هكذا يجب أن نقرأ هجرات اليمنيين القدماء !!!

[جمال العطاس]

يخطئ كثيراً من يعتقد او من يقرأ تاريخ هجرات اليمنيين القدماء ثم يعزو ذلك الي ان دوافع اليمنيين ومحفزاتهم على هجراتهم واسفارهم كانت لاسباب الفاقة وضنك العيش . ان الواقع يؤكد عدم صحة مقولة ان انهيار سد مأرب والدمار الذي اصابه هو الدافع والمحفّز الوحيد الذي جعل أهل اليمن قديما يسيحون في الأرض . ان سد مأرب ماكان يروي في الواقع الا جزءاً من اليمن ولم يكن الذين يسكنون مأرب السبئية الا جزءاً بسيطا من سكان يمن الحضارة . وعلى اعتبار ان انهيار هذا السد كان محفزا لهجرة اليمنيين فانه لا يمكن ان يكون الا محفزا ومشجعا لفئة قليلة منهم للحاق بمن سبقهم في الهجرة الي منطقة الهلال الخصيب وعمان والسودان وشمال افريقيا .
لقد هاجر أهل اليمن الي بلاد شتى قبل انهيار سد مأرب ربما بالآف السنين ..
وقد عمّت هجراتهم شمال الجزيرة العربية وبلاد الرافدين ومصر وسيناء والشام والسودان والمغرب العربي وذلك بحكم التوسع التجاري والازدهار الاقتصادي ورواج السلع التي كان يتمتع بها سائرالمجتمع اليمني انذاك ولم ينافسهم سائر العرب في ذلك .
نعم لقد كان سائر المجتمع اليمني ينتج فهناك اللبان كناتج لمنطقة محددة , وهناك الملح , وهناك العديد من المحاصيل , وكذلك البخور والأسلحة .
اذن لقد كانت هجرة اليمنيين مظهرا من مظاهر القوة والعطاء والتميز , وليس مظهرا من مظاهر الفاقة او الكساد والخمول .
لقد استوطن اليمنيين شمال الجزيرة العربية وسكنوها بل انهم ربما انتزعوها من سكانها الأصليين كما فعلت قبيلة طئ في الجزيرة العربية حيث استوطنت شمالها وظهرت على سكانها الأصليين .
وسكنوا اليمنيين قمم جبال الطائف بعد ان ظهروا على ساكنيها وهم
( ثقيف ) .
لقد سيطروا على اسواق العرب التجارية وكانت قوافلهم تجوب الصحراء محملة بالبضائع التي يزودون بها اسواق العرب . في الوقت الذي كان سائر عرب الجزيرة واعرابها بادية يجوبون قفارها ورمالها بحثا عن المراعي ولايقرّون .
لهذه الاسباب قامت لليمنيين دويلات بعضا منها اضمحلت سريعا وبعضها دامت طويلا وتعاقب على ملكها اجيالا كما في الحيرة مثلا والحجاز والشام ولم تكن حواضر تلك المناطق في الأصل الا اسواقا للتجارة والسلع القادمة من اليمن .
ولاننسى ان هناك من وفد الي اليمن للاستفادة من تجارته والتعاطي معها كما وفدت هوازن وقريش . لقد وصل الأمر الي ان ( تُّبَع ) كان أول من ارسل ثوبا للكعبة وكساها . كما ان اليمنيين وفروا سلعهم وناتجهم المحلي الي اسواق العرب ووفروا عليهم عناء الوفود الي اليمن
ووضعوا كل ماتحتاجه العرب في متناول ايديهم فغزو الأسواق وسيطروا عليها وجلبوا اليها الأسلحة والمحاصيل واللبان والملح والكثير من السلع واوصلوها الي القطيف شرقا ودومة الجندل شمالا والطائف .
وقد اسفرت هجراتهم وغزوهم اسواق العرب عن سيطرتهم
على هذه الأسواق . واستفادوا اليمنيين من ذلك استفادة قصوى مماجعلهم يحتكون بمن يسكن الشام وبلاد الرافدين ومصر من قبائل العرب واخلاطهم . كما ان هجراتهم مكنت لهم الاندماج مع القبائل الأخرى التي تسكن اواسط جزيرة العرب واطرافها , الا انهم ظلوامتمسكين بأصولهم اليمنية حتى فجر الاسلام ..

اذن من كان يعزو هجرات اليمنيين ونزوحهم الي شتى البقاع نظرا لفاقتهم وانهيار حضارتهم ودمار بلادهم فقط فقد جانب الصواب
ولم يتسن له أن يقرأ تاريخ هجراتهم قراءة معمقة ومتجذّرة . وانما قرأ هجراتهم فقط خلال القرون المتأخرة بل لقد سيطرت استنتاجات قراءته على فهمه لتاريخ هجرات اليمنيين منذ بداياتها الي يومنا هذا .. !!!!!

[باشراحيل]

شكرا اخي جمال على هذه المعلومات التاريخية المفيدة والمهمة في قراءة تاريخ الهجرة اليمنية ..وبالفعل انهيار سد مأرب لايمكن ان يضر غير من ينتفع من السد , فما سبب هجرة اولئك الذين يعيشون على بعد منه !!.. بيد ان مشاركة اليمنيين في الاسواق التجارية في جزيرة العرب قبل الاسلام شأنهم شأن مشاركة غيرهم في اسواق الجزيرة بل يأتي تجار البضائع ورجال الشعر آنذاك الى سوق صنعاء وسوق الشحر وغيرها من الاسواق اليمنية على تفاوت مكانة السوق استنادا الى العوامل الجغرافية والتاريخية إذ كانت سوق عكاظ هي اشهرها ..
تحية للجهذ المبذول في المقال اخي جمال وفي انتظار المزيد من هذه التحف التاريخية.