المحضار مرآة عصره (( رياض باشراحيل ))مركز تحميل سقيفة الشباميحملة الشبامي لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم
مكتبة الشباميسقيفة الشبامي في الفيس بوكقناة تلفزيون الشبامي

العودة   سقيفة الشبامي > الدين والحياه > سقيفة الحوار الإسلامي
سقيفة الحوار الإسلامي حيث الحوار الهادئ والهادف ، لا للخلاف نعم للإختلاف في وجهات النظر المثري للحوار !!
التعليمـــات روابط مفيدة Community التقويم مشاركات اليوم البحث


الفرق بين الادعياء والدعاة

سقيفة الحوار الإسلامي


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-09-2003, 09:17 PM   #1
ابن حضرموت
حال نشيط

افتراضي الفرق بين الادعياء والدعاة

مختصر من محاضرة للعلامة السيد عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف مفتى الديار الحضرمية سابقا، المتوفى عام 1375 هـ، بعنوان "تحقيق الفرق بين العامل بعلمه وعكسه ومايتصل بذلك من حد الولاية والألهام" ألقاها بمسقط رأسه مدينة "سيئون" حضرموت في مجمع علمي وأدبي وذلك في العقد الخامس من القرن الرابع عشر الميلادي، وطبعت المحاضرة بالمطبعة السلفية بالقاهرة، عام 1355 هـ. وفي العدد القادم -إن شاء الله - تكملة مختصر المحاضرة بعنوان " حد الولاية والإلهام ".


--------------------------------------------------------------------------------

خلق الله الخلق مجبولين على الاختلاف في المشارب والمذاهب لحكمة عالية وسر رباني فقال { وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [هود: 118 - 119]. ألا وإن في هذه الآية من الاشارات والفوائد لما يستحق أن يفرد على حدته بالكلام، ولكننا نكتفي بالإشارة إلى بعضه لأن المعنّى - أي المقصود - سواه، وما جئنا به إلا كالمقدمة للتمهيد، ففيه إيماء بل تصريح بقلة الناجين، وما كانت جهنم لتملئ لولا قلتهم بالهالكين. فقلتهم هي التي اقتضت كثرة أولئك كما قال المعري:

والليل إن طال غال اليوم بالقصر يجنى تزايد هذا من تناقص ذا

وما الناجون إلا المجتمعون على الحق الذين لا يضرهم من خالفهم إلى يوم القيامة، وفيه تلميح إلى أن ما ينزغ بين الناس ويفرق بينهم واقع من شياطين الجن ولهذا قدمهم في الوعيد. ومنه يؤخذ توهين ما يروى عنه عليه الصلاة والسلام من قوله "اختلاف أمتي رحمة" إلا بالتأويل الذي أطال فيه بعضهم وجوّده بما لو أننا ذكرناه خرجنا به عن الموضوع. ومنه يترجح الخبر الذي هو بلفظه أو بمعناه: "افترقت اليهود والنصارى على احدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة وهي ما كنت عليه أنا وأصحابي".

وما أريد بمذموم الافتراق إلا ما أثار الضغائن، أو جلب الشقاق، أو جر إلى سوء الأخلاق، أو عاق عن التقدم، أو أفضى إلى التندم، وليس منه الاختلاف في فروع المسائل الاجتهادية إذا لم يذهب بأصحابه إلى التعصب المذموم، والتحزب الممقوت، لأن الله جل شأنه يقول { شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } [الشورى:13] يقول أيضا { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } [المائدة: 48] وكيف يمكن الاجتماع في الدين مع افراد كل بشرعته ومنهاجه، والأمر بالاتفاق للجميع فيما يظهر وإمكانه مستحيل لو لم نخص الافتراق المذموم بما كان في مثل أصول الدين. فإن قيل ما هو الدين الذي يضر الافتراق فيه يخلاف غيره من الفروع؟ قلنا: هو معروف من حديث جبريل عليه السلام يوم جاء يعلم الأمة أمر دينها وما علمها يومئذ سوى أركان الإسلام والإيمان والإحسان، ذلك هو مجموع الدين. على أنه لا يضر الاختلاف في بعض شعائر الإسلام لمرجعه إلى الظاهر .

