المحضار مرآة عصره (( رياض باشراحيل ))مركز تحميل سقيفة الشباميحملة الشبامي لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم
مكتبة الشباميسقيفة الشبامي في الفيس بوكقناة تلفزيون الشبامي

العودة   سقيفة الشبامي > شؤون عامه > الســقيفه العـامه
التعليمـــات روابط مفيدة Community التقويم مشاركات اليوم البحث


ياغير مسجل أنـّـةٌ من القلب الدامي ،، لمؤلفه/ الاستاذ سالم بن علي الجرو

الســقيفه العـامه


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-01-2007, 11:22 PM   #31
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي))
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي))


الدولة :  Saudi Arabia
هواياتي :  القراءة والسباحة وتصفح الانترنت
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي)) is on a distinguished road
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي)) غير متواجد حالياً
افتراضي

طـــــالــــب



الشرف الرفيع
في العنبر الجراحي
وجبة حوت
في بيت الطالب.
في بلاد المهرة




يقال أنها من بقايا قوم عاد ـ حسب المشاع ـ ولا يمكن لذي عقل راجح أن يحل بها ، فغذائها يأتي من بعيد وسكناها موحشة ، كما قال شاعرها باللهجة الحضرمية:


فهاجروا منها وهجرها البعض ، هي التي امتدح وفودها نبي الرحمة والهدى ، محمد بن عبدالله ـ صلى الله عليه وآله وسلّم ـ وأشاد برجالها وهي التي أسمعت صوتها من به صمم: [ هنا حضرموت .. هنا الأصالة والحداثة والفكر المستنير ] ، منبع الهجرات ومصدر الأعراف والتقاليد الأصيلة .
شهدت هذه الديار صرخات الحرية ومواقف النخوة والإباء منذ أن غزاها البرتغاليون ودكّ قلاعها وحصونها السيد: ( انجرامس ) ، المندوب السامي البريطاني وأبت النخوة إلا أن تستقر في هذه الديار فانتقلت روح الفداء والحماسة إلى الأجيال فكان الطلبة وجهادهم ضد الاستعمار البريطاني مدعومين من ذويهم في القرى والرّيف الحضرمي تحت إشراف مدرسين أجلاء.
وهناك في المهاجر نضال الشرفاء من الذين هاجروا من البلاد الشقية ، في الهند وجزر الملايو وشرق ووسط أفريقيا ، ففكروا وتحدثوا بصوت عال وأسسوا صحفا خطّوها بأياديهم النظيفة ، فعمموا ثقافة المحبة والسلام أينما حلّوا ونزلوا

***


( في وقت مضى كانت العالية أمّ اليتامى:[ مدينة شبام ] تنبض عروبة وتتنفس مقاومة ضد كل باغي )



فتية قدموا من سفوح الجبال وبطون الوديان والمرتفعات الجبلية والصحراء إلى الصفراء: مدينة حضرموت . سميت الصفراء لمنظرها البديع ، الرائع الساحر عند دنو الشمس من المغيب . قدموا حالمين بمستقبل زاهر عجز عن تحقيقه الآباء ، ففارقوا من يحبهم ويحبونه من الأهل في طريقهم إلى العالية وكلهم طموح وعناد في أن يغيروا في مسار حياتهم البدائية التي توارثها الآباء عن الأجداد دون تغيير . فالبدوي بصفاء ذهنه وذكائه ظل ملازما للأمية يقتات على الماشية ، والحضري في المهاجر ، وأغلب من في وادي العجل في صراع قاسي مع الثالوث البغيض.
حضرموت هي واداي العجل ، ويطلق عليها إسم: بلاد النخيل ، وهناك من من كتب: بلاد البخور والعود القافلي . أما مدينة حضرموت ، أمّ اليتامى ، الصفراء ، العالية فهي: مدينة شبام العريقة.
فتية أشداء ، خاصة أولئك الذين قدموا من البادية ، تحسبهم مجندين لما يبدون من انضباط وتحمس ونشاط وحيوية . إنهم طلاب أتوا من مدارس ابتدائية بعيدة ليلتحقوا بالمتوسطة التي تعدّ أعلى مرحلة دراسية في وادي حضرموت ، وعليهم أن يسكنوافي بيت الطالب على نفقة الدولة إلى جوار آخرين قدموا من: الغرف،السويري، ثبي،دمّون، القرية، عينات ..
أبناء البادية يسيرون في مجموعات ولا يتحدثون بانتفتاح إلا مع بعضهم ، أشداء ، منتصبين ، قليلوا الكلام ، يتصرفون بهدوء وحذر كأنما ينفذون توصيات وما ذاك إلا سلوك ممن التصق بالجبال والصحراء وقلّد الكبار في الهدوء والترقب والإتزان منذ أن وعى وأدرك ما حوله ، يميزون عند استقبالهم بين حليق اللحية ممن يلبس الكوفية والصاروم وبين من يتعمم بعمامة البدوي المتحزم بـ [ السباعية ] فيبشون فرحين بلقاء الأخير أكثر دون سابق معرفة ، إعتقادا منهم بأن البدوي للبدوي نسيب أينما حل ونزل.
إذن التهيئة ستكون مدنية ترويضية ، تطبيعية ، تربوية تعليمية لفتية صدق فيهم قول الشاعر علي أحمد باكثير:


ولو ثقّفت يوما حضرميّا = لجاءك آية في النّابغينا



تحت إشراف مدرسين محليين لهم مهابة الأب وسلطة القائد ، تخرجوا من معهد غيل باوزير ومنهم من درس في الجامعة الأميريكية في بيروت ، وآخرون من السودان الشقيق. مدرسون يحبون عملهم وطلبة يحترمون مدرسيهم فنشأت علاقة من نوع خاص: أبوة وبنوة ، مدرس وتلميذ ، صداقة ، محقق صارم مع متهم إما لعدم المواظبة على الحضور أو تكاسل في أداء الواجب أو تدخين سجائر أو غلطة كالتي يقع فيها الكبار ، ثم المحاسبة والعقاب ، وكل ذلك في نطاق الرعاية الأبوية من حيث التوجيه والشفقة وفي احترام التلاميذ الصادق لمدرسهم الأب ، المربي. من العيب أن يمر مدرس على طلبة وهم قاعدون ، ويشعر الطالب عندما يقف أنه أمام رجل مسئول عن كل شيء نفيس وجميل يتطلع إليه. طلبة يرددون بيت أمير الشعراء:

قم للمعلّم وفه التّبجيلا = كاد المعلّم أن يكون رسولا

متوسطتان فقط في وادي حضرموت عام 1962م ، الشق القعيطي ، إحداهما وهي الأقدم في مدينة القَطْن ، عاصمة لواء القطن وإليها يفد طلاب الوديان: [ وادي عمد/ وادي العين/ وادي دوعن ، والسيطان ،وهي مرتفعات الجبال كسوط باتيس وسوط بلعبيد والطلح ، وريدة الدّيني والعبر ومدينة حورة وقعوضه وغيرها من القرى التابعة للسلطنة، والثانية في مدينة شبام التاريخية المشهورة بالتجارة ، عاصمة اللواء: [ لواء شبام ] ، بها مقر النائب والشرطة والقضاء والتي تضم نخبة قليلة من مثقفين أذكياء ، درس نفر قليل منهم في عدن وفي الخارج [ بيروت ولندن ] ومنهم من درس في عاصمة دولة
أخرى لها حدودها وخارطتها وتقسيمها الإداري ، هذا في المفهوم السياسي ، أما في الواقع فإنها أرض حضرمية واحدة تندرج في إقليم اليمن السعيد. تلك الدولة كانت السلطنة الكثيرية. ودرس آخرون في عدن . ينظر إلى المتأنق القادم من عدن أو من له صلة بها بأنه رجل دولي لا صلة له بأرض الغبار الذي يحجب رؤية الديار بين الحين والآخر والجفاف الذي يتضرر منه رعاة الأغنام وجلّهم من البدو الرحل ، ثم إن ملبسهم النظيف ولهجتهم في الكلام وسلوكهم العام يدل على تميزهم وأنهم قدموا من بلد آخر. كل من في حضرموت يتمنى أن يشاهد مدينة عدن التجارية ، الزاهرة في اليوم ذاك ولو ليوم واحد ، فالذين يصفوها لم يراعوا شعور الآخرين خاصة أولئك الذين لا يبعدون عن مطارحهم أكثر من عشرين كيلومتر في أبعد مسافة في الإتجاهات الأربعة . فهي المدينة الموصوفة بالعمار والتجارة والكثافة السكانية ، وبمجرد أن تذكر بخور عدني ينظر إليك باعتبارك إما تاجر أو مغترب في عدن أو صاحب ذوق رفيع
إلي هاتين المدرستين المتوسطين يفد الطلاب ، الفرحين بنجاحهم ، خريجي المرحلة الابتدائية من مختلف ألوية السلطنة ، حالمين بمستقبل زاهر . أما الذين درسوا في [ العُلْمةْ ] على يد [ المعلّم ] ، وهم خريجي الكتاتيب المنتشرة في الوادي فنصيبهم الاكتفاء بما وصلوا إليه من تعليم اقتصر على اليسير جدا من علوم الدين والقراءة والكتابة وقليل من الحساب وما عند الله خير وأبقى وبات عليهم الانخراط في الحياة العملية فالآباء في انتظار برّهم شاءوا أم أبوا ، عمال بناء، من كل حسب طاقته ولكل حسب رزقه المقسوم ، وتستوعب الزراعة والهجرة عدد كبير منهم والذين ورثوا حرفا ومهنا بدائية عن آبائهم في نجارة وحدادة وبعض الحرف البسيطة هم الذين لا يخافون شبح الفقر ولا يظنون بنصيب ينالونه من تجارة لن تبور.
أما مدراس سيئون فكانت تخص أبناء السلطنة الأخرى ، السلطنة الكثيرية ، عاصمتها: سيئون الطويلة ، مدينة عامرة بالتجارة ، مشهورة بالحول ، وهي مناسبة يزور فيها محبي آل البيت ضريح أحد العلويين من عائلة آل حبشي . يقام في هذه المناسبة رقصة الشبواني الشهيرة في حضرموت ، يحضرها لفيف من الشعراء الشعبيين ، فتجد الناس أثناء المعارضات الشعرية واجمين وكلهم آذان صاغية إلى أقوال الشعراء المرتجلة التي تعبر عن أحداث الساعة. تقرأ في الشعر الشعبي الحضرمي الرمزي الجغرافيا والتاريخ والسياسة والفراسة أو الحدس والتنبؤ الذي يطلقون عليه [ الفال ] ، فتعجب من شعراء بعضهم لا يجيد القراءة والكتابة يقولون ما تقوله بعض الدراسات الاستراتيجية اليوم . لكنهم جميعا يتابعون الأخبار والتعليقات السياسية عبر المذياع ثم يتحاورون فيما بينهم بلغة سهلة لا تبتعد عن بعض الحقائق.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ سالم علي عبد الله الجرو ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع :
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

شكرا لمن اهداني البطاقة الجميلة .

التعديل الأخير تم بواسطة سالم علي الجرو ; 07-14-2007 الساعة 07:42 AM
  رد مع اقتباس
قديم 07-01-2007, 11:27 PM   #32
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي))
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي))


الدولة :  Saudi Arabia
هواياتي :  القراءة والسباحة وتصفح الانترنت
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي)) is on a distinguished road
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي)) غير متواجد حالياً
افتراضي

مدينة سيئون الكثيرية ذائعة الصيت في الوادي الطويل ، اشتهرت بالقصر السلطاني ، يعود لأسرة عريقة من آل كثير وإلى مؤسس السلطنة في القرن التاسع الهجري: [ بدر أبو طويرق ] ، الرجل الذي دانت له الرقاب وخضعت لسلطته حضرموت الداخل بأكملها.
من المدن العريقة والمشهورة في السلطنة الكثيرية مدينة العلم والمساجد [ تريم ] بها الرباط ، يفد إليه طالبي العلوم الإسلامية من كافة أنحاء اليمن ومن خارجها وهو تحت إدارة وإشراف نخبة من السادة العلويين الذين تخصصوا في نشر العلوم الدينية لاعتقادهم بأنهم مكلفين بنشر تعاليم الدين الإسلامي.
في مدينة شبام التاريخية كان طلبة المتوسطة الأشقياء ، الشموع التي احترقت وكان جهادهم وكانت الذكريات النضالية المزعجة ، هم اليوم مشردين في بقاع الأرض يبتغون فضلا من الله .
افتتحت المدرسة عام 1962م ، في السحيل ، في بيت يتكون من ثلاثة أدوار ،لأحد أعيان المدينة من أسرة: [ آل لعجم ] من أعيان المدينة ورد ذكرها في كتب بعض الرحالة الأوروبيين . يشرف على مزرعة نخيل يحيط بها سور من جميع الجهات ، ويدل على ثراء أصحابه ومكانتهم الاجتماعية .
بدأت الدراسة وبدأ النشاط السياسي الساخن ، وكان لنادي التعاون الثقافي السياسي دور في إذكاء الحماس وبث الروح الوطنية إضافة إلى صوت العرب من القاهرة وإذاعة الجمهورية اليمنية من صنعاء بصوت ناصر السعيد ومحسن الجبري ، يساند الجميع نخبة من المدرسين والمثقفين المناهضين للاستعمار. يشعر بالفخر كلما حمل صورة الرئيس جمال عبد الناصر في برواز خشبي كبير على رأسه عند كل مسيرة يقوم بها الطلاب ، يتقدمهم [ يسلم ] رئيس نادي التعاون وزميله جعفر. كان الجمع متوقد ، ينددون بالاستعمار ، مطالبين بإطلاق الحريات ، وفي المقدمة الطالب الشبامي المتحمس الجريء أبوبكر، القادم من مدرسة القطن المتوسطة للمشاركة ، وهو أحد قياديي الطلبة الحركيين . أبوبكر أكثرهم حماسا وانفعالا ، يبدو على وجهه احمرارا عندما يكون في قمة الانفعال ، قصير القامة ، سليط اللسان ، يجيد صياغة الشعارات أو هي محفوظة لديه ، لذلك سخر له الطلبة الأكتاف وهم فرحون لحمله بين الحين والآخر ، ملوحا بقبضة يده وهو يردد شعارات عبر مكبر الصوت ، منها ، هتاف: [ أنّة من القلب الدامي [ ، فيرد الجميع بصوت واحد: [ ضد المندوب السامي ] .يهتف الجميع بحماس منقطع النظير ، فيعود صدى أصوات الصغار مؤثرا عل النفوس . المشهد وجداني تغلب عليه الانفعالات العاطفية بدافع الحمية . يخفق قلبه رهبة وإجلال لموقف اختلطت فيه المشاعر بين تضامن مع حركات التحرير العربية وتحفز إلى المشاركة في التحرير وتأييد ونصرة لزعيم محبوب وتطلع إلى نصر قادم عندما يتحقق استقلال البلاد الشقية بطرد الانجليز من بلاد البخور ، وكان على يقين من أن الآباء ينظرون إلى صورة الزعيم الخالد الذي يحبونه ، وإلى من يحمل الصورة فوق رأسه فتدبّ النخوة والشجاعة . يشعر بالتفوق لكونه أحد المناضلين الذين وصفوا بالشرفاء في وقت لاحق من زمن التقهقر والخذلان . كان في حال مع بقية زملائه يمكن وصفه بأنه حال المتمرّد الثائر المنتصر الذارف للدموع وهو يردد الشعار إياه وبقية الشعارات الحماسية.الأصوات عالية وقوية لها صدى ، لأنها من أبرياء تحمل الصدق ، ومع هدوء المدينة إلا من أصوات المناضلين [ الصغار ] ووجود النخبة التي تقرأ في عيونها التأييد المطلق لجهاد أبنائهم، وكذا محاكاة النفس بأن النصر آت لا محالة ، ارتسمت صورة في الخيال واخترقت طبلة الآذان أصوات واعدة ، وهز الوجدان انفعالات الضيم والقهر ، فكانت الدموع . القيادة الطلابية كانت تتابع باهتمام ما يجري على الساحة الحضرمية من ردود أفعال لأحداث داخلية وخارجية في فلسطين أو في الجزائر ، وكانت على اطلاع بما يدور في مدينة المكلا ، الحيّة والنشطة دائما في مقارعة الاستعمار عبر المسيرات .إنهم بحق كانوا طلبة علم وثوار ، يهيئون أنفسهم للحاق بالولايات المتحدة الأمريكية وبأقطار العالم الأول . لم تكن أمريكا في ذاك الوقت في الوعي الطلابي في دائرة المغضوب عليهم ، لوجود بريطانيا في دائرة الضوء كدولة استعمارية يصفها البعض بالخبث وبالمكر والدهاء ، ثم لعدم وجود الأدلة الواضحة لإدانتها في حضرموت الشقية النائية كدولة استعمارية شرسة ربما لأنها تدخلت لصالح العرب في الغزو الثلاثي على بورسعيد عام 1956م مما احتسب لها حسنة في الذاكرة ، غير أن الجميع عرف فيما بعد أن أمريكا دولة امبريالية وأنها رأس الأفعى وسبب كل الكوارث التي حلّت بالشعوب المطالبة بتحرير الأرض والإقتصاد من التبعية خاصة فيما يتعلق بقضية الأمة المركزية الكبرى . كان والده من الشخصيات ذات الحضور الفاعل في القرية ، ينصتون إليه كلما تحدث عن غريب وطريف ، فهو من أوائل الذين ركبوا الطائرة ، ثم لحديثه المقبول الذي يحمل الغرائب والطرائف رغم تكراره عن نيروبي ومقديشو وهرقيسا وعن مدينة حيدر آباد وكيف قابل هناك شاعر حضرموت الكبير ، المشهور [ صلاح أحمد القعيطي ] ، وعن أسواق صوماليا وكينيا ، وعن تهريب الذهب . كان كثير الحديث عن مكائد بريطانيا في كينيا ، ويتحدث عن الاستعمار الطلياني في الصومال بنبرة عداء لأنه شاهد عيان لأحداث الحرب الكونية الثانية ، وكان لهذا أثر في نفس ابنه ، فما أن شاهد الابن الطالب مضيفهم [ الإنجليزي ] في رحلة مدرسية قادتهم إلى سيئون حتى تذكر حديث والده وتلقائيا ارتبط مع المسيرات ، وعلم أن هذا النصراني هو المتسبب في أنّة القلب الدامي . مضيفهم إذن المندوب السامي ، الإنجليزي الذي يفهمون عنه عبر مترجم ، سيئوني ، ذكي ، قصير القامة ، غزت وجهه التجاعيد ، يحترمه الأساتذة الكرام . كان لا يدري ماذا تفعل بريطانيا بهم إلا أنه لا يريد غريب في بلاده لاعتقاده إنما جاء لمنفعته ولا غير، ولما رأى المندوب السامي ، قال لأحد زملائه: [ إيش يلقّي هنا؟ ] ، أي ماذا يفعل الرجل هنا في سيئون؟ . أجابه بوشوشة: [ هذا الذي جاء يستعمرنا ] . لم يكن يشعر بالكره المطلق نحوه عندما تذكر الطبيب ، إذ لا تزال صورة العيون المنتفخة الدامعة أمامه عندما كان في الابتدائية ، وبالطبع حد من الكره صورة الطبيب الإنجليزي المطبوعة في الذاكرة ، فعادت به الذكريات إلى الوراء ، لقد زارهم عدة مرات عندما كانوا في المرحلة الابتدائية ، وكلما تذكر ذلك المرهم الذي يضعه الأستاذ في عيون المصابين بداء الرمد كل صباح في الطابور كلما شعر بأن العمل إنساني صرف ، يستوجب الوفاء والشكر والعرفان بالجميل وليس الكره . كان داء العيون المنتشر وقتذاك [ الرمد ] أو [ التراخوما ] يشوه صور أكثرهم بالنهار بانتفاخ العينين أو عين واحدة ويدمعهم ويبكيهم ليلا ، فقدم الطبيب الإنجليزي كالعادة وفحص الجميع بإخلاص فردا فردا دون كلل أو ملل ثم صرف لهم مرهم [ التتراسايكلين ] . هنا كان يشعر بالامتنان لطبيب يتوجب شكره والعرفان له بالجميل ، ولم وهو أحد الذين تشوهوا نهارا وبكوا ليلا من شدة الرمد ، لكن هتاف المسيرات يدعو إلى خلاف ذلك ، إنه يدعو إلى الكره ، ولم يكن يميز بين خطة استعمارية وواجب طبيب . كان أباه لا يتردد في الوصف: [ بريطانيا اللعينة ] ، وأحيانا يصفها بالكائدة ، والخبيثة ، والمتظاهرون يقولون بطردها دونما أسف عليها ، وداء الرمد ومرهم التتراسايكلين في الذاكرة . عرف فيما بعد عن مصائب الاستعمار في القارة السوداء من نهب للثروات وتجويع وتشرد الزنوج ، وأيقن أن أباه كان محقا ، لكن الذي وجده متناقضا مع ما يقوله أبوه هو استقباله الحار ، هاشا باشا برفقة أعضاء المجلس القروي بالقرية لرجل انجليزي يزورهم دائما ويتكلمون عن مشاكل وحاجيات المنطقة التي لا تخرج عن مضخات الزراعة والمحروقات . إذن فهؤلاء الطلاب يكرهون الاستعمار منذ الصغر ، ويحبون جمال عبد الناصر منذ الصغر أيضا, وكان للأمسيات الأسبوعية التي يشرف عليها المدرسون دور كبير في التوعية والحشد والتعبئة .
هذه الأمسيات وإن بدت أدبية ، وأخرى ترفيهية إلا أنها تتصل بالسياسة ، وبأعمال قوى التحرر الوطني التي كانت تغذيها أرض الكنانة ويلهب مشاعرها الزعيم جمال . دخلت الأغنية والنكتة مجال السياسة وكانت للأغنية الحماسية أثرها في تأجيج المشاعر. لم يصاحب ذلك الكره وعي بحقيقة أضرار الاستعمار على المدى البعيد ، كانوا فقط وبدافع الحس الوطني ، وبتأثير الإعلام الملتهب يكرهون هذا الأجنبي الجاثم فوق أراضيهم ، ويقول البعض فوق صدورنا . إنه الحس الوطني المدفوع بالعواطف فقد كانوا معجبين أيّما إعجاب بشخصية الرئيس جمال عبد الناصر ، لا بل كانوا يرونه أبا وقائدا روحيا وملهما ، يستمعون إلى خطبه التي تدعو إلى الجهاد ضد الاستعمار أينما حلّ ونزل بكافة [ أشكاله وألوانه ] ، وليس الصغار يحبون رجلا ، ثائرا، قائدا ، أيقظ الأمة ، اسمه: جمال فحسب بل الآباء وكبار السن حتى في القرى والأرياف يحبون الزعيم الخالد [ أبو خالد ] ، والفرق أن بعضهم لا يدري ماذا يريد الزعيم . سأل أحد زملاءه عن معنى كافة [ أشكاله وألوانه ] فوجده مثله لا يفقه شيئا ، فسر الماء بعد الجهد بالماء إلا إن الأساتذة الكرام شرحوها بالتفصيل فتخيل برنامج معقد طويل وشعر حينها بالغموض وأدرك أن مراحل الصراع ستكون طويلة ومعقدة ، وليست كما كان يتوقع ، فقط ، عند رحيل المندوب السامي سيرتاح القلب الدامي وتمتليء البطون ويغني الأطفال . هناك قول يتردد يقول: بأن الاستعمار إذا خرج من الباب يعود من الشباك ، لم يعوا حقيقة المعنى إلا بعد سنين ، وعرفوا أنه وإن خرج من الباب وأغلقوا الشباك فإنه يدخل عبر ثقوب عدّة ، وفرق بين متحرك ، متجدد ، ماكر ، محتال وبين ثابت يجتر الماضي ، يتعامل على أساس حسن الظن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ سالم علي عبد الله الجرو ـــــــــــــــــــــــــــــ

التعديل الأخير تم بواسطة سالم علي الجرو ; 07-18-2007 الساعة 05:11 PM
  رد مع اقتباس
قديم 07-01-2007, 11:35 PM   #33
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي))
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي))


الدولة :  Saudi Arabia
هواياتي :  القراءة والسباحة وتصفح الانترنت
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي)) is on a distinguished road
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي)) غير متواجد حالياً
افتراضي

شكرا لكم جميعا 00

اسف على التأخير لظروف خارجه عن ارادتي 0
  رد مع اقتباس
قديم 07-02-2007, 11:24 AM   #34
فاجوان عباس
حال متالّق
 
الصورة الرمزية فاجوان عباس


الدولة :  الاردن
هواياتي :  الموسيقى والشعر والقصص القصيرة والسياسة
فاجوان عباس has a reputation beyond reputeفاجوان عباس has a reputation beyond reputeفاجوان عباس has a reputation beyond reputeفاجوان عباس has a reputation beyond reputeفاجوان عباس has a reputation beyond reputeفاجوان عباس has a reputation beyond reputeفاجوان عباس has a reputation beyond reputeفاجوان عباس has a reputation beyond reputeفاجوان عباس has a reputation beyond reputeفاجوان عباس has a reputation beyond reputeفاجوان عباس has a reputation beyond repute
فاجوان عباس غير متواجد حالياً
افتراضي

اقتباس : المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي))
شكرا لكم جميعا 00

اسف على التأخير لظروف خارجه عن ارادتي 0

سالم محمد بلفقيه الشر ((الشرقاوي))

لا اعرف كيف اشكرك على تعبِ محبتك

يحتار الشكر فيسالني ...

لك مني كل التقدير والاحترام
التوقيع :
الصدّيق يهدي صاحبه.اما طريق الاشرار فتضلهم.

يوجد من يتغانى ولا شيء عنده ومن يتفاقر وعنده غنى جزيل.
  رد مع اقتباس
قديم 07-02-2007, 12:07 PM   #35
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي))
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي))


الدولة :  Saudi Arabia
هواياتي :  القراءة والسباحة وتصفح الانترنت
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي)) is on a distinguished road
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي)) غير متواجد حالياً
افتراضي

اقتباس : المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاجوان عباس
سالم محمد بلفقيه الشر ((الشرقاوي))

لا اعرف كيف اشكرك على تعبِ محبتك

يحتار الشكر فيسالني ...

لك مني كل التقدير والاحترام

تسلمين اختي فاجوان , احرجتيني فأحترت ماذا اقولك لكِ , ولكنني اقدّر كلماتك الطيّبة 0

تقبلي تحياتي واحترامي 000
  رد مع اقتباس
قديم 07-02-2007, 02:55 PM   #36
ابوكنده
حال جديد

افتراضي

لايسعني الا ان اشكرك جزيل الشكر والعرفان لك اخوي سالم على الموضوع الرائع الذي اسعدتنا به و عرفتنا اكثر واكثر بتراثناء الجميل ولك مني جزيل الشكر وتقبل مروري
  رد مع اقتباس
قديم 07-05-2007, 08:49 AM   #37
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي))
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي))


الدولة :  Saudi Arabia
هواياتي :  القراءة والسباحة وتصفح الانترنت
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي)) is on a distinguished road
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي)) غير متواجد حالياً
افتراضي

اقتباس : المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابوكنده
لايسعني الا ان اشكرك جزيل الشكر والعرفان لك اخوي سالم على الموضوع الرائع الذي اسعدتنا به و عرفتنا اكثر واكثر بتراثناء الجميل ولك مني جزيل الشكر وتقبل مروري

لا شكر على واجب اخي ابو كنده , نحن الذين نشكر لك كلامك الطيب التي لا يـأتي الا من أصيل مثلك ,,,
الاستاذ سالم شرفني بهذه المهمة وأنا المقصّر في حقه 0
  رد مع اقتباس
قديم 07-05-2007, 02:45 PM   #38
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي))
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي))


الدولة :  Saudi Arabia
هواياتي :  القراءة والسباحة وتصفح الانترنت
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي)) is on a distinguished road
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي)) غير متواجد حالياً
افتراضي

الحق يؤخذ ولا يعطى


علم من زميله وصديقه [جعفر] ، رئيس فرع الإتحاد الوطني للطلاب ، في حال من التكتم خوف دبّوس بأن المقاومة أخذت منحى آخر إلى جانب المسيرات والاحتجاجات ، فهناك ثورة مسلحة اندلعت في الرابع عشر من أكتوبر 1963م من على قمم جبال ردفان الشماء ، وهي الكفيلة بطرد الاستعمار إن عاجلا أو آجلا و[ ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ] . كما أسر إليه صديقه بأن جبهة تشكلت من حركة القوميين العرب وأنه ينتمي إليها ، وليس من الكياسة أن يعلم الكثيرون عن تفاصيل هذا الموضوع ولا حتى عن القتال الذي سيدور في شوارع عدن ، وعن الذي سنقوم به نحن الطلبة من حشد وتعبئة ، وطالب منه أن لا يثرثر بما سيتكشف له بين الحين والآخر ، فالمرحلة الآنية هي مرحلة الكفاح الثوري المسلح وتتطلب هذه المرحلة السرية التامة حتى لا نتعرض لمكروه من قبل دبابيس السلطان . كان يسميهم أحيانا بالطابور الخامس ، وعندما سأله عن الطوابير الأربعة الأولى لم يجب واكتفى بابتسامة!!!
هكذا استمع إلى صديقه في إعجاب وإكبار ، فجعفر وان تعطلت يده اليسرى مذ كان طفلا فإن فكره النير وتألقه وذكائه الخارق مثار دهشة وإعجاب حتى لدى المدرسين ، فلا يعرف تلكؤ ولا تعتعة عندما يتحدث ، فيمكن وصفه بالخطيب . يصوغ باسترسال جملا حماسية مؤثرة تعري الاستعمار وتدعو إلى التضحية في سبيل تحرير الوطن. فوجىء باتهام جعفر للسلطان بأنه عدو للشعب ، فالناس لا تذكره إلا بخير، فهو الحاضر الغائب.
مزيج من الشعور انتابه في آن واحد: فرح وخوف ، فالمسألة لم تعد مسيرات وصراخ في الساحات ، ورقص ، بل آلت إلى حال آخر ، الحديث فيه للرصاص . شعر كذلك أو هو إسراف في الشعور بأنه أصبح في مصاف الطلبة القياديين وأنه من الآن وصاعدا سيترك صورة جمال عبد الناصر لغيره لأنه اطلع على أنباء هي من شأن النخب رغم أنه لم يعرف من صديقه ما هي الواجبات المترتبة عليه مستقبلا وهل سيشاركه في الجلسات المغلقة مع غرباء يأتون من خارج شبام أم سيبقى صديق؟ . المصدر الآخر للخوف هو طلب صديقه كتمان السر نظرا للخطب الجلل الذي قد يتعرضان له وآخرين عند الحديث عن أسرار النشاط الكفاحي وأخبار حركة القوميين العرب وتوزيع كتب ساطع الحصري وأدبيات حزب البعث التي نسفت فيما بعد نظرا لانحراف المسار وتحويل البوصلة في اتجاه أممي آخر قفز على ميشيل عفلق ليعانق ماوتسي تونغ، وكان جعفر من نشطائها .
بات ليلتها بين خوف المجهول من عدو حركة القوميين العرب المنظمة وبين رجاء نصر الأمة العربية الذي يعد به جمال ، فأقحم القارة السوداء في الصورة ، متذكرا ما قاله أبوه عن قبيلتي الماماو والماساي ، نصف عراة مستضعفين هناك يعيشون فوق أرض خضراء والفقر يطحنهم لأن كل منتجاتهم من شاي وبن وكاكاو وجلود تذهب إلى الأسواق الأوروبية بثمن بخس، ولعل مرد ذلك أيضا يعود إلى سبب جوهري ، ذلك أنه من مواليد كينيا 1948 ولا زالت له بقية هناك فعدا جدّه عم أمّه الذي سافر من كينيا إلى الهند وانقطعت أخباره فإن باقي الأهل من جانب الأم بقوا واختاروها أرضا ومأوى بل وطنا ورضوا بأن يتوارون في ترابها وإلى الأبد. في الصباح طلب من صديقه جعفر أن يوضح له فيما إذا كانت أفريقيا ستتحرر من الاستعمار أو ستبقى في القيد ، فأكد له بأنها في طريق التحرر فكل الشعوب أرادت كسر القيود لتحيى حرة ، وكم عرف فيما بعد أنه سطحي كلما تذكر سؤاله الساذج . كان يحسد صديقه على المعلومات التي في حوزته ، وليس ذاك فحسب بل كان خطيبا بارعا وفي الليالي الترفيهية كان يطرب الحضور بأغنية أم كلثوم [ أنساك ].
ليس تباهيا الإشادة بالتفوق الدراسي في الوقت ذاك ، بل حقيقة ، لقد كانت عموم مدارس حضرموت وبالذات المراحل المتوسطة والثانوية في مستوى المسئولية التربوية والتعليمية ، توحي إلى صعود جيل واعد،فبالإضافة إلى قوة المنهج الدراسي والتنفيذ الصادق والأمين من قبل مدرسين أكفاء ، لهم مهابة وإجلال لم تتحقق بالعصا والترهيب بقدر ما هي نتيجة لمعرفتهم التربوية بأحوال النشء ولإخلاصهم وتفانيهم في عملهم التربوي التعليمي . كانوا آباء بحق ، مربين بكفاءة عالية ، مدرسين بمهارة وقدوة أيّما قدوة . كانت هناك أنشطة إضافية متنوعة شملت: الرياضة ـ الثقافة ـ المهن والحرف ، فقد توزّع الطلبة إلى ثلاث فرق تتنافس فيما بينها في أنشطة عدّة: في الرياضة وفي لعبة الشطرنج ، وثقافيا كانت تقام أمسيات أدبية وترفيهية ، وكان أن اختبر في مناظرة ابتلي فيها بلاء حسنا ، فقد واجه زميلا من منزل الينبوع يتحدث فيها عن العلم وهو من منزل الأحقاف يتحدث عن أهمية المال وليس العلم . المناظرة ارتجالية بعد بحث وتحضير يشرف عليها المدرس المسول . حرص كل منهما على كسب أكثرية الأصوات وفي الختام تدخل المشرفون وعبروا عن سرورهم لما سمعوا ، وأن أحد منهما لا يمكن أن يغلب الآخر ، فالمال مطلب ويعتبر شريان الحياة يحتاج إليه العلم عصب الحياة والذي بدوره يعتبر أساس التطور والتقدم . كان الهدف من أمسيات كهذه هو التعود على الجرأة في إلقاء الخطاب وكسب مفردات لغوية ومعرفة عامة . كان التنافس أيضا على أشده في المهن والحرف كالنجارة والتصوير والحدادة ، وفي الصحافة كانت كل فرقة تصدر مجلتين حائطية كل أسبوع أحدها باللغة الإنجليزية . إن هذه الأنشطة أحدثت نبوغا مبكرا وقدر من الإحساس بالمسئولية ، ولكنهم بالغوا كثيرا في معاداتهم للاستعمار ، ليس لأن فيه خير لهم بل لأنهم لم يؤهلون أنفسهم لما بعد الاستعمار ولأنهم ينظرون إلى الخلف أكثر مما ينظرون إلى الأمام ، أسوة بالطلائع ومن له فهم بشئون السياسة .


المنهج:

إنه منهج بخت الرضا ، يرتبط بجامعة إكسفورد ، منهج قوي تحت إدارة وإشراف وتوجيه وتنفيذ نخبة من الأساتذة العباقرة الذين نالوا [ احترامنا وتقديرنا فاعتبرناهم آباء ونلنا عطفهم وحنوهم ] ، فجاء توجيههم تربويا وتوبيخهم أبويا وعقابهم ـ بالعصا ـ عند الضرورة لاستقامة من لا تجدي معه الكلمة الطيبة والتوبيخ والإنذار.
يكاد يجزم المرء بأن أولى متوسط تعادل ثالثة ثانوي إن لم تكن أعلى من حيث المستوى العام ، أما إذا ما وقفنا عند بعض المواد فلا نرى في جامعي اليوم إلا ضعف ، خاصة التاريخ واللغة الإنجليزية والجغرافيا. في الأدب الإنجليزي قرأنا كتب يعجز عن قراءتها جامعي ما لم يكن متخصص في الأدب الإنجليزي أو من الذين اجتهدوا فاكتسب اللغة عبر سهر الليالي ]. نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة قصة مدينتين ) لتشارز ديكن ـ ( حول العالم في ثمانين يوما ) ـ ( الزنبقة السوداء ) ، ( إدمون دينتس ) ، وأخرى.


النشاط الطّلاّبي:


عدا عصر الخميس ويوم الجمعة فإن الوقت مشحون بالنشاط بين الدوام المدرسي صباحا والرياضة عصرا والمذاكرة مساء ، تتخلل ليالي الأسبوع أنشطة ثقافية وترفيهية.
توزعوا إلى منازل ثلاثة:[ الينبوع ـ الأحقاف ـ الوادي ] ، وكل منزل شعلة من نشاط متنوع في المجال الرياضي والثقافي والمهني بما في ذلك مهنة التصوير . بين هذه المنازل تنافس شديد في الرياضة والألعاب بما فيها لعبة الشطرنج ـ ليالي أدبيّة وترفيهيّة ـ تنافس في المجلات الحائطيّة [ عربي ـ إنجليزي ] ـ تنافس في بعض الحرف والمهن: نجارة ـ تصوير .


الثقافة العامّة:


في المدرسة مكتبة تضم كتب عربيّة في شتّى العلوم وكتب إنجليزيّة مختارة تواكب منهج اللغة الإنجليزية . كان الأساتذة يأتون في أوقات فراغهم [ ليتابعون قراءاتنا موضّحين ، مرشدين . كنا نتابع الصحف والمجلات العربية ، كمجلة العربي الكويتيه والهلال المصرية وآخر ساعة والمصور وروزواليوسيف إلى جانب الصحف الحضرمية مثل: الرّائد والطليعة ، وأيضا الصحف الصادرة في عدن . كنا في نشاط تعليمي وثقافي وسياسي ساخن على مدار العام ، كله برعاية أساتذة أكفّاء ، يحبّون عملهم ] .
كانت الحركات الطلابية المناهضة للإستعمار يومئذ في أقصى مراحل الإنفعال والتفاعل ، وكانت متمثلة في المسيرات السلمية والشعارات والاجتماعات السياسية في عموم الأرض الشقية ، وكانت لا تزيد عن التنديد بالاستعمار والمطالبة بالرحيل ، أما ما ذا سيحدث بعد ذلك فليس في البرنامج ولا حتى في الصورة . إن البرنامج اليومي للطالب الثائر هو الانتهاء من الواجب المدرسي أولا ، ثم متابعة أخبار حركات التحرر الوطني في الوطن العربي ، ثم يستمع إلى صوت أم كلثوم في المساء أو عبد الحليم حافظ ، والمعجبين بفريد الأطرش لا يروق لهم عبد الحليم ، على أن اليوم الذي سيخطب فيه جمال يكون استثنائيا بحيث يتيسر للجميع الجلوس حول المذياع في الوقت المحدد وجميعهم آذان صاغية يستمعون إلى الرجل الذي وضع يده على مواجع الأمة . وليسوا هم المتابعين لخطب الزعيم فقط ، بل كل حضرموت تصمت ، من يعلم ومن لا يعلم جميعهم آذان صاغية . وعندما ينتهي الخطاب يظهر القوم بمظهر الفرح الممزوج بالحماسة ، يبشرون بعضهم بعضا بالنجاحات التي حققها جمال ، يحسبون لانتصارات قادمة في الوطن العربي سترفع الهامات ، فقد كان الجميع يتابعون تعليقات أحمد سعيد من صوت العرب من القاهرة عن ثورة اليمن ، ومن إذاعة صنعاء كان ناصر سعيد والحرب الدائرة بين الجمهوريين والملكيين في اليمن الميمون . كانت ثورة 26 سبمتبر في سلم الأوليات باعتبارها الرافد الرئيس لنضال الجنوب اليمني ومحل اهتمام لأنها تمسهم من قرب وتعني الاستقلال من عدمه في حين نجاحها أو الفشل ، وكانوا يتابعون أحداث الجزائر والجميع يحفظ صورة أحمد بن بيللا في الخيال ثم ثورة الفاتح من سبتمبر في ليبيا وأحداث السودان واسم إبراهيم عبود ، وفي مقدمة كل الاهتمامات قضية العرب المركزية ، قضية فلسطين المغتصبة. لا أحد يثقون به فيما يقول غير جمال الذي يطل عليهم بين الحين والآخر عبر المذياع فيتناول كل هذه القضايا ، مبينا خطايا الأعداء واعدا بالنصر.

التعديل الأخير تم بواسطة سالم علي الجرو ; 07-05-2007 الساعة 03:22 PM
  رد مع اقتباس
قديم 07-05-2007, 02:51 PM   #39
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي))
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي))


الدولة :  Saudi Arabia
هواياتي :  القراءة والسباحة وتصفح الانترنت
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي)) is on a distinguished road
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي)) غير متواجد حالياً
افتراضي

كانت ترد أخبار الطلبة من المكلا المجاهدة ، وكذا مدينة الشحر الباسلة فعلموا بأن المندوب السامي أمر بقمع المظاهرة في المكلا وأن الاضطرابات بلغت حدّا يثير القلق ، فقاموا على الفور بالتنسيق مع نادي التعاون ـ كما جرت العادة ـ لتنظيم مسيرة تشجب وتندد بأعمال المندوب السامي في حضرموت الصامدة . توجهت المسيرة صباحا وصورة الزعيم تعلوا الرؤوس في برواز خشبي ثقيل فوق رأسه ، وأصوات المتظاهرين تكاد تشق عنان السماء: [ أنّة من القلب........ ] حتى وصلوا كالمعتاد إلى مقر الحكم ، وبحضور نائب اللواء ألقيت الخطابات النارية من قبل الطلبة ونادي التعاون ومن له رغبة في التنديد من أفراد النخب ، وفي الختام وقف النائب وألقى بتحفظ كلمته الباردة ، فعادوا بذكرى نضالية جديدة .
لا علم للقوم في ساحة الصفراء بالشأن السياسي عدا القليل ممن يملك راديو [ فليبس أو سيرا ] يعمل على البطارية ، يستمعون إلى تعليقات أحمد سعيد بصوته الأجهوري من صوت العرب من القاهرة ، الذي أكّد أن المقاتلات المصرية قصفت قوات العدو [ إسرائيل ] في حرب 1967، ثم تكشف أن القوات المصرية هي المضروبة إلى النخاع ، وإنما تقليد وترديد تغلب عليه الحماسة ذات النزعة العاطفية . وضح ذلك من خلال نصوص الخطابات المعلبة ذات النصوص والسياق الأدبي الخالية من أي تناول علمي سياسي للقضية وأبعادها.
السياسة هي السياسة لا تقوم في كثير من الأحوال على القيم النبيلة والفضائل ، فلا يخدعنك قول يدغدغ العواطف ويدعك سابحا في أحلام اليقظة فلا تفكر ولا تحلم ولا تتمنى إلا بالعاطفة ، والعقل في إجازة إن لم يكن معطل أو يغط في سبات عميق. ولمعرفة أساليب اللص والمحتال والإنتهازي يستوجب التجرد والعمل على قاعدة: أن لا عواطف في التحكيم ، فربما أحد أعضاء الأسرة الذي يبدوا محترما يلجأ إلى آيات القرآن ذات الصلة: ( واعتصموا بحبل الله ولا تفرقوا ) ( وقل اعملوا فسيرى اله عملكم ) بقصد دغدغة العواطف ، وهو ضليع في التشرذم والسرقة ، أي صديق حميم لعدو يسحق من تولى رعايتهم من عباد الله الغافلين.
رأى أطفالا عند مداخل فنادق بومباي يمدون أيديهم للنزلاء العرب المسلمين وأولو الحظ منهم من يقرأ سور المعوّذات وإن كان هندوسيا إذا سرعان ما يتعاطف السامع فيبسط يده ضاحكا ويمسكها أمام عجوز تبدو هيكل عظمي خلفها أسرة جائعة اعتقد أنها بوذية.
هي العواطف التي تهلك صاحبها أحيانا ، وأقوى تيّار ذلك الحال الذي يقدنه نسوة كاسيات عاريات اخترن للقيام بأدوار صعبة فأوقعن رجالا أشاوس في الفخ أو في الشباك.
كل جملة تدل في خطاب المنبر تدل على جدّية وكل تحرك في الميدان يدل على عزم وتصميم وإرادة فولاذية ولكن النتائج لا تدل إلا على شيء واحد وهو الانهزام أو الخسران المبين بدءا من فلسطين.
الخطب نارية ومثيرة غير أنها لا تتعدى الإنشاء وقوة البلاغة ، وفيها من أبيات الشعر ما يثير الحماس ويحفز المرء على الجهاد كقول أبي القاسم الشابي: ( إذا الشعب يوما أراد الحياة.....الخ . أو قول: [ أطلب الموت توهب لك الحياة ]. هذا الخطاب وهذه الثقافة وإن كانت ضرورية للتعبئة والحشد إلا أن دور العقل يجب أن لا يعطل أو لا يلتفت إليه.
بعد كثرة المسيرات وتكرار الجمل والعبارات شعر بأن الأمور تكرر نفسها دونما تجديد في الخطاب أو الإنسان ، فنائب اللواء هو نفس نائب اللواء ، وجه لحمي وكرش كبيرة وهما من علامات التخمة ، يختلف عن جمال الذي لا يلتفت إلى القصور ولا إلى الدور والمنتجعات ، فهو ومن في الوادي الطويل علموا أن جمال يهتم بأولئك الذين يسكنون الأكواخ والأحراش . لم يجد في الخطاب ما يشير إلى المواجع وإلى معاناة الإنسان على وجه البسيطة من أخيه الإنسان ، وكيف السبل إلى فهمها ثم معالجتها أو على الأقل الاستعداد للمعالجة.
هي البداية دون شك ، والمرحلة الأولى هي العمل على رحيل الاستعمار في حدود القدرة والاستطاعة ، و[ من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع فبقلبه فذلك أضعف الإيمان ] ، غير أن البدايات يجب أن تنطلق من قواعد ومرتكزات يكون الجانب العلمي والإنساني والأخلاقي فيها مهم جدا ، فالقضية تتعلق بكينونة ومصير. إن الإنسان سليط اللسان الذي يسير بفتوته في اتجاه واحد فقط ، فتوة العضلات والخطب النارية ودغدغة عواطف الجمهور دون الاستعداد الكامل لما بعد طرد المحتل من الديار من إعداد لبرامج تنموية يكون فيه الكادر البشري نقطة الارتكاز أو على الأقل التلميح إلى أصحاب البطون الكبيرة أو القطط السمان إلى أن العهد القادم لا يحتاج إلى كروش تقتات على إثارة المشاكل بين الناس بل يحتاج إلى أدمغة وإلى ثقافة جديدة ترتبط بالأرض والسيادة ، وهذا ما وضح في مراحل تاريخ الجهاد العربي المضني إلى حال التاريخ.
الجهاد كلمة مفتوحة تدور في مسارات عدة وتسمح بحمل السيف أو البندقية بيد وغصن الزيتون وحمامة السلام باليد الأخرى ، فالقتال جهاد ، ومقاومة غرائز النفس المضرة بالآخرين جهاد ، والتخطيط نحو بناء الإنسان جهاد ، وكذلك الإعداد المدروس في وضع برامج تنموية صادقة تستوعب طلبات الإنسان وحاجاته الملحة: المادية والروحية والعلمية ، كل ذلك جهاد ، والحفاظ على المال العام واجب وجهاد عندما تواجه النفس الأمارة بالسوء بالردع والرفض القاطع للانغماس في اللهو والشهوات . أما أن ينحصر الجهاد في القتال المحض وتستهلك الأمة أوقاتها في مشاهدة العروض العسكرية وقراءة صفقات الأسلحة واللقاءات الأمنية ومكافحة ما يسمى بالإرهاب وتطويق النشاط التخريبي ، جميعها فتوة تقابلها فتوة مضادة في اتجاه تصعيدي واحد وتظل الأمة نائمة ، باردة ، شاردة بين اجترار الماضي والتفكير الدائم بدافع الحماس نحو تحقيق النصر الذي اقتصر على قهر الأعداء ، ليس في التنمية وبناء الإنسان وزوال الفقر والمرض ، بل في المقارعة وإظهار الفتوة العسكرية وكفى ، التي لم تغير شيئا بل ولدت هزائم . والمراوحة بين نصر عسكري موعودين به وهزائم تتكرر: قتل وأشلاء وتشريد وخراب وأضرار اقتصادية وتفشي الفساد ، فذلك قصور في الفهم مما أدى إلى قصور في الأداء ، فتكونت شرائح الفساد والطبقة الطفيلية من بين أمراء وتجار الحروب، فانحدر المقام ، والعجيب أننا نطلب مجدا ، ومن السخرية أن يطلب البعض العزة والكرامة وفينا من ينحرها من الداخل. عندما رأوا المستعمرين أننا رجال لا توسط بيننا عملوا طوال سنين لا ليعودوا من الشباك بل على ضرب بعضنا البعض أولا ، وإن من ينظر إلى تجارتهم ومساعداتهم لطرف لم تتعد التدريب والتأهيل العسكري وعقد صفقات الأسلحة في حين أن مساعدتهم لمن يرغبون ويحبون تكون صادقة تتعدى ذلك الدعم الناري إلى دعم تنموي شامل . من واقع التجربة كان يرى في العشائر الحضرمية أو حتى على مستوى الأفراد القوة والضعف ، وكانت الخلافات تنشب بين الحين والآخر بين اللحمة الواحدة حول قطعة أرض أو شجرة سدر وتكون الغلبة للقوي حقا أم باطلا لا يعجزه قاض ولا قضاء . ختل وتحايل ومكر ولا نيات حسنة لدى البعض ، وإنما شريعة الغاب التي تكون فيها الغلبة للقوي . وبما أن القوة هي الحكم الفصل ، فكيف تتجرد دول من القوة لثقتها في صداقة خصم مبين تعتقد أنه سيحميها ، وهو الذي لا يحفظ عهد ولا ذمّة؟ . ذلك ما كانت عليه قوة السلطنتين بحضرموت: قوات قليلة بعتاد بدائي قليل ، واقتصاد هش ركيك لا يقوم على دراسة ولا على خطط بعيدة المدى وحسابات الكادر البشري في التأهيل غير واردة . عشوائية في التخطيط والتنفيذ وكأنما حضرموت لا تزال تحاكي ماض عتيد . ومع صرخات التحرير لم يؤخذ في الحسبان القوة اللازمة لإدارة أوطان محررة على كافة الأصعدة ، فكانت الانتكاسات عندما تكررت نفس الأخطاء.
أدرك الكثير مما خفي عليه في السنين الأخيرة ، بعد أن استعرض ثورات التحرير في القرن العشرين التي كان يتابعها الطلبة كواجب وطني مقدس ، وبالذات ثورة المليون شهيد ، ثورة الجزائر. لقد تحقق النصر في عموم الوطن العربي بطرد المستعمرين الأجانب من الديار وبلغ عدد القتلى أكثر من أربعة مليون ، وصار كل قطر عربي كان تحت الاحتلال يحتفل بذكرى جلاء القوات الأجنبية ، لكن شيئا لم يتغير خلال عقود أربعة يتناسب مع حجم التضحيات ، وكل التطور الذي وصلت إليه الديار المحبوبة المناضلة طيلة العقود الماضية هو تمدد في العمران مع تطور بسيط في صناعات خفيفة لا يمكن أن تقارن مع كوريا أو النمور الآسيوية وهذا التطور البسيط أمر تلقائي في كل زمان ومكان ، كان سيحصل على أي حال إن لم يحدث أفضل مما هو عليه ، ورب قائل أنها المؤامرات الخارجية هي التي حالت دون التقدم ، فأين هو السياج الذي يحبط المؤامرات؟. نعم عرف التاريخ مؤامرات وليس كل التاريخ مؤامرات كما هو الحال في ديارنا الجميلة . لا يخدعنك قول يدغدغ العواطف ويدعك سابحا في أحلام اليقظة فلا تفكر ولا تحلم ولا تتمنى إلا بالعاطفة ، والعقل في إجازة.
كان أحد الذين يحلمون برحلات سياحية إلى بلاد النصارى فهم أهل كتاب ، وعيسى ابن مريم نبي الله ومن لا يؤمن به من المسلمين فلا إيمان له . جاء ذلك التمني بعد أن شاهدهم عيانا سائحين في مدينة شبام ، وكانت فرصة لتقوية اللغة الإنجليزية عندما نسقت إدارة المتوسطة مع المكتب السياحي بأن يصطحب هؤلاء النصارى أثناء زيارتهم لشبام الطلبة كمترجمين . فرح عندما دفع إليه أحدهم خمسة شلنات وحفظها في نفسه متمنيا أن تكون يده العليا مستقبلا ولن تكون السفلى على الدوام ، وحلم بأن يردها إليهم في ديارهم عندما يكون سائحا في يوم ما قادم ، فالمال ليس حكرا على أحد ولا الأرض أيضا ملك أحد . هكذا فكر وهكذا تمنى إلا أن الرياح جاءت عكس ما تشتهي السفن. وبالرغم من كل المعوقات استطاع بعد سنين الوصول إلى ديارهم ، فزار روما ودفع في شموخ ما عليه من مستحقات للمطاعم والفندق الذي نزل به وركب معهم في طائرة واحدة متجهة صوب بلاد الزعيم ، قلعة العروبة ، أرض الكنانة في طريقه إلى مدينة الرياض [ ترانزيت ]، فمنع من الدخول ودخلوا هم بسلام آمنين.هنا في مطار القاهر تحطمت كلّ الآمال ، فلم يعد العرب كيانا ولا مصيرا وحكاية الدّم واللغة والمصير المشترك هي خدعة ، وقال في نفسه: ( لو يدري هذا الرقيب الذي يحقق معي عن محبّتي لمصر ولزعيمها الراحل لقال شيئا آخر ) . حتى الزعيم نال قسطه من الخذلان إذ لم يعرف عنه أبناء مصر إلا الإسم فقط ، وهذا ديدن الزعامات في بلاد الزعامة ، فالأخير يلغي ما قبله ، ثم أنه إنتصار للإمبريالية أن تمسح من ذاكرة التاريخ رجال صدقوا.
وإذا ما استعرضنا الانقلابات العسكرية والاقتتال الداخلي والاختلاسات وأعمال النهب المنظم ، وما أصاب الإنسان والاقتصاد من ضعف ، وما لحق بمنظومة القيم والركائز التي يقوم عليها أي مجتمع معافى سليم من أضرار ، فإن النتيجة حسرة وندامة ، فلا يخدعنك خطاب أو مقال في جريدة أو مجلة أو صور خادعة تبثها قناة.
علم أنه كان واهما هو ومن معه من الحالمين عندما أيقن بأنه سيفكر بصوت عال في بلاد إبتلعت مردودات أبناءها خلال عقود دون أن يظهر شيئا على السطح ، تبدو كمتحف ، بعد دحر الإنجليز من الديار وبأنه سيشتري سجادة الصلاة من صنع بلاده وسيتزين بعمامة عربية حيكت في بلده وستتكدس أسواق بلاده بأزرار القمصان وبالدبابيس وإبر الخياطة قبل الصناعات الثقيلة والمعقدة الأخرى ، فحمل صورة الزعيم وزعق كما من زعق ، وذهب إلى قريته مستجديا أهله وعشيرته ومن يحب فعل الخير ويرغب في الذود عن حياض الوطن لجمع التبرعات التي ستصرف لمحامين في مصر العروبة سيتولون قضية الطلبة الشهداء في حضرموت الذين راحوا ضحية قنبلة خلال مرحلة الجهاد تلك ، وكان يخطب فيهم في المساجد أن[ هبّوا إلى نجدة أبناءكم الطلبة فهم العمود الفقري لهذا المجتمع ] ، فإذا به بعد دحر الإنجليز بمدة تكفي لأن يوفي المتعهدون بعهودهم ، يتسلق الجبال هاربا ويهيم في الرمال نافذا بجلده .
كأي فتى كان يحلم بالزواج وبولد ينشئه النشأة التي تجعلهم سعداء ، لكنه الجبروت الذي يحول بين المرء وطموحاته ، لقد ذهب المسئولون الذين فكروا في النشء فأسسوا لهم المدارس ودور الرعاية المجانية وجاء بعدهم من ينظر إلى جيوب أولياء النشء وأسسوا المدارس ولكن عند كل بوابة مدرسة غرفة الصندوق التي لا تعترف بالتعليم كما عهده الأولون ولا بالتلميذ وولي أمره ، فالجميع وكل شيء سلعة ، الدفع أولا وقبل كل شيء. الأولون كانوا يعرفون ما هو المرض وما الذي يستوجب على الراعي فعله تجاه المريض ، فأسسوا دور العلاج ومن المهام الأولى استقبال المريض بكامل الرعاية ثم مباشرة علاجه ، وجا بعد الأولين من أسس دور الرعاية ومن المهام الأولى أن لا يلتفت إلى المريض إلا بعد الدفع ، فكل شيء صار سلعة بمقابل حتى آلام المرضى.
بين المستعمر الخارجي والمستعمر الداخلي ضاعت الحقوق وتغير الإنسان وتبدلت المبادئ ، ولئن حمل صورة الزعيم على رأسه ، في السابق ، منددا بالاستعمار الخارجي للوطن العربي وصرخ بملء فيه مع زملائه الأبرياء: [ أنّة من القلب الدّامي ] فذاك رد فعل طبيعي تقبله الاستعمار نفسه، فبأي وسيلة سيندد بالاستعمار الداخلي ، وهل سيتقبلون؟، وما هو الشعار المعبر عن أنّات الملايين من بني جلدته ، المتهمين دوما حتى إشعار آخر........
من شبام عرف جغرافيا الوطن العربي بكثير من الوضوح ، وطن يشرف على البحار والممرات ، يرقد فوق ثروات وأرضه صالحة للزراعة والصناعة ، وسكانه آية في النبوغ ، وخلال أربعين سنة ومن مواقع أخرى عرفه سياسيا ولكن بكثير من الغموض
وكلّما قلنا عساها تنجلي قالت الأيام: هذي مبتداها

حتى الإنسان لم يعد ذلك الإنسان الوديع فهو إلى التنكر والتوحش أقرب . كانوا طلبة صغارا يقارعون الاستعمار من ديارهم ، فلما كبروا وكبرت مشاكل الحياة وكثرت خطايا الكبار وكبرت شاهدوا ثوارا جدد ولكن من عواصم الدول الاستعمارية يطلون على الشاشات مهيجين الشعوب الصابرة على المحن والويلات للحظات ثم يختفون في أزقة مدينة الضباب وملاهي باريس وحوانيت واشنطن ، وإذا ما قدر لمجموعة منهم الانتصار نكلوا بشعوبهم وذبحوهم كما تذبح الخراف . لقد تكدر صفو حياته وبالتأكيد يشترك معه في الشعور المؤلم زملاؤه بسبب ظروف طرأت على المستوى النفسي والذهني ، قللت من الصفاء والنقاء وروح الصدق والبراءة ، ويقع اللوم على الطلائع التي تصدرت المهام على كافة المستويات . يقال: إن الذين لا يتعلمون من التاريخ يكتب عليهم أن يكرروه ، وإن من يقرأ عن تاريخ سقوط الأندلس يعلم الكثير عن الذين لا يتعلمون من التاريخ. كانوا يشغلون أنفسهم بالصغائر والبصرة تحترق ، في الوقت الذي كانوا فيه جميعا متفقين على المبادئ والثوابت ، واليوم غير متفقين على المبدأ الواحد وهم اليوم فرقا وأحزابا ، هذا إذا ما علمت أن البعض يقف في تيار الضد قلبا وقالبا إن أتيته من بوابة الإسلام أو أتيته من بوابة العروبة ، فلا نسب اليوم ولا خلة……
الحالة مشخصة ومن يغرق نفسه في الوصف كمن يعرض الصور مرارا وتكرارا ، وهذا لن يغير شيئا . ووجه من التشخيص يبين الضياع بين عميل يعرف تفاصيل عمله وعميل لا يعرف ويعمل ضد نفسه ، وإن من يتهم المعنيين بالعمالة والخيانة سيجد من يخرسه أو من يصمت ويدعه يقول ما يريد ، وهذا لن يفيد ، ولقد بلغ السيل الزّبى وبلغت القلوب الحناجر ، ورحم الله القائل:

[ أن أعرف لماذا أموت خير لي من لا أعرف لماذا أعيش ].


المتحدث الأخير هي النتائج ، وهاهي تنبئ عن غياب الضمير............... الضمائر الحيّة طعنت في مقتل.
40% من ثروات الأرض يملكها 1% من سكانها ، وهذا النفر القليل هو الذي يملك السلاح الفتاك ليقمع به كل إنسان يقف ضدّه أو يحتمل أن يقف ابنه ضده فيما يسمى بالحروب الاستباقية.
كانت المجلات المصرية تصل إلى الديار الحضرمية [ الهلال ، روزاليوسف،المصور، آخر ساعة ] ، وليس غريبا أن يفهم الطلبة دور الإتحاد الإشتراكي وعلى رأسه الزعيم في إنصاف الفقراء وتحسين وضع الفلاحين في مصر ، وهنا أثيرت نقاشات حادة في فهم معنى الآية الكريمة: [ إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ] ، فكان صديقه جعفر يصرخ بأعلى صوته: أن لا حق للوالي في إطلاق يد الإقطاع تمتلك ما تشاء من الأراضي دون رقيب أو حسيب فتعبث في الأرض وتخل بموازين المعيشة ، ومن الطلبة من يستشهد بمقالات وبحوث صحفية فيأتي بطرح معمق ، منه: كيف اهتم علماء المسلمين بآداب الدخول إلى الحمام والخروج منه وبكفارة المجلس وبالترحم على العاطس ونسوا أن يقولوا شيئا في مسألة الإقطاع والإقطاعيين ، فلا نحسد الذي يأكل بملعقة من ذهب ولكن ألا من سؤال: من أين لك هذا؟. كان جعفر ونفر قليل من الثوار الصغار ينطلقون من منهج علمي تحليلي في حين أن الضد وهو واحد منهم في البداية كانوا يقولون بأنها مشيئة الله ، فدع هذا يمتلك ما يشاء فهو رزقه المقسوم المكتوب على الجبين ، ودع الآخرين يطحنهم الفقر لأنه قدرهم ، ولله في خلقه شئون . أحاديث طلبة لم يكونوا ملمين بأمور الدين بما فيه الكفاية لمناقشة مواضيع كهذه وأعمق منها كتفضيل الناس بعضهم على بعض في الرزق ، فاعتبر البعض منطلقين من بعض التفاسير أن التفضيل يكون في القوة البدنية والذهنية والذكاء والدهاء والعقل …. الخ ، وفي ذات الوقت غير ملمين بأهداف الإشتراكية التفصيلية إلا أنها لا تدع الصغير يذهب في حال سبيله ، بل تأسره وتجعله حليفا للمستضعفين في الأرض وهم الغالبية العظمى. المرأة مستضعفة والأجير مستضعف وما بينهما أجيال مستضعفة .
يرد ذكر السد العالي بمصر العروبة في المناقشات ومضت سنون قبل أن يعرف السد العالي ما هو ، وماذا يعني للإقتصاد : ولماذا تأمم؟.
لم تزل حادثة سطو عالقة في الذهن ، فلقد هاجمت عناصر من قوات الثورة مصرفا في مدينة المكلا ، ونهبوا مبلغا من المال قدر حينها بسبعة آلاف دولار ليعينهم على مهامهم الثورية القتالية وهي كما يدعون أنها لصالح الوطن والمواطنين ، فكان حديث الساعة ، واتفق الجميع على أنه ظلم وجور وباطل. سارت الأيام وكشفت عن سطو ونهب للمال العام في معظم الديار الجميلة في المشرق الجميل ، قدرت بمليارات الدولارات ولا من اتفاق حول أنه عمل من أعمال الجور والظلم والباطل.
***
من الجمل المحفوظة لديه التي يرددها الزعيم في خطاباته:
• طرد الاستعمار من الوطن العربي بكافة أشكاله وألوانه....
• ... تحقيق كرامة وعزّة الأمّة العربية.
• وطن واحد من المحيط إلى الخليج.
العقدة لديه في عدم معرفة أشكال وألوان الاستعمار ، أمّا العزّة والكرامة فقد كان يتصور أنها الرجولة والنخوة وعدم الإسفاف ، لكن معناها في الأمّة هي استقلالية القرار وعرف فيما بعد أنها السيادة ..........................................
وهو برفقة زملائه الطلبة جند ومقاتل عنيد للذود عن الشرف إذا ما اقتضت الضرورة ، فالشرف في تصوره هو حفظ العرض والمال ، ومن قتل دون عرضه أو ماله فهو شهيد ، ولا حياة لعربي تنتهك أمواله وأعراضه ، وهذا مبدأ لا يختلف حوله عربيان.

التعديل الأخير تم بواسطة سالم علي الجرو ; 07-06-2007 الساعة 03:02 PM
  رد مع اقتباس
قديم 07-07-2007, 03:08 PM   #40
abo tmeem
حال جديد

افتراضي

تسلم يالشرقاوي على هذا المجهود وشكرا لك استاذي الكريم
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اسر ضحايا 13 يناير تقدم اسماء ضحاياها لمجلس الامن والمحكمة الدولية؛؛؛؛؛ الخليفي الهلالي سقيفة الحوار السياسي 11 06-02-2011 02:35 PM
سالم الجرو والتحرش بكتابة التراث الشعبي والتاريخ الحضرمي الدموني تاريخ وتراث 10 04-19-2011 10:18 PM
هل نحتاج لانقلاب ليُصلح الحال سالم محمد باعباد الســقيفه العـامه 49 03-01-2011 07:39 PM
الحضارم السلفيون ابوسعدالنشوندلي سقيفة إسلاميات 0 12-12-2010 02:24 PM


Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas