كيف كانت تتم طــرق الـبـيــوع في ســوق شبام ...!!

[أبوعوض الشبامي]

.




عام 1962م قام السينمائي والمخرج جاكوب ولتر بتصوير فيلم وثائقي لا تزيد مدته عن عشرين دقيقة سماه «زمن الصحراء» شاهدت هذا الفلم والذي ركز المخرج فيه على حركة التجارة والمساومة
في سوق شبام بيعاً وشراء ( للحطب والفحم والحبوب والماشية ) وتصوير قوافل و دخول البدو من سدة شبام قادمين من الصحراء، وقد تابعت عدسة المخرج باهتمام الحركة اليومية في
السوق القديم المحيط بجامع المدينة ونقل لنا المخرج تتداخل الأصوات وتعاليها وازدحام الناس وانشغالهم بالبيع والشراء وركز في تصويره عن قرب لتفصيل تقاطيع الوجوه والانفعالات وملامح
الناس من مقيمين وقادمين حتى تستطيع أن تميز أهالي المدينة من القادمين اليها ، وخارج المدينة كانت الجمال قد أنيخت تحت البيوت الطينية وفي السوق تشتد حركة البيع ويتلمس الناس البضائع
المعروضة لمعرفة جودتها وتقدير أسعارها. وهذه الصورة التي نقلتها كاميرا المخرج جاكوب ولتر هي صورة تدارك نهايتها هذا المخرج وسجلها في فيلمه الوثائقي ، وهي امتداد لما كانت عليه
مدينة شبام وبقية المدن التجارية الحضرمية حين كانت مقاليد التجارة قديما في يد عرب ابناء جنوب الجزيرة الذين سعوا إلى السيطرة على الطرق البرية وأقاموا مواضع لحراستها من قطّاع
الطرق ومن تحرش القبائل بها. غير أنه نتيجة للأحوال السياسية والطبيعية في ممالك جنوب الجزيرة العربية من ظلم الحكام وانهيار سدّ مأرب وهجرة كثير من القبائل إلى الشمال، انتقلت السيطرة
التجارية إلى عرب الحجاز تدريجياً، وقد مارس ابناء جنوب الجزيرة العربية التجارة رجالاً ونساءً على السواء، وتفوق الحضارمة في التعامل التجاري مع بقية ابناء المنطقة ، وكان التجار الحضارمة
يحرصون على خروج تجارتهم في قوافل كبيرة، تُوفر لها الحماية اللازمة ، ( السياره ) وفي أزمنة محددة معروفة، وكانت القوافل تستريح في محطات وأسواق تجارية، أقيمت على طول الطريق
التجاري، يجري فيها البيع والشراء . وكانت تقام بحضرموت اسواق موسمية تفد اليها العرب ومنها سوق الشحر والذي يرجح ان موقعه الحالي هو موقع زيارة النبي هود ، وسوق الرابية
الواقع في أسفل وادي العين .

ومن المعروف أن للعرب في البيع والشراء أساليب مختلفة، منها بيع الملامسة، وهو أن يُلزَم المشتري بشراء السلعة إذا لمسها، ومثلها بيع الهمهمة والإيماء (خوف الحلف والكذب)
والبيع برمي الحصاة أو إلقاء الحجر، وبيع الملاقيح ( أي ما ستحمله إناث الإبل) وبيع المضامين (أي بيع ما سينتج من فحول الإبل) وبيع المعاودة (وهو بيع نتاج الإبل لعدة أعوام سلفاً)
وبيع المعاومة (وهو ثمر الشجر عامين أو أكثر) وبيع المزابنة (وهو بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر كيلاً) وبيع التصرية (وهي امتناع البائع عن حلب شاته أياماً قبل بيعها حتى يظنّ أن لبنها كثير)
وبيع ضربة القانص (وهو ما سيخرج من صيد البحر أو البر) وبيع ضربة الغائص (وهو ما سيخرجه الغوّاص من اللآلئ) وبيع المخاضرة (وهو بيع الثمار خضراً قبل أن يبدو صلاحها).
وقد نهى الإسلام عن هذه الأنواع من البيع وأقرّ البيع الناجز، وهو البيع العام المعروف للناس جميعاً، والواضح المعلوم للمتبايعين، والقائم على الرضى الكامل.

ولكن ماهي أنواع البيوع التي كانت ولا زالت في حضرموت حتى عهد قريب ؟؟

عرفت حضرموت أنواع كثيرة من البيوع وفي هذا الموضوع نتتطرق لبعض منها :
- البيع بالملامسه : وهذه الطريقة كانت تلزم من يقلب السلعة أو يلمسها بيده أن يشتريها ، أي إذا لمس (( زيد )) سلعة فإن صاحبها أو الوسيط الدلال (( عمرو )) يلزمه بشراءها .
وهذا النوع من البيوع غالبا مايلزم لامس السلعة القابلة للتلف بسرعة نتيجة اللمس أن يشتريها (( زيد )) متى ما وضع يده عليها.

- البيع برمي الحصاة ، يتم هذا الاسلوب من البيوع على الماشية الكثيرة ، يقف المشتري ويحدد الحيوانات الراغب في شراءها برمي حصاة على كل حيوان يريد شراءه . ثم تبدأ عملية
المساومة بين البايع والمشتري.

-البيع بالرمز والاشارات : يتم بين البايع والمشتري استعمال مصطلحات خاصة كأن يطلب البايع على سلعته ثمنا فإنه لا يذكر ثمنها الصريح فيكفي مثلا ان يقول البايع او المشتري على
القرش الواحد كلمة (( عوله )) وتضاعف من عولتين وثلاثه ...الخ اما المائة فيطلق عليها حمامه وغالبا ما تستعار جنس الحمام (( العول السخير الحمامه )) على قيمة السلع التي لا يريد
كلا الطرفين أن يعرف الغريب بينهم قيمتها.
وهناك مثلا من يطلب سعر السلعة كمثل قوله (( شيبه )) أي ألفا أو مائة الف ... ونحو تلك الاشارات والاستعارات المبهمة احيانا التي تستخدم في تحديد قيمة الاسعار.

- بيع المخاضرة وهو ما يعرف في نواحي حضرموت (( بيع المزهد )) أي بيع الثمر قبل النضج . ومثل هذه البيوع كثيرا ما تتم على تمر النخيل وقيل ان هذا النوع من البيوع مكروها شرعا.

- بيع العهده قيل ان هذا النوع من البيوع قد ظهر في حضرموت في القرن الثامن الهجري
وبيع العهدة هو بيع يشترط فيه شروط البيع إلا أن الايجاب والقبول يسبقها اتفاق بين المتبايعين بأن البائع متى أراد رجوع المبيع اليه أتى بمثل الثمن المعقود عليه فيبذله للمشتري ويفسخ
المشتري عليه البيع ويشترطون ان يسبق هذا الاتفاق العقد ويبطلون البيع ان وقع فيه الشرط أو في زمن الخيار ويلزمون المشتري بالوفاء بما التزمه في هذا الاتفاق .
ومنذ ان ظهر هذا البيع كان محل خلاف بين الفقهاء في حضرموت بين مؤيد له ومعارض .
وشغل بيع العهده الفقه والفقهاء بحضرموت وألفت كتب حوله منها :

1 ـ اطلاق العقدة شرح مسائل العهدة للشيخ عبد الله بن أحمد بازرعة من اهل القرن العاشر .
2 ـ فك العقدة في مسائل العهدة للشيخ عبد الرحمن بن عمر العمودي المتوفي 967 هـ .
3 ـ حل العقدة في تصحيح بيع العهدة للشيخ محمد بن سليمان باحويرث من أهل القرن الحادي عشر .
4 ـ ماحوته دشتة السيد عبد الرحمن بن محمد العيدروس المتوفي 1113 هـ من فتاوي في العهدة .
5 ـ ايضاح العهدة شرح الزبدة في احكام العهدة للشيخ على بن عبد الرحيم بن قاضي باكثير المتوفي 1145 هـ .
6 ـ ( بيع العهدة بين مؤيديه ومعارضيه ) للشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بكير .



ولنا عودة لتكملة الموضوع

[قمـزوز]

لما تحتله شبام من موقع جغرافي وما تمتلكه من موروث ثقافي واسع وتراث حضاري إنساني رائع وعظيم‘بما في ذلك الفن المعماري المتميز الذي تتفرد به هذه المدينه عن باقي مدن العالم فهذه الاشياء زادت من مكانة وأهمية هذه المدينة تجارياًواقتصادياً ..

فقد ظلت ومازالت هذه المدينة محتفظة بأصالتها ونكهتها وعراقتها وهويتها التاريخية وتراثها وفنها المعماري بطابعه المميز وطرازاته الرائعة وجماله البديع وكل ماله من مقومات واهمها ارتفاع مبانيها ..

هذه هي شبام ظلت محتفظه بكل ماحواها الله بها من جمال وفن اخاذ . كما ارتبطت التجاره قديماً ارتباط وثيق بأسم هذه المدينه العريقه فالبيع في شبام له قوانينه التي تنظمه كما ان هناك عوائل كبيره من هذه المدينه امتهنت دروب التجاره حتى اصبحت يشار لها بالبنان . فهي ام و مدرسه يتخرج منها الرجال .. وانا لست بصدد الحديث عنها هنا .. ابوعوض سيقوم بتفنيد كل الجوانب من خلال هذا الموضوع القيم . ولكن اعجابي بهذا الموضوع التاريخي الهام جعلني اسجل بعض الكلمات البسيطه في حق هذه المدينه العظيمه والشامخه ..

[أبوعوض الشبامي]

اقتباس : المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قمـزوز [ مشاهدة المشاركة ]

لما تحتله شبام من موقع جغرافي وما تمتلكه من موروث ثقافي واسع وتراث حضاري إنساني رائع وعظيم‘بما في ذلك الفن المعماري المتميز الذي تتفرد به هذه المدينه عن باقي مدن العالم فهذه الاشياء زادت من مكانة وأهمية هذه المدينة تجارياًواقتصادياً .. فقد ظلت ومازالت هذه المدينة محتفظة بأصالتها ونكهتها وعراقتها وهويتها التاريخية وتراثها وفنها المعماري بطابعه المميز وطرازاته الرائعة وجماله البديع وكل ماله من مقومات واهمها ارتفاع مبانيها .. هذه هي شبام ظلت محتفظه بكل ماحواها الله بها من جمال وفن اخاذ . كما ارتبطت التجاره قديماً ارتباط وثيق بأسم هذه المدينه العريقه فالبيع في شبام له قوانينه التي تنظمه كما ان هناك عوائل كبيره من هذه المدينه امتهنت دروب التجاره حتى اصبحت يشار لها بالبنان . فهي ام و مدرسه يتخرج منها الرجال .. وانا لست بصدد الحديث عنها هنا .. ابوعوض سيقوم بتفنيد كل الجوانب من خلال هذا الموضوع القيم . ولكن اعجابي بهذا الموضوع التاريخي الهام جعلني اسجل بعض الكلمات البسيطه في حق هذه المدينه العظيمه والشامخه ..

كنت انتظر منك اضافات تثري الموضوع وتوضح ما قد غفلت عنه ، أو سهيت أن اشير إليه ، ولكني تفاجأت بكرة المدح والثناء تتدحرج حتى وصلت بها عند
(( ابوعوض سيقوم بتفنيد كل الجوانب من خلال هذا الموضوع ))
وكأن صاحبكم (( ابوعوض )) موسوعة شبامية شاملة مع أنه لم يضع تحت معرف اسمه (( باحث مختص في التراث الحضرمي )).. ولم يدعي انه افهمكم أو أفقهكم أو أعلمكم
في التاريخ والتراث ، وما اكتبه هنا ملتقطات لا زالت منها بقية باقية في الذاكرة أو في كشكول عفى عليه الدهر وبله .... !!




,

[قمـزوز]

اقتباس : المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوعوض الشبامي [ مشاهدة المشاركة ]

كنت انتظر منك اضافات تثري الموضوع وتوضح ما قد غفلت عنه ، أو سهيت أن اشير إليه ، ولكني تفاجأت بكرة المدح والثناء تتدحرج حتى وصلت بها عند (( ابوعوض سيقوم بتفنيد كل الجوانب من خلال هذا الموضوع )) وكأن صاحبكم (( ابوعوض )) موسوعة شبامية شاملة مع أنه لم يضع تحت معرف اسمه (( باحث مختص في التراث الحضرمي )).. ولم يدعي انه افهمكم أو أفقهكم أو أعلمكم في التاريخ والتراث ، وما اكتبه هنا ملتقطات لا زالت منها بقية باقية في الذاكرة أو في كشكول عفى عليه الدهر وبله .... !! ,

مالك الزين
لكن ابشر بما يسرك
كنت انتظر ان تنهي موضوعك
فكما ذكرت بالأعلى أن للموضوع بقية
وكان علينا الإنتظار ومن ثم نكمل ما سيسقط عنك سهواً أو قلة معرفة

أما بخصوص المدح فأنا لم أمدحك ولكني مدحت ماهو اعظم (( شبام العالية )) التي تستحق منا جميعاً الثناء والمديح
ولا بغيتنا اجلس امدحك على الصور لي التقطتها من على المنطاد

[أبوعوض الشبامي]

.

نواصل موضوعنا عن كيف كانت تتم طرق البيوع في شبام وحضرموت ، و كانت وقفتنا السابقة مه بيع العهدة هو بيع يشترط فيه شروط البيع إلا أن الايجاب والقبول يسبقها اتفاق بين
المتبايعين بأن البائع متى أراد رجوع المبيع اليه أتى بمثل الثمن المعقود عليه فيبذله للمشتري ويفسخ المشتري عليه البيع . وهذا النوع من انواع البيوع شغل الفقهاء من الشافعية
في حضرموت في جوازه أو عدم جوازه ، خاصة بعد أن تفشى بين اوساط ملاك الأراضي والأطيان والنخيل ، واعقبت انتشاره تبعات كثيرة دخلت في متاهات القضايا والمشاكل التي
أوجبت صدور احكام قضائية أو عرفية للفصل فيها ، حيث يلجأ (( زيد )) الذي اشترى أرض أو نخلة ( عمرو ) عن طريق بيع العُهدة ، أن يماطل (( زيد )) (( عمرو )) حين يأتي إليه ليسترد
أرضه بعد عام أو عامين أو أكثر، بحجة أنه لم يستوفي الثمن ( أي أنه لم يستمتع بالثمر ، وهنا تبدأ سلسلة من الاشكاليات وقد يتعرض البايع بالعهدة للغبن أو الظلم . والبيوع بالعهدة
كانت إلى عهد قريب تنحصر في بيع الاارضي الزراعية والنخيل . ويقوما كلا البايع والمشتري بكتابة صيغة مبايعة بينهما موقعة من شهود تسمى (( خط )) أو عهده وقد جاء في قاموس المحيط
(( والعُهْدَة: كتاب الـحِلْفِ والشراءِ. واسْتَعْهَد من صاحبه: اشترط علـيه وكتب علـيه عُهْدة ))
وفي مقابل العهدة يأتي البيع ( الصليب ) أو ( القطع ) أي البيوع التي لا رجعة فيها ، ولا يحق للبايع أن يتراجع ويطالب بأرضه ولو بعد حين. وفي هذه البيوع تكتب وثيقة بيع (( خط ))
تشير الى أن البيع تم وبيع ( صليب ) وقد سألت من المعمرين الذين كانوا يتعاطون مثل تلك الانواع من البيوع عن معنى كلمة بيع ( صليب )التي تأتي في وثائق البيوع ؟ ففسرت بمعنى البيع قطعا
لارجعة فيه .
في قواميسا لعربية تحت كلمة ( صلب ) تفسيرات كثيرة لهذه الكلمة واشتقاقاتها ومرادفاتها وما يتعلق بالمال منها وصَلْب علـى الـمالِ صَلابة: شَحَّ به؛ أَنشد ابن الأَعرابـي:

فإِنْ كُنْتَ ذا لُبَ يَزِدْكَ صَلابَةً =علـى الـمالِ، مَنْزورُ العَطاءِ، مُثَرِّبُ

وقد تلاشت مثل هذه الأنواع من البيوع بيع ( العهدة ) ولم تبقى شائعة في حضرموت.


.

[أبوعوض الشبامي]

.

عودة على بدء حول أهمية مدينة شبام قديما في التجارة البينية بين مدن وقرى وادي حضرموت ومدن وموانيء ساحل حضرموت ، وايضا تشمل النواحي الغربية لحضرموت مأرب وخولان والعوالق ...الخ فقد كانت شبام مقصدا للقوافل التي يجلبها البدو والمحملة بالبضائع ، وكانت الجمال المحملة تفرغ حمولتها في مستودعات بالمدينة ، ثم تنيخ في محط خارج المدينة ويتكفل
الوسطاء ( الدلل ) مهمة تسويق البضائع بين التاجر والمشتري .

يستقبل الدلل البضايع المحلية الواردة من القرى أوالبادية الى شبام كالحبوب والبن والزيوت والبهارات والحطب والفحم والماشية بانواعها وغيرها ذلك من البضائع، وأقتضت الضرورة
أن يكون هناك نظام وتقسيم عرفي شبامي يتم عبره توزيع مهام الدلل بحيث يكون لكل شخص وافد ببضاعة دلال معلوم لا يتعداه وفق الاعراف المتبعة ، وكما قيل وفي المثل ( كل بدوي بدلاله )
ومهمة الدلال أن يقوم بعرض البضاعة وبيعها واخذ ( الدلالة ) من كلا الطرفين ( البايع والمشتري ) وكانت طبقة الدلل محل ثقة للوافدين إلى سوق شبام ، وفي حال أن يتكون البضاعة
المعروضة غير مطلوبة أو ان وجود فائض منها بالسوق، يترك الوافد بضاعته لدى الدلال اذا كانت لا تستحق البقاء لاجلها ، ويكلف الدلال بأن يتولى بيعها بمبلغ قد يحدده البائع .
ومتى ما عاد ولو بعد حين وجد قيمة بضاعته عند دلاله كاملة . فيأخذ الدلال عمولته (( دلالته )) على البضاعة فقط.

وعبر هذه العلاقة التي تربط التاجر والبدوي عبر الوسيط التجاري (( الدلال )) نشأت علاقة متينة بين الدلل وكل الاطراف ، وأصبح للدلل مكانة معروفة عند اهل حضرموت بوادي أو حضر .
فعاشت طبقة الدلل تتربع أعلى السلم التجاري والاقتصادي في المجتمع ، وعاشت في مكانة اجتماعية مهمة تنعم بستر الحال والأنفة مما يجعلها أن ترفض العطايا والهبات دون أن تقدم
خدمات في الوساطات الاقتصادية . ( البيع والشراء ) .
ومثال على ذلك نروي قصة الدلال معروف عبد الشيخ رحمه الله حين ذهب في شهر رمضان لتحصيل قيمة بضاعة من تاجر من اسرة ال الكاف في تريم وكان عادة الدلل حين يتوجهون خارج شبام
يعتنون بمظهرهم في لبسهم وهيئتهم بحكم انهم كانوا يمثلون اهل شبام في صورة مشرفة ، وكان حينها التاجر (( الكاف )) منشغلا في مجلسه بتوزيع الزكاة فتنحى ( معروف ) جانبا في مجلس التاجر ،
وظن التاجر أن هذا الرجل صاحب المظهر النظيف والحسن جاء مستحيا يطلب زكاة فاعطاه قرشا ذهبيا .
فرفض معروف ان ياخذه وقال : انا من شبام يالحبيب .. ومحد من شبام يصفح ايده .
وحين عاد الى شبام وعلم تجار شبام بقصته اكبروا ذلك منه ، واستقبلوه بالعطايا مايفوق هبة الكاف من الزكاة باضعاف .

ولطبقة الدلل أهمية قصوى في عملية تنشيط التجارة في المجتمع الحضرمي ، فالدلال كان على دراية واسعة بأمور التجارة ومتطلبات السوق ، ولهذا كان يوجه قبائله من البدو اصحاب القوافل
عن موسم السلعة المطلوبة في السوق . والتي يأتي منها الربح .
وكثيرا ما يكون البدوي مطيعا لمشورة دلاله ويقبل منه اقواله ونصائحه حتى وإن قسى عليه في القول أو التهكم فإنه يرى أن دلاله يسعى لمصلحته أو أنه يدافع عن حقوقه الاقتصادية .

اساليب وطرق البيوع في حضرموت:

حين يأتي البايع الى سوق شبام فإن أمره وأمر قافلته منوطا بأوامر (( دلاله )) الخاص. فلايتعدى دلاله نحو دلال آخر . ويسلم أمر بيع بضاعته لدلاله ، والذي يتولى بيعها جملة أو تفرقة.
وتبدأ طقوس البيع أن يأتي المشتري أمام البضاعة ويعاينها ويسأل عن ثمنها فيرد عليه الدلال (( بع وإشتري )) فحين يبدي المشتري الرغبة في الشراء يمسك الدلال يد البايع ويد المشتري
ويضع كل منهما اصبعي السبابة والوسطى من يده اليمني على اصبعي السبابة والوسطى على الآخر ويمسكهما الدلال ، وتبدأ المساومة ، و يبدأ الدلال بالضغط على يدي احدهما دون ان يشعر الثاني ،
كأن يوهمه أويشير عليه أن السعر مناسب وأنه يرى أن مصلحته بأن يشتري أو يبيع ، ولا يسمح لأحدهم أن يسحب يده إلا بعد أن يتفقان على البيع أو الشراء، وقد تتطور الأمور ويفلت أحدهما بيده ،
بعد بدأ المساومة ليعلن انسحابه فيلحق به الدلال فيضيف الدلال شيئا على السعر ويبدأ يضغط على المشتري أو البائع لتتم الصفقة وهناك وسائل للضغط منها أن الدلال يمسك بإذن المشتري أو البياع
ويصيح (( اشتريت )) قل (( اشتريت )) أو (( قل بعت )) وحين يصر بعضهم بالرفض يمسك الدلال بكلا يديه على إذنيه ويشدهما بقوة ويصيح (( قل اشتريت )) أو(( بعت )) وحين يصر البايع أو المشتري
على الرفض قد يعض إذن أحدهم . وأمام هذا الضغط يوافق المتعنت منهم ، بقولته (( بعت أو اشتريت )ويبدو أن ذلك هروبا من أذى الدلال ، ويلجأ الدلال إلى هذه الوسيلة حين يرى أن البضاعة
وصلت للسعر المناسب لها . وحتى لا يفوت احدهما الفرصة .

ولا زالت هذه الطريقة من اساليب الضغط وغيرها كمسك لحية البايع أو المشتري وشدها ، أو شد أحدهما براديه ، لازالت تستخدم في اسواق حضرموت .
ولا يرى البدوي ( العصي ) أو غيره من القادمين للسوق عيبا أن يقوم الدلال بمسك وشد إذن احدهم طالما أن في ذلك مصلحة لأحدهم في ذلك. وبدون اتباع اساليب الصياح والصراخ وشد
الإذن أو اللحية وسحب الرادي أو العمامة لا تكتمل صورة البانوراما من المشهد الجميل الذي يتكرر كل يوم في الاسواق. ومهما كانت هذه الصورة فإنها تبقى جزء من مورثنا وتقاليدنا الحضرمية
في اساليب البيع والشراء.[/COLOR]
]