المحضار مرآة عصره (( رياض باشراحيل ))مركز تحميل سقيفة الشباميحملة الشبامي لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم
مكتبة الشباميسقيفة الشبامي في الفيس بوكقناة تلفزيون الشبامي

العودة   سقيفة الشبامي > شؤون عامه > الســقيفه العـامه
التعليمـــات روابط مفيدة Community التقويم مشاركات اليوم البحث


ياغير مسجل أنـّـةٌ من القلب الدامي ،، لمؤلفه/ الاستاذ سالم بن علي الجرو

الســقيفه العـامه


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-18-2007, 01:34 PM   #71
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

- 21 -


جيش البادية

أنشأته بريطانيا على غرار الجيش العربي بشرق الأردن ، مقر القيادة في مدينة المكلا إبان الحكم السلاطيني . يعتبر هذا الجيش وبحق قوة ونظام وتعليم ، أفراده من البادية الجميع وهؤلاء مقاتلين شجعان ، وهذا المطلوب فلا داعي إلا للضبط والرّبط العسكريين ، عداهما خطّ أحمر ، وقد أشار بذلك كلوب باشا في كتابه: ( جندي مع العرب ) ، أشار إلى أن أحد العسكريين في الجيش الأردني ، يدعى: على نوار ضبط وهو يتحدث في السياسة في إحدى صالات فنادق عمّان ، فما كان من السيد كلوب إلا أن عمل على بتره من الجيش وتعيينه ملحق عسكري في السفارة الأردنية في باريس.
إن تجمّعهم تحت قيادة واحدة قلل من مشاكل الثأر ، فالكل هنا عسكريين منضبطين يخضعون لنظام واحد وأن مهمتهم عسكرية تتعلق بالبلاد والعباد في القطر الحضرمي . كانوا يخضعون للإشراف الإنجليزي المباشر ، ومن هنا جاء التأثير الإنجليزي في دقة الاختيارات وجدية العمل والإنضباط واحترام النظام وحتى في اللغة ، ويذكر هنا أحد مدربيهم في ثانوية المكلا ، وهو من هذا الجيش ، كان يأمرهم بقوله: [ هانز داون ـ Hands Dawn ] ، أي أنزل يديك . وفي التعليم تأسست مدرسة أبناء البادية وكانوا مميزين بمنهج دراسي له ارتباط بالشئون العسكرية وكذلك في التدريب ورياضة الجمباز لهم تميز ، وكانت الروايات تنقل عن عروضهم الرياضية السنوية في الساحة الحضرمية بشيء من الإعجاب والانبهار ويعتبر من شاهد عروض أبناء البادية الرياضية في المكلا كمن حضر مهرجان الألعاب الأولمبية في مدينة أوروبية أو شاهد ألعاب السيرك. بعد الاستقلال تغير الاسم إلى اللواء الثلاثين ، ولغايات وأهداف رابط في الوديعة وثمود فكانت فيهما نهايته .
لم يعد لجيش البادية [ اللواء الثلاثين ] ذلك التألق وتلك القوة الضاربة ، فبعد أن تفرق رجاله في ما سمي بالغربلة جاءت الضربة الأخيرة وسلبت من حضرموت قوتها وخيرة رجالها ، وكان لذلك أثر سلبي كبير على الهيبة وعلى توازن القوى بين المحافظات ، فضعف مركز حضرموت إلا من أقلام ونبوغ فكر ، ومثل هذا الحضور في معظم بلدان المشرق العربي لا وزن له ولا تأثير فآية السيف تغلب آية القلم ، ومن لا عشيرة قوية له فلا ظهر يستند إليه وإن أرغى وأزبد .
أما في شمال اليمن ، فإن لم تخرج من تحت عباءة العشيرة ، فلا صوت لك هادر ولا حضور فاعل مؤثر ، وعليك أن تغض الطرف فإنك من نمير ، وهذا ما لم يحدث في العهد الإنجلو ـ سلاطيني .
***
ما حدث لجيش البادية يندرج في الأعمال المقصودة لغايات مقصودة ، وهي تحطيم القدرة الحضرمية كي لا تقوم لهم قائمة ، ذلك أنهم في التاريخ البعيد أسسوا ممالك ، وفي التاريخ الحديث برزوا كرجال إصلاح موثوق بهم ، وفي إندونيسيا إبّان الاستعمار الهولندى لها أسسوا حركة أبناء العرب المقاومة للاستعمار ، تمثلت في حركتها السياسية: [ حزب عرب اندونيسيا ] ببرامجها السياسية والاقتصادية .
ذهب الحضارمة في وفود إلى هولندا يطالبون باستقلالها ، وفي بلاد المهجر أسسوا أحزابا سياسية دخلت معترك الحياة السياسية ، كما أنهم اهتموا بدور العلم وكانت لهم مدارس وجمعيات ساهمت في تأهيل كوادر على قدر من الكفاءة العالية في مجمل التخصصات ، [ وفي مجال الدعوة الإسلامية كان العرب الحضارمة هم الرّواد في شئون التربية والتعليم وتسيير دفة المدارس الإسلامية ، وهذا ما أفزع الإستعمار ] . وإنك لو ربط النكبات ببعضها في مراحلها التاريخية المختلفة لتجد خيوط البرنامج الدقيق في تفتيت القدرة الحضرمية مبيّتة منذ عهد بعيد ، وليس قول عابر ما كتبه المستشرق الألماني في كتابه: [ اليمن من الباب الخلفي ] ، فلقد ذكر وهو رجل استخبارات وإن لم يكن فرجل تجارة عالمية يخطط إلى بعيد ، ما جاء بالنص: [ ...فالجنوب العربي يؤلف المرسى الذي يقوم عليه الجسر الحضاري والروحي الذي يمتد من بلاد العرب إلى الهند المسلمة وإلى جزر الملايو . وهناك جسر بارز آخر يصل بين الجنوب العربي وبين الساحل الأفريقي ، عابرا منه إلى قلب القارة . ويدرك الإسلام قوة الروابط التي تسمو فوق الحدود والسياسة ، والتي تؤلفها فلسفة مشتركة.....] . وفي مكان آخر ، كتب: [ ...فقد هجر القسم الأكبر من أهل حضرموت ، وأكثرهم كدّا ونشاطا البلاد إلى جزر الملايو والهند الشرقية منذ عهد طويل ، واستوطنوها حيث أقاموا جاليات مستوطنة ضخمة!!!بين سكان جزيرتي جاوة وسومطرة ونداء الهجرة إلى الأصقاع النائية قوي عند العرب.....فقد وصلوا قبل الأوروبيين بعهد طويل إلى أفريقيا وإلى الشرق الأقصى ، وأقاموا إمبراطوريات...ومن المهم أهمية خاصة أن النفوذ العربي في أفريقيا الوسطى ، ما زال آخذ في الإزدياد حتى يومنا هذا!!! ] . أ . هـ .
إن من يقرأ التاريخ السياسي لحضارم المهجر ، وكذا النشاط الثقافي يجدهم من القوة والنضج ما يجعل أطراف التوسع والنفوذ في العالم تأخذ في الحسبان وجود خصم لا بد من اجتثاثه ، فكانت النكبات في الهند وأفريقيا وجزر الملايو ، وما الفتنة بين الحضارمة أنفسهم في إندونيسيا إلا بتدبير من لدن خبير في تمزيق الصفوف . لذلك تقرر أن لا تكون لحضرموت أظافر فجردوها من القوة ، ومن حينها أصيبت الهيبة في الصميم.
البدوي سلطان نفسه ، يرى الدولة أصغر من شيخه عندما تستفزه أو تنتقص من كيانه واستقلاليته لكنه يعترف لها بالسيادة وبالحقوق شريطة أن توفيه حقوقه أولا. ينقاد بشعرة في حال ويقد السلاسل في حال آخر ، ومن الصعب تجريده مما ألف عليه من تطبيقات تخضع للعرف والعادة والتقاليد التي توارثها أب عن جد ، هي بحق في بعضها نبيلة تتضاءل أمامها تطبيقات دولية متنكرة لأنظمة مكتوبة.
التوقيع :

