الشاعر الغنائي صالح عبيد باظفاري

[عمر خريص]

الشاعر الغنائي صالح عبيد باظفاري
وبدايات التحديث في النص الغنائي


مسيرة العطاء الفني للأغنية اليمنية الحديثة لم تزل متوهجة ومتوجة في عالم الفن بألوانها اليمانية المشهورة منذ ان ترددت اصواتها الرخيمة في سماء الذوق الرفيع فكان هناك اللون الصنعاني والعدني واللحجي والحضرمي وكان لكل من هذه الالوان اساطينها من مغنين ومطربين وملحنين وشعراء يشار اليهم بالبنان، والأغنية اليمنيةالحديثة منذ أن أشعل شعلتهاالنيرة الفنان العبقري (سلطان ابن الشيخ علي )المولود في مدينة الشحر العامرة في سنة(1286هـ ) كما يحدد هذا بعض الرواة ، وسلطان يعتبر المدرسة الأولى في الفن الغنائي الحديث في حضرموت خاصة واليمن عامة بل والجزيرة العربية بكاملها أيضا، وتأتي ريادة سلطان هذه في إدخاله نوع جديد من (آلة القنبوس )في حضرموت وإجادة العزف المتقن عليها فكان فعلا أعجوبة في أداءه وعزفه ويتحدث معاصروه عنه (كما قال باوزير في كتابه الفكر: إلى أن غناء سلطان وموسيقاه بما نـحسبه نحن اليوم من قبيل المبالغات ويزعمون أن هذا الفنان كان فلتة..وعبقرية نادرة لا تناسب مع مستوى العصر الذي عاش فيه ، كان سلطان إلى جانب مهارته في العزف ملحنا بارعا كثير الإنتاج والتجديد )..وقيض الله لهذا الفنان العبقري شعراء أغنية كبار عاصروه وزاملوه ومنهم صديقه المقرب أليه الشاعر سعيد علي بامعيبد والشاعر الأديب السيد عبد الله محمد باحسن (1861م ـ 1928م) وفي ظل الأخير ازدهرت القصيدة الغنائية وامتدت إلى مابعد سلطان ومدرسته الفنية والتي للأسف إنها لم تستمر بل اضمحلت في حضرموت حينما ازدهرت في مهجرها عندما أخذها البحارة الكويتيين معهم إلى بلادهم وأخذها كبار الفنانين البحرينيين تلقيا من الفنانين الحضرميين المهاجرين أمثال (عبد الرحيم باوزير) المعروف بعبدالرحيم اليماني ، والفنان عبدالرحمن بن حسن بن الشيخ أبو بكر بن سالم المتوفي في (10ذو الحجة 1219هـ )أنظر الاستاذ (عبدالله صالح حداد :الثقافيةالعدد126،17/1/2002م)ومن سلطان نفسه.
ثم يبزغ نجم (الفنان محمد جمعه خان ) المولود بالمكلا سنة (1933م) من أم حضرمية وأب بنجابي ، وتربى ونشاء نشأة حضرمية صرفة وتلقى أصول الفن الغنائي من فنانين حضرميين مثل الفنان (سعدالله فرج ) وكان من تلاميذ (سلطان) وغيره ، وواكبت محمد جمعه نهضة شعرية كبيرة في حضرموت من أعلامها الشاعر الغزلي الرقيق (حداد بن حسن الكاف)(صاحب مدرسة الدان الحضرمي )والأديب الكبير الشاعر (حسين محمد البار) و(يسلم احمد باحكم)و(حسين أبو بكر المحضار)الذي كان علامة فارقة في مسيرة الفن الغنائي الحضرمي .
وتنتقل الأغنية الحضرمية مع الشاعر (حسين أبو بكر المحضار) نقلة نوعية جديدة وفي إطار جديد اكثر التصاقا بالمورث المحلي الحضرمي ، وأذ حبا الله هذا الشاعر العملاق بملكة لحنية ثرة تستلهم خطوطها العريضة من التراث الغنائي الحضرمي الأصيل والفلكلور والموروث الشعبي ، ساهمت هذه العطاءات اللحنية العبقرية في خلق الإبداع الأجمل والارقى ، وقدرت هذه الأغنية على الانطلاق إلى أعماق الخليج والوطن العربي حيث لاقت قبولا ورواجا، و قيض الله لها الفنان الكبير (أبو بكر سالم بلفقيه)في نقلها وأذاعتها في النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي .
والمدرسة الغنائية المحضارية سحبت بساط التلحين من الموسيقيين إذ أن المحضار نفسه لايقدم أغنية الا ملحنة ، وتبعه في ذلك تلامذته ومعاصريه ألا مانذر وهي في حالة(يتخلى الشاعر عن لحنه لأتاحت الفرصة لملحن أن يضع لحنه عليها)، ولكن انى لنا بشاعر وملحن عبقري كالمحضار رحمه الله .
ومن امتداد هذه المدرسة المحضارية وحامل لوائها في مدينة الشحر الآن الشاعر الغنائي (صالح عبيد باظفاري) صاحب ديواني (تغاريد القلوب )و(طرب القلوب ) ،المولود في الشحر سنة (1963)وهو شاعر كثير العطاء ومتنوع الإبداع في فنون الشعر المختلفة، وأما ديوانه الثاني (طرب القلوب ) والذي اعتبره وبحق نقطة ارتكاز لنقلة نوعية جديدة في مسار الأغنية الحضرمية الحديثة إذا تظافرت جهوده وتأثر بها غيره من شباب الشعراء الغنائيين الجدد، فإذا كان ديوانه الأول (تغاريد القلوب ) على نهج أستاذه ومعلمه الأول وراعي موهبته الشاعر(حسين أبو بكر المحضار) إلا انا نرى في هذا الديوان الجديد وفي اكثر أغانيه خروجا على هذه المدرسة والبحث عن خط جديد ينتهجه الشاعر لم يسبقه أليه أحد من شعراء الأغنية في حضرموت خاصة،فقراءة لبعض القصائد نستكشف من خلالها مدى إيغاله في استلهام الصورة الشعرية ومحاكاة الخيال ،وقد وفق في أكثرها في سبك هذه الصورة أو توصيل ذلك المعنى ،ولا نعلم إذا كانت الأيام سوف تأصل لمدرسة جديدة في الغناء الحضرمي أم لا؟ ، سؤال نترك أجابته للسنوات القادمة ، وحسبنا هنا أن نلم المامة سريعة بما صاغه لنا هذا الشاعر الموهوب من درر وقصائد جميلة وهو القائل :ـ
ركبت القوافي وخضت البحور
وكنزي كلامي على دفـتري
أدور الدوائر وزمني يـدور
وأنغام حبي صدى مزهري
هذه الثقة الشعرية التي يعلنها لنا الشاعر مامدى حقيقتها؟ .. ومامدى صدقها؟
ثم ماهي الدوائر التي يدورها شاعرنا ؟ هل هي دوائر مفرغة ؟؟ ام هي ملى ء بالهاجس الشعري الذي تمخض عن التجربة؟ أقول لاشك إنها كذلك .
(وأنغام حبي صدى مزهري)صورة جديدة وهي لاشك صدى للحداثة في الشعر العربي المعاصر،وتصادم الصورة (السمعية) والصورة (المرئية) في هذا البيت الشعري يولد هزة ايقاظية للمتلقي حيث لم يعتاد على مثل هذا التزاوج فيما سبق من موروث الشعر الشعبي أو الحميني المعروف .
إذا هنا ماهي مقدرة الشاعر على خلق أنواع جديدة من الصور والمعاني والانبهار الشعري المولد للأحاسيس الفياضة لدى المتلقي جراء التفاعل الحيوي مع هذه القصيدة أو تلك ،إن شاعرنا باظفاري يحاول جاهدا في أن يبسط يد قدرته في الخلق والإبداع على مساحة ولو ضئيلة يرتكز فيها للعطاء الذي يثري ساحته.
وثمة معطيات في ديوانه هذا هي بمثابة تقديم أوراق اعتماد هذا الشاعر لاحتلال ذلك الموقع الذي يطمح أليه ، ومن شواهد شعره قوله :ـ
نام الليل أيقظني على صباحي
على مواويل تعكر في الهوى راحي
صدى وعويل بكى اطلال ونواحي
نام الليل ونا صاحي
القاري التقليدي لهذا المطلع سوف ينفي نفيا قاطعافي أن تكون هذه الأبيات هي لأغنية حضرمية استوفت شروطها في الكلمة واللحن والأداء ،ولعله أن ترنم واسترجع لأيقن انه أمام تجربة جديدة وطور متقدم للكلمة الغنائية الحضرمية ،وسوف يعلم انه يقف على منعطف جديد في مسار هذه الأغنية ربما يكون اكثر حضورا في مستقبل أيامنا القادمة.
أن الشاعر في حالته في هذه القصيدة يضعنا أمام حالة (هلامية) يستشفها الشاعر ليرسم لنا بريشة الفنان وإحساس الشاعر معاناته العميقة وشعوره المنثور على أشعة شمس الصباح الباكر إذ لم يكن في حسبانه بأن الليل سوف ينام فجأة ويتركه مذبوحا على دكة عشقه المجروح، أن الليل لم يستوفي شروطه وخذل العاشق في انقضاء وطره منه وهي خيانة لتلك المشاعر والأحاسيس التي تتدفق ليلا عبر شلالات الإلهام والإبداع ،ويقدم لنا الشاعر تداعياته واعترافاته في هذه القصيدة بقوله:ـ
أبات عليل أسامر هم أشباحي
وحلم اطويل بداء في نور مصباحي
ووهم اثقيل حط حمله على جناحي
من أفراحي
خذا سراحي
نام الليل على جراحي .
لا يعرف أسرار الليل ألا العشاق (على اختلاف مقاصدهم) فهم وحدهم يدركون جمال تلك الساعات الجميلة وكل شي في هذا الكون الصاخب قد اخلد الى السكون ، وشاعرنا هنا قد أدرك ما لليل من أسرار (ولو جزء منها) فتلذذ بتلك السويعات القصيرة التي لم تكن على مدى حلمه ،والقاري لهذا المقطع يرى التداخل العجيب في رؤى الشاعر وتمازجها في تلك الصورة لحلحلت عناصر المأساة (حلم طويل ..ووهم اثقيل ) تلك التي اثقلت كاهله بتجربة تفتقت عن هذا المخاض .
وأشير هنا الى أن الشاعر أيضا قد مازج في بعض قصائده في هذا الديوان بين خطه القديم ونهجه الجديد في تزاوج إبداعي جديد مثل قوله في قصيدته (الأمر لك ) في المقطع الثاني دفتري أنتي رسمه تصوري ** تذكري قبل تقسي وتهجري
في آذاني وشوشي
لأ جل روحي تنتشي
يالي حبك صار عندي كل شي .
صورة غزلية لم تكن مالؤفة في الشعر الغنائي الحضرمي (دفتري أنت رسمه تصوري ) لاشك انه خلق جديد وتكوين جميل يشرئب بطلعته البهية نحو المستقبل ، ومثل شاهده هذا شاهد آخر من قصيدته (بكره لازم نلتقي )يقول فيه:ـ
نزرع الآمال في صحراء الأماني والعذاب
والمبتلي ياقطب قلبه ياعذابه
يسقي الأحلام في الأوهام من ماء السراب
يحـصد طيوف الليل هم حبه سرى به
مسكين ماذاق الهناء ** يزرع ولايـحصد جناء
من الـحب له ماشي بقي
و شاعرنا باظفاري (الظاهر)انه لم يكن من الـموفقين في دنيا العشق والغرام ،ولم يكن أيضا من البارعين في جذب الطرف الآخر واستحواذه على مشاعره وحبه ، لذا نراه دائما في قصائده من المنكسرين المتذليين لعطف الحبيب ورقته والذي غالبا مايكون هذا الحبيب وهذا الحب من نسيج وهم الشاعر الذي لم يتمكن من بغيته ،وحتى أن بداء في افقه بارقة عطف عابرة فهي ضئيلة لا تروى عطش الشاعر، بل تبل ريقه فيتقبلها على مضض راضيا بما فاز به من مطلب يسير وربما تكون في حجم الابتسامة البريئة أو الضحكة الخجولة،او النظرة الساهية، وهو يخاطب ذلك المحبوب بقوله:ـ
مدائن عشقي الواله ذابت في هوى ريفك
على كيفك عمل أنت على كيفك .
وحسبي هنا أن اقدم هذه النماذج من قصائد هذا الشاعر الذي نأمل منه المزيد من العطاء والابداع

[الشبامي]

شكرا لك من الأعماق اخي القدير عمر خريص
ونأمل وبأنتظار شاعرنا المبدع صالح عبيد باظفاري هنا في سقيفته مشاركا بأبداعاته الشعريه الجميله ومعلما للشعر الأصيل
نأمل ذلك!!!!!!!
وفي الأنتظار!!!!!

[عبود الشحري]

والله فرحتوا قلبي ياعيالي يوم يبتوا شاعر من الشحر
ياسلام عليك ياولدي عمر خريص
وولدنا باظفاري مايحتاي كلام ولا ناغلطان؟

[عمر خريص]

هلا والله عمنا عبود

حاشا لله ماانت غلطان

وان شاء الله تشوف المزيد بأذن الله
مشكور عمنا الغالي .

[أبوعوض الشبامي]

.
موضوع جميل عن شاعر موهوب له مستقبل في هذا المجال ويبشر ان حضرموت رحم المبدعين وانها بخير وقد قرأت لك موضوعك عن الشاعر قبل أكثر من شهرين تقريبا في الثقافية التي تصدر في صنعاء
وكنت في البلاد اثناء الإجازة واعجبت بإستعراضك يالولد خريص وبارك الله فيك على هذا التواصل نحو التعريف بإبداعات شعراء حضرموت والفن الحضرمي ...!!

[عمر خريص]

الحمد لله على سلامة وصولك عمنا ابو عوض
تكتمل سعادتنا بوجودك وحضورك
وشكرا لك على تكرمك بالتعليق
والموضوع كما قلت نشر بالثقافية .. واهتماماتي دائما حضرمية صرفة وهذا من واجبنا كشباب سلك هذا الطريق لعلنا نصل بأذن الله الى مايشفي صدور الحضرميين
تحياتي لك يااستاذنا .. وانستنا.