عندما تكون أمنية العمر شهقة موت!؟؟

[الطايرالميمون]

عندما تكون أمنية العمر شهقة موت!

طفلة في السادسة من عمرها أصبحت عظما عارٍ إلا من الجلد.. تصرخ بلهجة تهامية «وَاوْ وَأمّاْه بَامٌوت» وما درت بأن أمها تموت لأجلها كل ما رأت السرطان ينهش جسدها.. ووقفت تفدي بنفسها على الطبيب كي ينقذ فلذة كبدها.. ولكنه يحاول جاهدا مع طفل آخر مصفر الجسد دمرت الخلايا السرطانية عموده الفقري.. وأخرى أصبحت (بطنها) منتفخة كالكرة.. وآخر يصرخ «أنا أفدي رجلك يا دكتور اقطع الوجع!!».

ما سبق ليس مشهدا من فيلم تراجيدي، وإنما معاناة حقيقية مسرحها مستشفى الثورة بصنعاء، وأبطالها زهرات تحلم أن تنمو لتسعد نفسها وغيرها.. تقف في مواجهة مرض العصر ومقدمة لأحداث يتفق فيها غولا الفقر والسرطان على التهام أجسادٍ بريئة قطعة قطعة في أحضان أهاليهم.

الحديث عن مرض السرطان يثير الرعب والفزع لكل من يسمع عنه فكيف بمن يعايشه؟ وكيف إذا كان من يعايشه أجسادا بريئة؟

ولمرض السرطان عند الاطفال في اليمن صولات وجولات، حيث اسهم كل من الفقر والجهل بعدم الحذر منه وعند الإصابة به عدم تلقي العلاج الصحيح.

وفي مستشفى الثورة بصنعاء حيث يتلقى العلاج فيه ما بين 18-20 طفلا يوميا مصابون بهذا المرض.

وأنشئت وحدة مصغرة لعلاج سرطان الأطفال والتي يأتي إليها الأطفال من كل بقاع الوطن.. وتتكون من ثلاثة أسرة فقط.. وفيها ممرضة وصحي.. بينما يرقد الأطفال بحالاتهم السيئة في قسم الأطفال ويضطر الأطباء إلى إرسالهم إلى منازلهم كي يكملوا علاجهم هناك بمجرد أن تبدأ صحتهم في التحسن.. يقول د/ عبد الرحيم أبو حاتم استشاري أمراض الدم وسرطان الأطفال في المستشفى، إن اكثر انواع السرطان شيوعاً بين الأطفال هي اللوكيميا (سرطان الدم) وهو غالباً ما يتكون في نخاع العظم، ثم «تلسيميا فقر دم البحر الأبيض وأورام الدماغ» وهناك من هم مصابون بمختلف أنواع السرطانات.

وأثناء جولتنا في قسم سرطانات الدم في المستشفى التقينا بأطفال مصابون بمختلف تلك الإصابات ومن مختلف محافظات الجمهورية.

نجلاء ابنة الشهرين -من مناخة- مصابة بسرطان الكلى وتبدو بطنها كالكرة..

وماجد صالح (7) سنوات مصاب بسرطان الغدد الليمفاوية -من صعدة- تأخر في التشخيص وإذا بالمرض قد انتشر في كبده فاصفر كامل جسده وانتفخت معدته ويتلقى علاجا كيماويا.. صادق عبد الله (6) سنوات -من حرف سفيان صعدة- مصاب بسرطان اللوكيميا وانتشر المرض في عموده الفقري وفي الجهاز العصبي وأصيب بشلل.. وأمل علي -من الحسينية تهامة- مصابة بنقص في صفائح الدم (سرطان الدم) وفي حالة متأخرة.. محمد عبده محمد عمره سنتان ونصف مصاب من سنة ونصف بسرطان العين.

فاطمة (14) سنة -من عتمة- مصابة بسرطان الدم.. سمية منصور علي -من الحديدة- مصابة بسرطان في الغدد الليمفاوية.. مرض وخوف.. وكل هؤلاء الأطفال الذين استبيحت أجسادهم بدون رحمة إما معاقون أو قتلى.

معاناة ترويها قصص تدمي القلب تتشابه في اغلبها وتلخص في بكاء لا ينقطع ليل نهار مع الألم.. وفي معاناة الأهل بسبب فقرهم وتكاليف العلاج الباهضة..

فسمية التي تأتي من المسراخ كل شهر وتخسر في طلعتها ونزلتها مع والدها الذي يعمل نجارا 10 آلاف ريال.. ولها ستة اخوان بحاجة إلى نفقة وتكاليف دراسة كما أن أمها تخضع هي الأخرى للعلاج.. فبعد أن علمت بأن أبنتها مصابة بهذا المرض الخطير أصيبت بداء السكري. ولكن سمية التي توقفت عن دراستها منذ سنتين بسبب الإصابة بهذا المرض تماثلت للشفاء.

أما ماجد فحظه وحاله أكثر سوءً لأن والديه غير متعلمين فلم ينتبها لحالته إلا بعد أن انتشر السرطان في كبده وأصبحت حالته متأخرة وترك دراسته لأنهم يعتقدون بأنه سيموت.. وله تسعة أخوة في عمران.. وبين نفقات علاج ماجد ونفقات التسعة الآخرين يتمزق الأبوان فذهب والدته بيع واستلف والده مبالغ كبيرة ويا ليته استطاع أن ينتزع المرض عن إبنه الذي يُبكي كل من يسمعه وهو يتألم فيصرخ (أنا أفدي رجلكم شلوا الوجع مني) ومعه صرخات دعاء والدته.

ويزداد خوف ماجد ووالدته عندما يريان صادق عبد الله الذي يرقد بالسرير المجاور له وقد أصيب بالشلل بعد أن تأخرت أسرته في علاجه فشل الجهاز العصبي.. وياخسارة هذا الجسد البريء الذي ظل يكابد المرض وحده وأسرته لا تدري..

وهناك من الأطفال من قاربت أجسادهم على الانتهاء بسبب تأخر أهاليهم في علاجهم مثل سميرة التي تنازع بعد أن أنتشر المرض في أغلب خلايا جسدها ومازالت والدتها التهامية لا تعرف أن تنطق اسم المرض أو أن تفهم ما هو؟.. ولا تملك هذه التهامية سوى البكاء والدعاء وهي ترى ابنتها عظما بلا لحم.

أما الطفلة نجلاء فوالدها يعمل «شاقياً» يشتغل يوماً ويوماً لا.. وقد وصلت تكاليف العلاج منذ شهرين مع تكاليف السفر إلى سبعين ألف ريال اضطر لأن يخرج للتسول ليجمعها.. قالها والدموع تملأ عينيه.. أما والدتها فقد تمنت لها الموت كي لا تراها تتعذب ألما ويتعذب أطفالها جوعاً وأسرتها فقراً.

أحمد بن العسكري الذي نصحه أقاربه بأن يدفنه حيا أفضل له.. فالطفل مازال ابن سنتين ومصابا بسرطان العين وكلفه كل ما يملك بل واصبح مديونا بمبالغ ليست بسيطة.. وعندما ذهب ليستلف من إبن عمه الشيخ قال له ادفنه أو أطرحه أمام مسجد أفضل لك وله.. ألتفت لأطفالك الأربعة الآخرين افضل فالولد سيموت فلماذا تخسر؟