المحضار مرآة عصره (( رياض باشراحيل ))مركز تحميل سقيفة الشباميحملة الشبامي لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم
مكتبة الشباميسقيفة الشبامي في الفيس بوكقناة تلفزيون الشبامي



رمضــان يا شيطان

السقيفه الرمضانيه


إضافة رد
قديم 09-14-2007, 10:29 AM   #41
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

( 5 )


إثبات نبوَّة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وإقامة البرهان على إعجاز القرآن

{وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ(23)فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ(24)}.

{[COLOR="Navy"]
وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا}: أي وإِذا كنتم أيها الناسُ في شك وارتياب من صدق هذا القرآن، المعجز في بيانه، وتشريعه، ونظمه، الذي أنزلناه على عبدنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.
{فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}: أي فأتوا بسورةٍ واحدةٍ من مثل هذا القرآن، في البلاغة والفصاحة والبيان.

[ "وإن كنتم في ريب" الخطاب هنا لكل كافر ومنافق غير مؤمن، لأن الذين آمنوا بالله ورسوله ليس في قلوبهم ريب، بل هم يؤمنون بأن القرآن موحى به من الله، مبلغ إلي محمد صلى الله عليه وسلم بالوحي المنزل من السماء.
والريب: هو الشك. وقوله تعالى: "إن كنتم في ريب" أي إن كنتم في شك. من أين يأتي هذا الشك والمعجزة تحيط بالقرآن وبرسوله صلى الله عليه وسلم؟
فمن إين دخل الريب إلي قلوبهم؟ لاشك أنه دخل من باب الباطل. والباطل لا حجة له.وبلا شك لقد فضحوا أنفسهم بأنهم لا يرتابون في القرآن ولكنهم كانوا يريدونه أن ينزل على سيد من سادة قريش . واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى:

{وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيم " 31" }
(سورة الزخرف)

وهؤلاء المرتابون لم يجدوا حجة يواجهون بها القرآن، فقالوا ساحر، وهل للمسحور إرادة مع الساحر؟ إذا كان ساحرا فلماذا لم يسحركم أنتم؟ وقالوا مجنون. والمجنون يتصرف بلا منطق .. يضحك بلا سبب. ويبكي بلا سبب. ويضرب الناس بلا سبب. ولذلك رد الحق سبحانه عليهم بقوله تعالى:

{ن والقلم وما يسطرون } "1" ما أنت بنعمة ربك بمجنونٍ "2" وإن لك لأجر غير ممنون "3" وإنك لعلى خلقٍ عظيم "4" }
(سورة القلم) [/COLOR

إذن فكل أسباب الشك غير موجودة وأسباب اليقين هي الموجودة ومع ذلك ارتابوا وشكوا. وقوله سبحانه وتعالى: "مما نزلنا على عبدنا". فالقرآن الكريم وجد في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الإنسان، وعندما جاء وقت مباشرته لمهمته في الكون نزل من اللوح المحفوظ إلي السماء الدنيا دفعة واحدة ثم أنزله الله سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم بقدر ما احتاجت إليه المناسبات والأحداث. إذن فقوله" نزلنا" أي نزل من اللوح المحفوظ إلي السماء الدنيا دفعة واحدة. وقوله تعالى "أنزل" أي أنزله آيات على محمد صلى الله عليه وسلم بحسب اقتضاء الأحداث والمناسبات.
الحق سبحانه وتعالى يقول: "على عبدنا" وهذه محتاجة إلي وقفة. فالله جل جلاله. له عبيد وله عباد. كل خلق الله في كونه عبيد لله سبحانه وتعالى. لا يستطيعون الخروج عن مشيئة الله أو إرادته. هؤلاء هم العبيد. ولكن العباد هم العبيد. ولكن العباد هم الذين اتحدت مراداتهم مع ما يريده الله سبحانه وتعالى .. تخلوا عن اختيارهم الدنيوي، ليصبحوا طائعين لله باختيارهم، أي أنهم تساووا مع المقهورين في أنهم اختاروا منهج الله وتركوا أي اختيار يخالفه. هؤلاء هم العباد، وإذا قرأت القرآن الكريم تجد أن الله سبحانه وتعالى يشير إلي العباد بأنهم الصالحون من البشر فيقول الحق تبارك وتعالى:

{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون "186" }
(سورة البقرة)
] .الشيخ: محمد متولي الشعراوي.

{وَادْعُوا شُهَدَاءكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ}: أي وادعوا أعوانكم وأنصاركم الذين يساعدونكم على معارضة القرآن غير الله سبحانه، والمراد استعينوا بمن شئتم غيره تعالى.
{إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}: أي في أنه مختلق وأنه من كلام البشر، وجوابُه محذوف دلَّ عليه ما قبله.
{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا}: أي فإِن لم تقدروا على الإِتيان بمثل سورةٍ من سوره، وعجزتم في الماضي عن الإِتيان بما يساويه أو يدانيه، مع استعانتكم بالفصحاء والعباقرة والبلغاء.
{وَلَنْ تَفْعَلُوا}: أي ولن تقدروا في المستقبل أيضاً على الإِتيان بمثله، والجملةُ اعتراضيةٌ للإِشارة إِلى عجز البشر في الحاضر والمستقبل كقوله {لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} أي معيناً..
{فَاتَّقُوا النَّارَ}: أي فخافوا عذاب الله، واحذروا نار الجحيم التي جعلها الله جزاء المكذبين.
{الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}: أي اتقوا النار التي مادتُها التي تُشعل بها وتُضرم لإِيقادها هي الكفار والأصنام التي عبدوها من دون الله كقوله تعالى {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} قال مجاهد: حجارةٌ من كبريت أنتُن من الجيفة يعذبون بها مع النار.
{أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}: أي هُيّئت تلك النارُ للكافرين الجاحدين، ينالون فيها ألوان العذاب المهين.

ما أعدَّه الله لأوليائه

{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(25)}.
{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}: أي وبَشِّرْ يا محمد المؤمنين المتقين، الذين كانوا في الدنيا محسنين، والذين جمعوا بين الإِيمان والعمل الصالح.
{أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}: أي بأن لهم حدائق وبساتين ذاتِ أشجار ومساكن، تجري من تحت قصورها ومساكنها أنهار الجنة .
{كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا}: أي كلما أعطوا عطاءً ورُزقوا زرقاً من ثمار الجنة.
{قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ}: أي هذا مثلُ الطعام الذي قُدِّم إِلينا قبل هذه المرة.
قال المفسرون: إِن أهل الجنة يُرزقون من ثمارها، تأتيهم به الملائكة، فإِذا قُدّم لهم مرةً ثانية قالوا: هذا الذي أتيتمونا به من قبل فتقول الملائكة: كلْ يا عبد الله فاللونُ واحدٌ والطعم مختلف.
{وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا}: أي متشابهاً في الشكل والمنظر، لا في الطعم والمَخْبر، قال ابن جرير: يعني في اللون والمرأى وليس يشبهه في الطعم، قال ابن عباس: لا يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا إِلا في الأسماء.
{وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ}: أي ولهم في الجنة زوجاتٌ من الحور العين مطهَّرات من الأقذار والأدناس الحسية والمعنوية.
{وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}: أي دائمون، وهذا هو تمام السعادة، فإِنهم مع هذا النعيم في مقام أمين، يعيشون مع زوجاتهم في هناءٍ خالد لا يعتريه انقطاع.



{وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ(23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ(24)وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(25)}.
التوقيع :

التعديل الأخير تم بواسطة سالم علي الجرو ; 09-16-2007 الساعة 01:34 AM
  رد مع اقتباس
قديم 09-16-2007, 01:51 AM   #42
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

( 6 )

الحكمة من ضرب الأمثال في القرآن

{إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ(26)الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(27)}.

{إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا}: أي إِن الله لا يستنكف ولا يمتنع عن أن يضرب أيَّ مثلٍ كان، بأي شيءٍ كان، صغيراً كان أو كبيراً {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}: أي سواء كان هذا المثل بالبعوضة أو بما هو دونها في الحقارة والصغر، فكما لا يستنكف عن خلقها، كذلك لا يستنكف عن ضرب المثل بها.
( وعندما ضرب الله مثلا بالبعوضة .. استقبله الكفار بالمعنى الدنيوي دون أن يفطنوا للمعنى الحقيقي .. قالوا كيف يضرب الله مثلا بالبعوضة ذلك المخلوق الضعيف .. الذي يكفي أن تضربه بأي شيء أو بكفك فيموت؟. لماذا لم يضرب الله تبارك وتعالى مثلا بالفيل الذي هو ضخم الجثة شديدة القوة .. أو بالأسد الذي هو أقوى من الإنسان وضرب لنا مثلا بالبعوضة فقالوا: "ماذا أراد الله بهذا مثلا" .. ولم يفطنوا إلي أن هذه البعوضة دقيقة الحجم خلقها معجزة .. لأن في هذا الحجم الدقيق وضع الله سبحانه وتعالى كل الأجهزة اللازمة لها في حياتها .. فلها عينان ولها خرطوم دقيق جدا ولكنه يستطيع أن يخرق جلد الإنسان .. ويخرج الأوعية الدموية التي تحت الجلد ليمتص دم الإنسان..
والبعوضة لها أرجل ولها أجنحة ولها دورة تناسلية ولها كل ما يلزم لحياتها .. كل هذا في هذا الحجم الدقيق .. كلما دق الشيء احتاج إلي دقة خلق اكبر .. ونحن نشاهد في حياتنا البشرية أنه مثلا عندما اخترع الإنسان الساعة .. كان حجمها ضخما لدرجة أنها تحتاج إلي مكان كبير .. وكلما تقدمت الحضارة وارتقى الإنسان في صناعته وحضارته وتقدمه، أصبح الحجم دقيقا وصغيرا، وهكذا أخذت صناعة الساعات تدق .. حتى أصبح من الممكن صنع ساعة في حجم الخاتم أو أقل .. وعندما بدأ اختراع المذياع أو الراديو كان حجمه كبيرا .. والآن أصبح في غاية الدقة لدرجة أنك تستطيع أن تضعه في جيبك أو أقل من ذلك .. وفي كل الصناعات عندما ترتقي .. يصغر حجمها لأن ذلك محتاج إلي صناعة ماهر وإلي تقدم علمي..
وهكذا حين ضرب الله مثلا بالبعوضة وما فوقها .. أي بما هو أقل منها حجما .. فإنه تبارك وتعالى أراد أن يلفتنا إلي دقة الخلق .. فكلما لطف الشيء وصغر حجمه احتاج إلي دقة الخلق .. ولكن الكفار لم يأخذوا المعنى على هذا النحو وإنما أخذوه بالمعنى الدنيوي البسيط الذي لا يمثل الحقيقة. فالله سبحانه وتعالى حينما ضرب هذا المثل .. استقبله المؤمنون بأنه كلام الله .. واستقبلوه بمنطق الإيمان بالله فصدقوا به سواء فهموه أم لم يفهموه .. لأن المؤمن يصدق كل ما يجئ من عند الله سواء عرف الحكمة أو لم يعلمها ..)
الشيخ محمد متولي الشعرواي.


{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ}:
أما المؤمنون فيعلمون أن الله حق، لا يقول غير الحق، وأن هذا المثل من عند الله.
{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً}؟: وأما الذين كفروا فيتعجبون ويقولون: ماذا أراد الله من ضرب الأمثال بمثل هذه الأشياء الحقيرة؟
{يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا}: أي يضل بهذا المثل كثيراً من الكافرين لكفرهم فيزيد به، ويهدي به كثيراً من المؤمنين لتصديقهم به، فيزي أولئك ضلالة، وهؤلاء هدىً.
{وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ}: أي ما يضل بهذا المثل أو بهذا القرآن إِلا الخارجين عن طاعة الله، الجاحدين بآياته.
{الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ}: أي ينقضون ما عهده إِليهم في الكتب السماوية، من الإِيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم من بعد توكيده عليهم، أو ينقضون كل عهد وميثاق من الإِيمان بالله، والتصديق بالرسل، والعمل بالشرائع.
{وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}: من صلة الأرحام والقرابة، واللفظ عام في كل قطيعة لا يرضاها الله كقطع الصلة بين الأنبياء، وقطع الأرحام، وترك موالاة المؤمنين.{وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ}:بالمعاصي، والفتن، والمنع عن الإِيمان، وإِثارة الشبهات حول القرآن.
{أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}: أي أولئك المذكورون، الموصوفين بتلك الأوصاف القبيحة هم الخاسرون لأنهم استبدلوا الضلالة بالهدى، والعذاب بالمغفرة، فصاروا إِلى النار المؤبدة
.
( أن الفاسقين هم المبتعدون عن منهج الله. وأراد الحق أن يبين لنا صفات الفاسقين. فحددها في ثلاث صفات .. أولا: الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه .. ثانيا: الذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل. ثالثا: الذين يفسدون في الأرض. ثم حدد لنا الحق تبارك وتعالى حكمهم فقال: أولئك هم الخاسرون. والخسران أن الذي وصلوا إليه هو من عملهم. لأنهم تركوا المنهج وبدأوا يشرعون لأنفسهم بهوى النفس. ولذلك يقول الحق جل جلاله عنهم:

{أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين "16" }
(سورة البقرة)

إذن هم الذين اختاروا، وهم الذين اشتروا الضلالة ودفعوا ثمنها من هدى الله. فكأنهم عقدوا صفقة خاسرة. لأن هدى الله هو الذي يقودنا إلي الحياة الخالدة والنعيم الذي لا يزول. والحق سبحانه وتعالى يعطينا الصورة في قوله تعالى:
{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم "111" }
(سورة التوبة)
الشيخ: محمد متولي الشعراوي.
  رد مع اقتباس
قديم 09-16-2007, 02:00 AM   #43
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

( 7 )

من مظاهر قدرة الله تعالى

{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(28)هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(29)}.

{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ}:استفهام للتوبيخ والإِنكار، والمعنى كيف تجحدون الخالق، وتنكرون الصانع
{وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا}: أي وقد كنتم في العدم نُطفاً في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات
{فَأَحْيَاكُمْ}: أي أخرجكم إِلى الدنيا
{ثُمَّ يُمِيتُكُمْ}: عند انقضاء الآجال
{ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} بالبعث من القبور
{ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} للحساب والجزاء يوم النشور.
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا}: أي خلق لكم الأرض وما فيها لتنتفعوا بكل ما فيها، وتعتبروا بأن الله هو الخالق الرازق
{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}: أي ثم وجّه إرادته إلى السماء
{فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}: أي صيّرهن وقضاهن سبع سماوات محكمة البناء وذلك دليل القدرة الباهرة
{وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}: أي وهو عالم بكل ما خلق وذرأ، أفلا تعتبرون بأن القادر على خلق ذلك - وهي أعظم منكم - قادر على إعادتكم؟! بلى إنه على كل شيء قدير.


(كيف في اللغة للسؤال عن الحال. والحق سبحانه وتعالى أوردها في هذه الآية الكريمة ليس بغرض الاستفهام، ولكن لطلب تفسير أمر عجيب ما كان يجب أن يحدث. وبعد كل ما رواه الحق سبحانه وتعالى في آيات سابقة من أدلة دامغة عن خلق السماوات والأرض وخلق الناس .. أدلة لا يستطيع أحد أن ينكرها أو يخطئها .. فكيف بعد هذه الأدلة الواضحة تكفرون بالله؟ .. كفركم لا حجة لكم فيه ولا منطق .. والسؤال يكون مرة للتوبيخ .. كأن تقول لرجل كيف تسب أباك؟ أو للتعجب من شيء قد فعله وما كان يجب أن يفعله .. وكلاهما متلاقيان. سواء كان القصد التوبيخ أو التعجب فالقصد واحد .. فهذا ما كان يجب أن يصح منك. ثم يأتي الحق سبحانه وتعالى بأدلة أخرى لا يستطيع أحد أن ينكرها أو يكذب بها .. فيقول جل جلاله: "وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم".
وهكذا ينتقل الكلام إلي أصل الحياة والموت. فبعد أن بين الحق سبحانه وتعالى .. ماذا يفعل الكافرون الفاسقون والمنافقون من إفساد في الأرض .. وقطع لما أمر الله سبحانه وتعالى به أن يوصل .. صعد الجدل إلي حديث عن الحياة والموت. وقوله تعالى "كنتم أمواتا فأحياكم" قضية لا تحتمل الجدل .. ربما استطاعوا المجادلة في مساءلة عدم اتباع المنهج، أو قطع ما أمر الله به أن يوصل .. ولكن قضية الحياة والموت لا يمكن لأحد أن يجادل فيها. فالله سبحانه وتعالى خلقنا من عدم .. ولم يدع أحد قط أنه خلق الناس أو خلق نفسه .. وعندما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للناس أن الذي خلقكم هو الله .. لم يستطع أحد أن يكذبه ولن يستطيع .. ذلك أننا كنا فعلا غير موجودين في الدنيا .. والله سبحانه وتعالى هو الذي أوجدنا وأعطانا الحياة..
وقوله تعالى: "ثم يميتكم" .. فإن أحدا لا يشك في أنه سيموت .. الموت مقدر على الناس جميعا .. والخلق من العدم واقع بالدليل .. والموت واقع بالحس والمشاهدة .. إن قضية الموت هي سبيلنا لمواجهة أي ملحد .. فإن قالوا إن العقل كاف لإدارة الحياة .. وأنه لا يوجد شيء اسمه غيب .. قلنا: الذي تحكم في الخلق إيجادا، هو الذي يتحكم فيه موتا .. والحياة الدنيا هي مرحلة بين قوسين .. القوس الأول هو أن الله يخلقنا ويوجدنا .. وتمضي رحلة الحياة إلي القوس الثاني .. الذي تخمد فيه بشريتنا وتتوقف حياتنا وهو الموت. أي أننا في رحلة الحياة من الله وإليه .. إذن فحركة الحياة الدنيا هي بداية من الله بالحق ونهاية بالموت..
إنهم عندما تحدثوا عن أطفال الأنابيب .. وهي عملية لعلاج العقم أكثر من أي شيء آخر .. ولكنهم صوروها تصويرا جاهليا .. وكل ما يحدث أنهم يأخذون بويضة من رحم الأم التي يكون المهبل عندها مسدودا أو لا يسمح بالتلقيح الطبيعي .. يأخذون هذه البويضة من رحم الأم .. ويخصبونها بالحيوانات المنوية للزوج .. ثم يزرعونها في رحم الأم. إنهم أخذوا من خلق الله وهي بويضة الأم والحيوان المنوي من الرجل .. وكل ما يفعلونه هو عملية التلقيح ومع ذلك يسمونه أطفال الأنابيب .. كأن الأنبوبة يمكن أن تخلق طفلا!! والحقيقة غير ذلك .. فبويضة الأم، والحيوان المنوي للرجل هما من خلق الله .. وهم لم يخلقوا شيئا .. أننا نقول لهم: إذا كنتم تملكون الموت والحياة فامنعوا إنسانا واحدا أن يموت .. بدلا من إنفاق ألوف الجنيهات في معالجة عقم قد ينجح أو لا ينجح .. ابقوا واحدا على قيد الحياة .. ولن يستطيعوا..
إن الموت أمر حسي مشاهد .. ولذلك فمن رحمة الله بالعقل البشري بالنسبة للأحداث الغيبية أن الله سبحانه وتعالى قربها لنا بشيء مشاهد .. كيف؟ .. عندما ينظر الإنسان إلي نفسه وهو حي .. لا يعرف كيف أحياه الله وكيف خلقه .. الله سبحانه وتعالى ذكر لنا غيب الخلق في القرآن الكريم فقال جل جلاله أنه خلق الإنسان من تراب ومن طين ومن حمأ مسنون ثم نفخ فيه من روحه..
واقرأ قول الحق سبحانه:

{إن كنتم في ريبٍ من البعث فإنا خلقناكم من تراب }
(من الآية 5 سورة الحج)

وقوله تعالى:

{ولقد خلقنا الإنسان من سلسلةٍ من طين "12" }
(سورة المؤمنون)

وقوله تعالى:

{إنا خلقناهم من طينٍ لازب }
(من الآية 11 سورة الصافات)

وقوله تعالى:

{ولقد خلقنا الإنسان من صلصالٍ من حمأٍ مسنونٍ "26" }
(سورة الحجر)

وقوله تعالى:

{فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين "72" }
(سورة ص)
الشيخ محمد متولي الشعرواي
  رد مع اقتباس
قديم 09-16-2007, 02:12 AM   #44
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

( 8 )
استخلاف الإنسان [COLOR="Black"]
في الأرض وتعليمه اللغات
[/COLOR]{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ(30)وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ(31)قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ(32)قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ(33)}.
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ}: أي اذكر يا محمد حين قال ربك للملائكة واقصص على قومك ذلك
{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}: أي خالق في الأرض ومتخذ فيها خليفة يخلفني في تنفيذ أحكامي فيها وهو آدم، أو قوماً يخلف بعضهم بعضاً قرناً بعد قرن، وجيلاً بعد جيل.
(الحق سبحانه وتعالى يريد أن يعرفنا كيف بدأ الخلق. وقصة عداوة إبليس لآدم وذريته .. فتكلم الله سبحانه وتعالى عن أول البشر. عرفنا اسمه. وهو آدم عليه السلام. وتكلم عن المادة التي خلق منها. وتكلم عن المنهج الذي وضعه لآدم. وحدثنا عن النقاش الذي دار مع الملائكة. كما أخبرنا بأن آدم سيكون خليفة في الأرض. وأنه علمه الأسماء كلها ليقود حركة حياته. وعلمنا منطق علم الأشياء. وعلم مسمياتها. وحدثنا عن الحوار الذي حدث بين إبليس أمام ربه حينما أبى السجود. وبين لنا حجة إبليس في الامتناع عن السجود، وخطة إبليس ومدخله إلي قلوب المؤمنين بالإغواء والوسوسة وغير ذلك. إذن فهناك أشياء كثيرة تتعرض لها قصة آدم، ولو أن بشرا يريد أن يؤرخ لآدم ما استطاع أن يأتي بكل هذه اللقطات. ولكن الحق سبحانه وتعالى جعل كل لقطة تأتي للتثبيت.
والآية الكريمة التي نحن بصددها لم تأت في الأعراف ولا في الحجر ولا في الإسراء ولا في الكهف ولا في طه. وبهذا نعرف أنه ليس هناك تكرار .. فالله سبحانه وتعالى أخبر ملائكته أنه جاعل في الأرض خليفة. هنا لابد لنا من وقفة. أخلق آدم كفرد. أم خلقه الله وكل ذريته مطمورة فيه إلي يوم القيامة، إذا قرأنا القرآن الكريم نجد أن الله سبحانه وتعالى يقول:

{ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} (من الآية 11 سورة الأعراف)

الخطاب هنا للجميع. لآدم وذريته. فكأنه سبحانه وتعالى يشير إلي أن الأصل الأول للخلق آدم، وهو مطمور فيه صفات المخلوقين من ذريته إلي أن تقوم الساعة وراثة. أي أنه ساعة خلق آدم .. كان فيه الذرات التي سيأخذ منها الخلق كله. هذا عن هذا .. حتى قيام الساعة. ولقد قلت إن كل واحد منا فيه ذرة أو جزئ من آدم، فأولاد آدم أخذوا منه والجيل الذي بعدهم أخذ من الميكروب الحي الذي أودعه آدم في أولاده. والذين بعدهم أخذوا أيضا من الجزيء الحي الذي خلق في الأصل مع آدم. وكذلك الذين بعدهم. والذين بعدهم. والحياة لابد أن تكون حلقة متصلة. كل منا يأخذ من الذي قبله ويعطي الذي بعده. ولو كان هناك حلقة مفقودة. لتوقفت الحياة. كأن يموت الرجل قبل أن يتزوج. فلا تكون له ذرية من بعده. تتوقف حلقة الحياة. فكون حلقة الحياة مستمرة. دليل أنها حياة متصلة. لم تتوقف. ومادامت الحياة من عهد آدم إلي يومنا هذا متصلة. فلابد أن يكون في كل منا ذرة من آدم الذي هو بداية الحياة وأصلها. وانتقلت بعده الحياة في حلقات متصلة إلي يومنا هذا وستظل إلي يوم القيامة.
فأنا الآن حي. لأنني نشأت من ميكروب حي من أبي. وأبي أخذ حياته من ميكروب حي من أبيه. وهكذا حتى تصل إلي آدم، إذن فأنت مخلوق من جزيء حي فيه الحياة لم تتوقف منذ آدم إلي يومنا هذا. ولو توقفت لما كان لك وجود. إذن فحياة الذين يعيشون الآن موصولة بآدم. لم يطرأ عليها موت. والذين سيعيشون وقت قيام الساعة حياتهم أيضا موصولة بآدم أول الخلق. والحق سبحانه وتعالى. حين أمر الملائكة بالسجود لآدم. فإنهم سجدوا لآدم ولذريته إلي أن تقوم الساعة. وذرية آدم كانت مطمورة في ظهره. وشهدت الخلق الأول. إذن فقول الحق سبحانه وتعالى: "لقد خلقناكم ثم صورناكم" فيه جزئية جديدة لقصة الخلق.
وقوله تعالى: "وإذا قال ربك للملائكة" أي أن الله سبحانه وتعالى يطلب من سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام أن يقول أنه عند خلق آدم. خلقه خليفة في الأرض. والكلام هنا لا يعني أن الله سبحانه وتعالى يستشير أحدا في الخلق. بدليل أنه قال "أني جاعل" إذن فهو أمر مفروغ منه. ولكنه إعلام للملائكة .. والله سبحانه وتعالى. عندما يحدث الملائكة عن ذلك فلأن لهم مع آدم مهمة. فهناك المدبرات أمرا. والحفظة الكرام. وغيرهم من الملائكة الذين سيكلفهم الحق سبحانه وتعالى بمهام متعددة تتصل بحياة هذا المخلوق الجديد. فكان الإعلام. لأن للملائكة عملا مع هذا الخليفة.
قد يقول بعض الناس. أن حياة الإنسان على الأرض تخضع لقوانين ونواميس نقول ما يدريك أن وراء كل ناموس ملكا؟ ولكن هذا الخليفة سيخلف من؟ قد يخلف بعضه بعضا. في هذه الحالة يكون هنا إعلام من الله بأن كل إنسان سيموت ويخلفه غيره. فلو كانوا جميعا سيعيشون ما خلف بعضهم بعضا. وقد يكون الإنسان خليفة لجنس آخر. ولكن الله سبحانه وتعالى .. نفى أن يخلف الإنسان جنسا آخر. واقرأ قوله جل جلاله:

{... إن يشأ يذهبكم ويأت بخلقٍ جديدٍ "19" وما ذلك على الله بعزيز "20" }
(سورة إبراهيم)


{قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا}: أي قالوا على سبيل التعجب والاستعلام: كيف تستخلف هؤلاء، وفيهم من يفسد في الأرض بالمعاصي
{وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}: أي يريق الدماء بالبغي والاعتداء!!
{وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ}: أي ننزهك عما لا يليق بك متلبسين بحمدك {وَنُقَدِّسُ لَكَ} أي نعظّم أمرك ونطهّر ذكرك مما نسبه إِليك الملحدون
{قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ}: أي أعلم من المصالح ما هو خفيٌ عليكم، ولي حكمة في خلق الخليقة لا تعلمونها.
{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا}: أي أسماء المسمّيات كلها، قال ابن عباس: علّمه اسم كل شيء .
{ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ}: أي عرض المسميات على الملائكة وسألهم على سبيل التبكيت.
{فَقَالَ أَنْبِئُونِي}: أي أخبروني.
{بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء}: أي بأسماء هذه المخلوقات التي ترونها.
{إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}: أي في زعمكم أنكم أحق بالخلافة ممن استخلفته.
والحاصل أن الله تعالى أظهر فضل آدم للملائكة بتعليمه ما لم تعلمه الملائكة، وخصّه بالمعرفة التامة دونهم، من معرفة الأسماء والأشياء، والأجناس، واللغات، ولهذا اعترفوا بالعجز والقصور
{قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا}: أي ننزهك يا الله عن النقص ونحن لا علم لنا إِلا ما علمتنا إِياه
{إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ}: أي الذي لا تخفى عليه خافية
{الْحَكِيمُ} الذي لا يفعل إِلا ما تقتضيه الحكمة.
{قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ}: أي أعلمهم بالأسماء التي عجزوا عن علمها، واعترفوا بتقاصر هممهم عن بلوغ مرتبتها
{فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ}: أي أخبرهم بكل الأشياء، وسمَّى كل شيء باسمه، وذكر حكمته التي خلق لها
{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}: أي قال تعالى للملائكة: ألم أنبئكم بأني أعلم ما غاب في السموات والأرض عنكم
{وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ}: أي ما تظهرون
{وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ}: أي تسرون من دعواكم أن الله لا يخلق خلقاً أفضل منكم. وروي أنه تعالى لما خلق آدم عليه السلام رأت الملائكة فطرته العجيبة، وقالوا: ليكن ما شاء فلن يخلق ربنا خلقاً إِلا كنا أكرم عليه منه.
  رد مع اقتباس
قديم 09-16-2007, 02:23 AM   #45
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

( 9 )

تكريم اللهِ آدمَ بسجود الملائكة له

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِن الْكَافِرِينَ(34)}

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ}: أي اذكر يا محمد لقومك حين قلنا للملائكة
{اسْجُدُوا لآدَمَ}: أي سجود تحية وتعظيم لا سجود عبادة
{فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ}: أي سجدوا جميعاً له غير إبليس
{أَبَى وَاسْتَكْبَرَ}: أي امتنع مما أمر به وتكبر عنه
{وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ}: أي صار بإبائه واستكباره من الكافرين حيث استقبح أمر الله بالسجود لآدم.


(أصدر الله تعالى أمره للملائكة ليسجدوا لآدم. وهذه القضية أخذت جدلا طويلا. قال بعض الناس: كيف يسجد الملائكة لغير الله؟ والسجود لله وحده. وقال آخرون: هل معنى سجود الملائكة لآدم أنهم عبدوه؟ وقالت فئة أخرى: السجود لغير الله لا يجوز تحت أي ظرف من الظروف. نقول لهؤلاء: أنكم لم تدركوا المعنى، فالله سبحانه وتعالى بعد أن ميز آدم على الملائكة بعلم الأسماء .. طلب منهم أن يسجدوا لآدم، وهنا لابد أن نعرف أن السجود لآدم .. هو إطاعة لأمر الله .. وليست عبادة لآدم. فالله سبحانه وتعالى هو الذي أمر الملائكة بالسجود. ولم يأمرهم بذلك آدم. ولا يحق له أن يأمرهم. فالأمر بالسجود هنا من الله سبحانه وتعالى، من أطاعه كان عابدا. ومن لم يطعه كان عاصيا. ومن رد الأمر على الأمر كان كافرا.
ولكي نفهم معنى العبادة نقول: أن العبادة هي طاعة أوامر الله. واجتناب نواهيه. فما قال لي الله: افعل. فإني افعل. وما قال: لا تفعل. فإنني لا افعل .. لأن العبادة هي طاعة مخلوق لخالقه في أوامره ونواهيه. ولذلك عندما نذهب إلي الحج فأننا نقبل الحجر الأسود في الكعبة، ونرجم الحجر الذي يمثل إبليس في منى. نقبل حجرا ونرجم حجرا .. هذا هو معنى عبادة الله واتباع منهجه. كما أمرنا نفعل. لا شيء مقدس عندنا .. إلا أمر الله ومنهجه. الملائكة هنا لم يسجدوا لآدم. ولكنهم سجدوا لأوامر الله بالسجود لآدم. وفرق كبير بين السجود لشيء، وبين السجود لأمر الله. السجود لأمر الله سبحانه وتعالى .. لا يعتبر خروجا على المنهج، لأن الأساس هو طاعة الله. وهل سجد كل الملائكة لآدم؟ لا. وإنما سجد لآدم الملائكة الذين لهم مهمة معه، وتلك المهمة قد أوضحها الله سبحانه وتعالى في قوله:

{وإن عليكم لحافظين "10" كراماً كاتبين "11" يعلمون ما تفعلون "12"}
(سورة الإفطار)

وقوله سبحانه:

{وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد "18"}
(سورة ق)

وقوله سبحانه:

{فالمدبرات أمراً "5"}
(سورة النازعات)

إذن هناك من الملائكة من سيسجل على الإنسان أعماله. وكل قول يقوله وكل فعل يفعله. بل ويكتبون هذه الأفعال. ومنهم من يحفظه من الشياطين، ومنهم من ينفذ أقدار الله في الأرض. هؤلاء جميعا لهم مهمة مع الإنسان. ولكن الأمر بالسجود لم يشمل أولئك الملائكة العالين من حملة العرش وحراس السماء وغيرهم ممن ليست لهم مهمة مع الإنسان. ولذلك عندما رفض إبليس السجود. قال له الله تعالى:

{قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من العالين "75"}
(سورة ص)

قوله تعالى .. كنت من العالين ـ أي أنك كنت من الملائكة العالين .. الذين لم يشملهم أمر السجود. إذن فأمر السجود لآدم .. كأمر الله لنا بالسجود إلي القبلة في الصلاة. فنحن لا نسجد للقبلة ذاتها .. ولكننا نسجد لأمر الله بالسجود إلي القبلة .. سجد الملائكة الذين شملهم أمر السجود لأمر الله سبحانه وتعالى .. ولكن إبليس رفض أن يسجد. وعصى أمر الله. بعض الناس يقولون: أن إبليس لم يكن من الذين أمرهم الله تعالى بالسجود لأن الأمر شمل الملائكة وحدهم .. وإبليس ليس ملكا. ولكنه من الجن. كما يروي لنا القرآن الكريم في قوله تعالى:

{إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه }
(من الآية 50 سورة الكهف)

ونقول: أن كون إبليس من الجن هو الذي جعله يعصي أمر الله بالسجود. فلو أن إبليس كان من الملائكة ـ وهم مقهورون على الطاعة ـ كان لابد أن يطيع أمر الله ويسجد. ولكن كونه من الجن الذين لهم اختيار في أن يطيعوا وأن يعصوا فذلك الذي مكنه أن يعصي أمر السجود. ولذلك فإن الذين يأخذون من الآية الكريمة أن إبليس كان من الجن. بأنه لم يشمله أمر السجود. نقول لهم: أن الحق سبحانه وتعالى قد اخبرنا عن جنس إبليس حتى نفهم من أي باب إلي المعصية دخل .. ذلك أنه دخل من باب الاختيار الممنوح للإنس والجن في الحياة الدنيا وحدها، ولو أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون إبليس مقهورا على الطاعة ما كان يستطيع أن يعصي. ولكن معصيته جاءت من أنه خلق مختارا .. والاختيار هو الباب الذي دخل منه إلي المعصية هذه حقيقة يجب أن نفهمها. ولذلك يرد الحق سبحانه وتعالى على كل من سيخطر بباله أن أمر السجود لم يشمل إبليس لكونه من الجن لقوله سبحانه وتعالى:

{قال ما منعك ألا تسجد إذا أمرتك}
(من الآية 12 سورة الأعراف)

وكان كفر إبليس وخلوده في النار أنه رد الأمر على الأمر. وقال:

{ءأسجد لمن خلقت طيناً}
(من الآية 61 سورة الإسراء)


وقد كان وجود إبليس مع الأعلى منه وهم الملائكة. مبررا اكبر للسجود. فمادام قد صدر الأمر إلي الأعلى بالسجود فإنه ينطبق على الأدنى. وقد كان إبليس كما جاء في الأثر يسمى طاووس الملائكة .. وكان يزهو بخيلاء بينهم .. وهذه الخيلاء أو الكبر هو الذي جعله يقع في المعصية، ولأن إبليس خلق مختارا. فقد كان مزهوا باختياره لطاعة الله .. قبل أن يقوده غروره إلي الكفر والمعصية. ولذلك لم يكد يصدر الأمر من الله بالسجود لآدم. حتى امتنع إبليس تكبرا منه .. ولم يجاهد نفسه على طاعة الله .. فمعصية إبليس هي معصية في القمة. لأنه رد الأمر على الآمر وظن أنه خير من آدم .. ولم يلتزم بطاعة الله، ومضى غروره يقوده من معصية إلي أخرى. فطرده الله من رحمته وجعله رجيما. ولما عرف إبليس أنه طرد من رحمة الله طلب من الله سبحانه وتعالى أن يبقيه إلي يوم الدين، وأقسم إبليس بعزة الله أن يغري بني آدم .. حدد الأماكن التي يأتي منها الإغواء. فقال:

{ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين "17"}
(سورة الأعراف)

نلاحظ هنا أن الجهات بالنسبة للإنسان ستة. اليمين والشمال. والأمام والخلف وأعلى وأسفل، ولكن إبليس لم يذكر إلا أربعة فقط. أما الجهتان الأخيرتان وهما الأعلى والأسف. فلا يستطيع إبليس أن يقترب منهما. أما الأسفل فهو مكان السجود والخضوع لله. وأما الأعلى فهو مكان صعود الصلاة والدعاء. وهذان المكانان لا يستطيع إبليس أن يقترب منهما. وهكذا نرى أن إبليس لم يمتنع عن السجود فقط. وإنما رد الأمر على الآمر. وهذا أول الكفر. ثم بعد ذلك مضى في غيه فتوعد آدم وذريته بأن يضلهم عن سبيل الله ).
الشيخ: محمد متولّي الشعراواي
  رد مع اقتباس
قديم 09-16-2007, 02:39 AM   #46
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

( 10 )


قصة آدم وحواء في الجنة


{وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ(35)فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ(36)فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(37)قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(38)وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(39)}

{وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}: أي اسكن في جنة الخلد مع زوجك حواء
{وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا}: أي كلا من ثمار الجنة أكلاً رغداً واسعاً
{حَيْثُ شِئْتُمَا}: أي من أي مكان في الجنة أردتما الأكل فيه
{وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ}: أي لا تأكلا من هذه الشجرة، قال أبو عباس: هي الكرمة {فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ}: أي فتصيرا من الذين ظلموا أنفسهم بمعصية الله.
{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا}: أي أوقعهما في الزلة بسببها وأغواهما بالأكل منها. هذا إذا كان الضمير عائداً إلى الشجرة، أما إِذا كان عائداً إلى الجنة فيكون المعنى أبعدهما وحوّلهما من الجنة
{فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ}: أي من نعيم الجنة.
(

بدأ الشيطان مهمته. مهمة عداوته الرهيبة لآدم وذريته. والحق سبحانه يقول: "فأزلهما الشيطان" أي أن الشيطان باشر مهمته فأوقعهما في الزلة وهي العثرة أو الكبوة. كيف حدث ذلك والله تعالى قد نصح آدم وزوجه ألا يتبعا الشيطان. وأبلغه أنه عدو لهما. في قوله تعالى:

{.. إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى "117" }
(سورة طه)

إذن فالعداوة معلنة ومسبقة. ولنفرض أنها غير معلنة. ألم يشهد آدم الموقف الذي عصى فيه إبليس أمر الله ولم يسجد لآدم؟ ألم يعرف مدى تكبر إبليس عليه. في قوله "أنا خير منه" وقوله "أأسجد لمن خلقت طينا" كل هذا كان ينبغي أن ينبه آدم إلي أن إبليس لن يأتي له بخير أبدا. والحق سبحانه وتعالى لم يكتف بالدلالات الطبيعية التي نشأت عن موقف إبليس في رفضه السجود. بل أخبر آدم أن الشيطان عدو له ولزوجه .. يقول الحق سبحانه وتعالى: "فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه" من ماذا أخرجهما؟ من العيش الرغيد. واسع النعمة في الجنة. ومن الهدوء والاطمئنان في أن رزقهما يأتيهما بلا تعب. ولذلك سيأتي الحق في آية أخرى ويقول: "فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى" وهنا لابد أن نتساءل: لماذا لم يقل فتشقيا؟
أن هذه لفتة من الحق سبحانه وتعالى .. إلي مهمة المرأة ومهمة الرجل في الحياة فمهمة المرأة أن تكون سكنا لزوجها عندما يعود إلي بيته. تذهب تعبه وشقاءه. أما مهمة الرجل فهي العمل حتى يوفر الطعام والمسكن لزوجته وأولاده. والعمل تعب وحركة. وهكذا لفتنا الحق تبارك وتعالى إلي أن مهمة الرجل أن يكدح ويشقى. ثم يأتي إلي أهله فتكون السكينة والراحة والاطمئنان. إذا كانت هذه هي الحقيقة. فلماذا يأتي العالم ليغير هذا النظام؟ نقول أن العالم هو الذي يتعب نفسه. ويتعب الدنيا. فعمل المرأة شقاء لها. فمهمتها هي البيت. وليس عندها وقت لأي شيء آخر. فإذا عملت فذلك على حساب أولادها وبيتها وزوجها .. ومن هنا ينشأ الشقاء في المجتمع. فيضيع الأولاد. ويهرب الزوج إلي مكان فيه امرأة تعطيه السكن الذي يحتاج إليه. وينتهي المجتمع إلي فوضى..
وكان يجب على آدم أن يتنبه إلي أن إبليس يعتبره السبب في طرده من رحمة الله. فلا يقبل منه نصيحة ولا كلاما ويحتاط .. كيف أزل الشيطان آدم وزوجه؟ لقد شرح الله سبحانه وتعالى لنا هذا ولكن ليس في سورة البقرة وإنما في آية أخرى .. فقال تعالى:

{فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين "20"}
(سورة الأعراف)

إذن فإبليس قال كاذبا أن من يأكل من هذه الشجرة يصبح ملكا. ويصبح خالدا لا يموت .. ووسوسة الشيطان تتم بكلام كاذب لتزيين المعصية، والشيطان لا يهمه أي معصية ارتكبت. وإنما يريدك عاصيا على أي وجه. ولكن النفس عندما توسوس لك بالمعصية، تريد شيئا بذاته. وهذا هو الفرق بين وسوسة الشيطان. ووسوسة النفس. فالشيطان يريدك عاصيا بأي ذنب. فإن امتنعت في ناحية أتاك من ناحية أخرى. فقد قال لآدم: هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى" ولكن هذه المحاولة لم تفلح. فقال لهما: "ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين" وفات على آدم أنه لو كان هذا صحيحا .. لأكل إبليس من الشجرة .. ولم يطلب من الحق سبحانه وتعالى أن يمهله إلي يوم الدين .. ما الذي اسقط آدم في المعصية؟ أنها الغفلة أو النسيان. والحق سبحانه وتعالى يقول:

{ولقد عهدنا إلي آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزماً "115" }
(سورة طه)

وهل النسيان معصية. حتى يقول الحق سبحانه وتعالى:

{وعصى آدم ربه فغوى}
(من الآية 121 سورة طه)

نعم النسيان كان معصية في الأمم السابقة. لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" ونسى وعصى. وتؤدي معنى واحدا .. وقوله تعالى:

{قال اهبطوا بعضكم لبعٍض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين "24"}
(سورة الأعراف)

هذا الهبوط هو بداية نزول الإنسان إلي الأرض ليباشر مهمته في الدنيا. ومادام الحق سبحانه وتعالى قال: "ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين". فهي إذن حياة موقوته على قدر وقتها، وعلى قدر حجمها .. والذين يقولون بأنه لابد من وجود بشر نسميه مخلصا. ليفدي العالم بصلبه أو بغير ذلك من الخطيئة التي ارتكبها آدم. نقول له: أنك لم تفهم عن الله شيئا، لأن القصة هي هنا خطأ قد حدث وصوب. وفرق بين الخطأ والخطيئة. فالخطأ يصوب. ولكن الخطيئة يعاقب عليها. وآدم أخطأ وصوب الله له. وتلقى من ربه كلمات فتاب عليه. إذن لا توجد خطيئة بعد أن علمه الله التوبة وتاب إلي الله. ثم ماذا فعل آدم. حتى نقول تخلص العالم من خطيئة آدم. أنه أكل من الشجرة. وهل خطايا العالم كلها أكل؟!
من الذين أوجد القتل وسفك الدماء، والزنا والاغتصاب والنميمة والغيبة؟ لو أن كلامهم صحيح لكان لابد ألا توجد خطيئة على الأرض مادام قد وجد المخلص الذي فدى العالم من الخطيئة. ولكن الخطيئة باقية. ومن الذي قال أن الخطيئة تورث. حتى يرث العالم كله خطيئة آدم؟!. والله سبحانه وتعالى يقول: "ولا تزر وازرة وزر أخرى".. وقول الحق سبحانه وتعالى "وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو" العداوة هنا بين الشيطان والإنسان. والعداوة أيضا بين شياطين الإنس والمؤمنين، هذه العداوة التي تؤدي بنا إلي نشاط وتنبه. فالمستشرقون يعادون الإسلام. ولكن معاداتهم هذه تعطينا نشاطا لكي نبحث ونطلع حتى نرد عليها. وجنود الشيطان من الإنس يعادون المؤمنين. وعداواتهم هذه تعطينا مناعة ألا نخطئ ولا نغفل. فأنت مادام لك عدو .. فحاول أن تتفوق عليه بكل السبل.
ولعل الحضارة الإنسانية لا ترتقي بسرعة قدر ارتقائها وقت الحروب. ففيها يحاول كل خصم أن يتغلب على خصمه. وتجند كل القوى للتفوق علميا على الدول الأخرى. هذه الارتقاءات والاختراعات. قد تكون للتدمير والقتل. ولكن بعد أن تنتهي الحرب توجه إلي ارتقاءات الإنسان في الأرض. فتفتيت الذرة وصلوا إليه في الحروب. والصواريخ التي وصل الإنسان بها إلي القمر كانت نتيجة حرب، والارتقاءات العلمية المختلفة التي تمت في أمريكا والاتحاد السوفيتي كان أساسها عداء كل معسكر للآخر.
وقوله تعالى "اهبطوا بعضكم لبعض عدو" .. الهبوط قد يكون من مكان أعلى إلي مكان أسفل. وقد يكون لهبوط معنويا. بأن تقول هذا الإنسان هبط في نظري منذ فعل كذا. هو لم يهبط من مكان أعلى إلي مكان أسفل. ولكنه هبط في قيمته. والمسافات لا تعني قربا أو بعدا. فقد يكون إنسان يجلس إلي جوارك وأنت بعيد عنه لا تحس به. وقد يكون هناك إنسان بعيد عنك بمئات الأميال ولكنه قريب إلي قلبك أكثر من ذلك الجالس إلي جوارك. وسواء كان الهبوط ماديا أو معنويا. فإنه حدث ليباشر آدم مهمته على الأرض .. والعداوة بين الإيمان والكفر مستمرة.
وهكذا بعد معصية آدم. وهبط هو وحواء من الجنة ليمارسا حياتهما على الأرض .. وقوله تعالى "اهبطوا" معناه أن آدم وحواء وإبليس هبطوا إلي الأرض بعد أن تمت التجربة الإيمانية. لقد بين الله تعالى لآدم عمليا أن إبليس عدو له. لا يريد له الخير. وأنه كاذب في كل ما يعد به الإنسان. وقد حدد الله الحياة الدنيا بأنها حياة موقوتة. قدراتها محدودة. ومتاعها محدود .. في قوله تعالى: "ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين". أي لا أحد سيبقى في الأرض إلا بمقدار ما قدر الله له من عمر ثم يموت. وبهذا حذر الله آدم وذريته من أن يتخذوا من الحياة هدفاً لأن متاعها قليل، وأمدها قصير ).

{وَقُلْنَا اهْبِطُوا}: أي اهبطوا من الجنة إلى الأرض والخطاب لآدم وحواء وإبليس
{بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}: أي الشيطان عدوّ لكم فكونوا أعداء له كقوله {إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}.
{وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ}: أي لكم في الدنيا موضع استقرار بالإقامة فيها {وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} أي تمتع بنعيمها إلى وقت انقضاء آجالكم.
{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ}: أي استقبل آدم دعواتٍ من ربه ألهمه إياها فدعاه بها وهذه الكلمات مفسّرة في موطن آخر في سورة الأعراف {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} الآية
{فَتَابَ عَلَيْهِ}: أي قَبِل ربه توبته
{إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}: أي إن الله كثير القبول للتوبة، واسع الرحمة للعباد.
{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا}: كرر الأمر بالهبوط للتأكيد ولبيان أنَّ إقامة آدم وذريته في الأرض لا في الجنة
{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى}: أي رسول أبعثه لكم، وكتاب أنزله عليكم
{فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ}: أي من آمن بي وعمل بطاعتي
{فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}: أي لا ينالهم خوف ولا حزن في الآخرة
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}: أي جحدوا بما أنزلت وبما أرسلت.
{أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}: أي هم مخلدون في الجحيم أعاذنا الله منها.
  رد مع اقتباس
قديم 09-16-2007, 03:27 AM   #47
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

( 11 )


ما طلب الله من بني إسرائيل


{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(42)وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}.


{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ}: أي يا أولاد النبي الصالح يعقوب
{اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}: اذكروا ما أنعمت به عليكم وعلى آبائكم من نعم لا تعد ولا تحصى

{وَأَوْفُوا بِعَهْدِي}: أي أدّوا ما عاهدتموني عليه من الإِيمان والطاعة
{أُوفِ بِعَهْدِكُمْ}: بما عاهدتكم عليه من حسن الثواب {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}: أي اخشوني دون غيري.



"اذكروا نعمتي"
" (الذكر" هو الحفظ من النسيان، لأن روتين الحياة يجعلنا ننسى المسبب للنعم. فالشمس تطلع كل يوم. كم منا يتذكر أنها لا تطلع إلا بإذن الله فيشكره. والمطر ينزل كل فترة. من منا يتذكر أن المطر ينزله الله. فيشكره. فالذكر يكون باللسان وبالقلب. والله سبحانه وتعالى غيب مستور عنا. وعظمته أنه مستور. ولكن نعم الله سبحانه تدلنا عليه .. فبالذكر يكون في بالنا دائما. وبنعمه يكون ذكره وشكره دائما. والحق سبحانه وتعالى طلب من بني إسرائيل أن يذكروا النعمة التي أنعمها عليهم فقط. وكان يجب عليهم أن يطيعوا الله فيذكروا المنعم. لأن ذكر الله سبحانه وتعالى يجعلك في ركن ركين. لا يصل إليك مكروه ولا شر. إن ذكر الله المنعم يعطينا حركة الحياة في كل شيء. فذكر الله يوجد في القلوب الخشوع. ويقلل من المعاصي وينتفع الناس كل الناس به، ويجعل حركة الحياة مستقيمة. وحين يقول الحق سبحانه وتعالى. "اذكروا نعمتي" معناها اذكروني حتى بالنعمة التي أنعمت عليكم. وقوله تعالى: "وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم" العهد هو الميثاق. واقرأ قوله سبحانه وتعالى:

{ولقد عهدنا إلي آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزماً "115"}
(سورة طه)
( إذا وفيت بالعهد أوفى الله. وإذا ذكرت الله ذكرك. وإذا نصرت الله نصرك .. والحديث القدسي يقول: وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وأن أتاني يمشي أتيته هرولة" وهكذا يريد الحق سبحانه وتعالى أن ينبهنا أن المفتاح في يدنا نحن. فإذا بدأنا بالطاعة. فإن عطاء الله بلا حدود. وإذا تقربنا إلي الله تقرب إلينا. وإذا بعدنا عنه نادانا. هذا هو إيمان الفطرة.
هل هذا هو العهد المقصود من الله سبحانه في قوله: "أوفوا بعهدي أوف بعهدكم" أو هو العهد الذي أخذه الله على الأنبياء ليبلغوا أقوامهم بأنهم إذا جاء رسول مصدق لما معهم فلابد أن يؤمنوا به وينصروه؟ فالحق سبحانه وتعالى أخذ على الأنبياء جميعا العهد لرسول الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .. أو هو العهد الذي أخذه الله بواسطة موسى عليه السلام على علماء بني إسرائيل الذين تلقوا التوراة ولقنوها وكتبوها وحفظوها. عهد بألا يكتموا منها شيئا .. واقرأ قوله تعالى:
{وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبينه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلاً فبئس ما يشترون "187"} (سورة آل عمران)

والهدف من هذا العهد. ألا يكتموا ما ورد عن الإسلام في التوراة. وألا يخفوا صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي جاءت بها .. والله سبحانه وتعالى قد أعطى صفات رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة وفي الإنجيل .. واقرأ قوله تعالى:

{ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين "89"} (سورة البقرة)
الشيخ: محمد متولّي الشّعراوي.
{وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ}: من القرآن العظيم
{مُصدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ}: أي من التوراة في أمور التوحيد والنبوة
{وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ}: أي أول من كفر من أهل الكتاب فحقكم أن تكونوا أول من آمن
{ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً}: أي لا تستبدلوا بآياتي البينات التي أنزلتها عليكم حطام الدنيا الفانية
{وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} أي خافون دون غيري
{وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ}: أي لا تخلطوا الحق المنزل من الله بالباطل الذي تخترعونه، ولا تحرفوا ما في التوراة بالبهتان الذي تفترونه
{وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ}: أي ولا تخفوا ما في كتابكم من أوصاف محمد عليه الصلاة والسلام
{وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}: أنه حق أو حال كونكم عالمين بضرر الكتمان.
{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}: أي أدوا ما وجب عليكم من الصلاة والزكاة، وصلوا مع المصلين بالجماعة، أو مع أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام.

التعديل الأخير تم بواسطة سالم علي الجرو ; 09-16-2007 الساعة 10:07 AM
  رد مع اقتباس
قديم 09-16-2007, 10:22 AM   #48
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

12 )


عرض لشيء من أخلاق اليهود السيئة


{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ(44)وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ(45)الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ(46)يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ(47)وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ(48)}

سَبَبُ النّزول:
نزلت هذه الآية في بعض علماء اليهود، كانوا يقولون لأقربائهم الذين أسلموا: اثبتوا على دين محمد فإِنه حق، فكانوا يأمرون الناس بالإِيمان ولا يفعلونه.

{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ}: أي أتدعون الناس إِلى الخير وإِلى الإِيمان بمحمد {وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ}: أي تتركونها فلا تؤمنون ولا تفعلون الخير
{وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ}: أي حال كونكم تقرؤون التوراة وفيها صفة ونعت محمد عليه الصلاة والسلام
{أَفَلا تَعْقِلُونَ}: أي أفلا تفطنون وتفقهون أنّ ذلك قبيح فترجعون عنه؟!.
الخطاب في الآية لا ينطبق على اليهود فقط، بل على كل من سلك مسلكهم.
فالدين كلمة تقال وسلوك يفعل فإذا انفصلت الكلمة عن السلوك ضاعت الدعوة، لأن من يراك تفعل ما تنهاه عنه يدرك أنك خادع وغشاش، ولذا قال الحق سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2-3].
فلا بد للقول من عمل وهو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أمر أصحابه بشيء إلا كان أسبقهم إليه، ولذا أمرنا الله تعالى باتخاذه قدوة فقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
{وَاسْتَعِينُوا}: أي اطلبوا المعونة على أموركم كلها
{بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ}: أي بتحمل ما يشق على النفس من تكاليف شرعية، وبالصلاة التي هي عماد الدين
{ وَإِنَّهَا}: أي الصلاة
{لَكَبِيرَةٌ}: أي شاقة وثقيلة
{إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ}: أي المتواضعين المستكينين الذين صفت نفوسهم لله {الَّذِينَ يَظُنُّونَ}: أي يعتقدون اعتقاداً جازماً لا يخالجه شك
{أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ}: أي سيلقون ربهم يوم البعث فيحاسبهم على أعمالهم {وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}: أي معادهم إِليه يوم الدين.
{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}: بالشكر عليها بطاعتي {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ}: أي فضلت آباءكم
{عَلَى الْعَالَمِينَ}: أي عالمي زمانهم بإِرسال الرسل، وإِنزال الكتب، وجعلهم سادة وملوكاً، وتفضيل الآباء شرفٌ للأبناء.
{وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا}: أي خافوا ذلك اليوم الرهيب الذي لا تقضي فيه نفسٌ عن أخرى شيئاً من الحقوق
{وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ}: أي لا تقبل شفاعة في نفس كافرة بالله أبداً
{وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ}: أي لا يقبل منها فداء
{وَلا هُمْ يُنصَرُونَ}: أي ليس لهم من يمنعهم وينجيهم من عذاب الله.
هذه الآية وردت مرتين والصدد ذاته، ولكن الآية الأولى {وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ}، والثانية {وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ...} ولا تكرار في ذلك، لأن الأولى تتعلق بالنفس التي تريد أن تشفع لمن أسرف على نفسه فلا يقبل منها، ثم تطلب العدل وهو الفدية فلا يقبل منها، وأما الثانية فهي تخص النفس المسرفة، فتطلب العدل أولاً (ارجعنا نعمل صالحاً) فلا يقبل منها، ثم تبحث عن الشفعاء فلا تنفعها الشفاعة.


ما يستخلص من الآيات [44-48]:
1- الصدق مع الناس من الصفات الأساسية التي يجب على المسلم أن يتحلى بها، ومِنْ مقتضى هذا الصدق أن يكون قوله مطابقاً لفعله حتى يؤثر في الآخرين، ومَنْ خالف ذلك فهو ممقوت عند الله لقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2-3] خصوصاً إذا كان هذا المُخالِف مِنَ العلماء.
2- لا بد للطاعة من صبر، ولا بد لترك المعصية من صبر، وخير معين على ذلك الدخول على الله تعالى وطلب العون منه أثناء الصلاة بكل خضوع وتذلل وافتقار، لأن أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد في صلاته.
3- موازين الآخرة غير موازين الدنيا، فالمجرم في الدنيا يمكن تخليصه وتبرئته بالوساطة والشفاعات عند مَنْ لا يخافون الله تعالى، وأما في الآخرة فهو خاضع لقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ}، {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}.4- الشفاعة المرفوضة يوم القيامة هي شفاعة الكافرين، فقد أجمع المفسرون على أن المراد بقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ…} النفس الكافرة، لا كل نفس. أما المؤمنون فتنفعهم الشفاعة بإذن الله تعالى لقوله تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]، وقوله: {وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 23]، وقد وردت أحاديث كثيرة تفيد ذلك.
5- تفضيل بني إسرائيل على العالمين ليس على إطلاقه.
فمن حيث الزمان فهو مرتبط بفترة زمانية سابقة لالتزامهم بشرع الله تعالى {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}، وغضب عليهم ولعنهم.
ومن حيث الأشخاص، لا تقتضي هذه الأفضلية بأن يكون كل فرد منهم أفضل من كل فرد من غيرهم، فهو تفضيل من حيث الجملة لا من حيث التفصيل.
  رد مع اقتباس
قديم 09-16-2007, 10:37 AM   #49
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

( 13 )


نِعَمُ الله العشر على بني إسرائيل


{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ( 49)وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ(50)وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ(51)ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(52) وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(53)وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(54)}

{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ}: أي اذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم حين نجيت آباءكم
{مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ}: أي من بطش فرعون وأشياعه العتاة، والخطاب للأبناء المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم إِذ أنّ النعمة على الآباء نعمة على الأبناء
{يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}: أي يولونكم ويذيقونكم أشد العذاب وأفظعه. والسوء هو المشتمل على ألوان شتى من العذاب كالجلد والأعمال الشاقة ونحوها.
{يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ}: أي يذبحون الذكور من الأولاد
{وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ}: أي يستبقون الإِناث على قيد الحياة للخدمة
{وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ}: أي فيما ذكر من العذاب المهين من الذبح والاستحياء، محنة واختبارٌ عظيم لكم من الله تعالى بتسليطهم عليكم ليتميز البرُّ من الفاجر.
قوله تعالى {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} ورد في موضع آخر بـ {وإذ أنجيناكم من آل فرعون…}، وهناك فرق كبير بين كلمة "نَجَّى" وكلمة "أَنْجى"، فكلمة نَجّى تكون وقت نزول العذاب، وكلمة أَنْجى تمنع عنهم العذاب، الأولى للتخليص من العذاب والثانية لإبعاده نهائياً ففضل الله عليهم كان على مرحلتين: الأولى أنه خلّصهم من عذاب واقع عليهم، والثانية أبعدهم عن آل فرعون فخلّصهم منه نهائياً.
{وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ}: أي اذكروا أيضاً إِذ فلقنا لكم البحر حتى ظهرت لكم الأرض اليابسة فمشيتم عليها
{فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ: أي نجّيناكم من الغرق وأغرقنا فرعون وقومه، وذلك أن موسى عليه السلام عندما رأى فرعون وجيشه يتّجهون إلى البحر ليعبروه أراد أن يضرب البحر ليعود إلى السيولة، فلا يلحق بهم آل فرعون، أوحى الله تعالى إليه: {وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُغْرَقُونَ} أي اتركه كما هو حتى يتبعكم فرعون وجيشه ليهلكوا
{وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ}: أي وأنتم تشاهدون ذلك فقد كان آية باهرة من آيات الله في إِنجاء أوليائه وإِهلاك أعدائه.
وفرعون: لقب لكل مَنْ ملك مصر قبل البطالسة، مثل قيصر لملك الروم، وكسرى لملك الفرس، وتُبّع لملك اليمن، والنجاشي لملك الحبشة.
{وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}: أي وعدنا موسى أن نعطيه التوراة بعد أربعين ليلة وكان ذلك بعد نجاتكم وإِهلاك فرعون
{ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ}: أي عبدتم العجل
{مِنْ بَعْدِهِ}: أي بعد غيبته عنكم حين ذهب لميقات ربه
{وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ}: أي معتدون في تلك العبادة ظالمون لأنفسكم.
{ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ}: أي تجاوزنا عن تلك الجريمة الشنيعة
{مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}: أي من بعد ذلك الاتخاذ المتناهي في القبح
{لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي لكي تشكروا نعمة الله عليكم وتستمروا بعد ذلك على الطاعة.
{وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ}: أي واذكروا نعمتي أيضاً حين أعطيت موسى التوراة الفارقة بين الحق والباطل وأيدته بالمعجزات
{لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}: أي لكي تهتدوا بالتدبر فيها والعمل بما فيها من أحكام.
والكتاب: هو التوراة. وأمّا الفرقان: فقد اختلفوا في تفسيره، فقيل هو مرادف للكتاب من باب التأكيد، وقيل هي الأشياء التي يُفَرق الله بها بين الحق والباطل ولقد عَلَّمها الحق تعالى لموسى عليه السلام، وتطلق هذه الكلمة على كل ما يُفَرق بين الحق والباطل ولذلك سمى الله يوم بدر بقوله: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ}.
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ}: أي واذكروا حين قال موسى لقومه بعدما رجع من الموعد الذي وعده ربه فرآهم قد عبدوا العجل يا قوم لقد ظلمتم أنفسكم
{بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ}: أي بعبادتكم للعجل
{فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ}: أي توبوا إِلى من خلقكم بريئاً من العيب والنقصان {فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} أي ليقتل البريء منكم المجرم
{ذَلِكُمْ} أي القتل
{خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ}: أي رضاكم بحكم الله ونزولكم عند أمره خير لكم عند الخالق العظيم
{فَتَابَ عَلَيْكُمْ}: أي قبل توبتكم
{إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}: أي عظيم المغفرة واسع التوبة.
وقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} جزاء لها على عبادة غير الله، فكان تكفير الذنب أن ترد هذه النفس إلى بارئها بالقتل، وقد أوقفهم موسى عليه السلام صفوفاً وأمر الذين لم يعبدوا العجل بقتل الذين عبدوا العجل وعندما قتل منهم قرابة سبعين ألفاً استصرخ موسى وهارون ربهما وقالا: "البكية البكية، أي: أبكوا عسى أن يعفوا الله عنهم، ووقفوا يبكون أمام حائط المبكى فرحمهم الله.


ما يستخلص من الآيات [49-54]:

1- لكل ظالم متكبر نهاية وخيمة، ففرعون كان هلاكه بالإغراق، وقارون بالخسف وغيرها بشتى أنواع البلاء الذي ذكره القرآن {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} الذين جاؤوا من بعدهم إلى يوم القيامة.
ولكل مستضعف مظلوم فرج قريب ونصر محقق طال الزمن أو قصر، كما جاء في الحديث القدسي: "وعزتي وجلال لأنصرنك ولو بعد حين".
2- نصرة المظلوم على عدوه نعمة إلهية تستوجب الشكر، ولذا اتخذ بنو إسرائيل يوم عاشوراء الذي أنجاه الله فيه من الغرق عيداً يتقربون فيه إلى الله بالصيام، وعندما قدم رسول الله صلى اللهعليه وسلم المدينة ووجدهم على ذلك، قال لهم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغرّق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر أصحابه بصيامه [رواه مسلم]. وقال الترمذي: وروي عن ابن عباس أنه قال: "صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود"، واحتج بهذا الحديث الشافعي وأحمد وإسحاق.
والشكر هو: الاجتهاد في بذل الطاعة مع الاجتناب للمعصية في السر والعلانية، كما قال سهل بن عبيد الله.
3- المبادرة إلى التوبة هي السبيل إلى التخلص من المعصية، والله جل جلاله {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} [غافر: 3]، بل إنه تعالى يغفر جميع الذنوب {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53].4- الصبر هو مفتاح الفرج، قال القشيري: من صبر في الله على قضاء الله عوضه الله صحبة أوليائه، هؤلاء بنو إسرائيل صبروا على مقاساة الضر من فرعون وقومه فجعل منهم أنبياء وجعل منهم ملوكاً وآتاهم ما لم يؤت أحداً من العالمين [البحر المحيط 1/194].
إلا أن الصبر لا يعني أبداً الرضا بالضيح، فالمسلم لا يعرف الذل والخنوع، بل عليه أن يقاوم الظلم والاستبداد بالوسائل التي شرعها الله له {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}.
5- إن الله تعالى ذكر لنا في هذه الآيات طريقة تخلص بني إسرائيل من أوزارهم بالقتل ليظهر عظيم فضله على هذه الأمة المحمدية حيث إنه تعالى خَفَّف عنها ووضع عنها الأغلال التي كانت على الأمم السابقة، قال تعالى في وصف نبيه عليه الصلاة والسلام: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157] استجابة لدعاء عباده الذي علمهم إياه في سورة البقرة {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: 286].فمن ارتكب من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وِزْراً لا يتعلق بحقوق الآخرين أجزأته التوبة النصوح بينه وبين الله تعالى.
  رد مع اقتباس
قديم 09-16-2007, 11:09 AM   #50
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

(
14
)
تتمة النِّعَم العشر على بني إسرائيل


{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ(55)ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(56)وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(57)وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ(58)فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ(59)وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ(60)}

{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى}: أي اذكروا يا بني إِسرائيل حين خرجتم مع موسى لتعتذروا إِلى الله من عبادة العجل فقلتم:
{ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ}: أي لن نصدّق لك بأنَّك رسول من عند الله.
{حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}: أي حتى نرى الله علانية.
وسؤالهم رؤية الله جهرة، هو سؤال عناد وحماقة، لأن الله تعالى فوق المادة، {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103].
{فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ}: أي أرسل الله عليهم ناراً من السماء فأحرقهم
{وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ}: أي ما حلّ بكم
{ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ}: أي أحييناكم بعد أن مكثتم ميتين يوماً وليلة، فقُاموا وعاشوا ينظر بعضهم إِلى بعض كيف يحيون
{لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}: أي لتشكروا الله على إِنعامه عليكم بالبعث بعد الموت.
{وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ}: أي سترناكم بالسحاب من حر الشمس وجعلناه عليكم كالظُلَّة.
{وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى}: أي أنعمنا عليكم بأنواعٍ من الطعام والشراب من غير كدٍّ ولا تعب،والمنُّ كان ينزل عليهم مثل العسل فيمزجونه بالماء ثم يشربونه، والسلوى: طير يشبه السماني لذيذ الطعم.
{كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}: أي وقلنا لهم كلوا من لذائذ نعم الله.
وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ:

قال الشيخ الشعراوي: إن الدنيا عالم أغيار، والنعمة التي أنت فيها زائلة عنك، إما أن تتركها بالموت أو تتركك وتزول عنك. وتخرج من الدنيا تحمل أعمالك فقط، كل شيء زال وبقيت ذنوبك تحملها إلى الآخرة، ولذلك فإن كل من عصى الله وتمرّد على دينه قد ظلم نفسه لأنه قادها إلى العذاب الأبدي طمعاً في نفوذ أو مال زال عنه فترة قصيرة ولم يدم. فكأنه ظلمها بأن حرمها من نعيم أبدي وأعطاها شهوة قصيرة عاجلة.
{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ}: أي واذكروا أيضاً نعمتي عليكم حين قلنا لكم بعد خروجكم من التيه، ادخلوا بيت المقدس.

{فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا}: أي كلوا منها أكلاً واسعاً هنيئاً.
{وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}: أي وادخلوا باب القرية ساجدين لله شكراً على خلاصكم من التيه.
{وَقُولُوا حِطَّةٌ}: أي قولوا يا ربنا حطَّ عنا ذنوبنا واغفر لنا خطايانا
{نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ}: أي نمح ذنوبكم ونَكَفِّرْ سيئاتكم
{وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}: أي نزيد من أحسن إحساناً، بالثواب العظيم، والأجر الجزيل.
{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا}: أي غَيَّر الظالمون أمر الله فقالوا
{قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ}: حيث دخلوا يزحفون على "أدبارهم" وقالوا على سبيل الاستهزاء "حِنْطة" وهي القمح، ليطوعوا اللفظ لأغراضهم فكأن المسألة ليست عدم قدرة على الطاعة ولكن رغبة في المخالفة وسخرية من أوامر الله.
{فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ}: أي أنزلنا عليهم طاعوناً وبلاءً.
{بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}: أي بسبب عصيانهم وخروجهم عن طاعة الله، روي أنه مات بالطاعون في ساعة واحدة منهم سبعون ألفاً.
{وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ}: أي اذكروا يا بني إِسرائيل حين طلب موسى السقيا لقومه وقد عطشوا في التيه.
{فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ}: أي اضرب أيّ حجر كان تتفجر بقدرتنا العيون منه.
{فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا}: أي فضرب فتدفق الماء منه بقوة وخرجت منه اثنتا عشرة عيناً بقدر قبائلهم.
{قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ}: أي علمت كل قبيلة مكان شربها لئلا يتنازعوا {كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ}: أي قلنا لهم: كلوا من المنّ والسلوى، واشربوا من هذا الماء، من غير كدّ منكم ولا تعب، بل هو من خالص إِنعام الله.
{وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}. أي ولا تطغوا في الأرض بأنواع البغي والفساد.

ما يستخلص من الآيات [55-60]:
1- تذكير القرآن بني إسرائيل المعاصرين بما أنعمه الله من نعم على أصولهم فيه دلالة على أن الفرع يتأثر بسلوك الأصل إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً. ولذا قال الحق تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]. وقال أيضاً في كنز الغلامين اليتيمين: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الكهف: 82]، فكان صلاح الأب أو الجد سبباً في صلاح الابن وحفظ ما تركه له من مال.
2- أفاد قوله تعالى: {وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، أن الله تعالى لا تضره معصية العاصي ولا تنفعه طاعة الطائع، وهو معنى قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يونس: 23].
3- تفجير الماء من الحجر، هي من المعجزات التي أجراها الله على يد موسى عليه السلام. وكان الله قادراً على تفجير الماء وفلق البحر من غير ضرب عصا، ولكنه جلّت قدرته أراد أن يعلم عباده ربط المسببات بأسبابها، لكي يسعوا إلى الأخذ بها. وكذلك الحال بالنسبة لسائر المعجزات، وكذلك تقريب لفهم المعجزة.
4- تحريف الكالم وتبديله صفة عريقة في بني إسرائيل، فقال لهم الله تعالى: {وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ} فقالوا: حِنْطَة، أي: القمح، وموسى عليه السلام بين أظهرهم، فكيف وقد غاب عنهم؟ فاليوم يتفقون معك على شيء وغداً يحرفونه ويبدلونه والعرب في سباتهم نائمون.
5- أفادت آية: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى} تقرير سنة الاستسقاء بإظهار سنة العبودية والفقر والذلة مع التوبة النصوح، وتكون بخروج الإمام -أو من ينوب عنه- مع المسلمين إلى المصلى للخطبة والصلاة والدعاء لما رواه مسلم عن عبد الله بن زيد المازيني قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه ثم صلى ركعتين".
وذهب أبو حنيفة إلى أنه ليس من سنة الاستسقاء صلاة ولا خروج، وإنما هو دعاء لا غير، واحتج بحديث أنس في الصحيحين، وردّ عنه القرطبي بقوله: ولا حجة له فيه، فإن ذلك كان دعاء عُجِّلت إجابته فاكتفى به عما سواه ولم يقصد بذلك بيان سنته، ولما قصد البيان بيّن فعله بحديث مسلم السابق. [انظر القرطبي ج1/418].
6- دَلَّ قوله تعالى {كُلُوا واشْرَبوا} وقوله { وَلا تَعْثَوا في الأرْضِ مُفْسِدين} على إباحة النعم والتمتع بها، والنهي عن المعاصي والإنذار بعقوبتها وأضرارها.

التعديل الأخير تم بواسطة سالم علي الجرو ; 09-16-2007 الساعة 11:24 AM
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اسماء ننادي بها ونجهل معانيها أهوى حريضه الســقيفه العـامه 22 06-28-2011 06:04 AM
قصيدة رائعة شيطان دمرهم وعاده بي دمر ابوبروج سقيفة عذب القوافي 2 11-25-2009 04:04 AM
شيطان دوت نت رقية القلب سقيفة الحوار الإسلامي 2 05-04-2009 10:22 PM
انتي شيطان رجيم؟؟؟ أبوعمر العمودي سقيفة عذب الكلام 7 04-17-2009 01:46 AM


Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas