المحضار مرآة عصره (( رياض باشراحيل ))مركز تحميل سقيفة الشباميحملة الشبامي لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم
مكتبة الشباميسقيفة الشبامي في الفيس بوكقناة تلفزيون الشبامي

العودة   سقيفة الشبامي > شؤون عامه > الســقيفه العـامه
التعليمـــات روابط مفيدة Community التقويم مشاركات اليوم البحث


ياغير مسجل أنـّـةٌ من القلب الدامي ،، لمؤلفه/ الاستاذ سالم بن علي الجرو

الســقيفه العـامه


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-26-2007, 10:16 AM   #111
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

ـ 42 ـ

هاهم أفراد مملكته الخاصة وصلوا سالمين بعد ما يقرب من ستين يوما . نسي متاعب شأنه شأن الفرحين من الذين اشتروا زوجاتهم بملغ كبير من المال مع المغامرة وشد الأعصاب ، لتبدأ أخرى ، فلديه جوازين ، أحدهما: يحمل اسم الجمهورية اليمنية ، والآخر: يحمل اسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ، ومدة الإقامة في ذاك أربع سنوات بدون كفيل ، ومدة الإقامة في الأخير الأسود اللون ، سنتان ، بكفيل لا بد من الرجوع إليه ، وجواز الزوجة شمالي ، سيكون كفيلها جنوبي وحيث أن جوازها يستحق إقامة صالحة لأربع سنوات وكفيلها سنتان ، فلا يحق لكفيل عمره قصير في الإقامة أن يكفل آخر عمره طويل , وإذا ما أظهر الجواز الشمالي فربما عرض نفسه للخطر أقله الإبعاد عن البلاد لأنه منتحل مواطنة ، إلى جانب إجراءات أخرى بعضها يذللها المال وبعضها يذللها الجاه .
فترة عصيبة مرت حتى انتهى كل شيء واستلم الجوازات مختومة ، وإلى موعد التجديد القادم بعد أقل من سنة في ظل توتر وشد الأعصاب من جديد . ويعلم معظم أفراد الجالية بمن جاء للتو ومن لديه جواز [ ش ] وجواز [ ج ] ومن حصل على تصريح بالإقامة ومن تقرر إبعاده . فحديثهم لا يخرج عن موضوع القادمين بين من نجا ومن أبعدوه.
إنه ماض مزعج عندما يتذكر المرء ما مر عليه في دياره ، وإنها الصورة المخيفة كلما فكر فيما سوف يمر عليه في دياره الجميلة.
هي كلها أقدار في حسابات المؤمنين بالله ، إلا إن السيئ من الأعمال بما كسبت أنفس البشر. كان يتساءل أهو قرار محلي أم إقليمي دولي يقف وراء المفاجآت المروعة؟ . حروب الشطر الشمالي مع نفسه منذ 1962 حتى 1971 . حروب الشطر الجنوبي مع نفسه منذ عام 1969 حتى عام 1986. حروب الشطر الشمالي مع الشطر الجنوبي . الحرب الأخيرة بعد الوحدة.
ما من كتاب عن أحداث اليمن الدامية إلا وقرأه ، فلم يقرأ كتابا إلا ويتحدث عن كريهة ، حتى نايف حواتمه دخل عضو في صراعات اليمن مع نفسه فكتاب أزمة الثورة في اليمن الجنوبي يعبر عن ثورة وأزماتها ولكن في تحيّز ، وليس من صالح القضية المركزية أن يختلف الأشقاء في شطر من قطر ، ومن صالح الكاتب أن ينأى بنفسه عن مسائل خلافية بين الأسرة الصغيرة الواحدة ، لا أن يضعف فريق بتقوية الآخر، والسؤال: من المستفيد من هكذا شقاق؟ سنجده عبر كل الطرق إسرائيل أولا والبقية تلحق . فكيف بمناضل ضد إسرائيل يناصرها في مكان آخر؟. قرأ كتب عن حدود الوطن الكبير وحفظ عن ظهر قلب خرائط اليمن الميمون ، وقرأ كتب تتحدث عن القضم والابتلاع ومن يبتلع أرض من ومن يقضم من في الإعلام ، ناهيك عن الدسائس وما يدور في الغرف السوداء. تجاذب وصراعات لم تؤدّ إلى خير استفادت منها أطراف أخرى ممن نحسبهم أعداء.
شعارات جمّة منغّمة لا تؤلّف بين قلوب الأشقاء ، نظمها أشقياء في الأرض الغبراء فرسخت ثقافة العداء والكراهية بين اللحمة الواحدة.
لم تفته الألفة والمودة بين الجاليات العربية في الديار النجدية ، وهي الصورة الطبيعية لأشقاء ، يجمعهم الدم واللغة والتاريخ الواحد والمصير المشترك ، لا أثر للسياسة فالكل يحب الكل بالرغم من التنافس الشديد في السيطرة على المواقع في بعض المهن والتخصصات . الوافدون من الشام والهلال الخصيب سيطروا بلا منازع على الجوانب الفنية في قطاع الإنشاء والتعمير وتواصوا فيما بينهم بالرحمة ووجوب اللحمة ونبذ أيّ جسم غريب يدخل مستعمراتهم.
شاهد الجالية اليمنية بين تاجر وموظف إداري ومالي ومقاول ومهندس عمراني وطبيب وعقاري وموظف في العقار وميكانيكي ومندوب مبيعات وعامل وحارس ، وهم موزعون في الأعمال وأماكنها وفي السكن ، فرضوا أنفسهم وكانت نظرة الود من أهل البلاد تجاه العنصر اليمني هي التي ساعدت على انتشارهم وقبولهم ، وشاهدهم وهم يرحلون عن ديار نجد ، غير مأسوف عليهم ، في نزوح تاريخي لم يشهد له تأريخ العلاقات السعودية اليمنية مثيلا . رسميا وزعوا إلى شطرين ، ولكل معاملة خاصة فابن الشطر الشمالي حر طليق يعمل أنّى شاء ويتنقل في مدن المملكة بدون تصريح ، وابن الشطر الجنوبي لا يتنقل بين مدن المملكة إلا بتصريح من لدن كفيله ، فهو المقيّد ، ولا يمكن له العمل أنّى يشاء بل عليه أن يعمل لدى كفيله.
تجار بدؤوا صغارا تحت تستر بمهنة عامل على مرأى ومسمع ممن شرع منع التجارة على الأجانب ، والعربي في ديار نجد يعدّ أجنبي ، فتوسعت تجارتهم لتمتد إلى قارات أخرى ، ومنهم من ظل في أسواق المملكة ، لكنهم يعدون من كبار التجار وهؤلاء يختلفون عن كثير من الوافدين فلا خوف ينتابهم من حفظ أموالهم داخل البلد بالرغم من تجارب السابقين في المهجر في بلدان أخرى [ شرق أفريقيا ] الذين نفذوا بجلودهم بعد إنكارهم من حقوق مشروعة اكتسبوها بالجهد النظيف ومنهم من لقي حتفه. يعيشون مطمئنين على ممتلكاتهم وهي باسم غيرهم وبمدخراتهم التي تبلغ أرقاما فلكية لدى البعض ، بخلاف الذين يحولون مدّخراتهم إلى الخارج من الجاليات العربية الأخرى ، وقد تردّد أن بعض التجار الحضارمة في الحجاز كانوا على صلة وثيقة بمؤسس الدولة السعودية الثالثة: الملك عبدالعزيز ، وكانوا يدعمونه عند الحاجة قبل الاكتشافات النفطية .
وموظفون إداريون وماليون وأطباء ومقاولين ومهندسين مدنيين بالخبرة ، تولوا بنوكا وشركات ومؤسسات ، وبناء أحياء وأسواق تجارية وعمائر ، فكانوا نعم المخلصين ونعم الأمناء ، ونعم البنائين والمتقنين لأعمالهم . من هؤلاء الذين يعدون بمئات الآلاف من رسم أهدافا وحققها من تعليم الأولاد إلى المنازل العلا ، وتأمين مسكن وتنوع مصدر الدخل ، ومنهم من عمل بدون أهداف وانتهى به إلى القناعة والرضا بالمقسوم.

--------------- سالم علي الجرو ---------------------
التوقيع :

التعديل الأخير تم بواسطة سالم علي الجرو ; 08-29-2007 الساعة 09:18 AM
  رد مع اقتباس
قديم 08-26-2007, 10:25 AM   #112
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

ـ 43 ـ

عمّال تحت الطلب

يمنيو المحافظات الشمالية ليسوا كغيرهم من حيث قوة البأس والتحمّل والتنوع الحرفي ، ومن حيث التآلف أيضا والتعاون فيما بينهم ، أما إن شئت أن تقارنهم بغيرهم في الانتماء الوطني والحب والتعلق لمسقط الرأس فلن تجد لهم مثيلا. لا تندهش إذا ما وقعت عيناك على نفر منهم وهو يسابقون الريح ، يتوزّعون في أزقّة المدينة ، فهم في هذا الحال هاربين من ملاحقة الشرطة بعد أن أوجعوا آدميا أو نفرا أيا كان أو كانوا بالضرب . فهذا شأنهم وديدنهم ما أن يجدوا يمنيا في اشتباك مع آخر إلا ويقفون إلى جانبه دون طلب أو سابق معرفة به ، يكفي أنه يمني.
في الصباح الباكر وكل وقت يتواجدون في البطحاء وسط مدينة الرياض ، وهم بين فني بناء ونجار وحدّاد وحمّال وعامل عادي . في المساء تجدهم حركة في الطرقات والأزقة في مدينة تعج بالأسواق والمطاعم ، وتنتشر فيها الحدائق والمنتزهات ، فأينما تذهب تجد سلالة حمير. أما في الملاعب الرياضية فلهم أصوات صاخبة مجلجلة ، فقد توزعوا بين الأندية السعودية ، مشجعين ،وما أن يبدأ الدوري حتى تجد الاتحاديين مستميتين في تشجيع نادي الإتحاد وكذلك الهلاليين ونادي الشباب والاتفاق ، على أن نادي الإتحاد حاز النصيب الأكبر من المشجعين.كانوا جميعا يحملون جوازات ، معترفين بأنهم أجانب ويترقبون السفر رغما عنهم في يوم ما عند تقلب الأجواء السياسية ، لكنهم منسجمين مع أهلها في مودة إلى أن يأتي موعد المفاجآت.
في كل زمان وليس في كل مكان الفلوس هي التي تتكلم ، وقال شاعرها ما معناه: أن الدراهم هي اللسان والسلاح وفي كتاب: ( حول العالم في 80 يوما ) ، وردت عبارة: [ Talk my money ] ، وهذه الثقافة تؤرث النكد لدى الكثير خاصة أولئك الذين يرون عدوا ما من صداقته بدّ ، كما قال أبو الطيب المتنبي ، والزاهدون من المسلمين هم الذين لهم حسابات أخرى ، يعون جيدا إن الدنيا عند الله لا تساوي جناح بعوضة ، وأن الأغنياء يسألون عما اكتسبوا غير أن الكثيرين في غيهم يعمهون . الغي هنا في الكذب الذي يتفوه به الثري وهو واثق من أن المستمعين سيدعمون قوله بالتصديق والتزكية غير أن من تأثر بعبد الناصر وسعى في مناكبها ألزم نفسه بقول الصدق والصراحة دون مجاملة فخسر الكثير من الفرص ، وكلما نصحه مجرب طالبا منه أن يغمض عينيه أبى إلا أن يكون منطقيا ، موضوعيا ، لا يداهن ولا يجامل ، خاصة عندما تكون المداهنة أو المجاملة سبب في إغضاب الرب ، كالكذب والإضرار بالناس. أما شعراء المديح الذين يتبعهم الغاوون ويقولون ما لا يفعلون ، وينطقون بما لا يعتقدون فالجميع يشهد بأنهم كاذبون. والطامّة الكبرى أن يأتي رجل دين ، نال محبة الفقراء وتقديرهم في بدايات وعظه يقرع أبواب الأغنياء ويسمع كذبا ولا يقول شيئا كي لا يغضب مضيفه.
نعم ليس في كل مكان تتكلم الفلوس ، ففي بعض الديار يتكلم الدماغ وتتقدم الكفاءات ويعترف الثري بحق الآدمي ، كما أن الآدمي في هاتيك الأطراف يقدر الثري والمشترك بين الطرفين الصدق والمجاملة البريئة وليس النفاق المكشوف . لذلك تطورت بلدانهم وتطور معها الإنسان واستقامت ثقافتهم وان اختلفنا معهم في الدين والمعتقد.
لا تغيب عن البال جملة: [ أشكاله وألوانه ] ، والصراع الخفي والظاهر مستمر ، والعرب يعتقدون أنهم مستهدفون وقوتهم في تلاحمهم ، وكل يمني لديه مذياع يتابعون الأخبار على محورين: من يسمع إذاعة عدن يترقب الوفاق بين عدن والرياض كي يتحرر من الكفالة أسوة بأخيه الشمالي وتكون مدة التصريح بالإقامة أربع سنوات بدلا من سنتين ، وحجتهم أنهم أبناء جزيرة واحدة. والمحو الآخر إزالة الحدود بين الشطرين.
في هذه الفترة كان اليمنيون جميعا يتطلعون إلى الوحدة اليمنية ويستعجلونها معتبرين إياها قدرا محتوما لا بد وأن يتحقق ، فهم في عجلة من الأمر ، لكنهم لا يعلمون شيئا عن دهاليز السياسة ، فهم يتصرفون بعفوية وتلقائية ، والذين يستعجلون الوحدة هم أصحاب الحق الشرعي الذين التحموا في أحد ملاعب الرياض ، والمناسبة كرة قدم لعب فيها فريق من اليمن الجنوبي مع فريق المنتخب السعودي . الجميع عبروا عن شعورهم اللاإرادي ، فالسعوديون وقفوا مع منتخبهم لا يرضون بغير النصر ، واليمنيون جميعا وقفوا مع عدن . دخل المشجعون في عراك فتدخل رجال الأمن لحسم الأمور وضبطها فحسمت . مثل هذا الحراك والتفاعل الذي يشترك فيه الملايين لا ينظر إليه كاستفتاء أو تعبير عن شعور من لدن البعض من في يده مقاليد الأمر ، ولا أحد يستطيع أن يصف نظرات كهذه أكثر من وصف أنها نظرات لا تلبي مطالب الكثرة .

------------------- سالم علي الجرو ---------------

التعديل الأخير تم بواسطة سالم علي الجرو ; 08-29-2007 الساعة 09:19 AM
  رد مع اقتباس
قديم 08-27-2007, 03:25 PM   #113
فتى الخفجي
حال نشيط
 
الصورة الرمزية فتى الخفجي

افتراضي

تكبير يأخوان الموضوع جدآ روعه
واشكرك يالغالي
  رد مع اقتباس
قديم 08-28-2007, 12:34 AM   #114
بلقزع بن سعد
حال جديد

افتراضي

شكرااعلى من اجتهد في هذا المجهود
  رد مع اقتباس
قديم 08-28-2007, 01:00 AM   #115
جون تيري26
حال نشيط

افتراضي

مشكووووووووور وما قصرت
  رد مع اقتباس
قديم 08-28-2007, 11:38 AM   #116
ابوبكر محفوظ
حال جديد

افتراضي

مشكور جدا على هذه الموسوعة الفنية والأبداعة الروائية التي تمت فعلا من قبلكم بكل مافيه من حكم ومواعض غيرمباشرة لجيلنا الحاضر عل وعسى أن يفهمها ويستوعبها القارئ ليس إلا أن تكون لدية كرواية قصصيةفقط, بل فيها الكثير من الحكم والتي يتحلى بها أجدادنا من حب الوالدين والطاعة والولاء الذي يمتاز به الحضرمي بكل معانيه وبكل مصداقية مهما تغيرت الأزمان ................من القلب للقلب رسول.... الى الأمــــام أخي سالم وربنا يوفقك..........
  رد مع اقتباس
قديم 08-29-2007, 09:15 AM   #117
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

ـ 44 ـ

الجيــفـة

تعني الفريسة ، بهذه الكلمة وصف الإمام الشافعي الدنيا ، وإن [ عليها كلاب همّن اجتذابها ] ، هذا خلال أيام العفة والنزاهة والحياة البدائية البسيطة غير أنها اليوم هدف أسمى وعلى المتنافسين أن يحتالوا على الظروف. رغب في ترك الوظيفة والانخراط في أعمال حرّة ، وكان عليه بادئ ذي بدء تغيير الكفيل ، وبما أنه يعرف الكثير من العملاء فقد اختار الكفيل الأمين كما كان يعتقد من بين العملاء من توسّم فيه الخير ليكفله ويعملان سويا . ذلك ما حدث وكانت فرصة ثمينة للعمل في حقل المفروشات [ أثاث منزلي ] غير أن المفاجأة المؤلة وقعت عليه كالصاعقة بعد أربع سنوات . ضاع جهد كبير وريع كثير وعاش فترة حسرة وتوجع وندم . في أحوال تغيب تعاليم الدين عن الساحة عن طريق التحاي والإلتفاف لاسيما تلك التي تتعلق بالحقوق . صحيح هناك خروج عن القانون ، هذا في المنظور المصطنع لكن من الطبيعي أن يتساءل المرء: أنا إنسان ، فإلى أين أذهب؟ . هو يفلسف متأثرا بفلسفة الزعيم وكلّ يوم يقرأ الجديد في ميدان التنافس . كثيرون تسلّقوا في دنيا المال والأعمال خلال فترة قصيرة واختلط الحظ مع المقسوم مع التحايل ، وكلّ ذي عاهة جبّار ، ومن يقول: على قدر أهل العزم تأتي العزائم ، ومن يقول: وتؤخذ الدنيا غلابا . فكّر في أن ينخرط في صفوف النفر الذين يعرفهم ، فكان العائقان: الضمير القابل للتحول ونصائح والده في عرفات الله الغير قابلة للمساومة:
ـ يا ولدي إيّاك و ..... رضينا بأن نعيش على شربةٍ وتمرٍ وماء أبد العمر ولكن من حلال. أراد والده أن يطمئن فطمأنه وصار عهدا.
عندما كان في الهند سمع ووقف على صور ومشاهد تقطع نياط القلب . شاهد أسر تعمل في المزارع بدون أجر لأنها مرهونة لدى إقطاعي والمرهون مسخر للخدمة حتى يستعيد حريته ، وكل ذلك في مقابل تأشيرة سفر أب أو ابن ليعمل بأجر خيالي كما هو موعود به في بلد النعمة ، غير أن الخدعة المبيّتة أوصلته إلى بلد التخمة ولكن بأجر قليل ، وسمع بآخرين باعوا مزارعهم لذات السبب ، وهو البحث عن غنى في البلاد الغنية . لم تعد تلك الأحلام الوردية إلا مكابدة وعذاب . حمد الله تعالى على ما آل إليه حاله ، فهو أفضل من حال أولئك الباكين غير أنه ليس متساو مع آخرين ممن تنطبق عليهم نفس المقاييس والمواصفات وذلك يعود إلى الحظ ، فتجد البعض لدى كفلاء يطفحون آدمية:
وإذا سلمت رؤوس الرجال من الأذى فما المال إلا مثل قص الأظافر
بعد ذلك شارك صديق حميم في عمل حر فظهر الخداع وزيف الصداقة ، وكما قال الشافعي يرحمه الله: [ فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها ، وإن تجتذبها نازعتك كلابها ] . ذهبت سدى جهود وريع سنين أربع أخرى كانت قبل . جهد ثمان سنوات صادفت فرص ثمينة وفلتات لا تتكرر ذهبت سدى بين صديق ومصلي معتدي أثيم. يجد تسلية وعزاء عندما يفضفض إلى صديق العمر الذي رأى أن يعملان سويا لأنه يفهمه جيدا ، وهو الأخير ، بنية سوء مبطنة قصم الظهر بعد ستة عشر شهرا فقط لا غير. إنه ذات التنكر للقيم والجيرة والصداقة الذي حدث في الريف الحضرمي إبّان التأميمات ، وهذه المرة جاء التنكر في المدينة ، ومعلوم أن المدنية مقبرة الأعراف الجميلة وكل خلق حسن.
أحد أسباب تلك الانتكاسات والهزائم التي مني بها الكثيرون يعود إلى عدم وجود التكافؤ في الشراكة ، فأحد الأطراف لا بد وأن يكون أقوى من الآخر لأنه محمي مشمول بالرعاية والعناية في حين أن الآخر وإن كان صاحب قدرة ومهارة ويعتبر فلتة لديه مؤهل إلا أنه في البداية والنهاية مكفول وبمهنة عامل لا يحق له مزاولة التجارة وحتى عندما يقف على أبواب المحاكم فتصنيفه أجنبي وقلما تجد من يقول: [ وافد ] ، لكن من يصل إلى ولاة الأمر يخرج من قصورهم مسرورا وتتوقف المسألة على كيفية الوصول إليهم .
هكذا أثبت التاريخ أن الدنيا وزخرفها مثار اقتتال وتنافس ، يغيب عند الكثير من أجل اكتسابها الخوف من الله وغياب الضمير ، عدا العهود اللامعة تلك هي عهود الأنبياء ومن تبعهم بإحسان. هذا على المستوى الشعبي ، أما على المستوى الرسمي أو السياسي فإن التنافس لا يأبه بأرواح الأبرياء ولا يعني سباق التسلح أن هناك قيم وفضائل سينشرها رجال النار والدمار ، وإنما هي أطنان من القنابل ستسقط فوق رؤوس الأبرياء من أجل المال ولا شيء سواه: في تجارة النفط والمعادن النفيسة والبن والكاكاو والزهور العطرة ، ومن يقرأ عن تاريخ العبث الأوروبي والأميركي في السياسات الدولية يتقزز من فظائع الحروب وسفك الدماء وإهلاك للحرث وأساسات البناء ، كل ذلك من أجل المال. هي ذات النوايا وذات الأهداف ، وهي مصادرة حقوق الغير ، فتصورت على المستوى الشعبي بصورة تختلف عنهاعلى المستوى الآخر ، ذلك أن مسميات الآخر تبدو عليها النزاهة ووراء المسميات خدع وسلطة جائرة . من المسميات: حقوق الإنسان ـ هيئة الإغاثة ـ لجنة تقصي الحقائق ـ مبادرة السلام ... الخ مسميات الخداع .
رأى في أحد عملاء المصرف شيئا من أعراف القبيلة المحببة وخوف من الله . كان شهما ، وبرفقته سافر إلى ميلانو لحضور معرض الأثاث المنزلي. ما كاد يطلب الرجل الذي بدا شهما أن يعمل معه حتى سارع إلى الموافقة ، ومن هنا كانت البداية الجديدة كما رسم وخطط لها وتوقع بأن يصير أحد رجال الأعمال ، فالسوق الصاعد في بلد ناهض ، ضخت حكومته بسيولة هائلة من أجل التنمية ، لا يزال يستوعب القدرات والطلب فيه أكثر من العرض ، إلا أن المشيئة تظل دوما لواحد أحد وله الأمر من قبل ومن بعد ، فمرت أربع سنوات كان يسافر لحضور معارض الأثاث والمفروشات في ميلانو ـ فلينسيا بأسبانيا ـ كولون بألمانيا ليعقد صفقات مع شركات ومصانع في بضاعة تباع بالكتالوج قبل وصولها الميناء ، ولا تسل عن نسبة الربح ، غير أن الرجل الشهم لحق بمن ترك ضميره في الرف ، فالتف عليه ، وأبعده . تنازل لآخر عن كفالته وهذا يعتبر لطف وأدب في سوق لا يضع اعتبار للمكفول عندما يصير نصيبه في الصفقة مبلغا كبيرا ، فيطرده ويسعى إلى مغادرته نهائيا البلاد.
اكتشف أنه لطيفا ولكن بعد فوات الأوان ، وذلك بعد أن فكر فيما جرى له واستمع إلى الآخرين من ذوي الخبرات في دهاليز التجارة والأسواق وأنواع البشر ، وصادف أن وقع بصره في إحدى المكتبات على كتاب عنوانه: [ لا تكن لطيفا أكثر من اللازم ] للكاتب: ديوك روبنسون ، فتناوله باندفاع.كتاب قيم غير أنه جاء متأخرا وبالرغم من ذلك لم تعدم فوائده ، فلقد نبه أبناءه وزودهم بما لديه من دراية وخبرة...
إن كنت شخصا شريرا ، فأنت ضحية تربية خاطئة أو ضحية ظروف اتسمت بالقسوة والوحشية نجمت عن جهل وحمق...
وإن كنت شخصا معافى نفسيا ، متوازنا فأنت إنسان على الفطرة ونتاج تربية صحيحة وسليمة....
اللطيف لا يكون شريرا ، وإذا ما دققنا في الشر وأبعاده ونتائجه فإن الذين يأخذون ما ليس لهم يكونون بالنتيجة في تعداد الأشرار ، حتى وإن صلّوا وصاموا ، وأبدوا من الأخلاق ما أبدوا ، فلن تكون تلك الأخلاق ذات المسحة الإنسانية إلا نفاقا أو خداعا أو تصنعا.....

-------------- سالم علي الجرو -------------

التعديل الأخير تم بواسطة سالم علي الجرو ; 08-29-2007 الساعة 09:20 AM
  رد مع اقتباس
قديم 08-29-2007, 11:42 AM   #118
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

ـ45 ـ

... هكذا هم اللطفاء وهذا ديدنهم....
يسعون إلى إرضاء الآخرين , وليس أي إرضاء بل ذلك الإرضاء القائم على المثل العليا وسمو الأخلاق والفضائل , وهي من المروءة ، وللمروءة أذىً غير أنها تظل عشيقة ، كما قال الشاعر:
تلذّ له المروءة وهي تؤذي ومن يعشق يلذ له الغرام
فعندما توكل إليهم مهمة أو وظيفة فإنهم يحبونها ويتفانون في تأديتها ليس بزيادة ساعات العمل ولا بخداع البصر, ولكنه التفاني الصادق للبلوغ نحو الكمال في أداء المهمة .
إن هؤلاء اللطفاء هم أذكياء ، دون شك ، ذوو نوايا حسنة ومبادئ سليمة ، يصفهم البعض بالسماجة ، وبنوع من الاستبداد يصفهم البعض بالغباء أو حال من حالات الجنون ، وبالتأكيد فإن هذا الوصف أو التقييم قاس وجائر، وما من احد سينكر بأن اللطفاء هم نماذج لتربية غرست في نفوسهم فضائل ومثل جعلت من النوايا الحسنة مبدأ مغروس في الأعماق والشعور بالانسجام نحو الآخرين وان هدف الآباء المربين إن نكون مقبولين اجتماعيا ومن هنا جاء التقليد اللاشعوري لتعاليمهم الأخلاقية ونماذج اللطفاء التي قدموها بحيث أصبحت تقوم بدور الضمير الناقد لأفعالنا .
ومن هذه التعاليم:
• أتقن عملك . المؤمن يسعى إلى إرضاء الله ثمّ إلى إرضاء الآخرين لأن في أعماقه مطلب الحديث النبوي الشريف: [ إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ] ، وصار العمل المتقن عنوان صاحبه ، بينما غير المؤمن لا يسعى إلا إلى إرضاء الآخرين ، ومن هنا يحاسبهم من خلال التّذمر والاعتراف من ناحيته بأنه أخطأ عندما كان لطيفا معهم ولم يجد المقابل ، أو أنه تعذب من لطفه وعليه أن يغير من سلوكه ويبدّل الآراء والأفكار القادمة عن طريق التربية القائمة على أسس الدين والعرف بآراء وأفكار تنطلق من الواقع وتتناغم معه ، ولذلك بات عليه أن يترك الأخطاء وينتهج سلوكا براغماتيا .
• قل نعم دوما لصديقك . ولهذا صورة تطفح آدمية لدى المؤمن ، إذ:
لا بدّ من شكوى إلى ذي مروءة يسلّيك أو يواسيك أو يتوجّعُ
• لا تكن أنانيّا .[ لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ] .
• لا تفقد هدوءك أبدا . [ الشجاع من يمتلك نفسه عند الغضب ] .
• كن متعقلا .
• لا تجرح مشاعر الآخرين [ ما بال قوم ........ ] .
• فكّر في هؤلاء الذين يعانون.
يقولون: ( القانون لا يحمي المغفلين ) . إن مبدأ النزاهة صار شواذ ، والقاعدة هي: الخداع ، وليس من العدالة أن يوصف النزيه بالغبي ، ولكنها الثقافة الجديدة.
صحيح إنما العاجز من لا يستبد ، ولكن ليس في أكل أموال الغير أو النهب ، فقط عندما يتمادى عدوك في إيذاءك فعليك بالاستبداد لردعه....
صحيح أن المال أحد زينة الحياة الدنيا ، ولكن عندما يكون مالك وليس مال غيرك إذ كيف سيكون زينة الحياة الدنيا لك وهو زينة لمن انتزعته منه......؟
صحيح أنك تمتعت بالمال المنهوب ، ولكن هل فكرت في قهر وعذاب وأذى من نهبت ماله؟
إن القوى الجاثمة على أموال المستضعفين في الأرض لا تتأثر بكلام كهذا لأنهم يرفضون أي كلام من منطلق عاطفي ، متناسين عطف أمهاتهم عليهم ، متجاهلين عطفهم على أبنائهم . إن العاطفة لا تدخل في حواراتهم ولا في حساباتهم إلا عندما يكون الأمر متعلق بهم فقط . لا غرابة في ذلك والغرابة والدهشة عندما نتخلى نحن العرب ، نحن الشرقيون ، نحن المسلمون عن العواطف ولا نتخلى عن النزوات.
ليس هذا فحسب ، بل طال الانحراف سلوكا آخر ، فقد سافر مرغما إلى تايلاند لأداء مهمة ، ومن بانكوك عاد منكّس الرأس ، وإن نسي فلن ينسى رفض فندق قبلوهما نزيلين لأن الفندق لا يقبل العربي ، وأرشدهما موظّف الإستقبال إلى: فندق ميدو ـ فندق سيكينج !!!
من الإنصاف الاعتراف بما يحسبه البعض هفوات والبعض الواقعي يعتبرها من الأخطاء في حين أن المنصف سيدّعي وهو محق إلى درجة ما بأنها خطـايا. هي معاصي في العلن دون خجل لكنها من ناحية أخرى رسمت العربي في صورة مشينة في ذهن الآسيوي. ليس لأنه مفتون بالغواني وبشرب النبيذ ، فبوذا أوصى المرأة بأن تكون طيّعة للرجل تلبّي رغباته كيف ما شاء ، لكنها الصورة المقززة التي قد يصفها البعض بالبهيمية.

-------------- سالم علي الجرو -----------

التعديل الأخير تم بواسطة سالم علي الجرو ; 08-29-2007 الساعة 06:25 PM
  رد مع اقتباس
قديم 08-29-2007, 06:00 PM   #119
wajdi75
حال نشيط

افتراضي

الموضوع جدا مثير وجميل وان دل فانما يدل على روح الكلمة والاحساس اكاتب المقال وهذع فعلا معاناة
ونسال الله لن تزول
  رد مع اقتباس
قديم 08-31-2007, 07:44 PM   #120
فهدعقيل
حال جديد
 
الصورة الرمزية فهدعقيل

افتراضي

شكراَ أخي الشرقاوي موضوع جيد يستحق القراءه..والأهتمام.
واليوم سجلست عضو جديد بينكم وأن شاء نقدم مافيه المعرفه ولأستفاده ومنكم نستفيد
مشور مره أخرى وتقبل مروري
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اسر ضحايا 13 يناير تقدم اسماء ضحاياها لمجلس الامن والمحكمة الدولية؛؛؛؛؛ الخليفي الهلالي سقيفة الحوار السياسي 11 06-02-2011 02:35 PM
سالم الجرو والتحرش بكتابة التراث الشعبي والتاريخ الحضرمي الدموني تاريخ وتراث 10 04-19-2011 10:18 PM
هل نحتاج لانقلاب ليُصلح الحال سالم محمد باعباد الســقيفه العـامه 49 03-01-2011 07:39 PM
الحضارم السلفيون ابوسعدالنشوندلي سقيفة إسلاميات 0 12-12-2010 02:24 PM


Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas