التعليم بين ثورة إبن مضاء القرطبي والسيد أحمد بن حسن العطاس ...!!!

[أبوعوض الشبامي]

.

كنت قبل ساعة أراجع مقرر مادة النحو لإبنتي الطالبة في الصف الثالث المتوسط ..!! والحق يقال فقد أصبت بالوعثاء والغثيان...فما بال هذه الطالبة المسكينة التي أقحم عليها من وضعوا مقررات المناهج التعليمية بما ضاق به قبل ألف عام إبن مضاء القرطبي وأعلن حينها ثورته على نحاة المشرق وكأنه يتحدث بلسان عصرنا رغم أنه بيننا وبينه ألف عام من الزمن تقريبا .
شن إبن مضاء القرطبي حملته الشعواء على النحاة وماذهبوا إليه من مغالات في القضايا النحوية والصرفية في كتابه ( الرد على النحاة ) داعيا الى تخليص النحو العربي مما علق به من أعباء تـثـقل اللغة العربية و يعرقلها .
وقد استهل كتابه بقوله ( أني رأيت أن نحاة المشرق ضلوا وأضلوا الناس في وعثاء النحو وماشابهه )
واخذ إبن مضاء القرطبي يدعوا إلى حذف ما يمكن أن يستغنى عنه وينبه الى ما أعتبره اجماعا منهم على الخطأ ..!!
ولو أخذنا بالعمل بما جاء في كتاب إبن مضاء القرطبي فإن مجمل المقرر للفصول الدراسية سيحذف .. بالرغم اننا سنبقى نعاني من المتعصبين للغة الضاد وان ماقاله ابن مضاء عنهم قبل ألف عام لايروق لهم وسيردون بأن يكلفون المقررات ماضاقت به الأجيال كما قد ضاق به من قبل إبن مضاء القرطبي !!!

و الحديث بالحديث يذكر وفي كل عصر يظهر دعاة للتجديد ، فقد كان التعليم في حضرموت في أوائل القرن الماضي يعتمد أن يدخل أحدهم دور التعليم (( اربطة )) فيلتف وزملاءه حول شيخ ويأخذون في قراءة كتب الفقه المعقدة الاساليب المتحجرة المعاني ، وعلى الطالب أن يحفظها ويستظهر مسائلها ، حتى أتى السيد احمد بن حسن العطاس ( رحمه الله ) ففطن في زمانه إلى النقص في التربية التعليمية في حضرموت ، وقد كان كثيرا من ارشادته ودرر أحاديثه ينعى على الشيوخ طريقتهم التعليمية ويستحثهم الى استبدالها ، وتحاشي الكتب الدينية المعقدة والمحشوة بالفروض والتقديرات التي هي أبعد ما تكون عن الواقع الممكن ، والانصراف نحو الكتب التي تتبنى مسائلها على الدليل والتعليل وتبتعد كل الابتعاد عن الفروض والتقديرات التي لا تدخل دائرة الواقع والممكن . وكانت كتب كثيرة تحظر قراءتها في مجلسه لاشتمالها على ما لايرغب فيه خوف تسمم الأفكار من تعقيداتها ، وكانت بعض الكتب يقروءها ويأمر بقراءتها ويقول : (( ناخذ مايصلحنا وندع ما لايصلح )) وطريقته جاءت لتهدم النظرية التي درج عليها شيوخ العلم في حضرموت ، ووضعت حجرا لأساس التعليم التجديدي في حضرموت ، وأتت بثمرها ونتائجها وانعكست فيما بعد على التعليم الديني واللغوي في حضرموت .




.

[أبوعوض الشبامي]

.
لا أحب أن يصاب القاريء لمواضيعي بالملل كالملل من طول ليل الشتاء ، أو كمللنا من بعض الكتاب الذين يجترون الفكرة من وسط الفكرة والدوران في نفس الموضوع كدوران البعير حول قطب المعصرة ....، إن موضوع مناقشة التعليم ومناهج التعليم واسلوب التعليم في بلادنا قد يصيب الكثير بالملل ويصيب أصحاب هذه المهنة والمختصون فيها من اساتذة ومربيين بالملل من كثر ة النقاش والحديث عنها.
ولا نريد أن نقحم اعضاء السقيفة في مناقشة موضوع يتصف بالتعقيدات في كل البلدان العربية ، حيث تغيب حرية الفكر وعدم التقيد بآراء الغير ولو كان هناك ألف برهان يثبت صحة ذلك الرأي ، كما ثبت ابن مضاء القرطبي صحة رأيه في اسلوب تدريس النحو والصرف العربي .
وكما جاء من بعده السيد أحمد بن حسن العطاس وأثبت أن اسلوب التربية والتعليم في حضرموت يعتمد على تربية سقيمة لا تساعد على القاء حرية الرأي ، بل تنشيء جيلا ضعيفا يقدس أحاديث من سبقوه ويحافظ على امانة الإرادة فيه ، حتى إذا ما بلغ طالب العلم مبلغ الرجال وغدا شيخا تجده يتردد في كل أمر مسبوق إليه عن الأقدام عليه، إذ يتخيل أنه قد يكون مخطئا فيه ، وهذه المدرسة النمطية التقليدة الحضرمية أثرت في اسلوبها على تكوين الشخصية الحضرمية المترددة والتي توصم كثيرا بأنها سلبية ، وخرجت لنا اجيالا من شيوخ العلم أثروا على الاساتذة والتربيون من بعدهم.
لأنها أعتمدت على نظرية تربوية تقول (( أمت نفسك ولا تحسبها شيئا ، وإذا رأيت أي أحد فعده خيرا منك بمراحل ، وإذا قال أحد برأي فاحسبه أصوب منك ..)) لأن ذلك في رأيهم من حسن الظن بالغير وإن كان حسن الظن أمرا محمودا ، ولكن المبالغة فيه صار مذموما .
ومن العجيب أن نطالب من أثرت عليه تلك المدرسة التربوية التقليدية أن يكون حرا في تفكيره ومبدعا في رأيه ، متحررا من أغلال ذاته المعقدة ، يتقبل رأي غيره برحابة صدر ، متخلصا من جموده الفكري وجبنه الأدبي .



.

[أبوعوض الشبامي]

.


لعل الكثيرون منكم يجهلون شخصية العالم والتربوي الفاضل السيد أحمد بن حسن العطاس ( رحمه الله ) وهو من مشاهير علماء حضرموت وقال عنه الأستاذ علي أحمد باكثير ( رحمه الله ) في محاضرة القاها في عدن سنة 1351هـ.
(( وأما علمه ومعارفه فيكفي أن يقال إن حضرموت لم تنجب مثله منذ زمن طويل ، وإنه لايوجد فيها عالم بمعنى الكلمة في القرون الأخيرة غيره ، وغير أفراد يعدون بأنامل اليد الواحدة ، فقد كان راسخ القدم في علوم الحديث والتفسير واصول الفقه وفروعه ، مكينا في علوم العربية بكل فنونها ، طودا شامخا في علوم التاريخ والسير وتراجم الصحابة والتابعين ومن يليهم في مختلف القرون من علماء الإسلام وصلحائه ، وكان يعني عناية خاصة بتواريخ حضرموت واليمن ، وينقب عنها في كل مكان ويبذل كل مرتخص وغال في سبيل الحصول عنها، حتى جمع في مكتبته ( بحريضه ) الشيء الكثير مما لم يجتمع لأحد غيره، وبلغ به اهتمامه بذلك أن كان ينقب عن بعضها السنين الطوال فقد كان يبحث عن تاريخ (( شنبل )) ولم يظفر به إلا بعد عشرين سنة . وهكذا كان دأبه لا يتوانى عن التنقيب والبحث على سائر الكتب المخطوطة والأسفار العزيزة النادرة في مختلف العلوم والفنون ، فقد كان لايبالي بالمال في سبيل شرائها واستجلابها واستنساخها ، أما الكتب المطبوعة فعنده مجموعة كبيرة وكان لايكاد يسمع بكتاب يظهر في عالم الطباعة حتى يبادر الى استجلابه بلغت قيمته ما بلغت )).

تلك لمحة رسمها لنا في محاضرة قالها قبل ثمانون عاما الأستاذ علي أحمد باكثير عن شخصية هذا العالم المجدد، والتربوي الفاضل التي اعطت مدرسته التعليمية والتربوية أعظم ثمراتها ونتائجها ، تمثلت في رعايته بالتربية والتعليم والتهذيب لرجال أفذاذ منهم على سبيل المثال العالم والمؤرخ السيد علوي بن طاهر الحداد ..وتواصلت نتاج هذه المدرسة الفكرية لتتحرر من قبضة تلك المدرسة التقليدية القديمة التي كانت تحشو العلم حشوا في رؤوس الطلاب وتحجر عليهم الحداثة في التفكير.

و من ثمارهذه المدرسة التعليمية التحريرية الفكرية برزت في حضرموت شخصيات فكرية طموحة منها التربوي المعروف السيد محمد بن هاشم ، وهو الذي وصف حال التعليم في حضرموت في ذلك العصر وقال عنه ((
حضرموت كلها ليس بها للمعارف سوق ولا رواج، وإن وجدت بها كتاتيب للأطفال فإنما هي أمكنة حقيرة ، وظيفتها إخراج من يؤمها من عمق الأمية إلى طريقها ، وفي أمهات المدن كتريم وسيئون وغيرهما معاهد مبعثرة مقتصرة على تدريس الفقه والنحو وسرد شيء من التفسير والحديث وكلام الأسلاف )) .وايضا خرجت هذه المدرسة التحديثية السيد علي بن عقيل بن يحيى ، صاحب شخصية تميزت بحدة الذكاء وبعد النظر و سعة العلم وسمو الفكر وثراء الحس الوطني وعزة النفس ، وهذه السجية التي صنعت من هذه الأسرة رجالا أفذاذا نذروا أنفسهم لخدمة أمتهم بقوة العلم وبعد النظر و بشجاعة وكرامة لا نظير لها وكان لهم السبق والتفرد في كثير من الشؤون التي سطرها لهم التاريخ وفي كل ذلك كان الذات فيها آخر اهتماماتهم و على هذا النهج الراسخ سار المفكر والأديب والمربي والصحفي السيد علي بن عقيل بن يحيى ( 1923 ـ 1987 م ).

فقد حفظ وهو دون العاشرة نهج البلاغة وألفية ابن مالك و تتيم بالمكتبات وتعلق بها ، وفي ذلك العمر تقريبا أسس مدرسة ( منهل العلم ) لتعليم الفلاحين و كان الرائد الأول لمحو الأمية في وادي حضرموت بتمويل ذاتي , و في حداثة عمره أصدر صحيفة ( الحلبة ) و تعددت بعد ذلك إصداراته للصحف والمجلات و مشاركاته في العديد من صحف حضرموت و اليمن والوطن العربي ومن خلال هذا التفاعل ظهر توجهه القومي ومناهضته للاستعمار البريطاني الذي بدأ مبكرا منذ كان صبيا في قريته المسيلة حين حرض المزارعين على عصيان أوامر المندوب البريطاني بدفع ضريبة النخيل وفي عام 1944 التحق بالمدرسة العسكرية بالمكلا التي هرب منها لاجئاً إلى مسقط رأسه المسيلة متخفياً عن طلب محاكمته على تحريضه لطلاب المدرسة بعدم أداء تحية العلم البريطاني.

وأسس في هذا الأثناء أسس في المسيلة ( الغرفة الأدبية ) لإقامة الندوات و المحاضرات وإتاحة القراءة وإعارة الكتب للجميع ، وبعد عودة الأستاذ شيخان الحبشي من العراق تكثف نشاطهما السياسي ميدانياً لتوحد عموم حضرموت وتعزيز لحمة أبناء الوطن , كما أسس لجنة لجمع التبرعات لدعم فلسطين .

وفي 1947 ترأس أول بعثة طلابية من حضرموت إلى دمشق وهناك مارس توجهاته السياسية فتجاذب الرغبة مع قادة حزب البعث العربي الاشتراكي هناك حيث انتهى ذلك بانضمامه و حضوره المؤتمر التأسيسي و تمكن من خلال ذلك تحقيق الكثير من المكاسب لأبناء حضرموت وعدن و عموم اليمن حيث كان ملاذ للجميع في مختلف المعضلات الشخصية والرسمية .


إذا لم أهز الشعر يوما لنخوتي .....نبذت حياتي لا علي ولا ليـــا
وإن لم أقل شعري قوافي شردا.... تثير إذا ما نمـــت ليلي النواديا
أبيت انتمائي لأمرىء القيس مربعا... وجافتني الأحقاف سفحا وواديا


..

[أبوعوض الشبامي]

أي بنيتي !!!
إن ذاكرة أباك سجل حافل تلم ببعض من تاريخ بلاده – حضرموت – وطالما أن شرح درس النحو لك ، وتضايقه من هذا الحشو في هذا المنهج ، إلا ان الخوض في التعليم قد نبش من ذاكرته التي قرأت عن تاريخ التعليم والعلم في حضرموت اشياء كثيرة .... فدعيني استسمح القراء في التطرق الى تاريخ العلم والتعليم في حضرموت وهو تاريخ شيق وجزء من تراث وتاريخ شعب شأنه شأن بقية ابناء الأمة العربية في تلك القرون الماضية .
حيث كانت تعتبر الكتاتيب والأربطة التعليمية تقليدا سلفيا ، قبل أن تظهر المدارس وتضع التحديث والتجديد للتعليم السلفي الذي كان اساسه المسجد وإن لم يكن فيه فإن ملحقا بجانبه بدأت منه تنشأ حلقات التعليم للصغار وحلقات الدروس للكبار.
كانت الناس تطلق على الكتاتيب اسم (( العُلمة )) أو (( المعلامة )) وهذه العلمة هي أماكن تم تخصيصها لتعليم الأطفال الصغار حروف الأبجدية وحفظ قصار السور من القرآن الكريم ، وكانوا يطلقون على الشيخ او الأستاذ الذي يقوم بهذه الوظيفة (( المعلم )) وغالبا ما تكون الصلة قوية بين (( معلم المعلامة )) والمسجد . وقد كانت مهمة (( المعلم )) ايضا الاهتمام بشؤون المسجد كالأذان والصلاة بالناس فيه .
وفي مدن كثيرة من حضرموت ترسخت تقاليد مورثة تمثلت في أن يكون لكل معلامة معلمها الذي أسسها أو أوقف مالا عليها وعلى المسجد الذي بقربها ، ليضمن استمراية التعليم المجاني فيها وغالبا ما تنتقل مهنة (( المعلم )) الى اسرته أي ان كثيرا من الأسر كانت تتوارث هذه المهنة وتعدها شرفا عظيما لها .
وفي تلك المعلامة – العلمة - كان الصبيان يستخدمون ادوات وتجهيزات بسيطة جدا كاللوح في الكتابة ، وكانوا يعتمدون على مقدراتهم في الحفظ بالتكرار او ما يمليه عليهم ( المعلم ) أما أثاث المعلامة فإنه لا يتجاوز الحسير (( إن وجد )) للجلوس عليه وهم محتلقين من حول (( المعلم )) وبيد كل واحد منهم لوح من الخشب أو المصحف الشريف وتسمعهم من حول معلمهم تتعالى اصواتهم بترديد ما يملى عليهم أو يتم تلقينهم به.

حتى إذا ما استطاع الصبي أن يلم بأبجديات الكتابة والقراءة ، وأن يحفظ من القرآن الكريم ما استطاع حفظه ، وساعدته الظروف وكان من عائلة ميسورة نوعا ما وتحرص على العلم فإن هناك الأربطة الدينية وسميت هذه الأربطة بالرباط لأن طلاب العلم القادمين اليها كان عليهم الرباط فيها وملازمة حلقات الدروس واظهار المثابرة والجد في تحصيل التعليم . واشتهرت في حضرموت كثيرا من هذه الأربطة الخاصة بتعليم الكبار لعلوم الشريعة والعقيدة واللغة العربية .
كما أن لمدينة تريم شهرة كبيرة في وجود هذه الكتاتيب (( المعلامة )) ووجود الزوايا التاريخية منها زاوية الشيخ سالم بافضل ( 581هـ ) تقع في الخليف والتي ساهمت في خدمة النشء ونشر العلم بين الصغار والكبار وكانت تعتمد على تقسيم الطلاب على مستويات وتتخذ من طريقة الحلقات اسلوبا في التدريس اليومي ويقوم الطالب بقراءة النص من كتب المراجع الدينية ويتولى المعلم شرح الجمل والعبارات .
وايضا (( معلامة الشيخ سعيد باغريب )) التي انشأت في القرن الثامن الهجري في حارة السحيل واهتمت بتدريس القراءة والكتابة والعبادات والحساب .
وكذلك المعلامة الشهيرة (( معلامة آل باحرمي )) انشأت في القرن الثامن الهجري وتؤكد الوثائق ان الذي انشأها الشيخ احمد بن محمد بارشيد وهو الذي بنى مسجد بارشيد في حارة الخليف .
( زاوية مسجد سرجيس ) تأسست سنة 807هـ وتقع في حارة السحيل وقد أسس هذه الزاوية الشيخ سعد بن علي الحضرمي التريمي وهو المعروف بسعد السويني .
وهناك معلامة قبة( ابومريم ) انشأت سنة 800 هـ . وزاوية الشيخ علي بن أبي سكران انشأت سنة 880هـ . وزاوية الشيخ حسين بن عبدالله العيدروس انشأت سنة 881هـ . وزاوية الشيخ بروم انشأت سنة 920هـ .. وغيرها من الزوايا التعليمية كانت منتشرة في تريم يؤمها طلاب العلم من مناطق متفرقة من حضرموت.
ومن هذه (( العلمة ,والزوايا ، أوالأربطة )) تخرجت أجيال من العلماء والفقهاء والأدباء والمؤرخين وعلماء اللغة العربية في حضرموت حتى مطلع القرن التاسع عشر حين انعكست آثار الهجرة الى بلد الشرق والهند على المدرسة التعليمية التقليدية في حضرموت بعد ان وقف الحضارمة هناك على مراكز النهضة التعليمية الحديثة حدثت خطوة متقدمة في أسس التعليم في حضرموت فمس التطور زوايا التعليم فبدأت تتطور نحو معاهد دينية ، وقد أنشأ السيد علي بن محمد الحبشي عام 1292هـ رباط سيئون وفي تريم انشأ بعض الأثرياء من آل الحداد وآل الجنيد وآل السري وآل عرفان ، رباط تريم وكان ذلك سنة 1305هـ . وقد أدت هذه الأربطة المعاهد الدينية دورها التعليمي . وبقيت (( المعلامة – العلمة )) أيضا تؤدي دورها في تعليم الصبيان مبادئ الكتابة والقراءة .حتى بدأت تظهر المدارس الأولية الأهلية .
وقد كان ظهور المدارس الأهلية في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى ، حيث انتعشت هجرة الحضارمة نحو الهند والشرق ودول سواحل أفريقيا الشرقية ، وأستطاع الكثير من العلماء والمثقفين والتجار في تلك المهاجر من تكوين ثروة كبيرة ساهم البعض منهم في الاصلاح التعليمي في حضرموت خاصة في انشاء المدارس الأهلية التي كانت البذور الأولى لنشوء التعليم الإبتدائي في حضرموت .وكانت مدرسة ( السيد سالم بن علوي الجفري ) التي تأسست سنة 1905 م أول مدرسة أهلية في حضرموت وكانت تقع في قرية (( تريس )) وحين أنقطع التمويل عنها من جاوه أغلقت سنة 1943م وبعد أن مضى خمسة عشر عام على اغلاقها أعيد فتحها ك مدرسة ابتدائية حكومية سنة 1957م .
أما في سيئون فقد ساهم المهاجرون من ابناءها في الشرق الأقصى الى حاجة مدينتهم للنظم التعليمية الحديثة وضرورة احداث نقلة تعليمية في سيئون فقد تزعم هذا الطموح التعليمي السيد سقاف بن محمد السقاف وجمع التبرعات لهذا المشروع التعليمي و تكلل هذا المجهود بالنجاح وفي سنة 1920م تم افتتاح مدرسة النهضة العلمية في يوم تاريخي من ايام العلم والتعليم في سيئون فقد خرج في هذا اليوم طلبة المدرسة في صفوف منظمة يجوبون شوارع سيئون وهم ينشدون

اليوم يوم التهاني ايها البشر ......... سعيا الى نزل الخيرات نبتدر
بيت تؤسس التقوى دعائمه ......... ومنه كل فنون العلم تنتشر
لازال بالعلم معمورا ومرتقيا....... شأ العلى منه تنمو القادة الغرر

وفي عام 1923م تم تعيين الأستاذ والكاتب المعروف علي أحمد باكثير مديرا لهذه المدرسة (( مدرسة النهضة العلمية بسيئون )) .



.

[عبدالقادر صالح فدعق]

حسبي الله ونعم الوكيل !!

أين أعضاء السقيفة من قراءة هذا الموضوع والتفاعل معه وإن ليس لدى أحد من إضافة فكما يقولون لا عطر بعد عروس ., في أقل تقدير يتوجب الشكر لكاتب الموضوع والذي قام ببذل الجهد الوظني لكتابة هذا الموضوع ...

ولكن عش دهرا ترى عجبا ..

لا يسعني إلا ان أشكرك لتطرقك الى موضوع جميعنا نعاني منه فتعقيد المقررات فعلا أضحى وبالا علينا جميعا وعلى أبنائنا ..

شكرا لك على هذا الموضوع الرائع ..

.

[أبوعوض الشبامي]

.

تسارعت حركة وتيرة اساليب الحداثة والتطور في مسيرة النهضة التعليمية في حضرموت حين قرر المستشار البريطاني ( هارولد انجرامس ) عقد معاهدات الصلح بين القبائل وترسيخ مفهوم بنية الدولة الحديثة في الوعي الحضرمي الذي كانت تعصفه الاضطرابات والفتن الداخلية حتى غيبته عن مهامه الوطنية والاجتماعية والتعليمية والاقتصادية . فقد اعد المستشار ( انجرامس ) تقريرا عن الحالة التعليمية في حضرموت ورفعه للحاكم العام البريطاني في عدن وارسلت ادارة المستعمرات البريطانية في عدن خبيرا بريطانيا وهو (( المستر قريفت )) خريج جامعة اكسفورد عام 1922م وسبق له ان عمل في الهند ثم مفتشا للتعليم في السودان سنة 1929م ثم عين عميدا لمعهد بخت الرضا بالسودان عام 1934م وقد وصل هذا الخبير البريطاني الى حضرموت سنة 1938م ووضع خطة على مراحل المرحلة الاولى لمدة عشر سنوات تقتضي تطوير التعليم في حضرموت وهذه الخطة كانت هي الأساس الذي نهضت به الحركة التعليمية الحديثة في حضرموت ، وتم اعتماد مقررات من المنهج السوداني منهج معهد بخت الرضا ، وقد لاقت هذه الخطة التحديثية للتعليم قبولا وارتياحا عند البعض وحذرا شديدا من لدن دعاة المحافظة والجمود . ومن اهم الشخصيات الحضرمية التي كانت تدعو الى الاسراع بتطبيق هذه الخطة على شكل واسع هو السيد ابوبكر بن شيخ الكاف الذي كان ينادي بالتعليم الحديث .
وقبل ان يغادر المستر قريفت حضرموت رشح من بعده من يتولى تنفيذ البرنامج التعليمي الحديث في حضرموت ولم يجد كما قال في تقريره للحاكم البريطاني في عدن شخصا طموحا كشخصية الشيخ القدال سعيد القدال (( لقد حصلت لكم على ما اعتقد على الرجل المناسب وعمره 36عاما وهو ذو شخصية قوية وذكي ومدير ناجح يمتلك مقدرة غير عادية )) .

