من جذور التراث : سعيد مرزوق شاعر وملحن الدان الحضرمي ..!!!

[أبوعوض الشبامي]

الحديث عن جذور التراث الحضرمي في سقيفة الشبامي حديث ذو شجون ، وحنين صاحبكم ابوعوض الشبامي لسماع الدان الحضرمي حنينا يتزايد كلما سمع اصداء لحن قديم يتسلل الى وجدانه ، فللدان الحضرمي بألوانه المختلفة اساتذة كبار من شعراء وملحنين لأصواته الشجية والمعبرة ، ومغنين الدان من ذوي المواهب الصوتية تفاعلوا مع الكلمة واللحن فكان في أداءهم روعة تطرب وتشجي ، وتسحر وتأسر قلوب العشاق . ، من بين ملحنين الدان الحضرمي يأتي اسم سعيد مبارك مرزوق على قائمة أولئك الموهبين الذين حباهم الله بملكة الشعر ، وموهبة التحلين ، وحسن الأداء ، لهذا حق له أن يكون ملحن الدان الأول في حضرموت ـ وهو الذي امتعنا بعشرات الألحان قيل أنها تزيد عن 70 لحنا مبتكرا .

فمن هو سعيد مرزوق ؟؟

هو ملحن الدان الحضرمي سعيد مبارك مرزرق من مواليد سنة 1911م بمدينة سيئون ، من اسرة حضرمية فقيرة ، كان أبوه يمتهن أعمال (( المحضة )) والنورة ، والعمليتين هي لياسة البناء بمادة الطين والقش ثم اللياسة والطلاءبمادة النورة .

لم ينل سعيد مرزوق حظه من التعليم فقد عاش اميا لا يقرأ ولا يكتب ، وكان ملازما لأبيه منذ ان كان صغيرا وعمل معه وهو دون الرابعة عشر من العمر ، وتعلم من ابيه نفس الحرفة واتقن معها عمل (( النورة )) من تشكيلات وزخارف وتلوين ، حتى صار يضرب به المثل من حيث اتقان هذه الحرفة من لياسة (( محضة )) ونورة وتشكيل الخصور والزخارف والرسم وبراعة التلوين .

كانت حياة سعيد مرزوق حياة جد وكفاح على مر سنين عمره ، مضت وهو معلق بالسقالة المتدلية (( الخرة )) واضعا يده على حبالها البالية ، والمشدودة على قطعة الخشب ، ومع مخاطر هذه المهنة ، فقد تولدت عنده حالة من العشق لفن هذه المهنة مع وجود مخاطرها الكثيرة ، ولكن قلوب الشعراء الرحيمة كانت تقدر مخاطر هذه المهنة خاصة حين يكون سعيد مرزوق ذلك الفنان المرهف الأحاسيس معلقا على سطح خشبة (( الخرة )) من الأدوار العالية لهذا قال الشاعر السيد سالم بن شيخ السقاف:

في القرن قالوا لي طبين المحمله=لاسيب بوحمراء ولا قروان
الله يعين الضانيه والمنقله= ويعين بن مرزوق عالخره وبن بكران

من خلال الجمع بين موهبة فن التلوين والرسم وتشكيل الزخارف من جهة ، وبين صياغة الحان الدان الحضرمي اثناء القيام بأداء حرفته من جهة اخرى ، تشكل الوعي الفني عند الملحن سعيد مرزوق ، وداعت شهرة موهبته فاصبح الشعراء يوجهون له كلمات اشعارهم وهو اثناء تسلقه (( الخرة )) من اعالي المباني يرى تحته ومن حوالية مباني تتناثر في سفوح الوادي ، ونخيل باسقات منتصبات ، ونساء آيبات ، من الحقول ، كل ذلك يتراء له ونظراته تتأمل الأفق البعيد يشده ملامح جمال الطبيعة ساعة الغروب وقرص الشمس الدامي يكاد أن يعلن بنهاية يوم مضني وشاق ، وهو اثناء ذلك يدندن إما على نهاية تشكيل فني زخرفي ، او بداية صياغة لحن جديد خص كلماته شاعر اشادة بسعيد مرزوق وموهبته في ابتكار الاعمال الفنية من زخرفة وتلوين في جدران واسقف بيوت الإثرياء في حضرموت كما قال الشاعر خميس سالم الكندي:

واسعيد بن مرزوق في كل دار= كل ماطلع مرواح(1) جات افكار
لا بطلوا في جنس في التجنيس جاب الجنس لخرى(2)= دائم وهو شال السفر(3) يمديه يكسب للملايين

وقال ايضا:

واسعيد بن مرزوق غلاّ الشيد (4) شله للفوالق (5)= والشيد قالوا عس(6) في لسواق
كله من الشرغات(7) شي وافق وشي ما بايوافق= والحاصل ان الحركه عند آل مرزوق

لم يكتف سعيد مرزوق بابتكار الالحان بل كان يعد من شعراء الدان الحضرمي وغالبا ما يصوغ لحن صوت على كلمات من ابداعه ، وسعيد مرزوق شاعر يترجم معاني الاحساس بظلم الانسان لاخيه الانسان عبر الكلمة واللحن. وربما لاقت مثل تلك الكلمات والالحان صدى واسعا وقبولا حسنا ، وانتقلت بسرعة بين الناس ، فغنت ورددت واشتهرت بينهم ، فمثلا فيما يحكى ان سعيد مرزوق انه تعاقد مع احد اثرياء تريم بطلاء قصره الكبير وقد اشترى سعيد مرزوق شوالا من الصمغ العربي من اجل تحضير خلطات الاصباغ (( الشيد )) واثناء نقل هذا الشوال من الصمغ بين سيئون وتريم اوقفه الجنود عند نقطة التفتيش في (( حيد قاسم )) وهي مركزا للقعيطي وطلبوا منه ضريبة (( عشور )) فكان جائرا فأذعن لهم ، ولكن حال وصوله تريم قال كلمات لحنها سجل فيها هذه الواقعة قال:

ردوا الفرضه حوالي حيد قاسم= ريت عاد البحر يقسم
بايقسمونه عمد أهل الطلاسم= كل من تكلم بيقول البحر بين الناس مقسوم

شاعت هذه الكلمات وهذا اللحن بين الناس في تريم وتبارى شعراء الدان على نظم الكلمات حول هذا اللحن ونحو هذا المغزى والمعنى .

يعد الملحن سعيد مبارك مرزوق من مشاهيرالملحنين لشعر الدان الحضرمي ، تشحذ الحانه قرائح الشعراء فيهيمون معها وقد قال الشاعر مستور حمادي:

غن ياسعيد بن مرزوق وانصح= لأنك استاذ لأهل الدان ناصح

وقال الشاعر محفوظ التوي:

ذا فصل والثاني نسيت الدان واهل الدان نسيونا= وامسيت يابن مرزوق انا في عالم النسيان

وقال الشاعر سالم عبدالقادر العيدروس:

قولوا لبن مرزوق غن صوتك دوا العله= الدان يزهى بك وتزهي لك لحونه

من هنا استأثرت شاعرية شعراء الدان الحضرمي موهبة الملحن سعيد مرزوق فأن لهم أن يرمون إليه بالخطاب المباشر ، ذلك لمكانته التي تتصدر شعر مساجلات الدان ، والحانه الرائعة والتي منها اللحن الخالد والذي تعنى به الفنان ابوبكر سالم بلفقيه جارى في كلماته الكلمات الخالدة للشاعر عايض بلوعل والتي يقول فيها:

ذا خرج فصل والثاني إذا جات زله=من ضنينك رمى قلبك بها وإنت غافل
لا تعامله بالزلات خله= غض واصفح وقله ياضنيني كفانا حسبك الله

للسماع الى صوت الملحن سعيد مرزوق وهو يؤدي لحنا من الحانه على كلمات خميس كندي (( والشيد عس في لسواق )) والمساجلة كانت بين مجموعة من الشعراء بينهم عايض بلوعل استمع
اليه بصوته تحت هذا الفيديو:

__________________________________________________ _
(1)مرواح : غرفة صغيرة بأعلى البيت تخصص للإسترخاء والراحة.
(2) لخرى : الآخر
(3) السفر جمع سفره : قطعة من لوح مستطيل.
(4) الشيد : الطلاء ، والاصباغ.
(5) الفوالق : جمع فالق غرفة صغيرة أومطرح بأعلى سطح البيت .
(6) عس : شح .
(7) الشرغات : الشرغة هي الرغبة والذائقة الخاصة بالانسان.