حضرموت" ابن سميدع شخصية خالدة في التاريخ الحضرمي

[حد من الوادي]

ابن سميدع شخصية خالدة في التاريخ الحضرمي

المكلا اليوم / كتب: خميس العكبري2011/5/20

في زمن الأصالة تنداح الأرواح المعطرة، وينبعث الازدهار، وتمتد مساحات التآخي وتتعز الصداقات، وتتجذر المعاني، وتتضح الرؤى، وتتجلى المبادئ، وتقوى الرايات، وتتلاحم الجهود، وتتضافر الانجازات، وفي هذا الزمن الجميل تخلق الإبداعات وتولد المعجزات، وفي وسط هذا التراكم من المفردات اللغوية الجميلة والمعطرة بالروائح المزكاة بماء الذهب، ولد القائد اللواء صالح يسلم بن سميدع نحو عام 1911م في قرية حضرمية تسمى الشمرية "صوت آل علي" بجوار قارة الفرس مديرية الضليعة.


من أسرة امتهنت الرعي وتربية الأغنام، حيث أصبح الإبنُ راعياً بالفطرة، وفلاحاً بالسليقة، مثله مثل أقرانه في مناطق حضرموت الريفية، وعندما اشتد عوده أخذه والده من قرى حضرموت التي تعج بالثارات القبلية؛ مبتعداً به من أجواء حضرموت؛ مسافراً به إلى بور سودان عند بعض أقاربه المسافرين في السودان الذين ينتمون إلى قرية (رخية ) وقد عاش ابن سميدع بعض سنوات عمره في بور سودان، وبعد وفاة والده - رحمه الله - أشار عليه بعض المتواجدين من جماعته في بور سودان السفر إلى المملكة العربية السعودية طلباً للرزق، واستقر به المقام في المملكة العربية السعودية، حيث كان يعمل نهاراً ويدرس ليلاً، واستمر على هذه الحال فترة من الزمن إلى أن ازدهرت الأوضاع في شرقي آسيا وبالذات مدينة جاوا الإندونيسية، حيث أشار عليه بعض الحضارم بالسفر إلى جاوا والعمل بتجارة الأقمشة حيث كانت رائجة في ذلك الوقت، وبالفعل سافر القائد صالح يسلم بن سميدع إلى جاوا، وظل متنقلاً بين أرياف جاوا لبيع القماش، غير أن الحال لم يستقر له نظراً لتطلعات الرجل إلى أن يخلق له مكانة اجتماعية مرموقة، بدايةً آثر السفر إلى دولة الهند لما تتمتع به من سمعة طيبة، وقد وصل ابن سميدع إلى مدينة حيدر أباد والتحق بالجيش العربي هناك، وقد مثل ذلك نقطة تحول في حياة صالح يسلم بن سميدع، حيث صنعت تلك المرحلة القائد العسكري الفذ صالح بن سميدع، وقد تلقى دورات مختلفة في شؤون الجندية وتعليماتها، وتمرس إلى أن وصل إلى درجة ملازم أول، وفي ذلك الوقت ومن حسن حظ بن سميدع أن يتواجد في نفس الفترة السلطان القعيطي - صالح بن غالب القعيطي - وأشعره القادة المتواجدون في حيدر أباد بوجود صالح بن سميدع، وأشاروا عليه بضرورة الاستفادة منه في بناء القوات المسلحة، ورشحوه لتبوء مركز قيادي، كان ذلك يتراوح بين عام 1936م، حيث التحق صالح يسلم بن سميدع بالخدمة العسكرية للجيش الحضرمي؛ ونتيجة لتفوقه وانضباطه سافر في عام 1937م في دورة عسكرية إلى عدن، وبعد عودته تم انتدابه للعمل لدى الحكومة الكثيرية.

شارك ابن سميدع في كثير من المعارك والأحداث والمواقف الاجتماعية والإنسانية، ومن أشهر المعارك التي شارك فيها أو قادها معركة المدحر ومعركة الحموم، وكثير من المعارك داخل حضرموت وشبوة التي انتدب للمشاركة في إحدى المعارك هناك، وعلى العموم فلصالح يسلم بن سميدع سجل حافل بالمنجزات العسكرية في التاريخ العسكري الحضرمي: حيث أنشأ الجيش النظامي وغير النظامي بالمكلا، ومصلحة السجون، والشرطة المسلحة، وأنشأ الشرطة الراجلة - شرطة السبيل - التي كانت تقوم بأعمال اجتماعية وإنسانية عامة، وتقدم كافة الخدمات للمواطن الحضرمي، والفضل يعود لصالح يسلم بن سميدع في إنشاء مدارس البدو الرحل، والتي كانت تعنى بشؤون أبناء البادية وتخرجهم في كثير من المجالات الاجتماعية ومنها المعلمين والمعلمات والمساعدين الصحيين وغيرها من الكفاءات المختلفة، ورفد القوات المسلحة بكوادر مؤهلة تأهيلاً علمياً يتناسب وتوجهات الدولة في تحسين تركيبة الجيش النظامي الحضرمي، تولى صالح يسلم بن سميدع مسؤولية القائد العام للقوات المسلحة، وهذا يشمل الجيش النظامي وغير النظامي، والشرطة المدنية والسجون والمؤسسات العسكرية كافة، التي لها علاقة بالضبط العسكري والحماية العسكرية، وتوفير الأمن والأمان للمواطن الحضرمي، ونتيجة لكفاءة الرجل وحسن أداءه وخبرته المتراكمة في هذا المجال فقد أصدر سكرتير الدولة سيف بن علي البوعلي مرسوماً لتعيينه سكرتيراً حربياً، وهو أول حضرمي يشغل هذا المنصب العسكري الرفيع الذي يساوي في هذا الزمان وزير الدفاع، وقد لعب القائد صالح يسلم بن سميدع دوراً ريادياً بارزاً في تحديث وتنوع دور المؤسسة العسكرية الحضرمي فيما يمكنها من السيطرة على كامل رقعة الأراضي في السلطة القعيطية، كما اشترك في تحديث الأسلحة والمعدات المستخدمة من قبل الجيش القعيطي، كما أشرف على تنظيم الدورات التأهيلية ورفع وتعزيز مهارة الجيش الحضرمي باستخدام تلك الأسلحة ورفع كفاءة التنفيذ، كما ساهم في إنشاء العديد من المدارس التدريبية داخل الوطن وخارجه، فقد كان - للأمانة - شخصية عسكرية مرموقة نالت حب واحترام السلطات القعيطية والشخصيات الاجتماعية المرموقة، وبغض النظر عن الآراء التي قد تقال في شخصية هذا الرجل أكانت منصفة أم غير منصفة، فإن هذا الرجل يكفيه صفاته ومميزاته الوطنية فهو رجل وطني بكل امتياز.

رحم الله القائد صالح يسلم بن سميدع، وأسكنه فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وسيبقى تاريخ العسكرية الحضرمية شاهداً على خلود هذه الشخصية.