تولى الشيخ القدّال ( سوداني الجنسية ) مسؤولية مساعد المستشار للشؤون الثقافية في كل من الدولة القعيطية والكثيرية ، وكانت شؤون التعليم تأتي ضمن نطاق دائرة عمله ، وحين توسعت الحركة التعليمية في حضرموت اصدر السلطان صالح بن غالب القعيطي امرا بتعيين الشيخ القدال ناظرا لمعارف الدولة القعيطية .
والفضل يعود لتطبيق خطة تحديث التعليم في حضرموت لهذا الشيخ القادم من السودان الشقيق (( القدال )) والذي عمل بجهد واجتهاد ومثابرة على قيادة تطوير الحركة التعليمية الحكومية الحديثة في حضرموت من عام 1939م حتى عام 1950م وقد حقق في تلك الحقبة التاريخية ما يقاس بطفرة تعليمية في حضرموت وثورة صنعت الانجازات الكبيرة بامكانياتها المتواضعة .

وفي الدولة الكثيرية فقد تم تعيين السيد علي بن شيخ بلفقيه أول ناظر لمعارف الدولة الكثيرية وذلك في مارس سنة 1949م . وانتشرت المدارس الحكومية ما بين 1949م – 1967م في ارجاء الدولة الكثيرية ، وتطور التعليم بشكل لافت للانتباه وتم افتتاح اول مدرسة ابتدائية للبنات في سيئون سنة 1959م . وفتحت أول مدرسة متوسطة بالسلطنة الكثيرية سنة 1957م في مدينة سيئون . وفي عام 1961م كلفت المستشارية البريطانية ناظر معارف الدولة الكثيرية السيد علي بن شيخ بلفقيه وضع الترتيبات لفتح مدرسة ثانوية بسيئون وقد استغرقت تلك الترتيبات اربعة اعوام وافتتحت المدرسة الثانوية بسيئون سنة 1965م .

أما عن التعليم في مدينة شبام فقد تعمدت لجنة في سيئون أوكلت إليها مهمة تسجيل و توثيق تاريخ التعليم بوادي حضرموت فوضعت كتابا عن (( التعليم في وادي حضرموت )) صدر سنة 2006م. أن أقصوا تماما ذكر التطور التعليمي في شبام، بل وتجاوزوها أن ذكروا دوعن والهجرين وحوره والقطن ، مما ترك ردودا غاضبا من قبل المثقفين في مدينة شبام، و من قداماء المدرسين والتربويين ، الذين رأوا أن هذا التهميش المتعمد لا يقلل من شأن تاريخ الحركة التعليمية في شبام . ولكن يجب الاعتراف بأن المسؤولية أولا وأخيرا تقع على عاتق ابناء هذه المدينة خاصة من المهتمين منهم والذين تجاهلوا كتابة تاريخ مدينتهم شبام، ثم غضبوا وحملوا غيرهم وزر عجزهم وتقاعسهم في كتابة تاريخ شبام تاريخا علميا منهجيا يغطي جميع الجوانب .
والحديث عن تاريخ الحركة التعليمية في شبام سنخصص له جزءا لاحقا بإذن الله تعالى .



.



.