التعديل الأخير تم بواسطة سالم علي الجرو ; 07-18-2007 الساعة 05:06 PM
  رد مع اقتباس
قديم 07-18-2007, 01:52 PM   #72
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

- 22 -


المغادرة

تلقى السيد المدير قبلات الوداع من محبيه ، وقبل التوجه إلى السيارة نظر إلى الشابة الحسناء التي خنقتها عبرة حاولت حبسها ، وقرأ في عينيها السؤال: هل من عودة؟ .
في بطن الوادي تغيرت هيئة وحال وفكر أناس معينين ، وهم: العمال والفلاحين ، ولا يعلم أحد عن قهر وذل ما سواهم . للحضرمي خصوصية أتت من صفات قد لا تجدها في مكان آخر ، منها: التّواضع والأمانة . التّواضع وجعلهم قريبين من بعض برغم الفوارق الطّبقية ، ومن الصعب على الغريب أن يميّز في شكل وصورة الفرد والمسكن بين مالك الأرض ومن لا يملك ، ثم الأمانة في أداء الحقوق إلى أصحابها.
لم تكن الصورة كتلك التي ألفها في السابق قبل شهور ثمانية ، فالمسلحين الجدد من العمال والفلاحين كثر ، انتظموا فيما يسمى [ المليشيا ] ، والجديد هو تنظيم هؤلاء الغاضبين من مستغليهم في لجان فلاحية ولجان أحياء ووحدات . المنطق جاء آخر ، فالجميع يتحدثون بنبرة غضب واستياء عن الإقطاع وعن استغلال الإنسان للإنسان ، ويزيد بعضهم فيتحدث عن طبقة الكومبرادور والبرجوازية ، ومنهم من يتعمق في تفنيد الإقطاع والرأسمالية بأسلوب علمي ، وكأنما قرأ أو سمع عن محتوى كتب لينين المتعلقة بالزرع والضرع وكتاب: [ رأس المال ] لكارل ماركس . هناك عمل يدور في الخفاء لا أحد يستطيع معرفته على وجه التحديد ، إلا أن الإرهاصات والمقدمات تشير إلى عمل خطير قادم سيحدث في يوم ما ، فالاجتماعات اقتصرت على العمال والفلاحين فقط وما سواهم ليسوا من أصحاب المصلحة الحقيقة في الثورة ، والموضوع الوحيد الذي يطرحه رئيس الاجتماع هو أخذ الحق من الإقطاعيين ، والإقطاعيون هم ملاك الأراضي الزراعية وأبوه سيكون في التصنيف أحدهم لا محالة ، فهو من الذين يرتدون الملابس النظيفة ، تفوح منها يوم الجمعة رائحة البخور الكومبودي الغالي ومثل هؤلاء لا مكان لهم في الحياة الجديدة.
لكونه موظف لدى الدولة جاءه مسئول وطلب منه إقناع بعض كبار السن في الدخول في اللجنة الزراعية ، وما ذاك إلا تمهيد لعمل خطير قادم . لم يستطع الرفض ، فإما أن تكون مع أو ضد . زاول المهمة واستطاع أن يقنع رجل عجوز سيسحب إليه أعدادا غير أنهم اتخذوه حليف مرحلي ، فبعد أن استغلوا شيبه ووقاره في إقناع الآخرين بالانتفاضة ، وبعد التنفيذ نحّوه جانبا وجاء دور المراهقين وعديمي المعرفة .
صودرت الأراضي الزراعية بنخيلها وثمارها ، وصودرت أراضي البور ، وبمعنى أدق لقد انتزعت الملكية تماما ، وبين يوم وليلة جاء مالك جديد من قبل الدولة واختبأ المالك الفعلي في داره خوفا من ضربة طائش . وليته بمفرده قابع حزين بل حوله ممن يعول عجزة وأطفال ونسوة .

الدورة التأهيلية

كانت فرصة ثمينة تلك التي أدرجوا اسمه فيها ضمن قائمة الذين عليهم التوجه إلى المكلا لحضور الدورة التأهيلية تحت إشراف ورعاية منظمة اليونيسيف ،ومدتها تسع وأربعون يوما ، والمدة الكاملة مائة وسبعة وأربعون يوما تنتهي بعد ثلاث سنوات . منهج الدورة كان قويا ، ويسعى بالفعل إلى تأهيل مدرسين أكفاء علميا ، تربويا ونفسيا غير أن الواقع فيما بعد جاء هابطا مزريا ، إذ لم يعمد الثوار إلى ما تحقق في الحقل التربوي ، التعليمي من نظريات ونتائج من قبل المختصين ، بل استلهموا من الماركسية منهجا ، فتغير السلم التعليمي وتغير معه الإنسان .

في الصفراء [ مدينة شبام ]
1970/1971 إلى شبام عاد مدرسا ، وهو في عيون الكثير طالب الأمس في البيحم [ اسم آخر لمدينة شبام ] . في هذه المدينة تشم عبق الماضي ، وأهلها غير راضين عن سياسة الجبهة القومية ، فقد أعتقل منهم نفر من وجهاء البلاد ، عذبوا ونكل بهم ، لا لذنب اقترفوه بل لأن الدراهم كانت تسيل من بين أيديهم بعد أن عملوا وشقوا في التجارة ومنهم من هاجر إلى سنغافورة وعاد متخما .
قهوة مشهورة عند مدخل شبام بجانب سوق الخضار ، لا تسل بعدها عن أيّ معلومة إخبارية ، فكل ما قيل هنا صحيحا وممحصا . هنا بعض من أبناء المدينة الذين قابلوا الغرباء بالأمس وهم اليوم يستقبلون أفواجا أخرى . هؤلاء يأتون بجديد الأخبار من قراهم وأماكن سكناهم: من اعتقل بالأمس؟ ومن تدور عليه الدوائر؟ ، لا سيّما الوجهاء ورؤوس العشائر. يقابل سوق الخضار من جهة الغرب مركز الشرطة ، يعرفون من بداخله.
لا تستطيع أن تعد السنين التي استقبل فيها الشباميون عباد الله في الأرض وهم مستقرون في مدينتهم . لذلك فهم يعرفون طبائع الآخرين بين بدوي وحضري وبين بين وفلاح أمّي وثكلى ترعى صغارها قدمت لبيع شاة أو منتوج وشراء محتاجات لها ولصغارها . مدرسة بحق لمن يقرأها جيدا ، أمّا إذا ما توغّل داخل الدور واطلع على خصوصية الشريحة الإرستقراطية فإنه سيحاكي التاريخ وتحاكيه المعاصرة في تناغم وانسجام .
تشعر بالمؤانسة مع أيّ شبامي لكن كلمته تكون حارقة متى ما أخطأت عليه أو استفزّيته أو نلت من كبريائه ، والطريف أنه يرسلها إليك في دعابة فتكتوي بنارها إن كنت فطنا..
في هذه المدينة تأنس بشهر رمضان المبارك وتسرك طقوس الأعياد وتجد متعة في اصطحاب الشبامي الذكي ، الخفيف الظل ،الحاضر البديهة خاصة عندما يكون صديقا .
لها باع في التجارة وتخريج الكوادر المؤهلة في كافة التخصصات ونسبة الأطباء الأكفاء كثيرة إذا ما قيست بمدن أخرى ومنهم من وصل إلى درجة البروفيسور . لهذه المدينة العريقة تميز ، فهي سوق ليس لكل حضرموت فحسب بل لكل اليمن في وقت مضى ، ثم التميز الثقافي ، الإجتماعي لسكانها ، فلا تسمع عن فاعل خير لكنك تلمس أفعالهم . وكذا النسيج الاجتماعي الفريد الذي أصيب في الصميم بعد تفجير الصراع الطبقي بتوجيه من الحزب الحاكم ، فتفرق الأهل والأصحاب في مدن اليمن وفي الخارج .
المدرسة قديمة ، تقع في الركن الجنوبي الشرقي من المدينة ومن حسن الطالع أن مديرها كان أستاذه في الصف الأول إبتدائي ، وكونه حديث العهد بالمهنة وقدم من الصحراء والمدينة ليست كالصحراء ، ومع وجود ستة عشر مدرسا فقد ارتبك وخالطه شعور بالمقدرة من عدمها على مجاراة هؤلاء ، فهو أقرب إلى الارتباك وفرق بين لسان تحدث إلى بدو بتأثير العرف البدوي ولسان في مواجهة التحدي في مدينة عرف أهلها طباع كلّ الوافدين إليها ، فيصعب على المرء أن يتذاكى أو يتباهى في هذه المدينة ، وهو في نعيم وطمأنينة متى ما تواضع لله قبل أيّ أحد آخر . هنا يحافظون على تعاليم الإسلام في معاملاتهم ، والويل لك إن شطح بك الهوس ، فلا مؤنس ولا صديق . شعر بارتباك ، غير أن أستاذه القديم ذلل له بعض السبل وتغاضى عن بعض الهفوات كالتحضير المثالي للدروس . كان يهابه ويحترمه مثله مثل جيله في احترام المدرسين والكبار من الرجال والنساء .
شبام إذن هي المحطة الثانية ، كان يشعر أنّه بين أهله ، فالكلّ يعرف ويعرفونه ، غير أن السياسة ومصائبها تعكّر الأجواء فقد أعطيت له بندقيّة للمشاركة في الحراسات الليلية في ظرف كان العداء فيه مستحكم بين الثورة وأعدائها ، وكان يا ما كان...............
تصور آدميّ وجد نفسه فجأة في مدينة بعد أن كان في الصحراء وعليه أن يدرس . ليس سهلا ذلك لكنّه أختزن المدينة في ذاكرته بما فيها نظرات أهلها الدّالّة على الإعجاب أو المعبّرة عن الشكر ، وفي أحيان كثير تعبّر عن العتاب . فالشّبامي ذكيّ ، لمّاح لا يعرفه جيّدا إلا من قرأه بعمق عن قرب .
بالقرب من المدرسة يقع مقر التنظيم السياسي ـ الجبهة القومية ، عدد من أعضائه كانوا زملاء له في المتوسطة ، والزمالة في العهد ذاك تعني الصداقة لما يتحلى به الجيل من صفات النبل. في إحدى الليالي أستدعي إلى المقر وطلب منه المشاركة في حراسة المدينة من عبث المرتزقة الذين لم ينجحوا في جهادهم ضد الحكومة في إحداث أضرار تمس الحكومة من قتل لعسكري أو رجل مسئول أو تفجير مبنى حكومي منذ بدء نشاطهم ، فجميع ألغامهم وقذائفهم نالت ، فقط ، من الأبرياء رجال وشيوخ ونساء وأطفال ، وما ذاك منهم إلا لخوفهم الشديد من بطش الثوريين اليقظين . كان الخبر الوارد للتو أن مرتزقة سيقتربون من المدينة ، وبالفعل جاءوا ليلا وأطلقوا النار ثم ولوا الأدبار ، ولم يصب أحد بأذى عدا حمار اخترقت الرصاصة جمجمته فهوى وحزن عليه صاحبه ومن له منفعة من حمار. في الليل الحالك السواد قادهم رجل سكران ، إنه المسئول التنظيمي ، وكلهم يترقبون طلقة رصاص في ظلام دامس في اتجاههم ، وفي ذات الوقت يتوقعون لسعة عقرب أو لدغة ثعبان بين نخيل شرق المدينة وغربها وبر في جهة الشمال لكنهم عادوا سالمين إلا من انقباض وخوف شديدين.
في اليوم التالي وبينما كان في المدرسة جاء من يخبرهم بانفجار لغم في سيارة غرب المدينة في [ عبودة ] ، وهذه المنطقة يسكنها أبوه ومنها يأتي يوميا إلى المدينة الساحرة فيجلس مع أصدقائه ينمّون في همس ويسبّون بصدق الحكومة ، فخاف أن يكون أحد الضحايا . ركب سيارة واتجه غربا وعندما اجتازت السيارة منطقتهم تنفس الصعداء وأيقن أن والده بخير . ذهب إلى موقع الإنفجار الذي لا يبعد كثيرا عن مزرعة والده ، فشاهد ما يشيب له الوليد ، طفلة في عمر الزهور راح كتفها الأيمن وغير بعيد عنها رجل قيل إنه أباها، جثمان مسجى على الأرض وإحدى رجليه بترت منه وطارت واستقرت عند ثالث على بعد أمتار قليلة ، نصفه السفلي تناثر وبقي نصفه العلوي ، وبدا وجهه المغطى بذرات التراب وكأنه يبتسم . لا يمر شهر إلا وتسمع عن انفجار لغم هنا أو هناك أو إطلاق قذيفة من مدفع والضحايا أبرياء والمنفذين لهذه الإنفجارات لهم تسمية في الداخل: [ المرتزقة ] ، ويسمون أنفسهم [ جيش الإنقاذ الوطني ] ، ولهم شعبية في الداخل خاصة من الذين صودرت ممتلكاتهم ، ومن الذين يرون في النهج الماركسي انتكاسة للشعب اليمني اللين الفؤاد ، الرقيق القلب . بقيت الصورة المروعة في الخيال لأيام .
لم تكن مدينة شبام أم اليتامى كما يسمونها فحسب بل أم الكبار وكل من ضاقت به الديار بالرغم من رحيل تجارها وتحجيم دورها ، فلا يمكن إزالة آثار القرون وما تراكم من عرف وعادة وتقليد في مدينة كتب عنها الهمداني في الإكليل وصفة جزيرة العرب فجاء الوصف من مؤرخ فيلسوف شاهدها بأم عينيه ، فكانت المدينة المكتظة بالمساجد ، المزدحمة بالبشر ، الواسعة التجارة ، الموغلة في علوم الدين واللغة.
ما أروع وأمتع رقصة الشبواني الزاحف ببطء من جهة الشرق في اتجاه المدخل الرئيسي للمدينة [ السدة ] الذي يبدأ في العصر . يطربك ذلك الزحف الراقص البطيء ، المتناغم مع الإيقاع ، ورجاله معتمين برداء هندي يسمى [ الرُّمال ] ، عمائم موحدة وصفوف مرتبة وتمايل في طرب ونشوة ، يتقدمون بخطوات محسوبة ثم يعودون إلى الخلف بخطوات محسوبة أيضا ثم يتقدمون.يتغنون بأبيات من الشعر النبطي يرتجلها الشعراء في مقدمة الصف . وقت صلاة المغرب يتوقف الطبل والطاسة ويذهب كل في سبيله ويعودون في المساء ، ومن مكان محدد داخل المدينة تعود الكرّة في اتجاه الساحة [ السرحة ] ، وهنا تبدأ جولة أخرى ، إنها جولة المطارحات الشعرية بين الشعراء القادمين من قريب ومن بعيد . في داخل الدائرة والناس من حولهم صامتين ، يقول الشعراء قصائدهم التي تعبر عن أحداث الساعة والمعاناة بالرمز والكناية وبالتصريح أحيانا .
في هذه المدينة المحبوبة لديه أصيب بأذى العمر ، فلقد طلب منه ثوري منبوذ اصطحابه إلى القهوة ليريه رجلا مشبوها فيه قال عنه أنه ثرثار ويحتمل أن يكون من عناصر قوى الثورة المضادة . أشار هذا بإصبعه نحو ذاك الذي التفت نحوهما فكان العم أحمد الذي رآه يرافق شر خلق الله إنسانا . إنه العم. قال لمورطه: [ الرجل ليس من قوى الثورة المضادة ولكنه يثرثر في الشأن السياسي....] . هنا أدرج في قائمة التنظيميين والثوار الأشرار ، هكذا بدا له بعد أن أخبرهم العم أحمد في القرية بأنه يعمل جاسوسا ، وهنا من حيث هو عرف الثوار أنه ليس ملتزم للجبهة القومية ، وبموجب القاعدة [ إن لم تكن معنا فأنت ضدنا جرى التعامل ] ، وصنف من الذين لا بد وأن يكون لهم انتماء سياسي آخر مناهض للجبهة القومية خاصة بعد رحيل صديقه جعفر ، فصار بين فكّي كماشة فلا أهل قريته عرفوا عن عذابه بين الثوار ولا الثوار عرفوا عن قيمته الهابطة بين أهل قريته .
***

التعديل الأخير تم بواسطة سالم علي الجرو ; 07-18-2007 الساعة 05:16 PM
  رد مع اقتباس
قديم 07-19-2007, 01:57 AM   #73
عبدالقادر صالح فدعق
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية عبدالقادر صالح فدعق

افتراضي

روعه ياأستاذي العزيز ........ نحن هنا لن نغادر ....
لك كل الود والمحبه ..
  رد مع اقتباس
قديم 07-19-2007, 11:46 AM   #74
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

- 23 -


الماركسية اللينينة في الريف


لا صوت يعلو فوق صوت الحزب...
الترويج لصراع طبقي....
إنها سلطة البلوريتاريا القادمة.....
الويل للإقطاعيين والبرجوازيين...
العمال والفلاحون هم أصحاب المصلحة الحقيقة في الثورة...
هكذا بدأت التوعية وبدت معها ملامح التغيير في النفوس والفكر والواقع ، فاللهجة جديدة بمصطلحات جديدة والتحضير جارٍ لعمل ما . الحملة الإعلامية مكثفة وكذلك الاجتماعات التي اقتصرت على العمال والفلاحين كانت مكثفة ومنتشرة في عموم الوادي ، أما المسلحين والحلفاء الثوريين فقد غطوا الساحة ، والسيارات العسكرية تجوب الريف والقرى ، عليها رشاشات ومدفعية. صفحات مكشوفة لبعضهم هم الحضارمة ، فالكل يدري عن أخبار الكل وكأنما يجمعهم بيت واحد ، وفجأة يجري التّعتيم والكتمان ، فما هو الشعور الجديد يا ترى؟ . إنّه التّنكر وقطع دابر علاقات حميمة قديمة إلى حال من الشك والتّوجّس والبغضاء . صاحب كل ذلك حملة مكثفة من عناوين التغيير جملة من الاعتقالات ، وما هو إلا وقت قصير حتى أعلن عن [ انتفاضة ] . بحركة ثورية مدروسة ، وبعنف ثوري قيل أنه منظم نفذّت الانتفاضة بين عشية وضحاها ، وجلس هذا مكان ذاك في الأرض ، وبين يوم وليلة جرّد الملاك من أراضيهم ومن مزارعهم وأعطيت لأصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة ، وجاء شعار:
يا إقطاعي يا جبان = هذي أرضي من زمان
أما الرقصات التي قام بها الفلاحون ابتهاجا بالنصر الساحق فقد كانت شعاراتها وقصائدها التي يتغنون بها ذات معان ودلالات لا تخرج عن فلسفة العنف . إنهم لم يرتكبوا خطأ عندما طردوا أهل الأرض ، فهي حق من حقوقهم:
مع الفلاح لا هزّ رأسه با نقاتل = بغينا حقّنا ما بغينا شي بباطل
حاشا أن يكونوا من الظالمين ، إنهم لم يقدموا على فعل باطل ، وإنما هو حق انتزعوه ، ومن قال: ( إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) . أليس الله هو القائل؟ . هؤلاء لهم اعتقاد آخر .
الغريب ساووا بين الإقطاع في الصين وروسيا ومصر وبين فقراء معدمين أهلكتهم بضع أمتار مربّعة : من حفر البئر؟ ومن زرع النخل ؟ ومن أحياء الأرض؟ . إنها حقهم وكفى ، ومن يقول: لا ، فالغرفة الضيقة مع التعذيب في الانتظار ، وإذا تطور الأمر فطلقة رصاص تخترق الجمجمة أو العضو النابض الذي تنسب إليه الرحمة والشفقة والعطف ، وكذلك القسوة .

ثورة حمراء

بعض الملاك أوذوا أذى خفيفا ، ولكنه على مرأى من ذويهم ، وبعضهم أوذوا أذى شديدا وهم في السجون ، وبعضهم قتل.
شعار يتغنون به:
سالمين نحن أشبـالك وافكارك لنـا مصباح
واشعلناها ثور حمراء بعنف العامل والفلاح
[ أفكارك لنا مصباح ] . إنها جملة فقط ليست ذات معنى ، فالرجل من الناحية العسكرية بطل وما عداها فمقلّد.
[ سالمين ] ، هو سالم ربيع علي ، رئيس مجلس الرئاسة للفترة من: 1969 ـ 1978 . كان متألقا بلغ صيته كل شبر من شطر اليمن الجنوبي آنذاك ، وحفظ اسمه الجميع بمن فيهم الصغار ، وقيلت فيه القصائد المطولة والغنائية وقصائد الزامل . من قصائد المغنى:
مشكور يا سالم ربيع والشعب قد حقق مصيره
والله لا وطّيت رأسي من بعد تقرير المصير
قتل عام 1978 في معركة دامية نشبت بين الرفاق في مدينة عدن ، والقصة تطول إذ ارتبطت بحادثة اغتيال أحمد الغشمي رئيس الشطر الشمالي ، وقد كتب في هذا الكثير....إلا أنه كان أكثر الرفاق قبولا لبساطته ولقربه من الجمهور الغاضب منه والآخر الراغب في بقاء أفكاره لهم مصباح.
التصنيف:
إقطاعيين ـ عمال وفلاحين ـ مثقفي ثوريين ـ البرجوازية ـ البرجوازية الصغيرة ـ كومبرادور .
على هذا النمط تم تصنيف المجتمع ، وكل صنف محدد الهوية والاتجاه عدا طبقة البرجوازية الصغيرة التي تنقسم إلى قسمين ، أحدها: يتحالف مع العمال والفلاحين ، وهذا لا خوف عليه بل يعد إثراء للمد الثوري ، والآخر يرتمي في أحضان البرجوازية الكبيرة ، والقسم الأخير يكون بالضرورة من أعداء الثورة ، وما عدا القسم الأول من البرجوازية الصغيرة فإن الجميع متهمون بالعداء ، ويتوقف التنفيذ على ولاء وإخلاص الثوريين لبعضهم ولقياداتهم ، فكم ضحية ذهبت قربانا ، وكم عقل وفضل وحصافة ذهب كبش فداء . تقوم فلسفة التغيير الثوري لماركس على مفهوم الاقتصاد ودعائمه ، منها الأرض ووسائل الإنتاج وسوّقت الطلائع فكرة الانتفاضة من هذا المنطلق ، إلا أن الانتفاضة جاءت بحقد آخر ، هو العداء للقبائل مع العلم بأن كثير من القبائل انخرطوا في صفوف الثوار ، لكنها الأوراق التي اختلط . إن أغلب العشائر الحضرمية مفلسين من الأموال وليس لهم أملاك تذكر في المدن ، وكل ما يدافعون عنه مسطحات الجبال أو أرض بور ، إلا أنهم أغنياء بالتلاحم مع بعضهم وبعلو الهامة عند إكرام الضيف وفي مجلس العشيرة ، ومن ناحية أخرى فإن الكثيرين من أفراد القبائل دعموا الانتفاضة كما أن كثير ممن صودرت ممتلكاتهم ومن سمّوا بالإقطاع لم يكونوا من القبائل المنتظمين في عشائر وإن كانوا منحدرين من أعرق العشائر اليمنية . هذا العداء أحدث شرخا في الوفاق الأزلي بين شرائح المجتمع مما خلّد وإلى حين البغضاء والشحناء بعد الوحدة اليمنية التي أعادت الممتلكات إلى أصحابها وعجزت عن أعادة النفوس إلى سابق عهدها .
إنه لو طلب منك تمييز المالك عن الفلاح من خلال الهيئة وأمعنت النظر في شخصين: أحدهما المالك والآخر فلاح ولم تكن لك سابق معرفة بأحدهما لاحترت في تمييز من هو صاحب الأرض ومن هو الفلاح ، في حين أنه سهل ويسير عليك لو كنت في البرازيل أو أيّ قطر أفريقي ، وإن قست بالمظهر فستقول بأن الفلاح هو المالك . إنهم متقاربون في الهيئة والملبس. أما إذا قدمت من الصين أو أوروبا وأردت الكتابة عن برجوازي أو كمبرادوري ، فتأكد أنك ستعود بأوراقك بيضاء لأنك لن تكتب شيئا ، أي لن تجد شخصا بهذه الصفات . إنها فقط تسميات منقولة من الكتب الماركسية على واقع بعيد جدا عن هذه المسميات .
من المضحك المبكي أن تشاهد أحد الملاك يجري خلف اللجنة الفلاحية في موسم التمور ، يطلب لصغاره تمرا من نخل قرب منزله ، فيتهمونه بأنه لا يزال يتكلم بلغة المالك ، فيعطونه ولكن في مكان بعيد حتى لا يقول أخذت من حقي أو من حلالي .
ومن المحزن أن يسجن أب لثمانية أكبرهم في الثانية عشر من عمره بتهمة سخيفة..........
ومن المؤسف أن يبصق وضيع في وجه شيخ كبير...........
ومن الباعث على الضيم أن يمنع الفلاح صاحب الأرض والزرع من أخذ عود يابس من مزرعته يضمه إلى حطبه .
ذلك ما حدث وتجرّعه ذوي النفوس الكبيرة ، ومن مات منهم مات كمدا....
جملة القوانين التي صدرت في هذا الظرف الساخن كانت غريبة وشاذّة كقانون الأسرة الذي نقل المرأة إلى مربع آخر دون مراعاة للدين وللأعراف والتقاليد ، فقد كانت تنقاد للرجل طواعية رغبة منها وامتثالا للتعاليم السماوية وما جرت عليه الأعراف والعادات أكان أب أم زوج أم أخ بالرغم من ادعاء البعض بأن حقوقها مهضومة ، وقد يكونون محقين في ذلك ولكن لا يجب أن يكون الإدعاء حق يراد به باطل ، غير أن قانون الأسرة جاء ليحدث نظاما جديدا بل قل شرخا في العلاقات الأسرية ، فلا يحق لأب أن يسأل ابنته عن انتفاخ بطنها إذا ما رضيت هي بذلك ، ولا يحق لزوج أن يطلق زوجته إلا بعد موافقتها . وإذا ما وقفنا على تقنين المواد التموينية نجد حالة من التبرم والامتعاض . كانوا يقفون في طوابير طويلة على أبواب الجمعيات التعاونية من الصباح حتى العصر والحصيلة زجاج فانوس أو نصف كيلوجرام زنجبيل ، وفي معظم الأوقات يفاجئون المنتظمين في الطابور بنفاد الكمية وإلى طابور آخر قادم . مواد محددة في نطاق ضيق كالأرز والدقيق والزيوت هي المتوفرة وليست بكميات كافية ، أما القشطة مثلا والزبدة والمربّى وأنواع الفواكه فذاك ما لا تراه عين وتسمع به الإذن إلا من مغترب ، ومن شاهدها صورها فليحمد الله على ما آتاه من فضله .
كانت شركة التجارة الخارجية إذا تورطت في بضاعة ما كاسدة فإنها تحولها إلى التجارة الداخلية وهؤلاء بدورهم يحولونها إلى التعاونيات ، ويقوم هؤلاء بدورهم وهو التخلص من الورطة ، دور بسيط جدا لا يكلف الكثير من العناء ولا يتطلب تفكيرا ، فكل من جاء يريد حليب أو سكر أو زيت أجبروه على بطارية منتهية أو شاي عديم المذاق ، وبهذه الطريقة سلمت الدولة من الخسائر ووزعت الضيم والقهر على الجمهور بالتساوي .
***
من صدقت سريرته
حسنت علانيته

لم يتعلق قط بشخص كتعلقه بصديقه جعفر ، فإن قلت: شقيقان فأنت محق ، وإن قلت: شقيّان ، فقولك صائبا ، وإن قلت ذكيان: فإن لجعفر نصيب يحسد عليه ، وينطبق عليه قول الشاعر:
قال أبي...
في أيّ قطر عربي...
أعلن الذكيّ عن ذكائه،
فهو غبي....
لذلك اختطفوه وقتلوه..........
لكن صديقه الآخر [ أحمد ] ، الذي تعرف عليه عندما كان مدرسا في قرية [ العريض ] بوادي سر ، لم يعلن عن شيء كهذا رغم ذكاءه الخارق ، وكان بسيطا في سلوكه ذو طبيعة مرحة ولا يتدخل في شئون السياسة ، فجعفر اختفى وإلى الأبد ولحق به شقيقه [ صالح ] ، وأحمد أعتقل ومكث في السجن دهرا.أسباب الأول لا يعلمها أحد إلا أنها وبكل تأكيد تصفية حسابات غلب عليها الطيش والحمق والجهالة وما شئت من صفات الحقارة والدناءة ، وأسباب اعتقال أحمد مع زميلين له في ذات المهنة وضحت ، فيما بعد ، فقد ذهبوا إلى وادي دوعن ، الأثرياء سكانه ، القادمون من السعودية لحضور حفل زواج ، وفسّر ذهابهم بأنهم التقوا بعناصر مضادة للثورة . التهمة ملفقة وإن لم تكن كذلك فإنهم اعتقلوا بناء على الظن والشك. في أدبياتهم: السعودية عدو تاريخي ، والمغترب القادم من البلاد السعودية هو رجعي بالضرورة إلا من كان ينتمي إلى الطبقات الكادحة. الكادحون هم أصحاب المصلحة الحقيقة في الثورة .
الصديق الثالث لم يكن في مستوى جعفر وأحمد ، فذانك صديقان يتعقب أخبارهما ليطمئن قلبه ، في حين أن هذا يتعقبه ويلاحقه باسم الصداقة ليطمئن على وظيفته.علم فيما بعد أنه قد صادقه لأمر كان يبطنه ، إنه من رجال جهاز أمن الثورة ، كتب عنه ما لا يدريه من الكذب والافتراء وبالغ في القليل مما يعد من الحقائق. من الكذب أنه ينتمي إلى حزب الرابطة ، ثم عدل الانتماء إلى حزب البعث ، ومن الحقائق الإدعاء بأنه ناصري غير أن الصديق المخادع الكاذب بالغ هنا فقال عنه: أنه ابن اقطاعي ، ناصريا ، مساوما ، يلتقي مع أعداء الثورة وهو في النتيجة معاديا للثورة.
عرف ذلك عندما أخبره رجل عاقل في الجهاز إيّاه الذي يفتتح أعماله بالدم وينهيها بالدم ، فلا مجال للانتظار ، فالثورة في نظرهم في خطر على مدار الساعة وما ضرّ لو أزيح آدمي عن الطريق . أخبره الرجل العاقل بأن صورته سيئة وسيدافع عنه قدر الإمكان ، وعاتبه: كيف لم يحتط من عضّة هؤلاء الناقصين ،. وماذا ينبغي فعله عندما يحتاط؟ ، فالدبابيس من الانتهازيين لا يتورعون عن الأفعال الذميمة . كل بيت فيه جاسوس أو جاسوسة وبعض الآباء يخافون حتى من أبنائهم ، والمسألة ليست في عمل تقوم به أو قول تقوله وتحاسب عليه ، إنها في جرّة قلم من حاقد أو ناقص أو متسلق . وفي ذات الوقت يعتبرونه في القرية أحدهم لأسباب سعة دائرة الأصدقاء ثم ما رواه العم أحمد عنه وعن ذلك المسئول التنظيمي المنبوذ وليس وحيدا في الاتهام والهم والغم ، فأحد زملائه في سلك التدريس نصبوا له فخّا وأساءوا إلى سمعته ، فغادر بعد سجنه وقتا طويلا واستقر في المجر ، وتعين أخوه مدرسا في قريته وللزمالة حق ، وكان ظريفا وواعيا فنمت بينهما صداقة . كان لا يسأله عن الأوراق التي يضعها في خرج دراجته وهما يتنقلان من هنا إلى هناك ، وهناك وهنا من يراقبهما ولا يدري ، فيأخذون الأوراق ويصورونها . زميله هذا كان ينتمي إلى حزب معادي دون أن يعلم ، ومن يراقبهما يأخذ الأوراق من خرج دراّجته ويصورها ثم يعيدها ، فوقع في المحظور وحلت الكارثة غير أن الرجل العاقل في الجهاز يعرفه تماما وعلم أنه آخر من يعلم .

التعديل الأخير تم بواسطة سالم علي الجرو ; 07-19-2007 الساعة 11:57 AM
  رد مع اقتباس
قديم 07-19-2007, 02:26 PM   #75
جابرعثرات الكرام
حال قيادي

افتراضي

ايها السالمان
سلاما لكما من الرحمن المنان
دمتما ودامت الدررالتي تجعلنا نحن الي السقيفة وان بعدت بنا المسافات ونقتطع أجزاءمن اوقاتنا وان احلوت الاجازات لكى نستريح في ظل سقيفه عموداها سالم و سالم
دمتما والجميع
  رد مع اقتباس
قديم 07-21-2007, 03:08 AM   #76
بنت المشايخ
حال نشيط
 
الصورة الرمزية بنت المشايخ

افتراضي

اشكرك شرقاوي واوجه تحية وفاء وامتنان للاستاذ الكبير بعلمه واخلاقه سالم علي الجرو
  رد مع اقتباس
قديم 07-21-2007, 03:22 AM   #77
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي))
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي))


الدولة :  Saudi Arabia
هواياتي :  القراءة والسباحة وتصفح الانترنت
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي)) is on a distinguished road
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي)) غير متواجد حالياً
افتراضي

اقتباس : المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جابرعثرات الكرام
ايها السالمان
سلاما لكما من الرحمن المنان
دمتما ودامت الدررالتي تجعلنا نحن الي السقيفة وان بعدت بنا المسافات ونقتطع أجزاءمن اوقاتنا وان احلوت الاجازات لكى نستريح في ظل سقيفه عموداها سالم و سالم
دمتما والجميع

عليك السلام ورحمة الله وبركاته

تسلم اخوي على هذه الكلمات الطيبة ان دلّت وانما تدل على طيب معدنك وحسن منبتك يالغالي اخوي جابر
عثرات الكرام ,,, دامت الاخوة والمودة بيننا جميعا بالسقيفة ,, اسعدتنا بكلمات الطيبة .
التوقيع :
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

شكرا لمن اهداني البطاقة الجميلة .
  رد مع اقتباس
قديم 07-21-2007, 03:27 AM   #78
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي))
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي))


الدولة :  Saudi Arabia
هواياتي :  القراءة والسباحة وتصفح الانترنت
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي)) is on a distinguished road
سالم محمد بلفقيه ((الشرقاوي)) غير متواجد حالياً
افتراضي

اقتباس : المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنت المشايخ
اشكرك شرقاوي واوجه تحية وفاء وامتنان للاستاذ الكبير بعلمه واخلاقه سالم علي الجرو

هلا ببنت المشايخ اهلا وسهلا فيكِ لاشكر على واجب أخيتي ,,, بالفعل الاستاذ الاديب سالم بن علي الجرو يستحق هذا الوفاء من أهل الوفاء يابنت الاجاويد ,, نشكر له تفضله وتكرمه علينا بنشر هذا الكتاب في سقيفة الشبامي وهذا شرف عظيم ...

شكرا لكِ .
  رد مع اقتباس
قديم 07-22-2007, 08:27 AM   #79
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

ـ 24 ـ


عام الإبتلاء

أينما تذهب في الوادي الطويل تلاحظ سمات التغيير على الإنسان ، فكل من يحمل بندقية وصوته عالي فهو لا محالة من المستفيدين من الثورة ومن حراسها الأمناء ، وقد لا تروق لك هيئته ، وإن تحدث معه تكتشف أنه لريب الدهر لا يتضعضع ، وإن بدا منك ما يسوءه فبكل يسر يستطيع أن ينال منك بحيث تذكر الوقف وأنت في سكرات الموت . إنتقل إلى قعوضة حيث العام الدراسي الجديد بابتلاءاته وويلاته .
[ قعوضة ] ، ذائعة الصيت فإليها تفد رؤوس العشائر في السابق على الشيخ الحكم مقدم عشيرة نهد لحل المشكلات . أكبر من القرية وأصغر من المدينة ، ولكنها كبيرة جدا في ثقلها وتأثيرها ، ورجالها أكبر وأدهى وأشجع مما يتوقع المراقب . كان لهم ولها فيما مضى شأن كبير غير أن القمع العنيف طال هذه القرية المطلة على مجرى سيول الوديان ومن خلفها جبل وترتبط بقرية أخرى تسمى الظاهرة فشريوف والقارة ، وتضرر بعض رجالها ، ومنهم من اختطف وذهبت معرفته بالدنيا في ظروف غامضة . السلطة للعمال في هذه القرية ، وكان يقرأ في عيون الرجال قهرا وذلا . الويل لمن ينظر إليهم مستهزئا أو ساخرا . كان المنظر يثير السخط والشفقة ، الشفقة على رجال خائفين من زوار الفجر بعد أن اختفى [ ربيع ] ، شخصية مرموقة ذات علاقة واسعة بالعشائر الحضرمية ، والسخرية من أناس يحملون البنادق الرشاشة للاستعراض والاستفزاز ، وجميعهم تحتضنهم قرية واحدة وذكريات متقاربة.
إلى هنا تتوارد الأخبار في المساء عن الذين اعتقلوا في مساء اليوم الأول ، فلقد بلغت الاعتقالات أوجها ، وكل يوم تطلع فيه الشمس ، يغيب فيه نفر من الوجهاء أو ملاّك الأراضي بين سجين أو معتم عليه . الجميع انقادوا غير أن الشيخ صالح عبد الحميد بن علي جابر رفض الحضور إلى مقر حكومي ليلا ، مذعنا للطلب لكن في الصباح ، أنه في الصباح لن يخالف لهم أمرا فأبوا إلا أن ينقاد لهم كنعجة وهو الرجل الموصوف بالشجاعة والدهاء . ذهب نفر قليل ثمذ عادوا مصطحبين القرار والنار ، قوة بطش لا ترحم . استعد الشيخ صالح للمنازلة رغم هرمه وثقل وزنه وبرفقته أبنائه الثلاثة . ساعات قليلة انقضت بعد رفضه ثم وصلت القوات الساحقة من المليشيا والقوات الشعبية وبدأت المنازلة الغير متكافئة بين شيخ طاعن في السن وأولاده الثلاثة في بيت معزول وبين قوة تكفي لتحرير مدينة. بدأت المعركة واستمرت ثلاثة أيام نقلت خلالها الحكومة على مدى الأربع والعشرين ساعة جرحاها وموتاها في سيارات الإسعاف والناس تدعوا بالنصر لذاك المحاصر ، ولم يسأل أحد عن أفراد أسرة الشيخ صالح لأنه متمرد ولا بأس من دكّ بيته فوق رأسه ومن يحب . في اليوم الثالث تدخل الجيش وتكثف القصف ، وببسالة وإقدام زحفت القوات نحو البيت واقتحمته لإلقاء القبض عليه ومحاكمته لينال الجزاء الذي قد يصل إلى السحل . صعد الرجال الدرج ، فتوزعوا في الممرات وأطلقوا الرصاص في جميع بكثافة في الدهاليز والممرات والغرف حتى لا يدعوا لهم فرصة المقاومة ويلقوا القبض عليهم كالفئران المذعورة ، غير أنهم منوا بالهزيمة النكراء والشنيعة ، إذ لم يجدوا سوى مواد اختلط فيها السكر بالأرز ، بالدقيق والبهارات وبأصناف أخرى كي لا يستفيدوا منها ، أما الرجال ففي مكان آمن آخر بعيدا عن هذا المكان . إنه النصر الذي حققه الرجل العجوز القاسي العنيد على القوة الماحقة .
كان يتابع ما يجري للشيخ صالح بكثير من التحفظ هو وزميل له ، ذلك أن الشيخ صالح من قريته التي تبعد عن قعوضه في اتجاه الشرق بنحو عشرين كيلومتر ، متوقعين ردود أفعال من عشيرته ومن العشائر الأخرى إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث ، وقيل بأن الشيخ صالح أرسل إلى عشيرته بأن لا يشاركوا حفاظا على سلامة العائلات فواجه الموقف بمفرده ، لا سيّما وأن القرية لها تجربة في إحدى الليالي ، فقد احتلّتن قوات السلطة المسجد وراح الجنود يقصفون القرية وعند الفجر سحبوهم من ديارهم وأودعوهم السجون. عرض والده على السيد المسئول وساطته ، غير أن السيد طلب منه الإبتعاد وعدم التدخل فيما لا يعنيه.
هنا في قعوضه دخل الزنزانة في نهاية السنة الدراسية عام 1973بحكم صادر عن اللجنة الشعبية بتهمة ضربه لبعض شباب المسيرة الصغيرة لطلاب يحرسها رجال المليشيا العمالية والفلاحية يشتمونه ومدرس آخر واصفين إياهما في الشعارات بأنهما إقطاعيان ، يمينيان، رجعيان فتدخلت نقابة المهن التعليمية وآخرون ، وكان الجواب للجميع من قبل المأمور المتشدد: [ لتحقق اللجنة الشعبية أولا ، ثم لتصدر الحكم ثانيا، ثم بعد ذلك ننظر في الأمر من منطلق قاعدة: نفذ ثم ناقش ] ، وبطريقة فيها التفاف ساعده ثوري آدمي آخر فنجا من حكم قاسٍ جدا ونفذ حكم قاس اختاره لنفسه .


عودة إلى ثمود

عاد إلى ثمود ثانية بعد أربع سنوات وفوجئ بأن بعض طلبته لا يزالون في الصّف الأول . علم أنهم ذهبوا في إجازة قبل ثلاث سنوات ولم يعودوا ، أحدهم في الخامسة والعشرين من عمره ، يرى في حلق اللحية عيب فأطلقها دون أن يدري أنها تحرج مدرسين ثمانية.
ليست كما عهدها في عام 1970 ، فلقد هرب أغلب الرجال وعلى رأسهم الشيخ ، والباقون حذرون من كل موظف يعمل لدى الدولة ، حتى الشابة الحسناء التي تزوجت لا تتحدث كعادتها ، فلا ثقة في أي موظف حكومي. يتعامل معك البدوي على أنّك جاسوس للحزب ، وحتّى بعض الطّلبة ، وهذا سبب يجعلك في حرج وضيق صدر. ينظرون إلى المدرس كأحد الأعداء، لكنه شرّ لا بدّ منه وعلى قول المتنبّي:
ومن نكد الدّنيا على الحرّ أن يرى = عدوّا له ما من صداقته بدُّ
تذكر ما قاله المقدّم ، وهو الاسم الذي يطلقونه البدو على الشيخ عيضه قبل سنتين ، فقد قال له أن خلفه الدّسم و [ هبّات الريح ] ، وهنا العظم ، ويقصد دول الجوار الخليجية ورضينا بالعظم في سبيل البقاء في الوطن المحبوب .هرب إلى حيث الدسم ، وإلى المكان الذي سيعترفون له بحقه . الإنسان البدوي البريء هنا تغير وتغير معه سر الحياة البدوية ، وفرق بين أن ينظر إليك البدوي كرجل خير وبين أن ينظر إليك كرجل شر . لذا يتهيب السكان البدو من كل موظف باعتباره أحد الجواسيس .
في المساء يطفئون القناديل مبكرا تحسبهم نياما وهم يتهامسون ، لا يرغبون في زائر يرونه عدوا ثقيلا . إن الذي أحزنه هو ذلك التملق والتذلل الذي يبدينه النساء للمسئولين ، الغائبون عنهن الرجال القوّامون .
المأمور الشرس ذو الطبيعة العدوانية ، وإن رغب فمرح ، يتوعد بالضرب بيد من حديد ضد كل من يمس أمن الثورة بسوء أو يتطاول على مكتسباتها وهذه جمل فضفاضة ، وبمجرد اكتشاف رسالة من رب العائلة الهارب فإن موصلها وقارئها في تعداد قوى الثورة المضادة وينالهم الجزاء الأوفى وحتى الذين نالوا ثقة البدويات فتسامروا معهن قرأوا إنذارا مبطنا ، والغريب أن الذي جاء ليسامر البدويات هم المأمور ذاته والمحيطين به .
دعاه المأمور ذات يوم وقربه منه بصفته مدير المدرسة وكان يخطط لشيء بعيد . كان الضيف القادم من عدن هو الدكتور جمال فرحات مبعوث اليونيسكو أو اليونيسيف في مهمة تتعلق بالمساعدات والهبات والمشاريع الصغيرة في حقل التربية والتعليم وفي ميدان الصحة ، وأراد المأمور أن يعرفه على المسئول الصحي وهو مساعد صحي ، ومدير التربية والتعليم ـ كما أشار ـ وهو الفار من بطن الوادي حيث الحياة العامرة إلى جوف الصحراء . طلب منه كمدير للتربية والتعليم لدقائق فقط أن يعطي صورة مفصلة لحاجة المديرية إلى المرافق التعليمية بكامل تبعاتها. بعد الجلسة التي حضرها مسئول جهاز أمن الثورة ، المدمن سجائر ونوم و... ، ولم يدر عن أميته إلا ذلك اليوم ، أما الآخر قائد القوات الشعبية ، فقد كان يعترف وبشجاعة بأنه أمّي ويتمنى أن يقرأ ويكتب ، وما كانت تلك الجرأة لتبدوا من أمّي لولا قرابته من رئيس مجلس الرئاسة . بعد هذه الجلسة صار من المقربين لدى المأمور وكان يحلم بوظيفة مدير التربية والتعليم بالرغم من شعوره بأنها مغامرة ، فالوظائف الكبيرة لا تعطى إلا للحزبيين . المأمور لا يعي واجباته ولا يدري ما هي وأن ما طلبه منه ومن المساعد الصحي قرأه من ورقة وصلت من عدن ، وأنه قوي ، جريء وكل كلامه الغير مرتب يدور ويتكرر حول سلامة الثورة ومكتسباتها وأنه سيضرب بيد من حديد ضد كل من تسول له نفسه المساس بالثورة الصامدة . إن أحدا لا يستطيع أن يحدد مكتسبات الثورة ، أما من الأعداء فهي الإمبريالية والرجعية وقوى الثورة المضادة في الداخل الواضحة المعالم والمحددة الأسماء. كان هذا المأمور الأشعث الأغبر في معظم الأوقات يظهر بمظهر المصلي العابد عند كل اجتماع موسع للبدو ، وهذا يكفي للثقة من قبلهم في صلاحه وطيب أصله ، غير أنه تسبيح القيطون كما يقال: إذا سبّح القيطون همّ بسرقة... ، [ صلى وصام لأمر كان يطلبه فلما انقضى الأمر لا صلّى ولا صام ] .
كان الهاربون يراسلون ذويهم ، ويعتبر مدمن النوم والسكر والسجائر ، مسئول جهاز أمن الثورة ، الرسول ومن يؤويه وقارئ الرسالة عدو للثورة يستحق الإعدام والتعزير ، وقد ألقي القبض على مجموعة نفذ فيهم حكم الإعدام رميا بالرصاص . رأى فيهم كهلا ، رث الهيئة والملبس ، فقير ، أجزم أنه بريء .
  رد مع اقتباس
قديم 07-22-2007, 06:14 PM   #80
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

- 25 -

من خلف القضبان

طلب منه إحضار الطلبة كل صباح أمام العلم للقسم وحضروا ، وطلب أن يحضرهم يوم الإعدام مع تحفيظهم بعض الشعارات ذات الصلة ، فلم يحضروا وكانت حجته عندما سأله عن غيابهم ، أن بينهم صغارا سيتأثرون بالمنظر الغير مألوف لديهم وظن أن ذلك عذر كافي غير أن للمأمور نوايا أخرى . فبينما كان في مطبخ المدرسة يتفقد الطعام ، يفتح قدرا ويغطي آخر للإشراف على الوجبات ، والنفس توّاقة لتناول قليل من أرز ولحم ، جاءه مندوب منصّر في سيارة عسكرية: [ مطلوب حضورك ] . ذهب على الفور ، ولم يقابله المأمور كعادته ، فالمكان محجوز والأمر محسوم . قاده إليه عابس الوجه الآن قائد القوات الشعبية ، الباسم قبلا ، ومن وراء القضبان كانوا يتكلمون معه ، مدير جهاز أمن الثورة وطباخ المعسكر الذي يقدم إليه الشاي عند الطلب . اّعوا أنه لا يلفظ القسم بالثورة كل يوم وإنما يتمتم للخداع ، وليس ما يدعون سبب اعتقاله ، إنما السبب الحقيقي هو غيابه وغياب المدرسين والطلبة عن ساحة الإعدام . مكث أياما لا يدري كيف سيكون مصيره ، ثم أخلي سبيله واستقبله الطلبة والمدرسون استقبال الأبطال . بعد الحبس لازمه الخوف والذعر من المجهول ولقناعته بانعدام الرادع في النفس البشرية خاصة لما يكون صاحبها ثوري ، ماركسي أمّي. إنه وبمجرد خاطرة شريرة من لدن أحدهم ، تنتهي معرفتك بالدنيا وإلى الأبد ، وإن لم يكن فإذلال .
شاءت عناية الإله أن تخفف بعض معاناته ، فقد وصل مدير التربية والتعليم من المكلا فجأة ونزل عليهم ضيفا وهو رجل معروف بكفاءته ومكانته الحزبية والإدارية. فرح بقدومه وشرح له ما يعانيه ففهم وتفهم واقع الحال وطلب منه أن يبقى في الإجازة الصيفية كي لا يفروا الطلبة إلى بعيد ، وطلب من الضيف المسئول أن يبعث إليه مدرسين حددهما بالاسم وهما من أعز أصدقائه .
وصلا الشقيان ـ أحمد ومحمد عن طريق [ ثوف ] ، وذرف الدموع فرحا بقدومهما . الصداقة الحميمة القديمة التي تربط الثلاثة جعلت منهم عضوا واحدا ونموذجا صار حديث الآخرين ، الكل مسئول عن الكل ، ولطبيعة المرح وتوافق الأمزجة مع الصدق دور في العمل وفي تبديد جو الكآبة والحزن وتحويله إلى جو تعالت فيه الضحكات.عادوا بعد الإجازة إلى أهلهم مفلسين من الدرهم غير أن ضحكاتهم تدل على أنهم من السعداء . اقترضوا أجرة السيارة وعادوا سالمين .
في هذه الفترة قدمت من عدن [ خولة ] لتدريب النساء في نادي تسعة يوينو على الخياطة وجاءت بعدها الشّابّة الحسناء لتزورها برفقة ضابط الاتصال وكان شابا وسيما. تجول شابة جميلة غير محافظة بين البدو مثار دهشة ومن المسئولين من يتسابق إلى مصافحتها وسعيد الحظ من تحدث إليها ولو شتمته . فهي من الواجهة الديكورية ابنة سيدة مناضلة ، أخوها من كبار المناضلين راح ضحية انفجار طائرة في الأجواء الحضرمية برفقة عشرين سياسيا ، يقال أنهم صفّوا بطريقة مدروسة ، ومن الواجهة البشرية شابة جميلة جريئة متحررة في صحراء قيدت رجال تواقون إلى حضن دافىء ، فكان المنظر البشع لكل متحضر. فالرجال يتحدثون عنها وعن جمالها والسيارات تقف لمنح الفرصة لركابها أو لسائقها الوحيد أن يتمتع بالنظر إلى جمال في صحراء موحشة . قيل أن صديقها ضابط الاتصال قتل في ظروف غامضة.
***
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اسر ضحايا 13 يناير تقدم اسماء ضحاياها لمجلس الامن والمحكمة الدولية؛؛؛؛؛ الخليفي الهلالي سقيفة الحوار السياسي 11 06-02-2011 02:35 PM
سالم الجرو والتحرش بكتابة التراث الشعبي والتاريخ الحضرمي الدموني تاريخ وتراث 10 04-19-2011 10:18 PM
هل نحتاج لانقلاب ليُصلح الحال سالم محمد باعباد الســقيفه العـامه 49 03-01-2011 07:39 PM
الحضارم السلفيون ابوسعدالنشوندلي سقيفة إسلاميات 0 12-12-2010 02:24 PM


Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas