"مُوشَّح " من البلدات الأثرية القديمة في وادي بن علي حضرموت

[أبو صلاح]

"مُوشَّح " من البلدات الأثرية القديمة في وادي بن علي حضرموت
بقلم أ. الباحث – أبو صلاح حسين صالح بن عيسى عمر بن سلمان
موشح بلدة ريفية مشهورة تقع جنوب شرق مدينة شبام ، وجنوب غرب خلع راشد - الحوطة -، وهي من قرى وادي بن علي الواسع الكبير ذو القرى الكثيرة التي تنتشر على ضفتيه من جهة الشرق و الغرب وكلها معمورة بالسكان ، وهي في طرفه الغربي وهي في ضفة الجبل وتحيط بها مجاري السيول من جهة الغرب والشمال ، وأشجار النخيل والسدر وأشجار غابية أخرى ، وتتمتع بموقع جغرافي حصين .
قال القاضي بن عبيد الله السقاف في معجمه (... بما اننا ذكرنا بعض قرى وحصون السليل- [ قلت :والبعض يقول عنه السرير ] وكانت الحوطة- خلع راشد - في جنوبه وهي آخر بلاده وادي بن علي اقتضى الحال ان ننتقل اليه ثم نعود لما نزل عنه من باقي السليل فوادي بن علي داخل في النجد الجنوبي كدوعن ووادي العين وساه وما لفها وهو اكبر اودية حضرموت حتى انهم ليقولون لا يضر بحضرموت جدب اذا اخصب كما لا ينفعها خصب اذا اجدب وهو واسع الاطيان والشراج كثير القرى) ص 352
و قد جاء في" تاريخ المستبصر في تاريخ البلدان ص 35 " ذكر قرية بهذا الأسم موشح قال :( و إلى موشح فرسخ، قرية ذات نخل شامخات) [قلت: ولعلها في تهامة باليمن] .
ذكرت "موشح " عدة مرات في تاريخ حضرموت المعروف بتاريخ شنبل أحمد عبد الله شنبل باعلوي المتوفي سنة 920 هـ حيث قال :(وفي سنة 822 اثنتين وعشرين وثمانمائة) وفيها: [يوم الخميس سادس جمادى أول] عدا ولد راصع و آل محمد بن جميل في [ وآل معقل] موشح وقتلوا عبدا ، و امتنع آل عيسى في الحصن [فقتل دهم الحسيسي ] و حاربهم علي بن عمر الكثيري [و آل جميل فلما رأوهم خرجوا إلى الجبل هاربين ولم يظفروا بشيء. ص 59
وآل جميل كما ذكر بن عبيد الله السقاف لهم أخبارفي تلك الفترة من التاريخ قال الملك الأشرف ( الرسولي )المتوفي سنة 696 هـ . وآل جميل ويقال لهم بنو سعد وليسوا من بني ضنه ومشايخهم عيسى بن جميل بن فاضل ، وابن أخيه محمد بن نصار بن جميل بن فاضل ومن بني سعد : آل حسن ومشايخهم علي بن جميل بن حسن وابن عمه عبد الله بن جميل بن حسن بن فاضل . أهـ . وكان نصار بن جميل بن فاضل وهو أبو محمد السابق ذكره في كلام الأشرف أحد كبار أمراء الطائفة بحضرموت وكان تحته ( شبام ) وله غزوات إلى ( دوعن ) و إلى ( تريم ) وغيرها ، وكان ظالما إلا انه تاب على يد الشيخ سعيد بن عيسى العمودي وحج ولم يتمكن من الزيارة ولما وصل إلى مأرب مرجعه من الحج لاقاه أحد معارفه فلامه فعاد ليزور ، فمات في أثناء الطريق . ص 362.
وقال شنبل في تاريخه :(وفي سنة 827 ست وعشرين وثمانمائة)وفيها: أخرب حصن موشح و الديار الذي حوله [ص 60 ] قلت وفي موشح حصون قديمة لازالت آثارها موجودة حتى اليوم منها حصن قديم اشتهر بحصن " العطن ".
واضاف شنبل أيضا في تاريخه :وفي سنة 846 هـ صالوا آل يماني و الصبرات و آل أحمد و من والاهم على ابن كثير فأتلفوا في شبام نخلا كثير و أخذوا حصن الغرفة و خربوه ، و قطعوا في موشح خريف ، ثم اعتقد الصلح بين الجميع نحو شهرين ... وفيها: حصر ابن كثير جفل ، وفيها آل جميل أخرجوا في ذي القعدة ضحى و قتل في مدة الحصر علي بن عيسى بن جميل و عيسى الحسني . ص66 [قلت : لعله ينتسب لآل حسن من أهل الوادي من آل جميل أي من نفس القبيلة ]
و قال محمد بن هاشم في تاريخ الدولة الكثيرية ص 38 :ولم يسلم علي بن عمر من الثورات والحركات العدائية ضده بل مرت حياته كلها وهو في جهاد مستمر وكفاح صارم في سبيل توطيد دعائم السلطنة.... ففي سنة 821هـ دعت بنو راصع بن دوس جماعة من عشائر القطر إلى القيام ضد هذا المتسلطن الجديد وتبودلت المفاوضات حول هذا المشروع حتى أسفرت على اتحاد هجومي بين بني راصع وآل محمد وآل يعقل فبدؤوا يشنون الغارة ويقتلون حوالي موشح فوافاهم علي بن عمر بمن معه وكانت معركة عظيمة انهزم فيها المتحدون ولم يلووا على شيء ....
[قلت : وعلي بن عمر بن جعفر الكثيري هذا ولد في الثمانينيات في القرن الثامن الهجري (حوالي 1380 م) ، وهو أول رئيس يحوّل الرابطة الكثيرية من قبيلة إلى دولة، وأول من نودى به سلطانًا سنة 814 هـ من آل كثير على بعض مناطق في حضرموت استولى عليها آل كثير كبلدة بور. وقد تُوفي علي بن عمر الكثيري سنة 825 هـ (1421م). ]
وكانت موشح قديما منطقة زراعية خصبة بها أشجار كثيفة من النخيل تعرضت للحرق والتخريب أثنا الصراعات القبلية الكثيرة التي لا تذكر إلا وموشح معها وجفل من ذلك ماذكره محمد بن هاشم في كتابه تاريخ الدولة الكثيرية وارتحل منها كثيراً من سكانها أيضا ففي-ص 41( أن السلطان محمد بن عبد الله بن علي بن عمر. خلف أباه في الملك وفي أيامه اضطربت حضرموت عليه كلها فثار آل يماني وآل أحمد والصبرات وآل ثعلب وصاحب مريمة ومعهم بعض آل كثير كل هؤلاء خرجوا على الدولة الكثيرية ليسحقوها فحصروا الحصن الذي بنته بالغرفة وأتلفوا المزروعات وأقاموا تحت الحصن شهرين ... ثم استولوا على حصن الغرفة وأخربوه وقطعوا في موشح كمية وافرة من ثمر النخيل ...)
وقد ذكر موشح الشاعر الصوفي عمر بامخرمة في قصيدة له يمتدح فيها أحد سلاطين آل كثير حاكم مدينة شبام في القرن التاسع الهجري :
حيا الحيا تلك الربوع بموشح
سامي الذرى الطود المنيف الأجبل
دار نشأت بها وكنت مصدراً
في كل ناد للفخار ومحفل
وكانت العائلات القديمة التي سكنت موشح ولازال البعض منها إلى اليوم ولا أشك أنها لها صلات نسب بسكان حضرموت ذوي الأصول الحضرمية والكندية والحميرية القديمة ، البعض منهم من رحل إلى أماكن أخرى كعائلة "آل باقلاقل " ويطلق عليهم "الشعيراء "وهم من أعلام موشح وتدل على ذلك كثرة منازلهم التي كانت لهم بموشح ، وكانوا مقادمة موشح لفرقة الشعيراء المشهورة في قناصة الوعول وغالباً ما يتزعمها إلا ذوي العناصر الحضرمية القديمة كما ذكر بن عقيل رحمه الله في كتابه قنيص الوعل قال : ( ويتم انتخاب القنيص للبو من بين شرائح ذوي الاصول الحضرمية القديمة التي تعود أصولها إلى قبيلة حضرموت الشهيرة , وأبناء هذه الأصول تنازلوا عن الزعامات الاجتماعية التقليدية لصالح الطبقات ( دينية وقبلية ) التي وفدت الى حضرموت منذ منتصف القرن السابع الميلادي وما بعده إلا أنها بقيت متمسكة عبر القرون بزعامة ومرجعية شؤون القنيص ) [بن عقيل عبدالرحمن جعفر ( قنيص الوعل في حضرموت ) 80 – 81 ].
و جاء في هامش طبعة المنهاج لكتاب " إدام القوت للسيد عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف تعليق لـ محمد أبو بكر باذيب حين كان الحديث عن موشح قال : ومن موشح هذه نجع بعض من آل باقلاقل وسكنوا شبام ، وهو الفاضل هادي باقلاقل ، والد سعيد ومبارك ابني هادي ، وكان الشيخ مبارك هذا من الفضلاء الصالحين ، شديد الملازمة للسادة آل سميط ، لا سيما الحبيب مصطفى بن عبد الله ، وكان ابنه الشيخ الفاضل محفوظ بن مبارك من طلاب العلم النابهين ، تخرج من المدرسة الشرقية عند الشيخ محفوظ المصلي ، ولازم السيد عبد الله بن مصطفى إلى وفاته ، وهو مقيم بالخبر شرقي السعودية. وابن عمه الشيخ الفقيه الدكتور صالح بن سعيد بن هادي ـ المولود بشبام حدود (١٣٦٥ ه‍) ، والمتوفى بالمدينة المنورة في (١٤١٧ ه‍) ـ كان عالما فاضلا ، ذكيا ألمعيا ، خفيف الظل ، درس بشبام على يد السيد عبد الله بن مصطفى ، وبتريم على السيد محمد بن سالم بن حفيظ وشيوخ الرباط ، ثم واصل دراسته الجامعية في الجامعة الإسلامية المدينة المنورة ، وتخرج منها بدرجة الدكتوراه عام (١٤٠٧ ه‍) تقريبا ، وظل مقيما بها حتى توفي في التاريخ المذكور آنفا ، رحمه الله وخلفه بخلف صالح.
ومن أعلام موشح الشيخ المعلم عبود بن سالم بن جبير( توفى سنة1402هـ .) الفقيه الإمام الزاهد التقي ، من تعرض في الله للأذى وفي دعوته للتوحيد و حارب البدع والمنكرات بما يستطيع ، لقي من الاستهزاء والسخرية الشيء الكثير، حتى أطلق عليه أهل الأهواء لسانهم فسموه ب "عبود الني " – أي غير الناجح أو الناضج - لصرف الناس عن دعوته ، وله الفضل الكبير في تعليم الناس القرآن والقراءة والكتابة وأحكام الدين ، أرسله والده وهو في سن مبكر لتلقي العلم وحفظ القرآن مع أخ له اسمه سعيد لطلب العلم في " رباط تريم " في أول أمره للطلب و تتلمذ على يد بعض المشائخ في الفقه على مذهب الإمام الشافعي واصبح مبرزاً فيه وكذلك النحو والتجويد0 [ كما أخبرني حفيده وله ترجمة في كتابي الذي لم ينشر بعد دخول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب حضرموت ومخطوط ومطبوع ] وبعد سنوات من دراسته رجع وعمل مدرساً وخطيباً وإماماً ، ثم هاجر سنة 1366 هـ واستقر سنوات في مكة ثم عاد إلى موشح ، وافتتح مدرسة مشهورة قام ببنائها من ماله وظل يدرس فيها وتأثر بالدعوة السلفية في المملكة العربية السعودية حين كان مهاجراً في بلد الحرمين و تعلم في المسجد الحرام وسمع من مشائخها هناك .
ومن موشح " آل خيران " عائلة حضرمية قديمة جداً شبه منقرضة لايزال بعضاً من أفرادها اليوم في موشح كما أخبرني بعض الأخوة من موشح من سنوات أثناء بحث لي عن قناصة الوعول- لم ينشر بعد –. و كانت لهم آراضي زراعية كثيرة تسقى بمياه السيول . كذلك عائلة القراصين " آل بن قرصين " من سكان موشح القدامى جداً واغلب الظن أنهم من كندة ، وكذلك آل باسلامة من كندة ويشتغلون بالتجارة وهم أهل علم وتقوى وصلاح ومال كبير في موشح وخارجها ، اشتهروا في كثير من المناطق والمدن التي سكنوها خاصة تريس وسيئون وتريم ، وهاجر البعض منهم إلى اندونيسيا واشتغلوا بمناصب وزارية في المهجر ومنهم أعلام كثيرة في الداخل والخارج ابرزهم المؤرخ الأديب حسين عبد الله بن محمد بن سالم بن عمر بن عوض بن عمر بن سعيد بن سالم بن حسين بن محمد بن عمر بن سعيد بن عبد الرحمن بن علي بن هادي بن الحسن بن أبي بكر بن أحمد بن علي باسلامة المكي الكندي المتوفي بمكة سنة 1356 هجرية وكانت ولادته سنة 1299 وهو مؤلف ( تاريخ الكعبة ) وله مصنفات أخرى ومن العائلات القديمة أيضا آل بامعرفة ويطلق عليهم اليوم النيقبان .
وتوجد بالبلدة لاشك كثير من العائلات ظلت منازلها القديمة تدل على أنهم من أوائل من سكن موشح كـ آل باجسير وغيرهم ولا يوجد من هذه العوائل أحداً اليوم نزحوا بالتأكيد من موشح.
وهناك من سكان موشح المشهورون اليوم عائلات آل بن دغر ، فآل بن دغّار كما في المختصر للأستاذ محمد عبد القادر بامطرف حكام إمارة بني الدغّار في مدينة شبام، وذلك في سنة 605 هـ (1208 م). وبعد طردهم من شبام أقام آل الدغار إمارة صغيرة لهم في وادي حجر في العام نفسه. وهم من كندة كما ذكر بن عبيد الله السقاف وغيره ، لكن المؤرخ علوي بن طاهر الحداد في كتابه "الشامل في تاريخ حضرموت ص 112 " يفرق بين آل الدغار من كندة كانوا في دوعن في بلدة الرشيد، ثم حجر بن دغار قال أنهم من كندة ، وأما حكام شبام ذكر أنهم من حمير حضرموت .[ قلت : يقصد هنا قبيلة حضرموت القديمة إذ جرى لدى بعض المؤرخين الحاقها بحمير كالهمداني في الإكليل وغيره ] قال الحداد علوي بن طاهر في ترجمة القاضي محمد سعيد أبو شكيل : (...وعنه أخذ القاضي محمد بن سعيد أبو شكيل سكن أخر عمره حجر بن الدغار الكندي- وهو غير الدغار الحميري المذكور في نسب ولاة شبام-)
وآل الصدفاء ، وآل ميزان ، وآل بحاح وآل العطاس أيضا من سكان موشح منقولين لها ، ومن السادة بن شيخان استوطنوا موشح قبل آل العطاس. وقد ذكر آل العطاس في إدام القوت بن عبيد الله السقاف قال : وبها سادة من آل العطاس ، منهم السيد الفاضل الحبيب أحمد بن حسين بن محمد بن شيخ بن أحمد بن حسين بن محسن بن حسين بن الحبيب عمر العطاس ، المتوفى نحو سنة (١٣٩٢ ه‍) ، وكان مولده بسدبة ، ثم انتقل إلى موشح وتديرها...
وبنيت في موشح قبتان كبيرتان في تربة البلدة أحدهما المقبور بها من السادة آل بن شيخان الحبشي الذين استوطنوا موشح ، والثانية المقبور بها من آل العطاس عمر بن محسن العطاس. و كانت من قبل لا توجد في موشح قباب حتى عهد قريب . وأما المساجد القديمة منها مسجد قديم كان في مكان المسجد الجامع حالياً يعد من المساجد القديمة التي بنيت في موشح في قرون متقدمة .
وقال بن عبيد الله السقاف أيضا : وكان بالشحر ناس من " آل السقاف " منهم السيد عيدروس بن حسين بن سالم بن علوي بن شيخ بن محمد بن شيخ السقاف , كان جده علوي بن شيخ بسيئون فنجع في سنة 1215هـ إلى موشح ووادي بن علي ، وكانت مدة إقامته وإقامة ولده سالم بها نحواً من سبع وتسعين ربيعاً ، ثم هاجر السيد سالم الملقب سالم سبول بن علوي بن شيخ إلى المكلا والشحر ، وذلك في سنة 1312.
وجاء في هامش صفحة إدام القوت عند ذكر "موشح " قال : وموشح هذه كانت بلادا وبيئة مشهورة بكثرة الجن ، وكانوا في زمن الإمام الحداد يتخطّفون الصغار ، فوضع الإمام الحداد راتبه الشهير لما اشتكى أهلها عنده. [ قلت ولم يذكر صاحب التعليقات على إدام القوت طبعة دار المنهاج الأخيرة مصدراً لما ذكره لهذه القصة ، والذي أراه وعلمته أن هذه الواقعة كانت لقرية " الكودة " شرق تريم ولم تذكر موشح ممن نقلت عنهم ].
وتقع على أطراف بلدة موشح من جهة الشرق قرية " الصّفية " يسكنها "آل بن سند " من آل كثير وبعض مواليهم وفي " الصفية " قال أحد شعراء زف الوعول :
بين موشح والصفية من بغا الجنة يشوف**** زايد الخرمع من عيالي في الرفوف
والخرمع : نوع من خبز الذرة لونه أسمر كان يؤكل في حضرموت.
فهو هنا يفاخر اما بالموقف في الزف أو لجمال المكان ...
ومن جهة الشمال والغرب "قرية السفولة وسكيبان ويسكنها من آل كثير أيضا آل بن سيف ، وعائلات أخرى...
وكانت بلدة موشح بلدة حضرية بامتياز إذ توجد بها سوقاً تجارياً وتجمعاً للحرفيين المدنيين لصنعة النسيج و حياكة الملابس والصباغة تقوم بها كثير من العائلات الموشحية، ولديهم اهتمام كبير بالتراث الشعبي وخاصة قناصة الوعول إذ توجد بالبلدة فرقتان متنافستان (الشعيراء آل باقلاقل و آل بن دغر ) .
هذه هي موشح تاريخاً وجغرافيا كإحدى البلدات القديمة في وادي بن علي من حضرموت أسفل الهضبة الجنوبية.

WhatsApp Group Invite

Telegram: Contact @GNATFAWAYID