من تاريخ الكوارث العظيمة في حضرموت ...!!!

[أبوعوض الشبامي]

.

كثر الحديث بعد كارثة السيول الأخيرة التي جاءت بسبب ضرب اعصار مداري جنوب الجزيرة العربية وبالتحديد (( حضرموت والمهرة )) .. وتشاءم البعض من أن يكون هذا بداية حقبة مناخية جديدة يجب فرض الاستعدادات الجادة لها .

ودعوا كما قرأت لهم إلى (( تظافر وتوحيد الجهود للسيطرة على تغيرات مناخية وبيئية حقيقية وكبيرة وخطيرة قادمة لا محالة قد تنقلنا إلى واقع بعيد كل البعد عما سمعناه وألفناه في الطبيعة و البيئة والتضاريس في واقع معاشنا اليومي ، وكل ما يرتبط بذلك منذ مئات السنين وقد تفوق في أحداثها حتى تخيلات العلماء و المختصين فضلاً عن العامة , وما الكوارث والتغيرات التي يشهدها عموم العالم اليوم في هذا الجانب إلا نواقيس خطر و مؤشرات صريحة لهذا المخاض الذي نعيشه و يجب التعامل معه بغاية الجدية والحذر ))

وكما يبدو أن أمثال هؤلاء لم يستقرأو تاريخ حضرموت جيدا وهم يجارون خبراء البيئة والارصاد في تحذيراتهم بأن العالم يشهد تغيرات مناخية بينما مثل دورة هذه الكوارث كانت حضرموت تعهد مثلها وأشد منها ، فهل مثل هذه الكوارث جديدة على حضرموت ؟؟

ولمعرفة الاجابة على هذا السؤال تعالوا بنا نرحل في اسفار التاريخ ونستقرأ أخباره كما ذكر المؤرخون في كتبهم وعلى رأسهم (( شنبل )) في تاريخه .

(( أنه في سنة 632هـ جاءت سيول فأخذت من الأنفس والأموال في الديار والضياع من الأشجار ، وعرضت عوارض ، فغرقت السفن في البحار ..))

من حوادث هذه السنة كما وصفها لنا شنبل في تاريخه كان وصفا مأساويا لكارثة احاقت بحضرموت ثم تلت السيول سيولا أخرى منها
(( وفي سنة 654هـ وقع الغيث وجاءت سيولا عظيمة في المعلاة والمسيلة وأخذت حلل (( محلات )) بدو وقرى ومواشي وتلفت أحجال (( ارض زراعية )) ومساجد وغير (( اخرب )) نخل تريم من عدم (( من سيل عدم )) )) ..

ما اشبه الليلة بالبارحة نفس السيناريو يتكرر بين الفينة والفينة !!!
ولكن أهل حضرموت اتفقوا على اصطلاح يسمون السيل العظيم ب (( الهميم )) ذلك أن سيلا عظيما تسبب في شطر شبام الى شطرين فسمي ب (( السيل الهميم )) وهذا ما سجلته كتب التاريخ حيث جاء فيها

(( وفي سنة 699هـ جاء السيل العظيم المسمى الهميم وأخرب الاحجال وأخذ كثيرا من الآدميين والمواشي وأخذ من البلاد شبام قطعة فيها ثلاثة مساجد وما والاها من الديار وكان ذلك ليلة الاثنين الثالث من رمضان ))

مأساة مهولة حينها لم تكن تعرف آلات التصوير حتى تصور لنا حجم ههذه المأساة ، والتي كما يبدو لي أنها أكبر من حجم المأساة الأخيرة التي ضربت حضرموت سنة (( 1429هـ )) ... ومن المهم أن نقف عند جملة (( وأخذ من البلاد شبام قطعة فيها ثلاثة مساجد وما والاها من الديار .... ))
أي أن شبام كانت بلدة كبيرة عامرة حتى جاء هذا السيل (( الهميم )) فشطرها وكما قيل جعل جنوبها مفصلا عن شمالها فسمي الجنوب (( السحيل )) واقتطع منها مساحة كانت فيها ثلاثة مساجد وما والاها من ديار ... وأخذ مع الديار العامرة أهلها وماحوته ... أي أن سيل الهميم نعده أكبر الكوارث التي ضربت حضرموت وأضرت بشبام .

ومن الكوارث العظيمة ايضا السيل العظيم
(( في سنة 794هـ اغاث الله الناس بحضرموت غيثا عظيما عاما وبطن من شبام ونواحيها سيولا عظيمة وسال وادي الخون سيلا عظيما صعد الى قرب عينات واخذ اموالا لآل تميم ومات فيه نحو ( اربعة عشر نفسا )) وايضا سال وداي ثبي سيلا عظيما أخذ نخيلا كثيرا في النقر ...))

أما في سنة 905هـ فقد جاء فيها انه (( وفيها وقع سيل لم يعهد مثله وسال (( بأودام )) أوادم ودواب ، وأخرب قرى ومزارع وجاء بشيء من هدم البيوت لم يعلم أحد من أين هو فسبحان العليم الحكيم ...))

وفي ساحل حضرموت فقد سجلت كتب التاريخ كارثة وقعت سنة 936هـ حيث (( وقع مطر عظيم بنواحي الشحر وخربت وأنضرّت ديار ومخازن كثيرة في شحير وروكب ..)) ..
ولم تقتصر الكوارث على مياه السيول والأمطار فقط فقد جاء أنه :
(( في سنة 938هـ وفي شهر جماد الأولى وقع في جهة الشحر وحضرموت ودوعن والكسر ( المنطقة الواقعة بين القطن والعبر )) برد عظيم لم يعهد منذ زمان طويل ، حتى أن المياه في الكسر والهجرن جمدت في البرك والحياض والحباب وتلف غالب الزرع بحضرموت ...))...

أما حوادث سنة 939هـ فقد جاء فيها (( وفي يوم الجمعة في 28 من شعبان وقع غيث قوي ، وحصل معه رياح مختلفة واستمر الى صباحية السبت وتلف بسببه نخيل كثير في نواحي الشحر ... ووصل خبر من دوعن بخراب الخيل من السيول لم يعهد مثلها بحيث أن الذي تلف تحت ( رحاب ) يزيد على أربعة آلاف نخلة وكذلك ذبورهم تلفت ، ولم يبق في دوعن من النخيل والذبر إلا القليل ووصلت السيول في دوعن الى مواضع لم تعهد ولم تخطر ببال ..))..

ومن الكوارث العظيمة لا ننسى ذكر سيل (( الإكليل )) - الأول - الذي لا زالت ذكراه عالقة في الذاكرة الحضرمية حيث ذكرت كتب التاريخ أنه :

((في سنة 970هـ في غرة العيد عيد الفطر المبارك (( شوال )) وفي ليلة الثلثاء بدأت عاصفة تهب على الشحر ونواحيها مع غيث عظيم مع ريح مزعجة ، واستمر ذلك ليلا ونهارا الى ليلة الخميس فحصل مطر عزير من غير ريح أكثر وأغزر من الأول ، فخرب البيوت والمساجد وعم ذلك جميع نواحيها وقراها ، واتصل الخراب بجميع الجهة ، ووقع الخلق في حالة يعجز عنها الواصف ، حتى أن الناس خرجوا من بيوتهم وعرشوا لأنفسهم وأولادهم في الطرقات ، أمام بيوتهم خوفا من انهدام البيوت عليهم وعلى حريمهم واطفالهم ، وذلك شيء لم يعهد ولم يسمع بمثله واتفق عمومه ( المطر ) لجميع جهة الشحر ونواحيها وحضرموت ونواحيها والمشقاص ونواحيها ، وكان ذلك مهول ذهبت منه الألباب والعقول ، وأخذ سيل حضرموت جملة من الخلائق من النساء والرجال من المسفلة وتريم ، فمنهم من ظهر ميتا بالشحر نحو حيريج وحواليها (( بالقرب من سيحوت )) رجال ونساء بحليتهن لأنه كان يوم زينة وعيد الفطر وقليل منهم تعلق بخشب النخل وسلم ، وأخربت بيوت كثيرة وأخذ من النخيل شيء لا يحصى .....))

هكذا وصفت كتب مصادر تاريخ حضرموت سيل (( الإكليل )) المشهور والذي يبدو أن مأساة كارثته ظلت لا تفارق الذاكرة الحضرمية طيلة قرون تلته ...!!




.

[أبوعوض الشبامي]

وتواصلا مع تاريخ كوارث السيول في حضرموت ما جاء في كتاب الطيب بافقيه الشحري كما نقله ابن حميد عنه انه في سنة 998هـ (( فاض وادي عدم بوادي حضرموت
وقلع نخلا كثيرا ، وعرف ذلك السيل بسيل ( الثريا ) ...))

ولعل حكاية السيول العظيمة والمدمرة تكون مع حضرموت في لقاء مع نجم (( الإكليل )) .. وسيل (( الإكليل )) الثاني الذي ضرب ضربته الكارثية المدمرة كان
من أبرز حوادت القرن الحادي عشر الهجري التدميرية التي ضربت حضرموت، والذي سجلته كتب مصادر التاريخ الحضرمي وتعالوا نقرأ من كتاب (( عقد الجوهر ))..

(( أنه في سنة 1049هـ في الثاني عشر من صفر قبل طلوع الشمس بقليل سال وادي عدم الشهير بحضرموت بالسيل (( المهيل )) الذي خرق في أعماله العجيبة غاية التخريق ،
وحرق قلوب أصحاب الأموال ، أخذها عليهم غاية التحريق، ثم سال وادي دوعن بعده بيسير بالسيل (( المفعم الكبير )) وعلا من جوانب الوادي وتكاتف وعلا على نواحيه ، وأخذ
مافيه من النخيل الباسقات ، وكثير من الحيوانات ونقل جميع الآلات وأربابها وأمتعة كادت تسلب مالكيها ألبابها أرخه بعض الأدباء بقوله

وفي صفر سيل ســـــابع عشـــــــر .............. بتاســـع إكليل أتى ضـــبطه مغط
طغى إذا عدا في حضرموت حدوده ............ طغى النخل في طوفانه عامة غمط

(( وهو بحساب الجمل (( غمط )) فالغاء = 1000 والميم = 40 والطاء =9 )) .

وقيل أن من عجيب الصنع الإلهي (( أن رجلا لما أحاط به الماء رقى نخلة عظيمة ، فأخذها السيل وحفر مكانها ، وظهر اسفلها فتيقن ذلك الرجل الفوات، وأيقن بالموت ، واستمر
عليها وهي منتصبة والسيل ماشٍ بها ، فمر بها على جماعة ، فقال له بعضهم : بكم استكريت ؟ فقال ذلك الرجل وهو في تلك الحالة : إسأل الجمّال..!! ثم رماه السيل الى ناحية
وألقاه في ذلك المكان ، فكان في ذلك سلامته من الحمام، وقيل أن مما أتفق أن أناسا في دار كان معهم عرس ، فبينما هم في لهوهم بالليل إذ أخذ السيل واقتلع ذلك المكان ، وحمل
ما فيه من الحسان ، وأخرب دورا لا تحصى لكثرتها ونخيلا تعزّ عن الضبط ، ثم التقى السيل الكبير بعدم الشهير ، فكان في الشدة كأشد الأنهار واصغر البحار ، ومن لطف الله أن هذا
السيل لم يلتق مع عدم إلا وقت العصر ، وقد خف سيلانه ، ولكنه وجد الأرض قد لانت بالماء فاقتلع نخيلا كثيرا مع أنها بلحف الجبل متصلة ، وهي مستعلية وقصيرة ، فجرت لأذقانها
خاضعة وجرت بأرواحها لوامع جيوش السيول اللامعة، وما تركت تلك السيول دارا إلا أخربتها ، ولا أمكنة إلا وأخربتها ، اللهم إلا بعض النخيل القوية الراسخة ، وبعض البيوت
الجديدة الشامخة ، وحاصل الأمر أن قصة هذا السيل طويلة وشؤونها مهيلة ، وهو أمر حير الأفكار ، وقصر عن لحاق تفصيله الأخبار ، فكم خرب كم من مكان ، وكم ذهب به إمكان،
وكم مات به إنسان ، وكم ركب به الإفئدة الذهول والنسيان ، وكان يومه يوما تشيب منه الأطفال ، وتتنهد له شوامخ الجبال ..))

وصفا مهما ودقيقا لصور هذه الكارثة وآثارها المدمرة ويبدو أنها أشد الكوارث التي سجلها التاريخ الحضرمي

وقد اشار بن حميد في تاريخ انه (( في سنة 1120هـ وقع السيل الهميم في نجم الحوت وذلك ليلة الاربعاء 26 شهر الله المعظم رمضان ، وسالت الأودية بسيول
كثيرة عامة في جميع حضرموت وأوديتها ، وشل نخيلا ، وذبورا ، ودورا ، وطلع أرض لم يعهد طلوعه إليها ، وأخذ أنفسا لا تحصى من أهل الوديان وحضرموت،
وعدم ، ,اخذ إبلا وغنما وصيد وحش ، وظهرت مخبات ، وطرح في بعض الأودية طينا وأعوادا كثيرة وقوع الغيار في بيت مسلمة ومسيلة عدم ، وبطحاء شبام، ونخلها
وأما العلوب فقلّ ان تحصى، وافتقر أناس كثير بسبب ذلك، وقال لي رجل من السادة آل باعلوي : راحت علينا نحو تسعمائة نخلة في المسيلة ، وأما المشقاص وغياضه
وذبوره فجميعها إلا القليل ، فالأمر كله لله سبحانه وتعالى ...)) ...

تلك تواريخ متفرقة لكوارث السيول المدمرة في حضرموت ، وبما أن حضرموت في جنوب الجزيرة العربية وعلى البحر العربي فإن الأعاصير المدارية تتكون في النادر فوق البحرالعربي
وتتحول إلى عاصفة مدارية قد تصل سرعتها الى أكثر من 200 كيلو في الساعة . ويصاحب شدة رياح هذه العاصفة اضطراب في حالة البحر ، وتحدث اضرار كبيره من الحاله الجويه
نتيجة الامطار الغزيرة و فيضانات الاوديه .


.

[عفاف]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
جزاك الله خير على النقل , كوارث عظيمة بالفعل ,
طيب طالما ان هناك تغييرات بيئية ومناخية تحصل , فهي تفرض علينا في الطرف الاخر ان تكون تغييرات في التكيف مع الواقع وذلك بدراسة امكانية وجدوى بناء البيوت من الاسمنت او الحجر وغير ذلك من متطلبات هذه التغييرات المناخية , قد تكون للبناء الاسمنتي سلبيات مثل مانقرأ بأنها تحتفظ بالحرارة وجو حضرموت حار لكن هذا الامر سيتم تجاوزه باستخدام اجهزة التبريد التي تميز وقتنا الحاضر .

مالفت نظري من خلال سيول 1429 هـ وذلك من خلال صور سيول مدينة ســاه بأن ( السواقي) هي التي صمدت في وجه السيل كونها مبنيّة بحسب ماهي ظاهرة بالصور من الاسمنت والله أعلم , بينما البيوت جوارها مهدمة .

[أبوعوض الشبامي]

اقتباس : المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عفــــــــاف [ مشاهدة المشاركة ]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: جزاك الله خير على النقل , كوارث عظيمة بالفعل , طيب طالما ان هناك تغييرات بيئية ومناخية تحصل , فهي تفرض علينا في الطرف الاخر ان تكون تغييرات في التكيف مع الواقع وذلك بدراسة امكانية وجدوى بناء البيوت من الاسمنت او الحجر وغير ذلك من متطلبات هذه التغييرات المناخية , قد تكون للبناء الاسمنتي سلبيات مثل مانقرأ بأنها تحتفظ بالحرارة وجو حضرموت حار لكن هذا الامر سيتم تجاوزه باستخدام اجهزة التبريد التي تميز وقتنا الحاضر . مالفت نظري من خلال سيول 1429 هـ وذلك من خلال صور سيول مدينة ســاه بأن ( السواقي) هي التي صمدت في وجه السيل كونها مبنيّة بحسب ماهي ظاهرة بالصور من الاسمنت والله أعلم , بينما البيوت جوارها مهدمة .

شكرا لعفاف ... وكما نلاحظ أنه لم يترك الأولون في حضرموت شيئا للآخرين من بعدهم .. فقد عنوا بكل شيء وسجلوا تفاصيله سوى كانت كوارث (( زلازل نيازك مجاعات )) أو حروب وفتن ... أو رخاء أوتقلبات في الأنواء ... وكتب التاريخ الحضرمي تشير الى اشياء من هذا القبيل ...!!

أما بخصوص العمارة الطينية في وادي حضرموت فإنها جاءت نتاج البيئة المحلية وتوفر خاماتها فيها .. من (( طين .. وتبن .. ونوره )) حيث أن الأسمنت لا يتوفر ولا يستعمل ، ولا يعرف ايضا الحديد الخاص للإنشاءات الخرسانية ... وفي الآونة الأخيرة انتشر في حدود ضيقة البناء الأسمنتي ، وإن بدا نشازا وسط العمارة الطينية التي تميز يها وادي حضرموت ، وبالرغم أن المباني الاسمنيتة تتميز بصمودها أمام الأمطار والسيول ، الا انها تمتص الحرارة وتحتفظ بها ، بعكس العمارة الطينية ، وهذا مما يستدعي ارتفاع تكلفة نظام التهوية والتكييف وصرف مبالغ استهلاك الكهرباء...!!!