحة . ويضيف أيضاً انتقاد المقاومة الحالية للاحتلال في العراق بقيادة عزت الدوري التي عكست كما يري اختطاف قضية التحرير والمقاومة من قبل قوي الهوس الديني والقومي الشوفيني التي لا تعرف ماهية الديمقراطية ولا تؤمن بها . ويشير هذا الموقف الي القطيعة الكاملة مع البعث العراقي من قبل التيار الذي يمثله الصاوي بين بعثيي السودان، وهو موقف قد يصفه البعض بالاستنارة. وبالعودة الي موضوع نقاشنا فان الصاوي يستند في دعوته الي استنفار الاستنارة المرجوة في أوساط الاسلاميين أولاً الي ما يري أنه تدني سقف انجازات المعارضة العلمانية في مواجهة تمترس الاسلاميين في الحكم وفي الشارع. وهو يعتقد أن استغلال رصيد الانفتاح والاستنارة من شأنه أن يؤدي الي الاضعاف الحقيقي للنموذج الديني السياسي تياراً وسلطة بخلخلة الركيزة التحتية التي يقوم عليها وينقذ جهود المعارضة في مجال الصراع ـ التعايش السياسي مع النظام من اللاجدوي . ولا يمنع هذا من تقديم تنازلات للنظام، خاصة اذا كانت المحصلة ستكون اجتذاب مجموعات متزايدة من المتأثرين بالفكر أو المناخ السياسي الديني لجانب المعارضة. وقد أثارت دعوة الصاوي انتقادات من قبل المعارضة العلمانية منها تلك التي أوردها التجاني الحاج عبدالرحمن الذي جاء في رده بتاريخ 18 كانون الثاني (يناير) الماضي أن التيار الاسلامي في السودان ينحدر من التيار السني السلفي الذي هزم فكرة التنوير التي بدأت مع المعتزلة في نهايات الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية وبالتالي فان هذه الحركة لاعلاقة لها بالتنوير أو الاستنارة من قريب أو بعيد . ويرد الحاج عبدالرحمن حجة الصاوي حول براعة الاسلاميين في استخدام التقنيات الحديثة بالقول بأن هذا لا يعني الحداثة والاستنارة، لأن التحول المنهجي في فهمهم لم يحدث حتي الآن، وسيظلون في حالة غربة عن التقدم العلمي، يعيشون علي استهلاك منتوج الحضارة، يرفضون دائماً الفلسفة التي انبنت عليها . ويخلص الي القول بأن الموقف الصحيح هو ليس في البحث داخل الاسلاميين عن مكامن الاستنارة، وانما استنهاض هذه الاستنارة داخل العلمانيين المهزومين في فكرهم وضميرهم الديني . ولعل أول تعليق علي هذا السجال الذي يدور في الصحف السودانية في بلد يفترض أن الاسلاميين موضوع هذا السجال يحكمونه، ينبغي أن يكون الاشارة الي أن ما يجمع هذه المساجلات هو الاستخفاف، ان لم يكن الاحتقار، للحكام الذين لا يراهم المتخاصمون أهلاً لأن يكونوا شركاء في حوار. وهذا الاستخفاف له مغزاه حين يصدر من معارضة مثل حزب البعث، حتي من الجناح المستنير فيه. فكفي بحركة تشنيعاً أن تكون موضع مساجلة حول صلاحيتها كشريك سياسي حتي وهي في الحكم، خاصة حين يأتي من معارضة لها ارتباط سابق بأنظمة قهرية. وكنا قد ذكرنا في مقالة سابقة ان هذا وضع يشترك فيه كثير من الحركات الاسلامية التي تتصرف ويتعامل معها الكثيرون كما لو أنها معارضة حتي وهي في الحكم، وهو حكم أكده ما أوردته أنباء نهاية الأسبوع من أن المدعي العام في تركيا يطلب من المحاكم حظر حزب العدالة والتنمية الحاكم هناك وحرمان قادته من حقوقهم السياسية. ومثل ذلك ما حدث في فلسطين حيث رفضت كل القوي السياسية مشاركة حماس في الحكم رغم فوزها في الانتخابات، وترفض فتح التفاوض معها حتي وهي تسيطر علي كل غزة. وبالمقابل فان أقصي ما تطالب به المعارضات الاسلامية في الدول العربية هو مجرد السماح لها بالعمل السياسي المشروع، حتي وان لم يعقب ذلك تحاور الحكومات والقوي السياسية الأخري معها. ولنتصور للحظة أن مثل السجال الذي يجري حالياً علي صفحات الصحف السودانية حول أهلية التيار الحاكم لمجرد التعامل معه جري في عراق صدام مثلاً، أو في سورية اليوم أو مصر أو تونس! هذه المفارقة تعكس من جهة توازن القوي الدولي، وهو أمر يظهر في أجلي صوره في فلسطين المحتلة، حيث الاعتماد الكامل لما يسمي بالسلطة الوطنية علي اسرائيل والمجتمع الدولي في أمور تبدأ من الاعتراف والشرعية وتنتهي بالتمويل وتصريحات المرور وحتي الامداد بالغذاء والماء والدواء والوقود. وعلي خلفية هذا الواقع فان الضرر الذي يقع علي القوي السياسية من قبول التعامل مع حماس أكثر بكثير من الفائدة التي تعود من رفض التعامل، حتي وان كانت حماس اسمياً في الحكم. وما تقع تحته فلسطين من احتلال مباشر تعانيه في درجات متفاوتة معظم الدول العربية الأخري التي لا تملك من قرارها الا الجزء اليسير. هذا جزء فقط من الاشكالية، لأن الاشكالية الأكبر تتمثل في أن الحركات الاسلامية لم تقرأ هذا الواقع القراءة الصحيحة، كحال حماس التي صدقت بأن ما يسمي بالسلطة الوطنية الفلسطينية هي سلطة فعلاً وليست مجرد آلية ادارة متفرعة من الاحتلال. وقس علي ذلك. وليس هنا موضع تناول القضية المتشعبة التي تناولها الصاوي فيما يتعلق بالعراق حول القراءة الخاطئة التي حولت مشاريع التحرر غير الاسلامية الي نقيضها، ولكن هذه مسألة يصعب تجاهلها. وفي السودان اضافة الي ذلك فان ممارسات الاسلاميين في الحكم مثلت رصيداً كبيراً لخصومهم في السودان وخارجه. وهذا يعيدنا الي نقطة البداية، حيث نجد أننا متفقون جزئياً مع انتقاد الحاج عبدالرحمن لأطروحة الصاوي من منطلق أن اشكالية التيارات العلمانية تنبع من داخلها. فالاسلام ليس حكراً لأحد، والجماهير ليست مقيدة الي الاسلاميين بسلاسل. بل بالعكس، لقد شهدنا فترات في بداية نشأة الحركات الاسلامية في السودان وغيره كانت تواجه فيها رفضاً جماهيرياً وشعبياً واسعاً بسبب جدة أطروحاتها وبعدها عن ما عهده عامة الناس. وقد تطلب الأمر نضالاً دؤوباً حتي حققت هذه الحركات ما حققته من مكاسب جماهيرية في وجه قمع متواصل من القوي العلمانية الحاكمة. ويكفي مثلاً أن خصوم الحركات الاسلامية في مصر يعزون صعودها الي قرار الرئيس السادات باطلاق قادة الاخوان المسلمين من السجن والسماح لهم بحرية نسبية (مع استمرار الحظر القانوني علي حركتهم حتي اليوم) باعتبار أن هذا مساندة ودعم لهذه الحركات! فكأن هؤلاء يقولون بأن الأصل هو أن يبقي الاسلاميون في السجن وتحت المطاردة حتي تزدهر الحركات العلمانية ويتمتع الخلق بعقلانيتها، وهو أمر لم يحدث حتي في بلاد مثل سورية التي تحكم بالاعدام علي كل من ينتمي لحركة الاخوان المسلمين. وكان من المفترض أن يرحب الصاوي وبقية العلمانيين بما جنته الحركة الاسلامية السودانية علي نفسها، حيث استوحت (بصورة أخف بالطبع) ممارسات البعث العراقي وغيره من الأحزاب التسلطية. وقد كان هذا تحديداً وجه انتقادنا علي ممارسات الحكم القائم الذي يدعي الحكم باسم الاسلام. اذ أنه لو أن الحزب الحاكم استجاب لما يدعوه له الصاوي من اتباع نهج أكثر عقلانية وفعالية، فان هذا سينعكس سلباً علي حظوظ المعارضة التي يصعب عليها عندها التعامل مع حزب حاكم بهذا الاستخفاف والاستعلاء. واذا كان الصاوي يدعو علي ما يبدو الي تقارب اسلامي ـ علماني يصبح فيه الاسلاميون أكثر استنارة وعقلانية بينما يسعي فيه العلمانيون الي الاقتراب من الاسلام، فان الاشكالية في نظرنا هي أن الاسلاميين ليسوا اسلاميين بما فيه الكفاية، بينما العقلانيون ليسوا عقلانيين بما فيه الكفاية. وقد يقودنا هذا التعميم المختصر الي سجال فلسفي مطول ليس هذا موضعه عن ماهية العقلانية والاستنارة وشروطهما وحدودهما، ولكنا لا بد من أن نصحح خطأ وقع فيه التجاني الحاج عبدالرحمن حين استند الي الجابري في وصفه الاسلاميين بأنهم امتداد للتيار السني السلفي المعادي للعقلانية والذي وصل ذروته في نقد الغزالي للفلاسفة. والحقيقة هي أن الجابري بالعكس انحاز الي الغزالي (كما فعل اقبال وغيره من الفلاسفة المعاصرين) ضد ما وصفه بـ العقلانية اللاعقلانية عند فلاسفة الاسلام الأولين الذين تأثروا بترهات وخرافات الافلاطونية الجديدة وجدلها العقيم حول أرواح الكواكب والفيض الوجودي وغير ذلك من الأقاويل البعيدة عن كل تعقل حقيقي. هذا الانتصار للعقلانية ضد الخرافة المتفلسفة يؤكد عقلانية الاسلام المتأصلة، وهو نفس السبب الذي يجعل جهود العقلانيين الجدد التي تنطلق من معاداة الاسلام تتعثر علي الصعيد الفكري قبل السياسي. ولا نتحدث هنا عن عقلانية الاسلام من منطلق ايماني، وان كان لهذا المنطلق وجاهته كما قال أرنست غلنر في كتابه المجتمع البدني وبدائله حين ذكر أن الايمان بالآخرة يجعل قمة التعقل هي الاحتراز من العذاب الأبدي. ولكن العقلانية التي نقصدها هنا هي العقلانية المنهجية، المتمثلة في المسؤولية الفردية أمام الله وعدم القبول بأي سلطة لقساوسة أو رجال دين. وعليه فان الصراع القائم بين الاسلاميين وخصومهم اليوم ليس صراعاً بين الدين والعقل كما يصوره البعض، بل هو صراع سياسي في كل جوانبه. ہ كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن |
|||||
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
خالد بن محفوظ سيره وعزاء من جريدة الوطن السعوديه | عاشق الجوهره | سقيفة التعازي | 7 | 06-07-2010 12:20 AM |
ربع سكان العالم مسلمون.. حقائق مذهلة ومثيرة عن أعداد المسلمين | رهج السنابك | سقيفة الحوار الإسلامي | 12 | 10-15-2009 06:42 PM |
كتاب رجال حول الرسول للداعي الاسلامي خالد محمد خالد | قائد المحمدي | مكتبة السقيفه | 61 | 07-26-2009 01:15 AM |
بعد بيان علماء اليمن الآن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يقول كلمته في الوحدة | شاهين | سقيفة الحوار السياسي | 6 | 07-13-2009 11:35 PM |
إسهامات المسلمين في علم الفلك | عادل بجنف | سقيفة إسلاميات | 0 | 07-09-2009 10:20 AM |
|