والعجب العجاب أن كلا مع هذا الاختلاف الهائل يدعي أنه مع الحق في قرن حتى عُبّاد الأصنام فإنهم يتوهمون الصواب في جانبهم ويتكلمون وخدهم بملإ أفواههم:

وليلى لا تقر لهم بذاكا وكل يدعي وصلا بليلى

غيره

وإن كان لا يخفى كلام المنافق وجائزة دعوى المحبة والهوى

أولا تنظرون إلى فرعون وقوله { مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ } [غافر: 29]. ولكنها متى نصبت الموازين، وظهرت البراهين، وحمي الجدال، وتشادقت الرجال، تبين الفالج والعي، وانكشف الرشد عن الغي، ولهذا أثنى الله على البيان، وعظم قدر الميزان، وأكثر ذكره في القرآن. ومن هذه الحيثية وهو أعلم سمى كتابه المجيد بالفرقان، وغض من شأن النساء لضعفهن في الحجاج، وعجزهن عن البيان في الخصام، فقال: { أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } [الزخرف: 18].

وقد أذن الله لكل نسمة أن تجادل عن نفسها، وأن تتكلم بملإ أشداقها في أهيب موقف فقال: { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا } [النحل: 111]. وماكان لأحد أن يتكلم ذلك اليوم إلا عن مشيئة صادقة، وإذن صريح، ثم أنظروا إلى موسى عليه السلام كيف يتفادى من الرسالة خشية أن يضيق بيانه، ولا ينطق لسانه، وما زالت العرب تتمدح باللسن. وما رأينا سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله يفتخر قط سوى بحسن البيان. فقال: "أنا افصح العرب" وقال: " أوتيت جوامع الكلم " وماكان فوز الأنبياء بالأغلب إلا من هذا الباب. ومن هنا كان الانتصار بالحجة والافحام بالدليل أقصى ما يطلبه الطالبون ويتمناه المتمنون. وصوبوا النظر في أعداء المرسلين من الجاحدين كيف يقارعون أولا بالأدلة ويعطون الحجج نصيبها من الحرية، ويسمحون للأنبياء أن يجروا ملأ أشواطهم في إقامة بيناتهم، ثم لا يرجعون في الغالب إلى العنف والعناد والمكابرة والفساد إلا إذا أفحموا ووقفت بهم الحجة وألجموا.

ولئن كان الوحي انقطع والنبوة انتهت فقد بقي العلم الصحيح و "العلماء ورثة الأنبياء" كما ورد. ولئن ضعف متن الحديث فقد صح معناه، والأحاديث في ذكر فضائهلم - أي العلماء - ورفعة منازلهم أظهر من الشمس في رابعة النهار. قال الألوسي: وأرجى حديث عندي في فضلهم ما رواه أبو حنيفة في مسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " يجمع الله العلماء يوم القيامة فيقول إني لم أجعل حكمتي في قلوبكم إلا وأنا أريد بكم الخير أذهبوا فلقد غفرت لكم على ما كان منكم". وبالجملة فالأسهاب في فضيلة العلم والعلماء من ضروب تحصيل الحاصل، والمقصود أن تستفيدوا شيئا جديدا لا غنى بكم عنه في الدينن وقد علمتم أنه لا يُسَلّم شرف العلم الضخم، ولا مجده الأثيل، ولا مرتبته العالية، إلا لمن كان عاملا بعلمه. ففي الآيات والأحاديث من الوعيد والتهديد لمن لم يعمل بعلمه ما ليس عليه من مزيد ولكن بما أن البعض لا يرجعون من البحث إلى تحقيق، تحقيق، ولا يلوون من العلم على عهد وثيق، تراهم يكيلون القول جزافا، ويجملون الكلام اجمالا، في مدح العلماء باديا ثم في ذمهم ثانيا:

ولو قيل هاتوا حققوا لم يحققوا يقولون أقوالا ولا يفهمونها

يتكلم أحدهم بما يوافق هواه، ويلائم غرضه، ويمليه شيطان ميله، وبهيمية شهوته، ولا يتحرج عما فيه تثبيت عز وجاه، ويغمط بأخيه، ويدور حيثما دارت الزجاجة، ويتلون كل يوم بلون الغرض والحاجة، ولا يبالي أن يذم ما كان يمدح، أو يمدح ما كان يذم، { وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ } [المؤمنون: 71].

