الهداه ( بيت الطفل الرضيع )

[عبدالرحمن جبر]

الهداه ( بيت الطفل الرضيع )
الموضوع طويل .. بس ياريت تقرأوه ونشوف انطباعاتكم وتعليقاتكم بعد القراءة ....
ما إن يبصر النور الطفل حتى ترى حباباته إلى جانبه وقد جهزن ملابسه المصنوعة من الشاش وبعض قطع القماش تخيط ثوب يرتديه وعلى رأسه ( الكمة ) المزقشة بالقياطين على الأطراف الأمامية ، وقبل أن يرتدي ملابسه تأتي إمرأة خاصة تسمى ( المنفسه ) أو أحد حباباته تغسل الطفل بالماء الدافئ وينشف ثم تعرضه للشريقة ( أشعة الشمس عند الشروق ) وتفتح الشنطة المعدنية التي بداخلها كل البلاوي المر والعفور ( العطور ) والكحل والسليط العربي والنارجيل ويخططون السقلة ، الكحل في العيون والحواجب والمر على أنفه و جبهته وفي راحة يديه وببطن قدميه والعفور على وجنتيه وخلف أذنيه ، ثم يلف في قطعة شاش بيضاء ويرقد بجانب أمه لتراه النساء اللواتي يأتين للشمة ( التهنئة بقدوم المولود ) .
وما أن يصبح الطفل المولود إبن شهر أو أكثر ويحس بمن حوله ترى الحبابات منهمكات في تدليله ومداعبته ومسرورات بالحفيد ولا تغيب عنه أو تبتعد , لمجرد إنها تسمع صوته تأخذه على طول وتجلسه على رجولها واضعة يدها على مؤخرة رأسه ويد أخرى أسفل فمه حتى لا يميل إلى الأمام أو للخلف وتنود به وبصوت رقيق على مقام سجع تترنم الحبابة بترديد الشهادتين وبلحن جميل وصوت هادئ :
لا إله إلا الله محمد رسول الله
لا إله إلا الله الحي والدائم الله
لا إله إلا الله على النبي صلاة الله
لا إله إلا الله لا غفلة من ذكر الله
فالطفل لا يسمع إلا توحيد الله عز وجل و الصلاة على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم , هذا عندما يكون صاحي وبدأت عليه علامات الضجر ، أو بدأ بالصياح فتراه يهدأ ويطرق سمعه ويحرك عينيه ..أما إذا ظهرت عليه علامات الأرق والنوم تضجعه على فخذها وتهز به الى أعلى وأسفل بحركة خفيفة مع صوت هادئ ومنخفض وهي تقول :
الووه .. الللووووو ه.. حمودي با ينام
أوو .. وه أوو .. وه نومه نوم الحمام
نومه نوم الحمام ولا يشوف الهم
ولا يشوف الهم يكبر وينفعني
ومع النوم ترى الطفل أحيانا يبتسم وتسمى ( ثعلبه ) ولها عدة تفسيرات شعبية ...
وما أجمل أن ترى الطفل وهو في (الهداه) في اوقات الرضى والسلى وقد بدأ بتحريك يديه ورجليه ويصدر أصواتا تسمى ( المناغاة )..
فإن نام الطفل كان بها وإلا ترفع صوتها بالغناء وكأنها تحكي حكاية جميلة مع ضوء الغرفة الخافت ، هذا والطفل على الأرض أما عندما يتحرك ، أن يحبو مثلاً ويستطيع الجلوس تبعد عنه الألعاب مسافة قصيرة حتى يحبو ويأخذها بنفسه ، وبهذا تقوى عضلات جسمه فتجده يحاول القيام بالجدار أو بالمخدة أو بالطاولة أو بأي شئ فيأتي دور المربية ( الحبابة ) بالمساعدة وتمد له أطراف أصابعها ممسكة بيديه وتغني له :
قامه السنة قامه
يا محسنه قامه
حتى يستطيع القيام بمفرده وتأتي مرحلة المشي على القدمين التي بالكاد أن يضعها على الأرض ويسقط ليقوم مرة أخرى وهكذا .. فتأتي المربية أيضاً ممسكة بيديه لتعلمه المشي وهي تغني له :
ياديداه عند مامه
ياديداه يقضي الحايه
ياديداه حاية أمه
حاجة مهمة يجب التطرق إليها وهي تعليمه النطق بالكلمات ، عندما يبدأ الطفل بإصدار كلمات مبهمة وغير مفهومة تبدأ الأم والحبابة بتعليمه الكلمات فتنطقها هي أولاً ليرددها هو كأن تقول :
أُبه ، أُمه ، إده ، كح ، أح ، نانح ، أمبوء ، بابح
وفي المساء وفي ( الريم ) يجلس الأهل مع بعض وتجلس الحبابة مع حفيدها وتشير بيدها إلى السماء حتى يرى القمر مضئ تداعبه بكلمات لا أعرف مصدرها وهي :
يا شطاطة ... هتي القاقه ... في الفنيجان المغطى
طبعاً شطاطه تعني القمر .. والقاقه التمر. الفنيجان : فنجان القهوة ..
أو إنها تفتح أحد يدي الطفل وتضرب بيدها ببطن يده المبسوطة وتنشد له :
طباخة .. يا طباخة
محلى الحنة في الراحة
شاة حمدي نطاحه
ذا عشاء اباه وذا عشاء مامه وذا عشاء حبابه ...
وقالت الهرة ......
إلى آخر تلك الإنشودة المعروفة للكل . أو إنها تقابله وجه لوجه ماسكة يديه بيديها وتنود به للأمام والخلف هي تقول :
سابوك سامبوك ... شد الفرس والقعود
خل الكليبه تنبح ... على طريق الموشح
الموشح البعيده ... الي بعدوها الدوله
دولة عمر بن جعفر ... لي كبته تدغشر
ياكبيشه يانطاح ... والبنادق قاح قاح
أما إذا كبر الطفل وأصبح يفهم كل ما يدور حواليه تأتي حكايات الليل قبيل النوم ( الحزايا ) مثل : ( من ذي عزيوز ..... الخ ) والكثير من الحكايات حتى ينام الطفل ... هذا كل ما عندي وقدرت أجمعه لكم وسألوا حباباتكم إذا كان هناك شئ لم أنقله أضيفوه أنتم خلال تعليقكم ومداخلاتكم في الموضوع .
أعزائي الكرام لم أكتب هذه العادات والحكاوي لغرض الفكاهة وتمرير الوقت أو النقص من حق هؤلاء الناس أبداً بقدر ما أريد أن تعلم الأجيال بأن لنا عادات جميلة وحضارة قديمة وعريقة وأنهم خلف لخير سلف ، ونريد أن نثبت هذه العادات في الأذهان ليعلم الجميع ويدرك بأننا لم ننسى الماضي وأننا جزء منه .
الموضوع منقول بتصرف ...