توثيق التراث ... لا توثيق بنيات الأفكار ...!!!

[أبوعوض الشبامي]

تفاجأت من رد أحدهم على سؤال سائل في سقيفة عذب القوافي حول (( الكتاب والمراجع الذي يلجأ اليها في نسخه للقصائد ))؟؟ فكان جواب احدهم على السؤال :

(( قد تفاجأ إذا ما قلت لك أن معظم الذي أكتبه هنا من الذّاكرة ومن بنيّات أفكاري ومن أوراقي القديمة وكتاباتي المستندة إلى مراجع. ))

فرجعت الى كتبات صاحب (( بنيات الأفكار )) فلم أجد ذكرا لإسم مرجع واحد .. لهذا مثل هؤلاء يسيؤن للتراث والشعر الشعبي الحضرمي اساءة بالغة وكبيرة ... يسيؤن حين يدعون بأن مراجعهم (( بنات أفكارهم )) ؟؟
يسيؤن حين يتطاولون على توثيق التراث دون تمحيص وتحقيق ..!!

وهنا لعل القارئ المتأمل في كتاب (( نثر وشعر من حضرموت )) خاصة جزء الشواهد (( الأدب العامي في حضرموت )) للمؤلف سيرجنت والمثبت في هذه السقيفة يلاحظ القارئ كيف كلف نفسه هذا الباحث الانجليزي التحقيق والتدقيق في القصائد الذي جاءت ضمن الشواهد ، وكيف أنه يذكر في الحواشي الاختلاف والفرق في رواية بيت أو كلمة واحدة بين (( رواية رحيم .. ورواية باحشوان ... الخ)) هذا كمثال استدل به ، ناهيك أن هذا الباحث الانجليزي كان يقطع المسافات البعيدة في ذلك العصر (( 1949م )) ليتحقق من كتابة مقامة أو قصيدة حضرمية من شخص قيل له أنه يحفظها كاملة ليتحقق من الرواة وإن بعدت بينهم المسافات.

فالتحقيق مسألة مهمة ومضنية وشاقة ، وله اصوله يجب أن يلم بها الذي يتولى البحث والكتابة في الأدب الشعبي وما قاله الجاحظ في كتابه (( الحيوان )):
(( ولربما أراد المؤلف أن يصلح تصحيفاً أو كلمة ساقطة فيكون إنشاء عشر ورقات من حرّ اللفظ وشريف المعنى، أيسر عليه من إتمام ذلك النقص حتى يردّه إلى موضعه من اتصال الكلام)) توضيح يبين مدى العناء الذي يلقاه من يكابد مشقة العمل على إصلاح النصوص الموجودة والتحقق منها .

وتراثنا الحضرمي لم ينل من اهله العناية والاهتمام ، وكثيرا من تراثنا (( شعره ونثره )) لم يخرج إلينا بالشكل العلمي المناسب ، أو أنه بات فيه كثيرا من النقص ولاسيما بعد وفاة أصحابه ، لهذا يحتاج لمتخصصين أكفاء من ذوي المؤهلات الأدبية والعلمية ، والملمين إلماما كاملا بكل جوانب التراث واساليب تحقيقه وتوثيقه. لأن الخوض في كتابة التراث ليست نزهة للهواة أو المتسلقين على الكتابة والبحث أو من الذين يتبنون ما جادت به (( بنات أفكارهم )) .

لذا يتملكني العجب حين أقرأ في احد السقائف من يكتب (( بأن أقدم قصيدة ، تاريخها: 1254 هجرية شــوال 1254هجرية ـــ الشاعــر : سالمين بن منيف الكثيري )) فإذا كانت هذه القصيدة هي في نظر من هو محدود في هذا الحد من الثقافة و ومعرفة تاريخ الشعر العامي في حضرموت لعذرناه ، ولكن ما نخشاه أن (( بنات أفكاره )) تدفعه أن يتسرع ويتسلق على التأليف ويثبتها في احد كتيباته ، فتكون وثيقة ومرجعا للذين يأتون من بعده ويظنون كل الظن أن الشعر في حضرموت بدأ بقصيدة سالمين الكثيري سنة 1254هـ . وقصيدة الشاعر الكثيري ليست سوى قصيدة جاءت بعد قرون من الشعر العامي في حضرموت ولا تحتل أعلى سلم الابداع في الشعر العامي في حضرموت . ولعلكم اطلعتم عليها في سقيفة عذب القوافي باخطاءاتها اللغوية كما جاءت على ما اعتقد في كتيب طبع قديما . في حين لم يكلف ناقل القصيدة نفسه عناء التدقيق أو التحقيق عنها .
فلو تفحصنا القصيدة لأدركنا أن بعض الأبيات والكلمات لها رواية مختلفة فتعالوا نتأمل الاختلاف الذي من شأنه يرجح الصحة في النقل.



أبدي بمن يعلم حالي وادرا = وقط ما يخفى على الله خافـي (( ويدرى ))


أغفر لعبدك إذا أتى القبرا = تحصل أمانة من ذنوب اتحافي (( إتخافي ))


فقلت: يالهاجس رويد الصبرا = قد لي زمن ونا غديت أوطافي (( رويدك صبرا )) (( ون غديت أوضافي ))


مثل المكاسر لي تقع في المحرا = يا غارة الله منهـا ياكافي (( المجرا ))


تخرج عساكر من قبيلة عثـرا =رميانها تخرج مع السّياف (( من القبله ))



واهل الحساويات كم من بترا 8 = واهل الطّبنيات والشلاف (( الطبنجات ))



سر به على الحذّاق والعرّاف = وإن كان انا زليت ياما يِجْرا (( وإن كان أنا زليت ياما يجرا = سر به على الحذّاق والعرّاف))

من عندك الفتوى وجوب شافي = والفي صلاتي عد قاري يقرا (( والفي صلاتي عد قاري يقرا = من عندك الفتوى وجوب شافي ))



.