ومع هذا الاضطراب المدهش، ألا يكون تحقيق الفرق بين العامل بعلمه وبين من لا يعمل بعلمه أهم المهمات، لأنه الميزان، الذي يعرف به الربح من الخسران، والزيادة من النقصان، والناس لا يتلقون أصول الدين إلا عن أهل العلم، ثم لا يعرفون الحلال والحرام إلا منهم، ومن لم يعمل بعلمه كيف يؤخذ بقوله؟ ومن أين لكم التمييز قبل بيان الفرق؟ - أي بين العامل بعلمه ونقيضه-. لا بد وأن تقولوا نعم إن تحقيق الفرق وبيان الحد من أهم الأمور لأنه ما دام مجهولا فالناس متعلقون بالأوهام متخبطون في الأحلام. فخذوه بدليله الذي يثلج له القلب، وينشرح به الصدر، من الكتب التي عليها الاعتماد عندكم في الأحكام.

ذلك الضابط - أي ضابط الفرق بين العامل بعلمه ونقيضه- إنما هو مجرد العدالة، كما في تحفة المحتاج بشرح المنهاج لأبن حجر الهيتمي وغيرها من الكتبأي العدالة- أدنى درحات أهل اليمين المعروفة من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفلح إن صدق" لرجل حلف أن لا يزيد على فرائض . وهي - الإسلاممردود الشهادة فهو غير عامل بعلمه، والوعيد منحط على عاتقه، ولا يمكن لأحد اتباعه بل يجب أن لا يلقى له وزن، ويرمى بما . فمن كان يقول في كل حزنمن كان - من العلماء - مقبول الشهادة والرواية، فهو من ورثة سيد المرسلين ومن خلفائه في بيان أحكام الدين على رغم أنوف . وأما الحاسدينالعالم عدل الرواية كما في الإحياء والتحفة وغيرهما من الكتب حتى المختصرات لجمع الجوامع لابن السبكي فقد بلغ منتهى الشرف، . فمتى كان وتبوأ ارفع الغرف، لا يحط من قدره، ولا يمس بكرامته، إن نبحه نابح، أو نهق عليه ناهق، أو طن في أذنه ذباب، أو صر من خلفه باب، فالماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث.

لقد رمي الغزالي - حجة الإسلام أبو حامد الغزالي الطوسي- بالكفر، وضرب عالم المدينة - مالك ابن أنس - بالسياط لإصراره على الفتيا بإلغاء طلاق المكره. ومنع أبو حنيفة - النعمان بن ثابت - من الإفتاء لتعصب ابن أبي ليلى عليه، وسعايته به إلى السلطان إذ لم يدرك شأوه، ولم يشق غباره. وصبر على المحنة التي لا تطاق أحمد - بن حنبل -. وطرد الآمدي من مصر وكتب عليه محضر بالزندقة في الشام أمضى عليه كافة العلماء إلا واحدا غلبه الحق على هواه فكتب فوق امضائه:

فالقوم أعداء له وخصوم حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه

ولله در الحطيئة في قوله عن آل شماس بن لأي:

من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا أقلوا عليهن لا أبا لأبيكم

وما أحسن ما قاله مروان بن أبي حفصة:

ذو الفضل يحسده أولو التقصير ما ضرني حسد اللئام ولم يزل

وذكرت أن الأمام البخاري لم يُسلِم روحه لباريها حتى ضاقت عليه الأرض بما رحبت. وهذا تقي الدين ابن تيمية يتروح من كلام الأسيوطي أنه مظلوم في التعصب عليه الذي أفضى به إلى السجن ثم الموت فيه ورأيته يعترف له بفضل كبير خارق للعوائد إلا أنه وصمه بالكبر، فناقشته في رسالة لي جمعت كثيرا من الفوائد، واستندت في نقض كلامه إلى أنني رأيت القرآن على طرف لسانه - أي الأسيوطي - وأسنة قلمه. والله عز وجل يقول " سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق". وعندي رسالة للحبيب عبد الرحمن بن عبد الله بلفقيه في الموضوع وقتما تألب عليه الأعداء وشهدوا عليه بالاعتداء بعقب فتوى له في قضية بين السادة "آل كريشة".

وما زال أهل الحق من غابر الزمان، مقذف الأفائك، ومرمى العظائم، وطرائد الملوك.

انظروا إلى ابن الخطاب رضي الله عنه فقد تركه قوله الحق وماله في الناس من صديق. وهذا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه، طالما نبزه أعداءه بالكبر كما ذكره ابن أبي الحديد، فلم يضره ذلك. ومرت دولة بن حرب وطائفة من بني مروان يلعنونه على المنابر وكأنما يأخذون بأنفه صعودا إلى السماء. إذ لا يذل من والاه الله كما لا يعز من عاداه الله. ولا أنسى فخر وادي الأحقاف جدي محسن بن علوي السقاف، فلطالما أزعج عن الوكر، وأعمل له المكر، وقصد بالأذى، لأنه في عين الجور قذى، وقبله أبوه قُدِّم للذبح مرارا، فلم يزده للباطل إلا انكارا.

ثم إن نصاعة العالم وصراحته زيادة في نفرة الناس عنه، لامتلائهم وحشة منه، ولا سيما إذا طرح أقرانه الكفاءة، وآثروا الزلفى لدى أبناء الدنيا، وأهانوا منزلة العلم، وبقي هو على التمسك بذلك، إنه لا يضيره بل كلما كان منقبضا عنهم، ومبتعدا عن الذل لهم، كان أشرف لمهنته، وأليق بوظيفته، وأحفظ لكرامة العلم الذي لا درجة فوقه سوى النبوة،

وقد أجمع سلفنا على استحسان ابيات الجرجاني التي لم يبق يحفظ منها إلا قوله:

رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما

ومن أكرمته عزة النفس أكرما

ولو عظموه في النفوس تعظما

محياه بالاطماع حتى تجهما

لأخدم من لاقيت لكن لأخدما

إذن فاتباع الجهل قد كان أحزما
يقولون لي فيك انقباض وإنما
أرى الناس من داناهموا هان عندهم

ولو أن أهل العلم صانوه صانهم

ولكن أهانوه فهانوا ودنسوا

ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي

أأشقى به غرما وأجنيه ذلة


وإنه لمن الصعب جدا أن يبقى الأفراد متمسكين بشرف العلم بعدما يتنكر له الأكثرون، أو يبيعونه بالأثمان التافهة، أكله فما دونها، غير أن العاقبة لهم -العلماء المتمسكين بشرف العلم- والله ناصرهم، وما أهان العلم إلا ابناءه الذين يتملقون للأغيناء ويتذللون للعظماء ويتزلفون للأمراء.

أي وما أحسن ما قلت في مثلهم من قصيد:

إليهم أكفّ الأغبياء تشير

لديهم ولو جم الذنوب أثير

كحال غريب خان فيه خفير
ونشأة هذا الشر من صنع قادة
لقد آثروا الدنيا فكل أخي غنى

فاصبح حال العلم من شؤم فعلهم


وذكر ابن حجر وغيره عن فضيل بن عياض: إن هولاء شر من أصحاب الفواحش. والنصوص لا تمنع ذلك بل هو قضية اطلاقهم، وظاهر ما قرروه في الموازنة بين معاصي الجوارح، وسيآت القلوب. وفي أثر يؤتى به للإستنئناس لا للاستشهاد: إن كعب الاحبار قال لأبي مسلم الخولاني: كيف منزلتك في قومك؟ قال: حسنة. فقال كعب: إن التوراة لتقول: "إن الرجل إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ساءت منزلته عند قومه". فقال أبو مسلم: صدقت التوراة وكذب أبومسلم. وأخرج أبو نعيم في الحلية أن كعبا يقول عن أبي مسلم: إنه حكيم هذه الأمة. وفي حفظي من الكشاف ما يقرب منه في العالم الذي يمدحه جيرانه.

لقد عاش ابن أبي طالب بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دهرا مهجور الفناء، قليل الزائر، مبغوضا بين الناس، مجفوا منهم، يسكتون عن الحديث إذا أقبل، ويتغامزون إذا مضى، ويجحدون فضائله هضما، ويرمونه باللعب والزهو ظلما، كما ذكره ابن ابي حديد وكثّره، وأصله في الصحيح إذا جاء فيه: وكان لعلي وجه من الناس أيام فاطمة. ومفهومه أنهم بعدها ولوه الأدبار. فهل نفرة الناس عن سيد الأوصياء وأفضل الأولياء دليل على أن الله يبغضه، وهو الثابت في حقه "يحبه الله ورسوله؟ كلا وألف كلا.

ولا نرمي في شي من هذا إلى الطعن في خيار الأمة، فالوقائع لها احتمالات، وما كل عداوة تمس بالدين، كما هو مقرر في باب الشهادة من الفقه. على أنه لا يشكل منه شي مطلقا إلا عند من يذهب إلى التقديس ويقول بعصمة السلف، وذلك عين الفساد. أما نحن فما نقول إلا أنهم بشر ولا يستحيل أن يوجد مع غزارة الفضل، قليل من الشر:

جاءت محاسنه بألف شفيع فإذا الحبيب أتى بذنب واحد

ثم أنه لا يتنزل ما وقع لعلي كرم الله وجهه واهل بيته من ذيوع مناقبهم، وانتشار فضائلهم، مع توفر الدواعي على كتمها، وبذل المجهود في إماتتها، وسل السيوف وبذل الألوف لدفنها على انطفاء الحسد بموت المحسود، لأنه لا يزال بعضه باقيا. ولكن على أن الشي إذا جاوز حده بلغ ضده. فقد حدث للإفراط في بعضهم رد فعل -أي عكسي-.

خفيت أتاح لها لسان حسود وإذا أراد الله نشر فضيلة

مع أن الله متم نوره، ومن أعزه الله فلا مذل له، وما كان ذلك العهد العربي الصميم لتبلغ به الحيل إلى تغطية الشمس بالمناخل. ومنه تعرفون أن الشهرة اليوم لا تعلق لها بالفضيلة لا سلبا ولا إيجابا.

ثم انكم لاتجدون للعلماء حساداً أكثر من أولئك المترسمين بالصلاح ، لتفانيهم في عشق الشهرة الكاذبة، و الجاه المنفوخ، و لاسيما اذا كان لآبائهم شئ منه، و الوصول إلى المجد متعذر عليهم من طريق العلم، لأنه بعيد المرام، أبى الزمام، لايضبط باللجام، و لايرى في المنام ، و لايورث عن الآباء و الأعمام، فكيف يناله من أنفق صباه على الأحشاء، و شبابه على الفحشاء ، و أمسى بين الزق و العود ، و أصبح بين موجبات الحدود ، حتى يتم شبابه و تشيب أترابه ، فيغشى محرابه، ليملأ جرابه ، و يسوى طيلسانه، ليحرف لسانه ، ولما أعياهم الوصول إلى الشرف من هذا الطريق الذي تندق فيه الأعناق، مع تمنيهم أن يكونوا أرفع من العلماء شأنا، و أعلى منهم مكانا، عمدوا إلى تحقير العلماء الصادعين بالحق، و تور كوا عليهم، و تمضمضوا باعراضهم، ليبنوا لهم ناموساَ أجوف، على أنقاض مجد العلماء الذي يحاولون هدمه ، بماحى زورهم، و باطل غروهم، { وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ } [التوبة: 32].

هذا من ناحية و من أخرى فانهم لم يستشعروا الانكار، وكشف العوار، إلا من الصادقين من أهل العلم، فترونهم يسارعون في مبادرتهم بالحط منهم، شأن المدعى عليه في استعجال الشاهد بالعداوة كي لاتنفق شهادته عليه ، فطفقوا يقولون للعامة هؤلاء محجوبون وغير عاملين بعلمهم

و يلوكون لهم بيت الزبد -كتاب الزبد في فقه الشافعي لابن رسلان- : "و عالم بعلمه لم يعملن الخ" و يتظاهرون بأنهم أهل الباطن، وأنهم على طريق السلف وهم يأكلون الحرام، ويخادعون الأنام.

تأبى المروءة ذكرها للناقل ولهم مع الحنس اللطيف غرائب

وربما شوهوا من هيئآتهم إيهاماً بأن السلف كانوا مشوهين، و انهم يتقيلونهم، وحاشا السلف الطيب من ذلك، فانهم على قدم الاتباع ، و بمعزل عن الابتداع .

وقد علمتم من سيرته صلى الله عليه و آله وسلم محافظته على التجمل ، و اصلاحه عمامته بالمرآة، و إذا لم يجدها تأمل في الماء، و قال: (ان الله جميل يحب الجمال) . وفي شاهدكم المقبول وهو التحفة - تحفة المحتاج بشرح المنهاج لابن حجر الهيتمي- ما نصه : "وسن لكل أحد بل يتأكد على من يقتدي به تحسين الهيئة و المبالغة في التجمل و النظافة و الملبوس بسائر أنواعه" . إلى آخر ما ذكر من التفصيل في بعض الأحوال، مع البت في التحذير من الدون.

ومما لايخفى على أحد تمسك آبائنا و أجدادنا - وهو المعنيون بالسلف- بصريح الفقه، لا يحيدون منه قيد شعرة، و لا يلتفتون عنه يمنة و لا يسرة. وما أحسن ما قلت من أثناء قصيدة :

على طريق من الاصلاح محمود

ومنهل من زلال الفقه مورود
سل من أردت فقد كانت أبوتنا
طريقة من قذى الأوهام صافيةٍ


و الحق وان كان قائما بذاته ، و لايحط منه قصد الجاهلين لأذاته ، فإن العامة وجدوا من كلامهم طريقاً سهلا إلى التفكه بأعراض العلماء ، وهم اتباع من مرن على الكيد ، أو تعارج كإبي زيد ، لا يفرقون بين الحق و الباطل ،و لا يميزون بين المفضول و الفاضل .

و المراد بهم من يقبل كل ما قيل ، و لا يسأل عن الدليل ، و مأحسن ما قال الطرِ ماح :

بغيض إلى كل امرىء غير طائل

شقياً بهم إلا كريم الشمائل
لقد زادني عزا بنفسي أنني
و إنى شقى باللئام ولن ترى


لهذا فأهم ما يكون في نظرى مراقبة الدعوة لو وجد اليها سبيل ، وهيهات هيهات وقد مل الحادي و حار الدليل ، و الوهى في الأساس ، و المرض في أم الراس .

وإذا امتنع هذا فلا أقل من اتحاد طائفة من الدعاة و ما ذلك بعسير لو وجد مخلصون، يقومون بواجب دينهم، و يحبون الخير لأنفسهم و لبلادهم ، والنجاح محقق لو اتحدوا، بشهادة قوله تعالى: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ } [آل عمران: 104] وقوله { فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ } [التوبة: 122].

وانظروا الى القائد الفارسي في حرب القادسية مع كبر عسكره، وشدة بأسه ، وكثرة عدده وعدته، وخبرته بمكايد الحرب، وأساليب القتال ، وما أعظمه و أكبره من الصحابة حين رأى اتفاقهم على الجواب من غير مواطأة، فخارت عزيمته من جراء ذلك، وأيقن بالفشل، و ألقى بيده الى السلم، وهم بالصلح، لولا عزمة سلطانه علية بمواصلة القتال الذي انتهى به الى ما تفرسه من الانهزام .

لم لا يتحد الدعاة والطريق فذة، والمذهب عندنا في الاصول والفروع واحد ، ومنهاج الحق و اضح ؟ { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } [الأنعام: 153].

لماذا لا يتناصحون بالحق ، ويتصارحون بالصدق ، مع لطف ووئام ،ورفق وسلام ، لو كان لهم وازع من الدين، وغيرة على الشريعة؟

واشهدكم أنني من أول الموافقين المساعدين على ذلك متى وجد فيه راغبون، وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه، { إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ } [هود: 88]، ولن يكرهه إلا جاهل مفصر عن الجول، ويهاب أن يضيق العلم عليه القول، ويخاف أن ينحط قدره، إذا وزن كل بفضله، ووضع بحيث يستحق.

وأول ما ألزمكم بغربلته كلامي، فضعوه في ذلك الميزان الذي تطيشه مثاقيل الدين والحق أحق أن يتبع والرجوع عن الغلط أذكر من الاستمرار على الصواب، أولا ترون أننا نذكر بمزيد من الاستحسان رجوع ابن الخطاب إلى قول المرأة في المهور، وانصياع ابن أبي طالب لرأي عبيدة السلماني في منع بيع أمهات الأولاد، وما جرى هذا المجرى من الوقائع التي عد الشافعي جملة منها في رسالتهنادرا . ولا نذكر لهم ما جروا فيه كعادتهم على الصواب إلا عند ذكر اختلاف المذاهب والاسترواح بالدليل.
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
(نار العصبية في حضرموت)بحث ابوسعدالنشوندلي سقيفة إسلاميات 1 09-02-2016 10:26 PM
الجنوب العربي" " مجموعة الأزمات الدولية " تبحث عن " صوت جنوبي موحد في اليمن حد من الوادي سقيفة الأخبار السياسيه 3 12-21-2011 01:26 AM
رؤيا حول القضية الجنوبية - مجموعة عمر بن عبدالعزيز اللجنة التحضيرية سقيفة الحوار السياسي 0 11-30-2011 10:13 AM
(نار العصبية في حضرموت)بحث ابوسعدالنشوندلي سقيفة إسلاميات 0 02-09-2011 01:34 PM
الجنوب الجديد (66 سؤال وجواب) للجنوبي / علي هيثم الغريب، حد من الوادي سقيفة الأخبار السياسيه 0 10-29-2010 12:35 AM


Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas