دولة الجنوب العربي" ولعنة اليمننة " آخر مقال كتبه الفقيد في «الأيام»

[حد من الوادي]

آخر مقال كتبه الفقيد في «الأيام»


السبت, 20 / أكتوبر / 2018 - الساعة 1:01 ص | (68 مشاهدة)

* لو كنا نسينا الماضي أفضل.. كل يوم نتذكر الماضي ونتألم على الذي حصل.. ولم نكن ندري ما الذي سوف يحصل.. كنا نعتقد أن المستقبل أفضل من الماضي.. وما زلنا تحت تأثير أن المستقبل أفضل من الماضي.. بالرغم من أننا كنا نسمع ونقرأ ونصدق أن الذي ليس له ماض ليس له مستقبل.. ولذلك لا رأينا ولا عشنا ماضيا مقبولا ولا حاضراً أجمل.. أما المستقبل (فعز الدين أضرط من أخيه).

* ومن المؤكد أنه عندما تحدث ثورة في أي مكان.. لابد أن يكون هناك من يقاومها.. فليست كل ثورة بدون أعداء لها.. ولا يمكن أن يكون الشعب كله أنصاراً للثورة.. هناك أناس ساخطون وغاضبون.. وهناك آخرون راضون ومرتاحون لقيام الثورة.. والفرق بينهما نسبي.. المستفيدون هم الأقلية دائماً.. أي الذين ينتمون إلى التنظيم أو الحزب الثوري.. والمتضررون هم الأغلبية.. أي الذين ينتمون إلى الفقراء أو شرائح طبقية أو اقتصادية أخرى.

* والشعار الذي تغنت به الثورة بعد الاستقلال من الاستعمار البريطاني في الجنوب (كل الشعب قومية).. كان خاطئا.. فلم يكن الشعب كله (قومية) ولا كان الشعب كلة (تحريراً).. وهما تنظيمان وطنيان.. كان هدفهما واحداً هو تحرير الوطن من الاستعمار الأجنبي.. ثم تدخلت عوامل محلية وإقليمية وعالمية.. وزرعت الفتنة بين التنظيمين الوطنيين أدت إلى انتصار تنظيم واحد على الآخر.. ثم ضاع كل شيء علينا.. خرج استعمار قديم من الباب.. ودخل استعمار جديد من النافذة إلى بلادنا.

* ولابد أن الذين عانوا من الثورة ليسوا رجالها في البداية.. ولكن من طبائع الثورة في أغلب الأحيان أن تأكل أبناءها.. وقد حدث ذلك.. رأينا وسمعنا وقرأنا وعرفنا كثيراً من المآسي التي حدثت.. وعانى منها الأبرياء من أبناء الشعب كثيراً.. وكانت الثورة قاسية جداً على الذين لم يحنوا رؤوسهم لها.. ولا هتفوا بحياتها.. ولا هللوا ولا صفقوا لها.. حتى الذين كانوا غير منتمين إليها من الفصائل والفئات والتنظيمات الأخرى.. أصبحوا منبوذين أو مطرودين أو مشردين..أصبحوا أقلية غريبة أجنبية في الداخل والخارج.

* ولو كان هؤلاء الذين قاموا بالثورة يعرفون حقيقتهم.. لو أغمضوا أعينهم بعض الوقت عن الذين أغراهم وأغواهم.. وفتحوا آذانهم واستمعوا في داخلهم إلى صوت حقيقي.. صوت ضاع.. تلاشى في الزحام.. هذا الصوت هو صوت ضمائرهم.. لعرفوا حقيقتهم وكل الحقائق الأخرى.

* وللحقيقة لا أعرف كيف أصف ما حدث بعد الاستقلال؟.. ولا أعرف كيف أجد الكلمات المناسبة؟.. من الصعب جداً أن أصف الذي حدث للناس.. الناس البسطاء الذين خدعوهم وقالوا لهم إن (عدن) كانت (تصرف) على (لندن).. وبعد الاستقلال لم يجد الناس شيئاً (يصرف) لهم وعلى (عدن).. وخرج الناس بالقوة في مسيرات شعبية يهتفون (تخفيض الرواتب واجب).. فقد كانوا في حالة يرثى لها من الخوف والذهول والإحباط.. وقد أصابهم شيء من الضياع وأسوأ.

* ولكن بالرغم من أنني وغيري لم يكن لنا اختيار البراميل ولا اختيار سحبها.. فالثورة هي التي جردتنا من الإحساس بها.. وفقأت عيوننا حتى لا نرى وحرمتنا من الشعور بآدميتنا.. كيف يكون لي ولأمثالي من الذين أفنوا أعمارهم في خدمة هذا الوطن أن نشعر بآدميتنا؟.. أما الغذاء فيكفي للفقراء أن يربطوا الأحزمة على البطون.

* وتحيا الثورة.. والموت للشعب من الفقر والجوع والجهل والمرض والتهديد بقطع الكهرباء والماء.. وبإذن الله سوف نعيش بأحلامنا.
(19 أغسطس 2014 - العدد 5798)​