ودفــنــوا سـعــاد بالرمــاد...!!!

[أبوعوض الشبامي]

.

نتواصل معكم في حلقات العزاء بعد أن قبلت عزاؤكم في شخصي الفقير المتواضع وأعزيكم اليوم كما عزيتكم من قبل .. ولكن قبل ذلك لا بد أن الطف الجو بهذه النكتة المعبرة.
حكى لي أحد الأصدقاء وكان مدرساً بتريم قال كانوا قبل كل صباح في الطابور المدرسي يبثون أغنية أبوبكر بن سالم بلفقيه ( أمي اليمن)
وذات يوم كانت حصة التربية الوطنية عن اليمن وتفاعل المدرس مع درسه و سأل طالب صغير في الصف.
قم ياشاطر اليمن أمْ من ؟
قال الطالب ( أم أبوبكر بن سالم )..!!

وكذا الحال لوسمع ذلك الطالب أغنية المحضار ( أمي الشحر والوالد ضبضب) وسأله المدرس الشحر أم من؟؟
لقال الطالب ( أم حسين المحضار) !!!
حقاً كانت الشحر أماً للشاعر حين المحضار فقد صاغ من حنايا شغاف فؤاده أجمل الكلمات وتغزل فيها وخلد أسمها ( سعاد) في الذاكرة الحضرمية وطار بسعاد إلى أبعد الآفاق مع أغنيته

حقا طار بها كما قد طار من قبل إسم سُعاد في الشعر العربي حين جاء به الشاعر كعب بن زهير مستهلاً قصيدته المشهورة بالبردة والتي يقول في مطلعها :

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول= متيم إثرها لم يفد مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا= إلا أغن غضيض الطرف مكحول

وشتان بين سُعاد ( بالضم) وسَعاد ( بالفتحة) فسعاد كعب بن زهير جاءت ضمن ملابسات تاريخية مهمة في تاريخ الإسلام فأنفرد ت في الشعر العربي بما أحدثته من تأثير على مر العصور وظهر تأثيرها على حرص عشرات الشعراء إما معارضة لهذه القصيدة أو الإستفادة من صورها وألفاظها حتى كونت مكتبة شعرية وافرة وثرية بفضل تأثير قصيدة كعب بن زهير ( بانت سُعاد)

أما سَعاد المحضار فهي مدينة حضرمية تحتضن أمواج بحر العرب العاتية هجرها جبل ( ضبضب) وفضل أن ينفرد عنها بعيدأ وأنف أن يحتضنها وكأنه يعلم أن الوفاء ليس من شيمة أهلها وهو صفة مفقودة عن أهلها وأن العاشق الصادق والمحب الملتاع لسعاد وجبل ضبضب قد رحل عنهما وحملوا المحب ومن أحبهم على الأعناق ووارهموا في الثرى..
ودفنوا ذلك الحب والعشق مع ذلك الشاعر وسط التراب
كلنا يدرك كيف كان شاعرنا المحضار وفياً لهذا الحب المزدوج لسعاد الشحر ومعالمها التاريخية و كل ماحولها ( السدّة .. دار البياني.. الخور.. بساتين الرماده ) حتى أنه حين عاد إلى سعاد بعد مرارة الغربة والهجرة صاغ كلمات أغنيته

قابليني ياسعاد= وإلبسي ثوبي السعاده

أشار من وراء الحجب إلى بيت يعبر عن الوفاء ( المحضاري ) لهذه المدينة التي أحبها وعشقها حتى ثمل من سكر محبتها وقال:

عيب دفنك بالرماد= يابساتين الرماده
العدو إيش استفاد= والصديق أدمى فؤاده

ولعلي واحد من أولئك الأصدقاء المجهولين للشاعر حسين اللمحضار الذين دميت قلوبهم وقطرت دماً لضياع الوفاء من أبناء هذه المدينة ودفنوا سعاد وبساتين الرماده برماد النسيان وأبحروا مع تيار جديد سمي في الثقافة الحضرمية الجديدة تيار ( خيله) وركض المثقفون من ابنائها في طريق مارثوني جديد صوب ( طروادة ) الدوعنية وليست طروادة الرومانية ...!! يمتطون خيولهم ولكن ليست من خشب لإقتحام أسوار طرواده ( خيله) بل خيول مسرجة تتنافس للوصل والوصول إلى قلوب أهل ( خيله) عملاً بالمثل المعروف ( مع الخيل ياشقرا) وذلك بعد ان كانوا في قمة العصر الذهبي المحضاري وتقديم ( الدواوين ) فضاعت ابتسامات العشاق وحنين العشاق ...
نعم ضاع ذلك العصر الخالد و للأغنية الحضرمية والكلمة الشاعرية المعبرة فاصبح القوم ضمن المتسابقين على خيول التلمق كل على خيله في ( الطريق إلى خيله) ورب سائل يسألهم من أوحى لكم بذلك ؟
فلعلهم يقولون افتراءاً على المحضار أنه قد أرشدهم إلى ذلك وخاطبهم حين قال ذالت يوم (من وراء حجب الغيب)

بقطعك يادرب لو تبلغ مائة ميل أوأكثر= من غير طياره ولا خيل من دوعن إلى سر

أما مثقفي (سعاد) فقطعوا اليوم هذا الدرب بالطائرة ( الحالكية) فهنيئاً ( لخيله ) وعزاءاً آخر لك يا ( سعاد) فقد دفنوك بالرماد...



.