المحضار مرآة عصره (( رياض باشراحيل ))مركز تحميل سقيفة الشباميحملة الشبامي لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم
مكتبة الشباميسقيفة الشبامي في الفيس بوكقناة تلفزيون الشبامي

العودة   سقيفة الشبامي > الدين والحياه > سقيفة إسلاميات
سقيفة إسلاميات حيث التسجيلات الصوتيه وسير عظماء التاريخ الإسلامي ومبدعيه
التعليمـــات روابط مفيدة Community التقويم مشاركات اليوم البحث


الحضارم السلفيون

سقيفة إسلاميات


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-12-2010, 02:24 PM   #1
ابوسعدالنشوندلي
شاعر السقيفه

الحضارم السلفيون

الحضارم السلفيون
كتبه:
ابوسعدالنشوندلي
[email protected]












اسم الشخصية: رقم الصفحة
1- بطل تريس:علوي بن سقاف الجفري(السني الشجاع)......... 3
2- بطل تريم:ابوبكرعبدالله الهندوان(السني الثابت)........ 10
3- الشيخ:سالم بافضل(رائدالنهضة العلمية في تريم).......... 19
4- بطل الخريبة:عبدالله بن محمدالعمودي(السني المطرود)......... 26
5- بطل الحوطة:احمدبن جعفرالحبشي(السني الثائر)............ 36
6- الشيخ:سلمان بلهوطلي الجابري(داعية التوحيد في رسب)...... 54





بطل تريس:علوي بن سقاف الجفري
(السنيُّ الشجّاع)

كتبه:

ابوسعدالنشوندلي

[email protected]











في بلدة لها شهرة تاريخية وعلمية واسعة من بلاد حضرموت تسمى(تريس),ولدفيها العلامة القاضي:علوي بن سقاف الجفري-رحمه الله- فتح عينيه على حضرموت فرأى التصوف يصول ويجول فيها ويغلّف قلبها ويحاصر املها, فرحل الى اليمن والحجاز وتعرّف على الدعوة السلفية التي تدعو الى التوحيد وتحارب البدع والشركيات, فعلم انها على الحق وان التصوف في حضرموت على الباطل ,فتعرف اكثر على السلفية واقترب منها من خلال القراءة والابحار في كتب اشهر علمائها: كشيخ الاسلام ابن تيمية وابن القيم والشيخ محمدبن عبدالوهاب-رحمهم الله- فأعجب بعلمهم وتمسكهم بدعوة التوحيد, وصار يدعو لهم وينشر لهم ثناء عطرا في مؤلفاته ,وسار يمدحهم ويرفع ذكرهم بينما كان هؤلاء العلماء الربانيين في حضرموت من المحاربين في وقته!وشوّهت صورتهم ولوثت سمعتهم خصوصا آخرهم الشيخ محمد بن عبدالوهاب,وكان لزاما على الشيخ:علوي بن سقاف الجفري ان يرفع اللافتة وان يكتب اسماء هؤلاء العلماء بحروف من نور ثم ينصبها على ارض حضرموت حتى يقرأها الجميع انصافا لهؤلاء العلماء الموحدين
*******
سار الشيخ علوي-رحمه الله- في حضرموت بشجاعة اذهلت الجميع, لم يعرف الخور ولا الخوف من الناس بل كان صاحب همة عالية وحجة قوية ,مما جعله يتميز بشخصية علمية متحررة من التعصب والتقليد للاباء والاجداد ,حتى وصفه اعداؤه قبل احبابه بأنه قوي الكلمة يقول الحق ولو كان مرا,ً وهذا وصفه عبدالله بن حسين بلفقيه بقوله(علوي بن سقاف الجفري يقول الحق ولوكان مراً)وتبرز شجاعته في قول الحق في مواقفه الحديدية من اهل التصوف وعباد القبور وكأن لسان حاله يرددقول الاول:
ولاألين لغير الحق اقبله*****حتى يلين لضرس الماضغ الحجر
وتبرزايضا شجاعته العلمية في مؤلفاته وفتاويه التي سطّر فيها مداده وعلمه في نصرة اهل السنة وقمع البدعة في زمن عاش فيه اهل السنة غرباء في حضرموت ,وتصدر التصوف ينشر الضلال ويغوي العباد ,وضيّق خناقه على كل من يتظاهر بالسنة ويظهر لهم صنوف العداوة والاذى والتصفية الجسدية ب,عد ان القى بنفسه في احضان السلاطين والقبائل للانقضاض على هولاء الدعاة السنيين:
لايفزعون الى الدليل وانما****في العجز مفزعهم الى السلطان
غير ان بطلنا مضى مغواراًتسلى بأن اهل الحق محابون في كل زمان ومكان وان العاقبة للمتقين,فكلما داهمته جيوش اليأس دحرها بقذائف الدعاء وهو يردد:
والحق منصور وممتحن **** فلاتعجب فهاذي سنة الرحمن
*****
وانطلق يركض-رحمه الله- في ميدان الصبر والدعوة لم يتعب ولم يتعثر يوما لكلمة وآش او نميمة حاسد, ولطالما امتدت اليه الالسن بالسب والهجاء وكيل التهم, فقد وصفوه بأنه واحد من الوهابيين الحاقدين وانه من اكبر المناصرين للوهابيين في حضرموت ,وذلك لانه مدح علماءهم وابرز مناقبهم غير انه –رحمه الله- لم يلتفت لتلك الحمم ولم يتزحزح في ثباته قيد أنملة عن قول الحق, بل زادته هذه المواقف ايمانا وصبرا وان المهمة في حقه عظيمة وخطرة, وتكشف له الايام ان امامه عقبات كثيرة يضعها الشيطان في طريقه حتى يلويه عن طريق السنة وقول الحق ,ولايمضي يوم الاوهذاالبطل السني يتعرض لاصناف من المضايقات والاذى وهوثابت القلب معتصم بكلام الله القائل(الم {1} أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ{2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ{3}وجعل يردد في قرارة نفسه والله لن أتراجع عن السنة وعن نصرتها ولو وضعت فوق ظهري شعاب حضرموت لن أتراجع بل سأبقى جبلا ثابتا ,أليس لي اسوة حسنة في بعض اخواني من اهل السنة الحضارم؟ فهذا شيخ تريم العالم:ابوبكر عبدالله الهندوان بقي ثابتا على السنة حتى لقي ربه سعيدا ثابتا راضيا مرضيا, فماذا يضرني اكون مثله وسيأتي باذن الله الزمن القادم يحمل البشرى وستولد حضرموت بالكثير من رجال السنة –وماذلك على الله بعزيز- بل لكأني ارى شمس الامل تشرق من جبين التفاؤل حتى لكأني احس اشعتها تدغدغ مشاعري
*****
ومن سعادة تريس انها تحتفي بواحد من دعاة اهل السنة حتى صار علماً عليها وبرز كأشهر قضاتها, واقبل عليه طلاب العلم ينهلون من علمه حتى قعّد لهم القواعد وارسى لهم دعائم التوحيد الصافي ,فشرق التصوف بالشيخ المجاهد خصوصا عندما رأى اقبال القلوب نحوه, وكأنه ربان ماهر يجيد قيادة دفة السفينة ويبعدها عن امواج البدع والخرافات خوفا من أن تغرق فتغرق معها الاحلام ثم تحيا خلفها الالآم والاحزان!
*****
لك َالله ايها العالم السني!!علم وعمل وكتاب وسنة, صارت كأنها تاج على راسه وصار الحق عنده مكرّما ًفوق كل عاطفة, وصوته يتردد في وجدانه حتى اذهل حضرموت بكتابه الفذ(الدلائل الواضحة في الرد على رسالة الفاتحة)سطّر بنانه هذا الكتاب منكراً على من ادعى بسنيّة ختم المجالس بالفاتحة ,وكانت هذه من العادات المذمومةوالمشتهرة في حضرموت, فاذا جلس الناس مجلسا جعلوا ختامه قراءة الفاتحة كأنها سنة !والفّ بعض المتعالمين كتبا يؤيد هذه البدعة ويجعلها بمثابة السنة, فانبرى لهم الشيخ علوي-رحمه الله- يرد ُّعليهم برد علمي رصين ينكر هذه العادة وانها بدعة مذمومة لا دليل عليها من كتاب او سنة, وانهمر كالسيل يرد على هذا الضلال وكان كتابه بمثابة الصاعقة على صوفية حضرموت, وكاد ان يجن جنونهم من هذا الكتاب الذي صار أمضى من السيف يمزق ثياب الضلال, وصار كالشمس يهدي العميان بضيائه العميان ,فغضب التصوف وجنّد جيوشه لاحراق هذا الكتاب ومطاردة أي مكتبة تحمله, ومضى جنود التصوف يطاردون الكتاب الذي اقضّ مضجعهم وافزع سكينتهم وهدّد سلطتهم القائمة على السراب!( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ{8})
بل من شدة حنق التصوف على هذا الكتاب انه ظل فترة طويلة من العمر مطارد حتى بعد وفاة صاحبه-رحمه الله- ومن يظفر منهم بهذا الكتاب فانه اما يحرقه او يخفيه عن الانظار حتى لاتعلم الاجيال بسلفية هذا الامام, وانه واحد من ابطال كثر حاربوا التصوف في حضرموت لانه اراد لحضرموت الحياة مع التوحيد واراد لها التصوف الموت في اعتاب التوابيت والقباب
***********
وصرخ الشيخ علوي- رحمه الله- بأعلى صوته في حضرموت داعيا لها الى التوحيد ومحذرا لها من دعاء الاموات والقبور وقرأعلى مسامعها(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ{5})وحزن لاهل بلاده الذين سقطوا خلف التصوف في مستنقعات البدع والتعلق بالاضرحة ,حتى صارت معظم شهور السنة زيارات للاولياء لا تتوقف ,وتقديس منحرف للاضرحة فمن السوم شرقا الى دوعن غربا تعلق بالاموات والقباب, وتناسوا ان الله وحده يشفي وبيده الخير كله واليه يرجع الامر كله قال تعالى(واوَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ{13} إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ{14} يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ{15} إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ{16} وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بعزيز
*******
ودعا هذا الداعية السني اهل حضرموت الى الاقبال عاى الله والتجرد له بالعبادة والاّ يجعلوابينهم وبين الله واسطة لامن الاولياء ولامن غيرهم, فهؤلاء جميعا ضعفاء فقراء الى الله لايملكون ضرا ولانفعا ولايملكون موتا ولاحياة ولانشورا,وكأنه ملأاسماعهم بقوله تعالى(وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ{106})
واشتد حزنه من اقوام يعلّقون الحروز والخيوط تبركا وطلبا للشفاء ,فراح يرددعلى مسامعهم احاديث الرسول صلى الله عليه وسلم(من علّق تميمة فقد اشرك)وارشدهم الى ان حذيفة-رضي الله عنه- رأى رجلا علق خيطا فنزعه من يده ومزّقه ثم قرأقول الله تعالى(وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ{106})
******
وانطلق رحمه الله ينشر اريج التوحيد في حضرموت ويطير بهم الى سماء الكلمة الطيبة ذات الاصل الثابت والفرع الباسق ,وجعل يميط عن وجه حضرموت لثام البدع والخرافات ,وقد سعى التصوف الى تشويه صورة علماء التوحيد كالشيخ:محمدبن عبدالوهاب وان دعوته تكفّر المسلمين وتسفك دماءهم وانهم حاقدون على الاولياء ,فبين –رحمه الله- ان هذه كلها افترآءات محضة على هذا الرجل العالم الرباني واكاذيب لاأساس لها من الصحة وزعم باطل, روجه الوشاة والحاقدون من اهل الضلال والتصوف لتمرير ضلالاتهم لوأد دعوة التوحيد في مهدها, لكن مّكرهم عاد عليه ولايحيق المكر السيئ الا باهله ,وبين لحضرموت بصدق ان دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب –رحمه الله- امتداد لدعوة السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين,وانها ليست دعوة جديدة مبتدعة بل هي دعوة مجددة لدعوة خير المرسلين صلى الله عليه وسلم
وسار هذا الداعية السني على طريق التوحيد لم يأبه بقلة السالكين ولابكثرة الشامتين, بل واصل الطريق حتى توفاه الله وهوثابت على التوحيد ومحارب للبدع والخرافات,
وكانت وفاته بعد عمر مديد ومفعم بالدعوة والعلم على التوحيد,وكانت وفاته سنة 1273هـ الموافق 1856م رحمه الله رحمة الابرار وجمعنا به في جنات النعيم برفقة خير المرسلين صلى الله عليه وسلم
الخاتمة
هذه هي حياة الداعية السلفي والعالم السني بطل تريس:علوي بن سقاف الجفري-رحمه الله- انها صفحات من ضياء وقلعة من ثبات وشمس من سنا ومصباح للدجى انه البطل الشجاع الذي احتضن راية السنة والتوحيدو زرعها في سويداء قلبه, وظل ينافح عن دعوة التوحيد حتى توفاه الله,وصفه المؤرخ ابن عبيدالله السقاف في كتابه ادام القوت بقوله(العلامة الجليل كان واسع العلم والرواية وله رحلات الى اليمن وغيرها..وكان الحق عنده فوق كل عاطفة)
ومن المحزن ان هذا العالم السني ظل صفحة منسيّة في حضرموت, فقد سعى التصوف الى طمس انواره وكتم انفاسه واطفاء شمس دعوته, بالرغم ان له مؤلفات تشهد بعلمه منها(الدلائل الواضحة في الرد على رسالة الفاتحة)وكذلك بعض الفتاوى وهي مازالت مخطوطة الى اليوم وتشكو من غياهب الاهمال والنسيان ,وكأنها تنتظر من يعيد لها بريقها لترى النور وتغازل وجه الوجود, لتحدث تريس َوحضرموتَ عن عالمها السني وتحكي لهما جهاده وصبره ليشع مشعله من جديد وتحيا آثاره بيننا كما يريد ,
رحمة الله تترى على ذاك الكريم المفضال وجمعنا به في جنات النعيم ,وجزاه الله عنا وعن حضرموت خير الجزاء واحيا الله ذكره وجعل لسان صدق في العالمين..آمين











بطل تريم:ابوبكر عبدالله الهندوان(السني الثابت)


كتبه:

ابوسعدالنشوندلي





بسم الله الرحمن الرحيم
في يوم ذابلٍ تساقطت اوراق ذكرياته عطشا وسط خريف يموج كفه بالبدع والخرافات ,وامتزجت احلامه بسيل من الجهل المطبق والفقر المدقع ,وانفجرت في اعماق حضرموت جروح تنزف تمثلت في نزاعات وحروب يغذّيها ميزاب الجهل والعصبيات, وصار الناس يعبدون القبور ويقدّسون التراب ويتعلّقون بالاموات, وأنشب التصوف مخالبه في جسم حضرموت المريض ,فغدت ايام السنة زيارات لاتتوقف يشدّون لها الرحال ويعلّقون فيهاالامال, يقدّسون بذلك الاولياءّ ,وغزت تجاعيد البدع والتصوف فشوّهت وجه حضرموت الجميل, حتى صار التوحيدغريبا والتصوف عزيزا,وفي وسط هذاالجو المظلم الملّبد بغيوم الضلال, ولد بطل تريم الامام العلامة السني:ابوبكر عبدالله الهندوان-رحمه الله-ولمافتح عينيه نظر الى تريم فبكى حرقة على حالها, اسند رأسه الى جدار حزنه وهو يرى حضرموت تمضي الى نفق مظلم من الشركيات والخرافات , واستيقظ هاتفٌ من اعماقه يسأل:كيف سأغير هذا الواقع المؤلم؟كيف لو رأى جدي رسول الله حال امة تقدّس الاموات ,وتشيّدالقباب وتعمّر المشاهد وتخرّب التوحيد ,ثم هوى جاثيا باكيا وهويردد:الى متى سيظل هذا الضلال جاثماً على صدر حضرموت يخنقها؟احسُّ ان قلبها يترنح تحت صفعات هذا الضلال ,لاادري الى اين اوجه شكواي وقد غدا التوحيد غريبا وصار الكبير والصغير يسبحون في بحار البدع ,وصاروا لقمة سائغة لطائفة من دعاة التصوف استولوا على العقول والقلوب ,حتى صار المجتمع بين ايديهم كالدُمى يحركونهم بخيوطٍ من السحر يشدونها تارة ويرخونها تارة, حتى صار الجميع في قبضتهم والقوا على اشخاصهم هالة من التقديس, حتى غدت اوامرهم ونواهيهم تعظم كأنها وحي من رب العالمين !!وصاروا يمشون في تريم كالطاووس تبخترا ,واظهروا للناس كرامات زعما انهم اولياء الله الصادقين, حتى يزيد الناس لهم تعلقا وتقديسا, عندها رفع الشيخ ابوبكر الهندوان يديه وقد توارت خديه خلف شلال من الدموع ,وظل يدعوالله ان يجعل لحضرموت فرجا قريبا, وان يرزقها دعوة التوحيدالتي حرمت منها ,ومضى –رحمه الله-على التوحيد ثابت الخطا ووقف يتعلّم من شعاب تريم الصامدة التي احاطت بتريم حتى غدت بينهن كدرهم تقبضه اصابع الكف ,رفع أمام عينيه راية الامل عساها تداعب روحه الحزينة فتنتعش بأراجيز التفاؤل, يحلم ان يغمض عينيه ثم يفتحها وقدازيلت التوابيت والقباب التي تمرّغت فيها الانوف وقدّستها الالوف, علم ان الطريق امامه طويلا ًوالمهمة خطرة ,كلما حاول الفرار بقلبه من هذا الضيق الخانق طارده هذا السؤال:الى متى تغرق تريم في تقديس القبور؟لن اظل ساكتا, لن ادع بلدي تموت في قبضة هذا الضلال, عزمتُ ان ادعوللتوحيد ماحييت وان اقدّم عمري هبة لسنة جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ,ثم نظر الى السماء وهو يرى الشمس تطل من نافذة الامل تهديه من خيوطها المتكسرة حياءً, وتنسج له حلة من الثبات والصمود, خرج من داره يدعو الى الله وصار كشمعة تضيئ ليل تريم المظلم , تناقلت الالسن دعوته للتوحيد ونبذ عبادة القبور, ففطن له رجال التصوف فهبوا كالزوبعة الغاضبة يهددونه من خطر هذه الدعوة على مصالحهم ,حبس انفاسه وهو يرد عليهم:انا لاادعو لنفسي انما ادعوالى الله على بصيرة كما دعا رسول الله من قبل, فاجأه احدهم مغضباً, وأيُّ بصيرة هذه؟فسال من لسانه الجواب كالشهد(قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{108} ثم التفت اليهم ناصحا:ياقوم اتقوا الله فان تقديسكم للاضرحة ضلال مبين ,انكم اعدتم عبادة اللات والعزى, قاطعه احدهم بسرعة وعيناه تتوقدان حقدا ويتطاير من لسانه شرر الغضب:انهم اولياء الله ايها الوهابي الحاقد,عندها ضرب الشيخ كفا بكف وهو يردد:عجباً تدعون الاولياء وتتركون رب الارض والسماء, تسألون الاموات حاجاتكم وتتركون الحي الذي لايموت, ثم رفع صوته تاليا(ومن اضل ممن يدعومن دون الله من لايستجيب له الى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون...)عندها التفت اليهم بوجه ينضح حبا ونصحا وراح يرتل على مسامعهم( وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ{41} تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ{42} لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ{43} فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ{44} ..)فرجع القوم من عنده يجرّون اذيال الخيبة والعار صاح احدهم:ياقوم ان تركتم هذا الضال في دعوته يوشك ان ينتفض عليكم اهل تريم فلا يدعون لكم قبة ولاتابوتاً الادمروه ,تكلّم احدهم وقد طال سكوته:دعونا نستميله ونحتويه قبل ان يفجّر علينا حربا في معقلنا تريم, فمن يدري فلعله يؤلّب علينا حضرموت ويشعلها حربا لا هوادة فيها, خصوصا ان ناصره احد حكام تريم , تفرّقوا وهم يفكرون كيف يحاربون هذا الشيخ الموحد الذي جرّد قلبه ونفسه للتوحيد؟ بعد ايام اجتمع الملأ ونادوا على الشيخ الهندوان يستميلونه وبعد حوار طويل فاشل ,تدلّت لسان احدهم كالعقرب مهددا:ياابابكر ان بقيت على هذه الدعوة تحارب اولياءنا وعاداتنا, فاني اقول لك بكل صراحة:لابقاء لك ابداً في تريم, اما نحن واما انت لن يجتمع ابدا سيفان في غمد واحد, خرج الشيخ من بينهم وهو يقول:وآها لقومي لقدبلغ بهم الحمق الى هذه الدرجة, وعادت جيوش الحزن تتسلل الى قلبه الدامي ,واختبأ ابليس خلف جدار صموده يثبطّه ويرمي بأحجار اليأس في طريقه علّه يتعثر ويناديه بصوت ماكر:ارجع من هذا الطريق قبل ان تقتل, ارجع فأنت فرد كالسيف لاناصر لك ,وبدأ القوم ينصبون له مجانيق العداء ويقذفونه بالاذى يعاونون بذلك الشيطان الرجيم , وعاش الداعية الموحد صابرا يخوض معركة الثبات, وعبثت الاحزان بقلبه وهو ينظر اله هذا الضلال الجاثم وحوله كثير من الناس يغرقون في تقديس الاضرحة ,فاذامرض مريضهم هبوا مسرعين يقدّمون النذور والقرابين للاضرحة, وان تأخر غريبهم قدّموا الهدايا للتوابيت وان عاد مسافرهم طافت اقدامه حول قبر الفقيه المقدم اولاً, وان سألوا القطرنادوا صاحب القبر ,وتسمّرت عيونهم في قباب تريم المتناثرة, واذا اصابهم ضر او كرب فزعوا الى الاولياء يشكون الخالق للمخلوق!!وبقي الشيخ الهندوان ثابتا في دعوته قد رست سفينته على شاطئ التوحيد, وسمع به يوماً احد حكام تريم ويدعى: عبدالله بن عوض بن غرامة فناداه فوقف في قصره الفخم, يعرض عليه دعوته وانّ عبادة القبور والتعلق بالاولياء ضلال مبين ,وراح يرتل عليه الايات ويسرد عليه الاحاديث, ويبين له ان دعوته هي دعوة التوحيد التي دعا اليها جميع الانبياء وكتب الله الامن والامان لاصحابها في الدنيا في الاخرة, وقرأقول الله(الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ{82})بادره ابن غرامة:ومامعنى الظلم في الاية؟اجابه الشيخ:انه الشرك ألم تقرأ قول الله تعالى( وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ{13}..)ولما انتهى الشيخ الهندوان من كلامه احسَ ابن غرامة ان شعاعاً من نور يسري الى قلبه مع كل كلمة قالها الشيخ,وقام من على كرسيه وهو يقول:ادعُ ايها الشيخ الى دعوة التوحيد ولك مني الامان والنصرة مااستطعت, ثم سلَ سيفه وهو يقول:ان سيفي هذا سيدافع عن التوحيد لاخير فينا ان لم ندافع عن دعوة التوحيد ,انت باللسان ونحن بالسنان, كاد الشيخ يطير فرحا وبدأت تبرق اساريروجهه وهويردد:الحمدلله الذي جعل لي نصيرا مثلك, احسُ ان الامل يملأ فسيحات قلبي ,احسُ ان روحي ترقص على كفي طرباً, فالتزمه ابن غرامة وعانقه وجعل يربت على كتفه قائلا:هذا قصري مفتوح لك ولدعوتك فنعم اخوالعقيدة انت !مضى الشيخ الهندوان في دعوته قدماً, وانطلق ينشر اريج التوحيد في بلده التي ازكمتها عفن الاشركيات, حتى غدت جثة هامدة تعيش بدون روح ,وصار كل يوم يزيح عنها غبارعبادة القبور التي دفنت تحت ركامه وصارت تتنفس من ثقب ابرة, مضت ايام والشيخ يعلّم ويرّبي على التوحيد, وايقن رجال التصوف انهم في خطرمن هذه الدعوة ,فأجتمعوا من جديد يدّبرون مكيدة ويكيدون كيداً ,صاح احدهم في عجل:ياقوم الى متى تصبرون على الشيخ ابي بكر الهندوان وكل يوم يكثر اتباعه ,اما رأيتم انّ الحاكم ابن غرامة يقف في صفه, وصار له معلّما اني اخشى ان ْْْْْتركتموه ان يظهر عليكم, وان يهدم القباب كما فعل امثاله من الوهابين في نجد,
هزَّ احدهم رأسه قائلا:حقا قائلا:حقا لقد اثرّت دعوة الشيخ الهندوان في كثير من الناس –انها الفطرة –فهذا علوي بن سقاف الجفري في تريس يسير على نفس المنوال ويؤلف المؤلفات يرد عليكم ويفضح امركم ,اني اخاف ان يوجد في كل بلدة من حضرموت رجلاً كهؤلاء يحاربون التصوف ويدعون الى التوحيد !وثب احدهم مستعجلا:ماذا ستفعلون مع الشيخ الهندوان الرأس المدبر, اسكتهم احد كبارهم قائلا:دعونا نستخدم معه اساليب النصح تارة عساه ان يقتنع, والتهديد تارة اخرى وعليكم ان تحاربوا جميعا دعوته ,وتشوّهون سمعته امام الناس , حتى نكتم انفاس دعوته في مهدها ,
مضت اقدامهم تحيك المؤمرات ,كلما نسجوا مؤامرة ردّ الله كيدهم في نحورهم ,ومضى داعية التوحيد يعلم ويرشد الحيارى واعجب حاكم تريم ابن غرامة بهذه الدعوة المباركة ,وصاريهجم على عبّاد القبور في تريم وضواحيها, وصار التصوف الجبان ينزوي في وكره خوفا من قوة ابن غرامة وسيفه, الذي سلطه على المتكبرين وارخى ستر عطفه على المساكين ,وفي هذه الفترة بدأت نجوم النور تتألق في سماء تريم وصعدالشيخ الهندوان سُلّم تريم وكتب اسمها بحروف من نور بقيت تسطع ضياء ,ووقف القبوريون يرمونه بأبشع التهم فمرة بأنه وهابي, ومرة بالجنون ومضت قافلة التوحيد لم تأبه بالحاقدين, ومن حرص الشيخ انه اذا رأى منكراً سارع بأنكاره ,رأى يوماً احدهم علّق حرزاً على صدر ابنه الصغير فسأله:ماهذا يااخي؟؟اجابه:انه حرز يحفظ صغيري من العين, فرد عليه ناصحا:ان الحافظ هو الله وحده فالله خير حافظا وهو ارحم الراحمين, اماهذه الحروز والخيوط فلا تدفع عينا ابدا, فبادره هذا الانسان البسيط:لكن الناس كلهم يعلّقون هذا على اطفالهم لدفع العين, فراح يرتل الشيخ عليه في خشوع(وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ...)ثم التفت ناصحا للرجل لاتغتر بالكثرة-ياأخي-فان الله تعالى قال(وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ{116} سمع الرجل هذه النصيحة ووعده خيراً ,وبدأت دعوة التوحيد تؤتي اكلها ضعفين, وتزهر اوراقها وتزهو ثمارها واخضرّت بعد جفافها, وتسارع طلاب العلم يحتلقون بالشيخ تأثرا بدعوته, ووقف يعلّم طلابه في المسجد قائلا:ان دعاء القبورمن دون الله شرك, وان الاستغاثة والدعاء عبادة لله وحده ثم تلى على مسامعهم( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ{60..)فرّغ الشيخ-رحمه الله-حياته للعلم وقدّم عمره خدمة للتوحيد, حاول مرات نصح اهل التصوف وأن يعودوا الى منهل التوحيدالصافي فقابلوه بالصدود والعداء ورموه بالسوء والاذى, كلما زادوا سباً وسفاهة, زادهم حلما وصفحا ياله من قلب كبير!! امتلا توحيدا من قرنه الى اخمص قدمه حتى شعّت اعضاؤه ضياء وبهاء!!
وفي سنة1224هـ الموافق1809م زحفت جيوش من عساكر التوحيد على تريم قادمة من ارض نجد بقيادة ابن قملا النجدي, امضت اربعين يوما في تريم وضواحيها تهدم القباب وتدمر التوابيت ,وتمنع تقديس الاضرحة, ساروا بالسِلم من بلدة الى بلدة في حضرموت يهدمون اوثان عبّادالقبور ,فشرِق التصوف هماً, وبدأيتقيأ دماً وضعفت اعضاؤه وتشللت حركته وسقط على الارض ذليلا, وبدأيلفظ انفاسه وانزوى في جحره مختبأ وبدأت تتقاذفه امواج الاحتضار, وقرّت عين الشيخ ابي بكر الهندوان بأهل التوحيد حتى حسب نفسه في حلم عابر, وهو يرى عبّادالقبور ينكّسون روؤسهم, وراية التوحيد ترفرف فوق تريم وعينات (قصبة التصوف في حضرموت),وسعدت تريم وارضها برجال التوحيد ,ووقف حاكم تريم ابن غرامة والشيخ الهندوان يعاهدون اهل التوحيد على النصرة ونشر دعوة التوحيد في ربوع حضرموت ومنع زيارة الاضرحة وتقديسها, ورجع جيش التوحيد الى نجد واستمرّ الهندوان في دعوته حتى تكالب الاعداء على اهل التوحيد في نجد ورماهم الحاقدون عن قوس واحدة ,عندهاخرج التصوف من اوكاره يشن حملة شعواءعلى اهل التوحيد, اعاد الى تريم ماتهدم من القباب وزوّق توابيته, وبدأت المضايقات تحيط باابن غرامة ووشا التصوف الى القبائل للانقضاض على حكم ابن غرامة ,واشهرالتصوف سيوف الاذى في وجه الشيخ الهندوان, وبدأمسلسل العداء والتهديد يدبر للشيخ-رحمه الله-
وفي ليلة مظلمة حزينة, طُرِقَ باب الشيخ بقوة سأل: من الطارق؟؟من يأتيني في هذه الساعةالمتأخرة؟
(بصوت خافت من وراء الباب)افتح انا احد احبابك
فتح الشيخ الباب وهو يرتعد:افزعتني –يابني-؟
ياشيخ:اخرج بسرعة من تريم, اهرب الى أيِّ مكان,
تغيّر وجه الشيخ واسود لونه:ولمَ هرب؟
بكى الناصح:انا الملا يأتمرون بك ليقتوك, فاخرج اني لك من الناصحين
ردّعليه مسرعا:دعني اهرب الى قصر ابن غرامة فقد وعد بحمايتي,
ردّعليه الناصح:ياشيخ ابن غرامة لايحكم جميع تريم, ولعل الملأ يغدرون بك في احدى حارات تريم التي لايحكمها ابن غرامة
عندها بدأت دموع الحزن تسيل على خد الشيخ حتى اختفت عيونه خلف طوفان دموعه, تكلّم بصوت متقّطع يخنقه الحزن:ولكن الى اين اهرب؟؟
اهرب الى-ياشيخ-الى بيت جبير فهو افضل مكان آمن, حتى يجعل الله لك فرجا,
وخرج الشيخ متلثماً هاربا ينجو بنفسه وبدعوته الى بيت جبير خارج تريم ,مختفيا عن الانظار هاربا من سيوف التصوف الحاقدة ,ووقفت عيونه تودع تريمَ وجرى بينها تعانق حزين ,التفت اليها بقلب منكسر ودموعه تنتحر على خديه اسىً, ورفع يديه داعيا ربهنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةاللهم ارفع راية التوحيد في حضرموت واخرج من صلبها رجالا يدعون للتوحيد )ثم انثنى باكيا وددت لوطال عمري فتقر عيوني بهم, لكن حسبي ان ازجي لهم سلامافي حياتي وبعدمماتي واقول لهم:اثبتوا امام التصوف فأنتم على الحق
وتوقفت الكلمات ,ومضت الايام تتساقط اوراقها من شجرة الزمان , وازفت ساعة الرحيل ,وآن لهذا الفارس ان يترجل, وآن لاقدام عمره ان تتريث
وفي يوم حزين سنه1248هـ الموافق1832م انتقل الشيخ العلامة المجاهد الى جوار ربه بعد صراع مرير مع اعداء التوحيد, وبعدرحيله مزّق التصوف اوراق ذكرياته ورماها في بحر النسيان, وحاول مسح اسمه من لوحة الشرف ,وخطف مآثره فألقى بها في غيابة الجب ,ومزّق بمخالبه قميص ذكره ,وبكت تريم على رحيل شيخها الذي اراد لها الحياة بالتوحيد,واراد لها التصوف الموت في مستنقع الخرافات ,
رحمة الله تترى على ذلك البلبل الصداح الذي ظل يصدح بالتوحيد حتى توفاه الله ,بعد ان اهدى لحضرموت عقداً ذهبياً من التوحيد مرصعاً بالثبات والبطولة
الخاتمه
هذه قصة البطل السني الشيخ:ابوبكر عبدالله الهندوان –رحمه الله-نهديها للاجيال تذكيرا بفضله, وعرفانا لصبره, ومدحا لثباته, فمن الفضل ذكر فضائل الاخيار,انه رجل تسّنم ظهرالمجد, ورقى سلّم الشرف ,وعسكر فوق قمة الثبات ,انه سحابة من عطر وصفحات من بطوله, وذكريات من نور, انه بطل تقلّب فوق جمر الاذى, ولكنه بقي ثابتا كأسدالشرى, لوى التصوف يده وحاول كسر همته ,وذبح حلمه ,فبقي ثابتا صامدا راسخ الايمان قوي الشكيمة صلب المراس ,وهذا يراعنا وقف يغرّد على ذكره وينشر اريج فكره ويقدم للامة نبراسا على صبره,
لعمري لئن اضحت رميماعظامهم
لقدآذنت آثارهم بحياتـــــــــــــــــــــــــــــــــها
ووقف يراعنا يرّفع له تحية اكبار, ويقبل جبين ثباته ويعانق سجل ذكرياته, وينشر عبق تضحياته, لكنّ المحزن انّ سيرته صارت اليوم منسية ,وقصته دفنت تحت ركام الاهمال ,
لك الله ايها الجبل الثابت سرى عبير ثباتك كالجدول, يسقي جفاف تقصيرنا,وصار ثباتك كالشمس يشرق في آفاقنا, وينشد كالطير في حنايانا ,رحمك الله رحمة واسعة وجمعنا بك في جنات الخلود
ياحضرموت قفي فابكي الميامينا****شموس علم بهم يزدان وادينا
فديتكم ياشموس الحب ان بزغت****على الفؤادوان غبتم رياحينا
اكاداسكبُ دما في محبتكـــــــم***من شوقهاتغدوصحرائي بساتينا


كتبه:
ابوسعدالنشوندلي
حضرموت
11/10/1431هـ
[email protected]


الشيخ:سالم بافضل
رائد النهضة العلمية في تريم


في صباح باكر ارتسمت ضحكاته على الشفاه ,وحلّقت نسماته مغردة على بيوت تريم المتواضعة, إنها مدينة فريدة , تلاصقت فيها البيوت مع القلوب, كلما نظرتَ يمنة أو يسرة وجدتَ مجتمعا يبحر في سفينة آمنة ,
وفي بعض أزقة تريم الضيقة , وقف كعادته يلعب مع أترابه من الصبيان , وقد غدتْ ضحكاتهم البريئة نغمات تطرب لها أزقة تريم العامرة .
لم يقطع لعبهم إلا صوت يناديه بأدب , التفتَ مسرعاً نحو بيتهم الصغير الذي علّته سحب المحبة حتى غدا قلباً ينبض بالحب والمودة, نادته أمه بصوت رحيم : بنيّ... سالم , كفاك لعباً نحن في انتظارك ,
سمع الصوت فأقبل مسرعاً نحو البيت ,
سلّم على والديه , وقبّل رأسيهما ودعا لهما .
سكت الجميع برهة , ثم قفزت أول كلمة من ثغر الأب الباسم , سالم : إني دعوتك لأمر عظيم !!
نظر سالم إلى أبية بنظرات غلبها الحياء ثم قال : قل ما عندك يأبي ستجدني إن شاء الله من الصابرين
أَعجب الأب بحسن جوابه ثم قال : هذا ظني فيك
اقترب سالم من أبيه وحوّل جسمه آذانا صاغية لنصائح والده
قال الأب : أُريدك أن تكون عالماً عظيماً تحيا بك تريم
أردفت الأم قائلة : ثكلته إن لم تحيا به الأمة!!
تكلم سالم بكلمات مبعثرة , ارتعدت نظراته حياءً وخجلاً وهو يقول : كيف سأصل إلى تلك القمة العلياء من العلم؟ , وبلدي تعاني من موت العلماء واندراس العلم
قاطعه أبوه بسرعة : أنت من سيحي روح العلم في تريم
ثم سقطتْ دمعة انسابت على خد الأب الرحيم وهو يردد : هذه أمنيتي في الحياة , أن تصير عالماً عظيماً لبلدك التي افترس الجهل جسمها وعبثت النزاعات بأهلها ,
رفعت الأم يديها تخترق حجب الصمت تدعو : اللهم وفق سالماً في طلب العلم وجعله قرة عين لنا
ذهب سالم إلى غرفته , أرتمى على فراش التفكير, يقلب صفحات أحلامه ويفكر في كلام والديه
وبعد طول تفكير شرح الله صدره لحب العلم , قفز من على فراش التفكير نظر إلى السماء وهو يردد :
سأقدّم عمري هبة للعلم , سأضحي بحياتي لأمتي , فالعلم حياة الأمم
تقدّم خطوات ثم صوّب نظره للنافذة الصغيرة , أحس أن بريق الأمل يخالط ريقه ويداعب طموحه ,
خرج من غرفته وهو يردد : هذا وعد , ووعد الحر دين
ثم طوى هذه الصفحة وعلقها في زاوية قلبه حتى لا ينساها , مضت الأيام وسالم يتسابق معها ,
في طلب العلم لم يترك عالماً في تريم إلا نهل من علمه
ويوماً تفرّس في وجهه أحد علمائها وقد كبر سنه
قال لطلابه : ليكوننّ لهذا الغلام شأن عظيم مع العلم , تعجّل أحدهم بسؤاله : وكيف عرفت ؟
نظر الشيخ إليهم وعلى وجهه ابتسامه تكبر كالشمس: إني رأيت له همة عظيمة تناطح الثريا
إنه يندفع في طلب العلم كالسيل الهادر
عاد سالم إلى بيته , وفي أثناء طريقه التفّ حوله الصبيان كأغصان الشجرة تطوّقه من كل ناحية , هتفوا بصوت واحد : متى تعود وتلعب معنا ؟
نظر سالم إليهم بهدوء وأنفاسه تتوق للعلم حتى كأنّ لها جناحين تطير به إلى سماء العلم
ردّ عليهم قائلاً : إن طلب العلم شغلني عن اللعب, أعذروني يا أصدقائي لعلي لا ألعب معكم ثانية
ألتفت إليهم وقد علت سحب الحزن وجوههم
رجع سالم إلى بيته , وأبواه ينتظرانه على أحرِّ من الجمر , فلما رآه أبوه تهلل وجهه وسارع بسؤاله : ماذا في يدك يا بني ؟
أجاب سالم : إنها كتب لأهل العلم , أذاكر فيها
فهي أنيسة ليلي ورفيقة نهاري , تركتُ اللعب من أجلها , إنها اغرّت فؤادي وسلبت مشاعري
فلما سمع أبوه هذه الكلمات ابتسم وهو يرّبت على كتفه ويقول : من تعب اليوم يوشك أن يرتاح غداّ ومن طلب العلم طلّق الراحة وتزوج الجد
وطلع فجرذلك اليوم وسالم يسامر كتبه .
كبر سالم مع الأيام وكبر معه حبه للعلم , وجعل ينظر بحسرة إلى اندراس العلم في تريم , ويرى ريحاً سموماً من الجهل تعصف بسفينة حضرموت, حتى تهاوى المجتمع تحت ركام العصبيات والنزاعات
ويحلم مع كل إشراقة شمس أن يولد فجر جديد في حضرموت ,
وجاء يوم الرحيل لطلب العلم , وأزفت ساعة الفراق
جهّز سالم نفسه لرحلة طويلة يقطع فيها القفار ويسابق فيها الليل والنهار , لا لشي من حطام الدنيا , إلا للوصول إلى سماء العلم ليمسح عن وجه حضرموت تجاعيد الجهل التي دفنت تحت ركامه
أقبلت نحوه أمه تناديه : لقد جهّزت زاد سفرك
فجأة انتحرتْ كلماتها في فمها , أشاحتْ بوجهها عن سالم وهي تدفن دموعها وسط خدودها التي أحمرّت مع عينيها من تذراف الدموع
فتح أبوه الباب, أقبل يسحب خطاه قال له : لقد جهّزت راحلتك وهي في إنتظارك
تصلّب سالم كالخشبة في مكانه , يحبس دموعه خلف قضبان عيونه , حاول أن يتكلم عجزت حروفه , حاول أن يتغلب على دموعه وبعد جهد شديد تكلم بكلمات تنوح في شفتيه وهو يردد :
لا أدري هل يكتب الله لنا اجتماعاً من جديد فأرى نوركما يحلّق في جهري وفي إضماري
أم أني لن ... ثم توقف واجهش بالبكاء !
عندها تعلّقت أمه برقبته وهي تبكي وتردد :
عسى الله أن يجمعنا عن قريب , سأعدّ الأيام صبراً حتى ألقاك ,
فتح ذراعيه وضمَّ أبواه إلى صدره , وتشابكت الدموع , قبّل رأسيهما ثم خرّت قبلاته تقبل أيديهما , ذهب خطوات ثم رجع فالتصق بهم من جديد , وبعد محاولات تحرّر جسمه من ذراعي أمه , وقد أحسّ أن ذراعيه تحتضن قلبه ,ودموعها تخالط دمه, توجه نحو الباب ثم التفت إلى والديه ,ينظر إليهم نظرات حب ووداع يختم بها سجل ذكرياته
وقف يخاطب نفسه : سأرحل إلى العراق أرض العلم والعلماء .
ولكني لا أدري إذا رجعتُ هل سأجد أبواي على قيد الحياة أم يعودان إلى ربهما عودا حميدا ؟ نظر ثانيةً وثالثةً وقدمه لا تتحرك وعيناه ترمقان أبويه يطير من عينية قبلات وداع
سأله أبوه : هل أنت محتاج لشئ ؟
قطع تفكيره وهو يقول : أحتاج منكما الدعاء
رفعا أيديهما وطارت مسكا من أفواههم الدعوات
خرج سالم أمسك بزمام راحلته وجعل ينظر إلى بيته الصغير مشى خطوات بتؤدة يسلّم قلبه على تريم , يمشي رويداً على راحلته كأنه يودع تريماً بيتاً بيتاً
مضت أيام وسالم في رحلته , لسانه لايفتر عن الدعاء , وجبهته لا تكل عن السجود , حاصره المرض يوماً وهو على راحلته , وضع يده على رأسه أحسَّ أن المرض غزا جميع جسمه واصبح لايقوى على ركوب الراحلة
عندها غلبه الحزن وهو يقول : لا أدري هل سأصل إلى العراق أم أموت هنا مكلوماً في هذه الصحراء فيحزن بفراقي العلم ويشمت بي الجهل
وقف يدعو ربه : يا رب ليس لي أحد سواك
اللهم ما خرجت بطراً من داري , إنما خرجت لنصرة دينك بالعلم
بدأت العافية تدب في جسمه, وبدأت تتقهقهر جيوش المرض حتى شفاه الله وعافاه
وعندها واصل الطريق الطويل وقد رمته أشعة الشمس بسهامها الحارقة حتى أغبر لونه ونحل جسمه, وجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول : مهما كانت جبال الصعاب تقف في طريقي لن أتراجع حتى أنهل من علم الفرات وأهديه لحضرموت , بقي أياما يتصارع مع الجوع والعطش في حلبة الصبر حتى كتب الله له النصر , كلما نضب ماء ريقة وضعفت قواه , رفع راية الأمل بيده يلّوح بها في سماء التضحية وهو يردد : لن أنتكس إلى بلدي خائباً لن أقتل أمل والديّ , سأواصل الطريق ولو تساقطت أعضائي عضواً عضواَ , مضى في طريقه بعزم وإصرار , رفع سيف الدعاء وحطّم به قيود اليأس البالية , وجعل يرنو للعلم مع كل اشراقة شمس تداعب أحزانه , حتى حطّت أقدامه – بتوفيق الله – في أرض العراق , وبينما يسير في بعض أزقتها يقلب بصره
متعجباً , رآه أحد طلبه العلم ورأى على وجهه سمة العلماء فرّحب به وأكرمه في داره وسأله : من أين أنت ؟
أجابه بوقار: من حضرموت , تعجب الرجل وجعل يردد: من حضرموت , إنها أرض بعيدة
وما الذي جاء بك إلى العراق ؟
تفجرت ينابيع الأمل في فم سالم وهو يقول : طلب العلم .
فلما سمع جوابه ضمه إلى صدره وهو يقول :
مرحباً بك أيها الحضرمي المهاجر في أرض العلماء
وبعد تعارف وحوار قصير ذهبا سويا إلى المسجد حيث يزدحم طلاب العلم بالعلماء في سائر الفنون
وقف سالم يقلّب بصره في مجالس العلماء وهو يقول : كل هذا العلم وبلدي محرومة منه , لئن عدت لأسرجنّ سراج العلم فيها .
ناداه صاحبه : تقدّم أترى تلك الحلقة حيث يجلس فيها عالم كبير من علماء الحديث ؟وهناك عند السارية واحد من كبار فقهاء العراق , وهناك عند المنبر حلقة أهل التفسير .
وقف سالم يخاطب نفسه : لأكوننّ كالنحلة تنهل من كل ثمر طيّب , والله لأنهلنّ من جميع العلوم .
لحظات مشى سالم مع صاحبه وجلسا في حلقة أهل الحديث ثم حلقة أهل الفقة , وبقى سالم يتردد على مجالس العلماء يغرف من معينهم الرقراق .
مضت سنوات لم يشعر سالم بنفسه إلا وقد أمضى من عمره أربعين سنه في طلب العلم, حتى غدا شيخاً فقيها ضليعاً , قوي الحجة فصيح اللسان , متبحر في العلوم , امتلأت جوارحه علماً وخشية ,
أقبل نحو متاعه يلملم كتبه , التي غدت مكتبة كبيرة يسيرّها قافلة علم إلى حضرموت
وفي يوم بزغت شمسه وتنهدَّ نفسه ودّع العراق وأهلها ورحل منها بعلم غزير
مضت قافلته في طريق طويل , أعادت معها شريط ذكرياته إلى الوراء , تذكر أمه القلب الرؤوم أخذ يقبّل خيالها كلما مرّ طيفه أمام عينيه , ثم تذكر أباه الذي ضحى بكل شي من أجل العلم .
وكلما مضى يوم زاد حنينه لبلده تريم التي أنساب حبها في قلبه كقطرات الندى تدغدغ مشاعره , وضع يده على كبده خشية أن تتصدع شوقاً للقاء الأحبة
مرّت الغربة وأيامها ووقفت أقدام الشيخ سالم على عتبة تريم , عاد إليها عالماً عظيماً حتى أصبح مفخرة من مفاخر تريم بل حضرموت
أقبلت الجموع في استقباله , إنه الشيخ سالم الذي خرج منها شاباً وعاد إليها عالماً لا يشق له غبار
سأل أحدهم : هل هذا هو الشيخ سالم بافضل الذي أمضى أربعين سنة في طلب العلم في العراق
أجابه صاحبه : نعم إنه الشيخ سالم لقد تغيرّت ملامحه
لكأني أرى شمس العلم تسطع من جبينه , مرحى لكِ يا تريم , هنيئاً لك ِيا حضرموت بهذا الإمام الفريد المجدّد
أنظر يا صاحبي ماهذا المتاع الكثير على الإبل ؟
إنها كتب الشيخ سالم جاء بها من العراق
تعجب الجميع وغرقوا في الدهشة : يا الهي كل هذه الأحمال كتب !
لقد أوقف الشيخ ما بقي من حياته في نشر العلم وتعليم الجاهل وإرشاد الحائر .
أقبل عليه طلاب العلم من تريم ومن خارجها ينهلون من علمه , حتى ذاع صيته وفشا خبره,ورحلت إليه المطايا وتسابقت لعلمه الركب والركائب , شهدت تريم ثورة علمية كبيرة على يد الشيخ سالم بافضل
الذي غدا شمساً تمد أرضه بالنور والضياء, وبدأت سحب الجهل المظلمة تنقشع من سماء تريم ,وخطّت أنامله العديد من المؤلفات في الفقه والتفسير , ونضحت قريحته بالقصائد المطولة والأشعار
وقامت نهضة علمية كبيرة في تريم , يعود الفضل لله أولاً ثم للشيخ سالم الذي وضع لها اللبنات الأولى وغدا رائداً لها .
وبعد حياة طويلة زاخرة بالعلم والتعليم
رحل الشيخ سالم إلى ربه سنه 581هـ (1) بعد أن أهدى لحضرموت نهضة علمية تقوم على الكتاب والسنة بقي خيرها إلى ما شاء الله






الخاتمة
هذا هو الشيخ المجدد سالم بافضل – رحمه الله – رائد النهضة العلمية في تريم , جبل من خير , وما أجمل قول القائل :
عمّت فضائله وعمّ مصابة *** فالناس فيهم كلهم مأجور
وجئنا اليوم بعد ما مضت ثمانية قرون من وفاته نعيد اريج سيرته ,ونتذكر عبق علمه ودعوته
ونقول : لئن دفنتَ في قبرك – ياشيخ سالم – فإن دعوتك وعلمك يثمر في قلوبنا كلما تساقطت عليه قطرات الذكريات , لتبقى شجرتك باسقة تكبر في أعماقنا مع الأيام , ولن تهزها أعاصير التصوف الحارقة
لكنّ المحزن أن معظم مؤلفات الشيخ سالم وأشعاره سقطت من يد الزمن (2) وسطا عليها الإهمال فدفنها في مقبرة النسيان .
وتسلل التصوف في الخفاء وسرق المنجزات التي صنعها الشيخ سالم - وغيره -لتريم وأدّعاها زوراً لنفسه, وتسلّط على تريم التي كانت بالأمس معقلاً من معاقل أهل السنة وسطع في جنباتها نجوم زاهرة كثيرة كأمثال الشيخ سالم بافضل – رحمه الله – ومشي التصوف كالطاووس متبختراً في تريم بعد أن زوّر في التاريخ وحثا على مآثر اهل السنة التراب ....رحمك الله ياشيخ سالم وغفر لك وتجاوز عنا وعنك ان ربي غفور رحيم
كتبه:ابوسعدالنشوندلي
[email protected]








بطل الخريبة:عبدالله بن محمدالعمودي (السني المطرود)حضرموت

بسم الله الرحمن الرحيم
في يوم ازاحت فيه الشمس لثامها,واسفرت فيه عن وجهها,واقبلت ترافق اشعتها قوافل تمضي الى الخريبة, إنها الخريبة أكبر مدن وادي دوعن الكبير ,وبعد ان حطّت رحالها اختلطت فيها الاصوات
السلام عليكم : مرحبا بكم يا قوم، من أين كل هذه القوافل جاءت ؟
إنها جاءت من مدن حضرموت الكثيرة , والآن حطّت رحالها في الخريبة
هل فيها من جديد ؟
فيها مختلف الطعام والشراب واللباس , لحظات ويقبل عليها التجار من جميع أطراف دوعن, ها هم الناس يتوافدون , لقد اختلطت الأصوات وتزاحم التجار , دعنا نبتعد قليلاً نجلس تحت ظل تلك الشجرة , فليس لنا في التجارة نصيب , انظر إلى ذلك الرجل , انه يتخطى الناس ولا يشتري شيئاً , غير أنه يتكلم معهم قليلاً ثم ينصرف , انه رجل تتفجّر ينابيع النور من وجهه .
ألم تعرف هذا الرجل بعد ؟
لا لم اعرفه
انه عبد الله بن محمد العمودي , واحد من الدعاة الصالحين في الخريبة حتى لقب عفيف الدين
اسكت انه اقبل نحونا
السلام عليكم ورحمة الله
حيّاك الله – يا أخي – ألا تجلس معنا تتحفنا بشيء مما فتح الله عليك
اخبراني : أليس لكما في التجارة نصيب ؟
كلا , وأنت لم تشترِ شيئاً , إنما مررت فنصحت ثم أقبلت علينا
إني أحب التجارة ولكنّ تجارتي تختلف عن هؤلاء
عن أي تجارة تتحدث ؟
إنها التجارة مع الله , جرّبتها فوجدتها رابحة
أصلحك الله – يا عفيف الدين – الناس في بيع وشراء وأنت تتحدث عن التجارة مع الله
من أحبّ الخير لنفسه أحبه لإخوانه هكذا أوصانا نبينا صلى الله عليه وسلم بمحبة المسلمين جميعاً
ائذنوا لي بالانصراف فقد أقترب موعد آذان الظهر
علامَ تتعجل وأهل السوق في بيعهم لاهون ؟
أتراهم يتركون بيعهم ويلحقونك إلى المسجد ؟
من أراد الله به خيراً سيأتي
لقد ذهب , عجيب أمر هذا الرجل يدعو للخير في كل مكان , عسى الله أن يبقى هذا الرجل ضياء لأهل هذه البلدة
أسمعت الآذان؟ , انه صوت يعانق شعاب دوعن الصامتة هيا بنا للمسجد نصلي , ثم نستمع إلى حديث الشيخ عفيف الدين بعد الصلاة فإن لحديثه حلاوة في القلب
اسمعوني يا قوم : إن الله عز وجل أمرنا أن نعظّمه , وأن الحلف تعظيم فلا يكون إلا لله وحده , فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت
يا شيخنا عندي سؤال مهم
تفضل قل ما عندك
انتشر عندنا في الخريبة ودوعن تعظيم الحلف بالأولياء والصالحين وجاههم أكثر من تعظيمهم الحلف بالله, إنهم يعظّمون الحلف بجدك الشيخ سعيد بن عيسى العمودي أكثر من الحلف بالله – أقولها بلا حياء – هل هذا جائز ؟
لا يجوز هذا أبداً , بل من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك , هكذا أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم
قفْ عندك يا عفيف الدين لن ندعك تسبُّ الأولياء, ألم تعلم أن أهل دوعن في حفظ القطب والغوث سعيد بن عيسى, بل أن من في البحر إذا هاجت سفينتهم دعوه ولاذوا به لينقذهم من الغرق
اسمعني يا أخي : إن الحافظ هو الله , فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين
تباً لك يا عفيف الدين , إنك تسب أولياءنا , وإن لم تمسك لسانك عنهم والله لا فضحن أمرك على الملأ وأشكوك إلى حاكم البلاد
هيا يا قوم قوموا وانصرفوا من مجلس عفيف الدين
إنا لله وإنا إليه راجعون , انصرف الناس جميعاً , مع أني ما قلت إلا الحق
شيخي عفيف الدين : نعم يا بني
لا تحزن , أدعوا الله أن يهديهم ويردهم للحق
اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون
هيا بنا نصرف إلى بيوتنا
كأنّ أحداً يطرق الباب ,
يا شيخ عفيف الدين : افتح الباب
مرحباً بك يا بني , حياك الله تفضل
يا له من بيت جميل متواضع !!
هل أعجبك ؟
نعم يا شيخي , مرّت أيام لم ترك عيني
فخفت عليك فطرقت بابك
مرضتُ أياماً حتى عجزت أن أقوم من فراشي, ولم يزرني أحد غيرك , ولكن أرى نفسي اليوم أفضل بكثير من مما مضى
إذن ستخرج معي إلى المسجد , ستصلي بنا إماماً ما أعظم فرحتي !
إن شاء الله ولا تتعجل , أمهلني قليلاً , سأتوضأ ونخرج سويا
ها هو المسجد يشتاق إليك , الحمد لله على سلامتك سأفتح لك الباب تقدم يا شيخي
انظر إلى أولئك النفر في زاوية المسجد كأنهم يتسارّون بينهم امرأ خطيراً
لقد تقدم أحدهم إلينا
اسمع يا عفيف الدين : سيكون الليلة في المسجد مولداً مع الدفوف كسائر مساجد حضرموت , فلسنا بأقل منهم شأناً وبعدها سنذكّر الناس بزيارة القطب سعيد بن عيسى غداً في قيدون
دعونا نصلي أولاً وسيقصي الله بعد ذلك أمراً
بعد أن صليتم اسمعوا مني نصيحة محب
قل ما عندك يا عفيف الدين
إن الله أمرنا أن نعبده بما شرع , لا أن نعبده بالخرافات والبدع والأهواء
عن أي البدع تتحدث ؟
أتحدّث عن هذه الموالد المحدثة , ما أمرنا رسول الله بها ولا فعلها أصحابه فهل أنتم خير من أصحاب رسول الله ؟
ولكن الموالد انتشرت في معظم مساجد حضرموت
إن الحق أحق أن يتبع , والحق لا يعرف بالكثرة قال تعالى: { وإن تطع من في الأرض يضلوك عن سبيل الله..}
لن أستطيع أن أصبر على الشيخ عفيف الدين في الخريبة مرة يؤلّب الناس على الأولياء ومرة على الموالد , ما شأن هذا الرجل وماذا يدور في رأسه ؟ والله لأفجرنّ حرباً ضده , حتى يطرد من الخريبة
ماذا تقول ؟
نعم حتى نرتاح من هذيانه
اسمعوا يا قوم : غداّ سنجتمع رجالاً ونساءً لزيارة الشيخ سعيد بن عيسى في قيدون , لا يتأخرن أحد منكم
وماذا يحدث في هذه الزيارة ؟
يا عفيف الدين : أمور منكرة وضلال وخرافة و اختلاط للرجال والنساء في سفاهة , يدعون ميتاً ويذبحون له الذبائح من دون الله
اسمعوني : هل سنترك هؤلاء على ضلالهم وبدعهم ؟
وماذا في يدك يا عفيف الدين ؟
ندعوهم إلى توحيد الله كما فعل رسول الله
وهل تراهم سيستمعون إليك , إنها زيارة يجتمع فيها الناس كالذر, حتى العبيد يرقصون ويضربون طبولهم داخل المسجد ولا نكير عليهم
والله لن أدعهم على هذا الشرك والضلال
اربأ بنفسك , إنا نخاف أن يقتلوك
لن أدعهم أبداً حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين
سأذهب معك يا شيخي
ابقَ هنا إني خائف عليك
وأنا خائف عليك أكثر مما أخاف على نفسي , لن أدعك أبداً خذني معك
إذاً غداً موعدنا إن شاء الله
أنظر يا بني : ما أكثر الناس في هذه الزيارة , شدوا لها الرجال من أماكن بعيدة , إنهم جاءوا للشيخ سعيد بن عيسى يسألونه المدد والرفد والغيث , أنظر لذاك الرجل إنه يتمسح بالقبرويبكي وذاك يذبح , أنظر لتلك النساء يرفعن أصواتهن بالدعاء للشيخ سعيد , أحداهن تحثو على رأسها من تراب القبر
يا لعجبي : أنظر إلى هؤلاء الأقوام إنهم دخلوا المسجد يضربون الطبول والدفوف وكأنهم في حفل بهيج اسمع ماذا يرددون بصوت واحد :
يا ولي الله جئنا إليك *** وطرحنا الذنب بين يديك
يا الهي أن هذا الشرك بالله , لقد أعادوا أفعال أهل الجاهلية , لقد عادت اللات والعزى في دوعن والله لأصرخنّ فيهم
يا شيخي : الموقف لا يحتمل دعنا نرجع بسلام إلى الخريبة
بل سأغضب لربي ولو كسّرت عظامي وقطّعت لساني
يا شيخي : أتراهم يسمعونك ؟
إن عليك إلا البلاغ
بأعلى صوتي : اسمعوني يا قوم :
من هذا الرجل الذي يصرخ ؟
لا أعرفه لعل شيئا ضاع عليه
يا قوم : اسمعوني قفوا , اسكتوا
قل ما عندك يا رجل , ماذا ضاع عليك ؟
لقد ضاع شيء عظيم لا يقدّر بثمن
أفزعتنا هيا تكلم يا رجل ماذا تنتظر ؟
كيف لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيّاً بينكم
الجميع بصوت واحد : نكون أسعد الناس ؟
لكن رسول الله لن يسعد بما تفعلونه
لِمَ يا رجل ؟
إنكم أعدتم عبادة أهل الجاهلية تدعون ميتاً ,
وتذبحون لقبر وتضربون دفوفكم بالزوامل في أحب البقاع إلى الله
إننا نحب الأولياء والصالحين
وهل حب الأولياء يدعوكم إلى أن تغضبوا رب العالمين ؟
دعنا وما نقول , لقد عشنا سنوات طويلة قبل أن تولد على هذه الزيارات للأولياء , إنك حاقد هيا قم وأخرج من بيننا , اطردوه وإياك وأن نرى وجهك هنا ثانية
اسمعوني يا قوم :
قم لا سمع لك ولا طاعة ولولا أن جدّك الشيخ سعيد بن عيسى لأوجعناك ضرباً
أيها العبيد : اسحبوا هذا الرجل وارموه بعيداً وإن عاد افعلوا به كل قبيح
هيا يا قوم : عودوا إلى مناسك زيارتكم للشيخ سعيد واعلموا أن الشيخ سعيد غضب على هذا الرجل غضباً لم يغضب قبله أبداً
مهلاً أيها العبيد : إلى أين أنتم تسحبونني , قفوا قليلاً
سنرميك بعيداً , أفسدت زيارتنا بكلامك الغريب, آهٍ من زمن صار فيه الدين غريباً , وصار أهله غرباء
يا شيخي : هل أنت بخير ؟
نعم الحمد لله على كل حال
هذه راحلتك ,
قرّبها حتى إلى الخريبة عمّرها الله بالسنة
هل أنت حزين يا شيخي ؟
إني حزين على هذا الضلال الجارف حتى غدا بحراً هائجاً شاب عليه الصغير وهرم عليه الكبير
حسبك يا شيخي : إلى هنا يكفيك فقد بلغت , فوّض أمرهم إلى الله
يا بني : إن تركناهم لن يتركونا , تلك سنة الله أن الحق والباطل لا يتآلفان أبداً
ولكن قل لي : ما حيلتك أن تفعل؟ وهذا واقع حضرموت من شرقها إلى غربها تقديس الأولياء
أنظر إنها ديار الخريبة أطلّت علينا , ساراك بإذن الله قريباً
مضت أياماً وأنا لا أدري ما جرى لأهل الخريبة ؟
لا يكلمني أحد ولا يسلمون عليّ ومنعوني أن أصلي بهم إماماً
سأذهب إلى السوق لأشتري بعض الطعام
قف يا أخي : لماذا لا يكلمني الناس ؟ ماذا جرى لهم حتى أنت لا تجيب
صرت غريباً بكل ما تحويه الكلمة من جراح وألم
اسمعني : بعني طعاماً من هذا ؟
ومع ذلك لا تتكلم
لا تحزن يا شيخي
من يتكلم خلفي ؟
يا شيخي : الجميع هنا نصبوا لك مجانيق العدا والحرب,ويعدون العدة لحرق كتبك وطردك من البلاد
لماذا يحاربونني ؟
لأنك فارس سني تحارب البدع والخرافات
وماذا يضيرهم ذلك ؟
إنه جهل أعمى البصيرة, وعادات باطلة راسخة أرساها الشيطان الرجيم
إن كان الأمر كذلك لا طاقة لي بالعيش في الخريبة بعد اليوم
الى أين سترحل ؟
أرض الله واسعة, وطريق الحق مفروش بالتضحيات سأهاجر, نعم سأرحل يا بني
ترّيث يا شيخي إلى أين ترحل , هذا واقع حضرموت كلها
قف خذني معك , تكلم , اجبني , حطّم قيود صمتك اسمعني شيئاً
استودعك الله يا بني , عسى الله أن يجمعني بك عن قريب
وهل ترانا سنجتمع من جديد وأنت سترحل عن حضرموت ؟
إن لم نجتمع اليوم سنجتمع غداً
أين ؟ اخبرني أين انتظرك ؟
في الجنة جعلها الله مثوانا جميعاً
إن كان قد عزفي الدنيا اللقاء بكم *** ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا
ما هذه الدموع , كفكف دموعك يا شيخي , لا أتمالك نفسي أمام طوفان دموعك
أنا لا أبكي على نفسي ولكن أبكي على الخريبة وأهلها؟ وهي تغرق أمام عيني ولم استطع جرّ سفينتها إلى برِّ الأمان
أحسُّ أن دموعي تغلي في قدور عيني , أحسها تحرق خدي , كمداً على أرضي الخريبة
يا شيخي : انك معذور فأنت فرد واحدلانصيرلك
وهل سيعذرني ربي غداً إذا وقفت بين يديه
هيا قرب راحلتي وناولني زمامها
أطابت نفسك أن تتركني ؟
دعني أهاجر إلى الله ؟فإن الهجرة لا تنقطع حتى تقوم الساعة أو يجعل الله لحضرموت فرجاً قريباً
اخبرني : أي الجهات ستهاجر إليها ؟
سأمضي إلى أي جهة من جهات اليمن الكبير , لعل الله أن يعوّضني بقوم صالحين لا أرى بينهم ظلمات البدع
شيخي : قبيل رحيلك أوصني
أوصيك أن تستقيم وتثبت على دين الله , لن أجد وصية أبلغ منها
وأبشرك ببشارة عظيمة
عجباً ونحن في وسط هذا الكهف المظلم
نعم إن كتب الله نصراً للسنة وأهلها في حضرموت سنعود جميعاً
أحقيق ما تقول ؟
نعم سنعود بإذن الله وإن لم ترجع أجسادنا سترجع قلوبنا , أحسُّ أن الفجر قادم ويمزق ثياب البدع , لكأني اسمع صوته يداعب أوتار قلبي الدامي , أحسه يمسح دموعي, هيا يا بني تعال أعانقك قبل أن أرحل
ومضيت يا شيخي عفيف الدين حتى غبتَ عن عيني, غير أن سيرتك لن ترحل عن خاطري أبدا, سأضل كل يوم أرمق السماء , انتظر الأمل الباسم وأحِنّ لفجر السنة القادم
غداً ستشرق شمس السنة في حضرموت!

الخاتمة :
إنها سيرة عطرة , وذكريات نضرة , لبطل الخريبة : عبد الله بن محمد بن عثمان العمودي – رحمه الله – الرجل الذي وصفه بعض المؤرخين بأنه أحيا السنة وأطفأ البدعة,حتى كاد ان يقتل, فهاجر إلى ذمار وتوفي بها سنة 840هـ محزوناً على دينه مكلوماً على وطنه الغارق تحت ركام البدع
وجئنا اليوم بعد ما يزيد عن 500 سنة من وفاته نزجي عبير قصته المنسية , ونقدم للأجيال سحابة من عطر وصفحات من تضحيات دفنت تحت ركام النسيان
وشهادة للتاريخ امطر يراعنا سحباً من حياته أضحت نجوماً تتألق في سماء حضرموت الفسيحة, كلما أفل نجم هنا , سطع نجم هنالك
علماً أنّ في سماء حضرموت نجوماً كثيرة , صارت اليوم حياتهم منسية وتنتظر من ينقّب عنها ويعيد بريقها رحمة الله تترى على ذاك الجسد الطاهر الذي مضى قلعة ثابتة ,وترك للأجيال بصمة قوية لا تمحوها أرضة الزمن , وما أجمل قول الشاعر:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم *** وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
أسأل الله أن يسكنه فسيح جناته وأن يجزيه عنا خيراً ويجمعنا به في جنات النعيم .. اللهم آمين .
كتبه
ابوسعدالنشوندلي
[email protected]
22/4/1431هـ










احمد بن جعفر الحبشي
السني الثآئر

كتبها
أبو سعد النشوندلي
حضرموت





بطل القصة :احمدبن جعفرالحبشي(رحمه الله)
مكان القصة:الحوطة

(من بعيد اقبل ينادي)يااحمد بن جعفرالحبشي ألاتسمع صوتي؟
من يناديني من الخلف؟
(ياابن جعفر قف اناصديقك أنسيتني يااخي؟
مد ّيدك..كيف انسى اخًاودوداً,دائمًا يسأل عنا؟ مثلك لاينسى-ياأخي.
ياابن جعفر:أراك هائمًا في ازقة الحوطة, حتى اصبحت لاتسمع من ينادي عليك, ولو كان قريبا منك؟
اخبرني فيم َكنت تفكر؟
اني افكر فيها
(قاطعه بسرعة)من هي؟اخبرني اياك وأن تخفي عني شيئا.
أتريد ان تعرف مَن هي؟
نعم هيّا تكلّم
اني افكرُّ في الحوطة
قلتَ في مَن؟!!
قلتُ في الحوطة,اني اغوصُ بخيالي في جمالها, واسمرُّ قلبي في راحتيها..انظرُ في خضارها واشجارها! ولم تشبع عيني بعد!
ياابن جعفر:أتحبها؟
نعم اني احبها حبا شديداً,بل ان ّاحلامي تختبئ خلف كل نخلة واقفة من نخيلها,استلهم من وقوفها الثبات والصمود
(بدهشة وتعجب)لكأنك -ياابن جعفر-عبدالله بن راشد بن شجعنة الذي سمّاها قديماً(خلع راشد) بل لعلك اكثرُ حبًا منه!
اني احبها كثيرا..اني أراهاكعروس متربعة قد تدّلت يداهاورجلاها, والتاريخ جلس بين يديها ينقش فيها بريشته, ويخطُّ فيها من يراعه.
بل اني احسُّ قلبي يرقص على راحتيها ,كلما نظرت اليها
زدنا ايها العاشق
اني اراها كعروس اتخذت من الجبل وسادة تتكئ عليها,اقتربْ مني ألاتراها؟ألاترى حسنها وجمالها؟
اعذرني -ياابن جعفر-انّ عيني ليست كعينك
لماذا؟
لانّ عينك عين محب وعاشق للحوطة ,و شتان مابين العينين
مع حبي لها الاانني خائف!
ياللعجب عاشق وخائف!!
نعم عاشق للحوطة, وخائف من جلبة اقدام الزمن القادم
ياابن جعفر:ألاتسمعُ هذا الصوت القادم؟
بلى انه صوتُ اذان الظهر
(مااجمل الاذان كلُّ شى يصمتُ في الدنيا هيبة للاذان ,حتى لكأنّ الكون كله يردد مع المؤذن في سكون وهدوء!!
ياابن جعفر:اين تريدنا نصلي في مسجد البهاء ام في الجامع؟
كلاهما سيان(اذاً هيا بنا لاقربهما)
تقدم للوضوء هذه احدى الجوابي مفتوحة,
(داخل المســـــــــــــجد)
انظرْ انّ الناس قليل في المسجد بسبب شظف حياتهم ومرارة اعمالهم,
هل احزنك هذا ياابن جعفر.؟
اني اسأل الله انْ يبدّل حال اهل هذا الوادي الى احسن حال,
انظرْامامك لقد تقدّم المؤذن للاقامة بالصلاة(هيا بنا للصف الاول)
بعد الصـــــــــــــــــــلاة
يااخي اسأل الله ان يتقبل منا صلاتنا ..امين
ياابن جعفر:اني موّدعك الآن لعلّي أراك -باذن الله-قريبًا,
يااخي لاتغبْ عنا كثيرا
(بعد أيـــــــــــــّـــــام)
الحمد لله مرّت ايام والتقينا من قريب,
الحمد لله الذي جمعنا
ياابن جعفر:مالي اراك منكّس الراس حزينا ,اني ارى وجهك تسبح فيه امواج الاحزان وتغطيه غيوم الالام,اني ارى شمس فرحتك قد كُسفت انواراها,
ياابن جعفر:اخبرني ما الخطب؟ارى وجهك غير الوجه الذي صافحته قبل ايام,
يااخي ,انني حزين حتى لكأنّ الحزن يفتتُّ كبدي المقروحة, ويرّملُ شفتي,
اخبرني مالذي أحزنك انا صديقك؟
اني حزين مما ارى واسمع في بيوت الله
وماذا رأيت وسمعت؟خيراً سمعتَ
سمعتُ كلاما ليس بخيرٍ ابداً
افزعتني ماذا سمعت؟
سمعتُ دفوفًا تضربُ في بيوت الله على انغام القصائد والاذكار.
لعلك تقصد الحضرة
نعم
هل ازعجتك هذه الدفوف في الحضرات والموالد؟
كيف لاتزعجني وبيوت الله لو تكلّمت لبكتْ منها!
ياابن جعفر:هوّن عليك انها عادةٌ سرتْ في معظم مساجد حضرموت.
لكنها عادة سيئة وبدعة منكرة يجب ان تموت.
ماذا تقول يا ابن جعفر؟
نعم يجب ان تموت هذه البدعة النكراء
ياابن جعفر :أتراك بمفردك ستقف امام اهلك تحارب عاداتهم وتقاليدهم,
اني سأقود ثورة ضد كل هذه الخراافات واولها الدفوف في المساجد,
هل جننتَ يااابن جعفر؟
كلا والله
(اسمع نصيحتي)لاطاقة لك بهذه الحرب الضروس
والله لو سُلِخَ جلدي بالسِّياط ماتراجعت ,والله لو حطّموا ضلوعي ما تزحزت,سأنصح لهم في الله, ولن اتراجع تراجع الخوّار
أتراهم سيعطونك آذانهم؟
اظنك تحلم كأحلامك الوردية في الحوطة
يكفيني قول ربي(انْ عليك الا البلاغ)
يااحمد ارجوك تراجع اني خائف عليك,
ماكان لي ان اخشاهم في الله ,حسبي الله ونعم الوكيل.
يااحمد انك وحيد لا مناصر معك ولامعين
والله لاركبنّ خيل الثبات, ولاحملنّ مشعل السنة بيدي, ولو كنتُ فردا كالسيف لن يضيعني ربي,
ياأحمد :فكّر في العاقبة
(انّ العاقبة للمتقين)
مادمتُ ارى دخان هذه البدعة أمامي لن اسكت ابدا, ولو حاصرتني القيود من كل الناحية,بل لو حفرتْ اخدوداً في طريقي والله ماتراجعت,
انهم سيهتمونك
بماذا سيهتمونني؟
سيهتمونك بانك..تكلّم ..بأنك وهابي
(بوجه ثابت ونفس هادئة)وهل انا خير من رسول الله,قيل فيه اكثر من ذلك ومع ذلك صبر, أليس لي في رسول الله اسوة حسنة.
يااحمد :ان أبيتَ الاالموجهة فأشفق عليهم في النصيحة,
دعني اذهب اليهم الان, انهم مجتمعون في المسجد مع دفوفهم, فاني ارى فسيحات وادينا الكبير ضاقت بظلام هذه الخرافات
في المســـــــــــــــــجد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته-يااهلي-
حياك الله –يااحمد-اجلس اتحب ان تشاركنا في هذه الحضرة؟اقبل خذ لك واحداً من هذه الدفوف
يااهلي يا احب الناس الى قلبي
انّ هذه الدفوف التي تضربونها في بيوت الله على انغام القصائد اثم مبين ومنكر عظيم
ماذا تقول ايها الاحمق المجنون
اني لم اقل الا الحق..مالكم تأكلونني بأعينكم؟
ياقوم:لقد زينكّم الله بالعقل, فهل من العقل ان تضربوا هذه الدفوف في احب البقاع الى الله,هل انتهت كل العبادات حتى لم تبقَ الاهذه البدعة المذمومة تتمسكون بأذيالها
يااهلي:أتفعلون شيئا ما انزل الله به من سلطان؟, والله اني عليكم لمشفق واني لكم لناصح
يااهلي:هل جاءحرف واحد عن رسول الله يأمركم بشئ من هذه الخرافات
(كلهم بصوت واحد)اسكت يااحمد والاسنقطع لسانك ,ماذاتقول؟هل جننت..
أ تقول انّ هذه خرافات وحماقات؟اتتهم الاولياء والصالحين بانهم على باطل وانت وحدك على حق؟
كلا- حاشالله- ان اتهم احدا منهم ,بل اتهم هذه الدفوف التي تصدّعت جدران المسجد منها كمداً, تئن الى الله من ضجيجها ,ياقوم :الم تعلموا ان الله لايعبد الا بما شرع ,الى متى وانتم غرقى في هذا الضلال
يااحمد:كفَّ عنك هذا الهراء؟ الم تعلم انّ هذا شيئا ورثناه عن اجدادنا الذين هم اجدادك,وتأتي اليوم تعلّمنا انّ ماعليه الاولون باطل وبدعة,يالهول المصيبة مؤكّد انه اصاب عقلك شئ
كلا والله ياقوم
من يدري –يااحمد-لعلّ احداً ضحك عليك وبثّ اليك افكار الوهابية
ياقوم:ارجوكم اسمعوني لستُ وهابيًا, انا ناصح امين, اوَكلما انكر عليكم احد رجمتموه بأبشع التهم
ياقوم..(اسكت يااحمد)الى هنا يكفي قم واخرج من بيننا, ودعنا على ما نحن فيه ,واياك وان تفجّرضدنا ثورة والاحرقت بنارها
ياقوم :والله اني لمشفق وناصح,ورائد مخلص والرائد لايكذب اهله
قلنا لك قم من بيننا واياك ومن هذه الوساوس
اتقولون للحق وساوس؟
نعم هذا شئ ماعهدناه من احد قبلك في الحوطة,وتأتي اليوم انت من ابنائنا ترمينا بسهامنا,هل تريد ان تؤلّب علينا الناس؟هل تريد ان تقود ضدنا مؤامرة؟
كلا والله بل اردت الخير
(قام شيخ كبير منهم)يااحمد: يا بني انا اكبر منك سنا,انت شاب عاقل ونبيه واريدك ان لاتكّبر هذه الامور, ان شئت فصلِّ عندنا واسكت على ما تراه منا, وان شئت فصلِّ في مسجد اخر ودعنا وشأننا
يابني(يااحمد)انظر الى وجهي ..ارجوك لاتفتح هذا الباب مرة ثانية ,لا اريد ان اسمع منك حرفا واحداً
الجم فمك بلجام الصمت, وانحر افكارك في مهدها(قالها بقوة)
ياعم:؟أهذه نصيحة ام تحذير؟
بل هذه نصيحة غالية لك من رجل كبير في مقام ابيك(اسمعني –يااحمد-قبل ان تذهب)
ماذا تريد ان تقول ايضا؟
يااحمد:مهما تكلمت لن يطيعك احد, واعلم انّ الجميع تبع لنا نحن سادتهم
واحذرك من افكار الوهابية ان تتسلل اليك
ياقوم:لستُ وهابيا,انا لكم ناصح
يااحمد:مصرٌّ على هذا
نعم مصر على هذا الحق
كلا لست على الحق, بل انت وهّابي تحارب اسلافنا ,وترميهم بالخرافة والبدعة-كما يدعي هؤلاء-
هيا قم من بيننا, واياك وان تفتح لنا في مسجدنا شيئًا بعد اليوم,أسمعت يااحمد؟
(رجع احمد الى البيت)
هاانا ذا اجلس على سرير همي ,آهٍ من سيول الهم تهزُُّّ اعماقي,حتى غدا جسمي نحيلا كقلم سقط على احضان اوراق متناثرة ,صارت كأنها اكفانه,الى متى هذا الحزن يفترش ذراعي ويقيّد احلامي؟
(كأني اسمع احداً يضرب باب بيتنا)
من يطرق الباب؟
افتح الباب اناصديقك –ياابن جعفر-
مرحبا بك يااخي
يااحمد اخبرني هل نجحت في المهمة الخطرة, فالقلق يساورني حواليك
يااخي :لقدوقفت لهم في المسجد ناصحًا
(في عجل)هل استمعوا لك؟
لوّواأعناقهم, ورشقوني بعبارات التهديد والتوبيخ,
ارجوك –يااحمد-انسَ كل شئ دعهم وشأنهم, فوّض امرهم الى الله , دعنا نعيش بسلام
ياصاحبي:مادامت هذه الدفوف تضرب في مساجد الحوطة ,والله لن يقرّ لي قرار ,اِما انا في الحوطة واما دفوفهم,لن نجتمع ابداً تحت سماء الحوطة
يااحمد:لاتفتح على نفسك حربا, والله اني عليك لخائف
ممَ انت خائف؟
بصراحة انا خائف ان يمسك احد بسوء,وانت رجل وحيد وهم جماعة
يااخي:انّ الجماعة ليست بالكثرة بل من كان على الحق فهو الجماعة ولو كان فردا كالرمح
يااحمد:ارجوك تراجع حتى يكثر غداً اتباعك
يااخي:ان كان الورد اليوم عطشانا ,غدا سيروى بماء الثابتين,فلماذا تحرمني ان اكون قطرة من ذلك الماء الرقراق الصافي
(صلاة العصر)
يااحمد:انظر اليهم انهم ينظرون اليك بنظرات حارقة ,احسُّ انّ نظراتهم تكاد تفترسك, كأنّ اعينهم بركانا تقذف حمما,اقسم لك بالله يااحمد انا خائف عليك الامر لايطمئن بخير
لااخفي عليك –يااخي-كلما اقتربت من احدهم ولّى هاربا
يااحمد لقد قطعوك حتى تعود الى رشدك –كمازعموا-
اسمع ماذايقول احدهم بأعلى صوته(الليلة حضرة في المسجد وغدا في القبة لاتتاخروا)
يااحمد أسمعت؟انهم يزيدون النار اضطراما,الم اقل لك يااحمد ان نصحك لهم زادهم عنادا
دعهم انها عاصفة هوجاء سرعان ماستقف
مااظن ياأحمد انّ المياه ستعود الى مجاريها,وهم يفترسون جسمك بنظراتهم اللاذعة والساخرة
انظر –يااحمد-انهم يقلّبون دفوفهم وينظرون اليك بسخرية
دعهم ان هذا كله لن يفتَّ في عضدي شيئا,بل والله لوقلّبوني فوق جمر العذاب ماتراجعت ,بل سأثبت ثبات الاجبال وسأمضي كألاعصار في وجه هذه البدعة العمياء
يااحمد:انهم يقولون عنك انت رجل عنيد
كلا لستُ عنيدا بل ثائر, نعم انا رجل ثائر على هذه الدفوف التي زلزلت مساجدنا,بل ا وصلهم الهوى الى ضربها في المقابر بين الاموات!
يااحمد:ارجوك دعهم
قلت لك لن ايأس ابدا ماداموا على هذه البدعة
(في يوم الغـــــــــــــد)
هاهم مجتمعون الان في المسجد وبجانبهم دفوفهم التي غدت في عيني كأنها ثعابين سامة
(اقبل عليهم وهم جالسون في المسجد)السلام عليكم,أتأذنون ان اكلمكم قليلاَ
(قام احدهم مغضبا)اسمع يااحمد اياك وان تجلس بيننا لقد جادلتنا فاكثرت جدالنا ,فاماان تقوم عنا والاقمنا عنك جميعا
ماذاقلتم؟
قلنا ماسمعت (وضع احمد يده على راسه متحسرا حزينا)
آهٍ من هذه العقول المتصخرة أما آن لها ان تعقل؟
(صاح احدهم باعلى صوته)اسكت بها الوهابي المجنون
انظرواياقوم لقد ولّى عنكم منكّس الراس حزينا يسحب خلفه اذيال الخيبه
(وقف احدالقوم مغضبا)ياقوم:انا متعجب منكم الى متى وانتم صابرون على هذا المجنون؟
(تكلم اخر) ياهذا كيف لانصبر عليه وهو واحد من ابنائنا
(وقف ثالث منهم) ياقوم :ان هجركم له لم يزده الاتمسكا مثل هذا لن يتراجع انتم تحلمون ان ظننتم انه سيتراجع
(كلهم بصوت واحد)لماذا؟
لان احمد ينطلق من مبدأوصاحب المبدأ لايتراجع, بل يثبت كلما زمجرت العاصفة وتلاطمت الامواج
(رجع احمد الى بيته حزينا)
من يضرب الباب؟
افتحوا انا احمد
مالك يااحمد ارى وجهك يتصّبب حزنا
احمد:تعب يسير سرعان ما ينقشع –باذن الله-
(يقول مخاطبا نفسه) سأقوم الليل ادعو الله ان يهدي قومي
(عند الفجر)الحمدلله لقد طلع الفجر فاغراً فاه مبتسما ,لكنه قابل رجلا حزينا مثلي
(بعد صلاة الفجر في المسجد)
احمد:سأسير بعض الوقت في ازقة الحوطة ,حتى لو حملتني قدماي الى الحاوي لعلي اجد فيها متنفسا
(تتلاطم في داخلي امواج من الهم)آه اسير وحدي في هذا الطريق الطويل الذي يكاد يقتلني بخنجره ويخنقني بيديه,يطاردني سؤال حائر متى سأقضي على هذه البدعة؟كيف سأقنع اهلي بعد ان نصبوا لي مجانيق العدا؟
آهٍ ما اشدّ غربتي في هذا الزمن, لكني مع هذه الظلمة سأحمل مصابيح الامل ,عساني ان أُداعب وجه حضرموت الحزين ,الذي غطّته تجاعيد الخرافات ,
(بعد أيـــــــــــــــــــَّـــــــام)
مضت ايام وانا لم استطع ان اغيّر شيئا, بل لقد ازداد قومي عتوّا وعنادا,اصبحتُ بين امرين احلاهما مرٌّ, اِمّا أنْ اتركهم وبدعهم ,واٍمّا ان اقف وحدي ثابتا كما وقف خليل الرحمن ابراهيم ثابتا في قومه وحطّم اصنامهم وانا مثله سأحطّم –باذن الله- دفوف قومي ,سأقضي على هذه البدعة حتى لاتقوم لها راية في الحوطة,سأثار لرب كريم وأحطّم دفوفهم, مع انّ هذه المهمة خطرة ووعرة ,غير اني والله سأركب الاسنة في تحقيقها ,موعدهم –باذن الله –غداً وانّ غدا لناظره قريب
(في يوم الغد وهم مجتمعون في المسجد)
هاهم الآن مجتمعون في المسجد مع دفوفهم ,فاذا سمعتهم ضربوها سأقبل عليهم كالسيل الهادر, فأنتزعها من بين ايديهم وأحطّمها واحداً وحداً,حتى اُكسر انفَ هذه البدعة في قلوبهم.
هاهم يتحلّقون حول دفوفهم,لقد بدأوافي لهوهم, هاهم يتمايلون كألاغصان على صوت الدفوف,انهم يهزّون الروؤس يمنة ويسرة ,ياللعجب ,انهم اغمضوا العيون كأنّ ارواحهم شردت من اجسامهم,آهِ مااقبح هذا الصوت أحسُّه كسياط حامية تلذع قلبي,هاهي اصوات الدفوف تزيد وترتفع ,احسُّها تمزّق طبلة اذني, وتقطّع شغاف قلبي,سأصرخ الآن فيهم,ياهؤلاء قفوا كفاكم لهواً ,ألاتسمعون؟سأنتزع منك أنت اولاً الدف.
ماذا ستفعل به ؟
سأريك ماذا افعل به,
اعطني دفي ماذا ستفعل به ايها المندفع المجنون؟
سأمزقه تمزيقاً
ماذا تقول ؟تمزّقه
نعم سأمزق كل هذه الدفوف التي بأيديكم, سأدوسها تحت اقدامي, لن اترك واحداً الا حطّمته
هل جننتَ يا احمد؟
بل انتم متى ستعقلون ؟انّ ماتفعلونه حماقات يأباها الله ورسوله,
(صاح احدهم)انظروا يا قوم ماذا يفعل هذا الطائش المجنون بدفوفكم,
احدهم يصيح اوقفوه ..هيا اوقفوه ,شدّوا عليه امسكوا به انتصروا لدفوفكم ,اياكم أنْ يفلتَ من بين ايديكم ,اضربوه بكل ما اوتيتم من قوة ,مزّقوا ثيابه كما مزّق دفوفنا ,انه يصيح من شدة الضرب ..لا ترحموه ..اضربوه حتى يصيح كل عضوٍ من اعضائه, حتى لا يرفع رأسه علينا بعد اليوم
ياللفاجعة انه سقط على الارض
(صرخ احدهم)زيدوه لكماً وضرباً ,انه يحاول الفرار اخنقوه بأيديكم لا تدعوه يقف على قدميه بعد اليوم
انظروا ..انه ولّى هاربا,
(تكلّم احدهم)دعوه يهرب فقد اخذ ما فيه الكفاية
(يصفق احدهم ضاحكا)احسنتم يا رجال على صنيعكم هذا ,حتى يكون عبرة للجميع,فلا يقف احد بعده غصة في حلوقنا
(تقدّم احدهم في خوف ووجل)ياقوم:اني خائف أن يصاب احمد بمكروه,لقد قسوتم عليه
(اسكته احدهم مغضبًا)دعه وانْ بقيَ في الحوطة لن نرحمه ابداً,
(اقبل عليهم واحد يفتح باب المسجدفزعا)ياقوم:لقد فتحتُ الباب فقابلني رجل خرج هاربا يسير ويسقط,مَن هذا الرجل الهارب؟
انه احمد بن جعفر الحبشي
ماذا فعلتم به؟
(تكلم احدهم في غطرسة وغرور)انه كسّر دفوفنا فأوجعناه ضرباً,حتى صار كعصفور تتقاذفه الايدي في الهواء(يقولها وهو يضحك)
(ردّعليهم مغضبا)لبئس والله ما فعلتم ,كيف لو علم بكم الناس تضربون واحداً من ابنائكم بماذا ستجيبون؟فسكت الجميع
احمد:آهٍ لقد وصلت الى باب بيتنا, اسحبُ اقدامًا دامية ,كأني اسحبُ معها الارض,سأطرق الباب..آهٍ انّ يديّ لا تقوى على طرق الباب
(بأعلى صوته افتحوا الباب –يااهل الدار-)
من بالباب؟
افتحوا انا احمد
يالهول المصيبة من فعل بك كل هذا يا احمد؟
مالثيابك ممزقة ,مالشعرك متناثراً هل اصابك مكروه؟
لقد ضربني قومي, لقد تحولت ايديهم الى حديد تمزّق جسمي ,صبرتُ عسى حبيبي رسول الله ان يعذرني غداً اذا لقيته بين يدي الله,
(هيا اعطوني ثيابي ومتاعي )
الى اين يااحمد؟
سأترك الحوطة (عندها تقافزت دموعه تسبح في خدوده)
أتبكي –يااحمد؟
انها دموع الفراق ,انه طوفان من دموع اخفيها خلف سدود عيوني ,اني اخاف انْ تغرق احلامي في لججه
(يااحمد هل طابت نفسك في فراق الحوطة)
كلا والله, اني اودعها وهي صامتة,و لو شعرت بي لفاضت دموعها على فراقي ,والله لولا انّ قومي اخرجوني منها ما خرجتْ
يااحمد:الى أين سترحل؟
ارض الله واسعة ,وانما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب,آهٍ من غربة في داخل وطني ,كلما سرتُ خطوة ازدادت دقات قلبي شوقا للحوطة,
ومن عجب أني احنّ اليهـــــم وأسأل شوقاً من لقيتُ وهم معي
وتطلبهم عيني وهم في سوادها ويشكو النوى قلبي وهم بين أضلعي
آهٍ يابلدي:كلما طلعتْ الشمس تخيلتها استعارت وجهكِ,كلما هبتْ ريح الصبا حملتْ شذا عبيركِ الى قلبي المجروح
(بصوت متقطع حزين احرقته نار الفراق)سأخرج من الحوطة قبل طلع الفجر حتى لايراني احد,
لاأدري ماذا أفعل بعيني؟لا يكاد يرقأ لها دمع تبكي بكاء الثكالى,سامح الله قومي لقد مزّقوا احلامي ,انهم وقفوا كالمجانين ينهالون علىّ ضرباً ولكماً, وتهافتتْ سيوفُ ايديهم كالبرق تمزّقُ جسمي النحيل ,الذي غدا بينهم كقطعة لحم تتقاذفه امواج ايديهم من زاوية الى زاوية,وتتطاير من السنتهم شرارات التهديد
وآحرّ قلبي على هذا الرحيل المر ..اسفي على الحوطة لم يبقَ امامي سوى خشامر ,سأهاجر اليها انها قلعة من قلاع السنة,لكأني اشمُ عبيرها وانا في مكاني يداعب خيالي,كأنها ترّبت على كتفي وتقول لي لاتحزن يا ابن جعفر,يارب اني متوجه الى خشامر ,...اللهم اهدني الى سواء السبيل
ازفتْ ساعة الرحيل ,سأرحل الآن مادام جلباب الظلام يلفني,سأسير بخطىً ثابتة على حبل الصمت, اخاف مع كل خطوة ان اتعثر فيشعر بي قومي,اني اسمع صوتاً ,سأقترب منه قليلا,الحمد لله انه صوت اذان الفجر,سأدرك صلاة الفجر في الحزم او في شبام,
كأني أرى هناك بئر ماء سأروي منها عطش قربتي ,الحمدى لله لقد اقتربتُ من شبام
(بعد الفـــــــــــــــــــــجر)
سأواصل الطريق الى خشامر السنية ,لقد اقتربتٌ منها,ما اقرب طريق الحبيب,
اني آراها..نعم اراها –تطل برأسها من نافذة الشوق, مهلاً خشامر لاتتعجلي أتيتكِ قادما‍‍ً,هذه ديارها تتمايل اغصانهاوتطرب اوراقها على سفح الجبل, لكأنها ترّحب بي
(اللهم ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجل لي من لدنك سلطانا نصيرا)
هاهم اهلها اقبلوا كنسمات المطر وقطرات الماء يرّحبون بي ,يالها من ارض طيبة وقوم كرام ,
(تقدّّم احدهم فرحا)تقدّم يا ابن جعفر هذه خشامر فتحت قلبها لاستقبالك ,هاهم رجالها قفزت قلوبهم ترحب بك,
(يالها من صورة جميلة يملؤها الحب والكرم,ويمضي موكب الاستقبال يسير ببطء,تتصافح فيه القلوب)
وقف ابن جعفر فيهم قائلا:يااخواني اني نزيل في ارضكم, طامع في كرمكم وعدلكم,لأن ارضكم لايظلم فيها احد
(اقبل احدهم مسرعا)هذه خشامر كلها ارضك وفداك
جزاكم الله خيراً
(اقبل احدهم يمسك بيد ابن جعفر) هيا بنا الى بيت سيد قبيلة آل علي جابر,فانه رجل كريم سيرّحب بك
(في بيت سيد آل علـــــــي جابر)
احمد:السلام عليكم ورحمة الله وبركاته-ايها الرجل الكريم
مرحباً بك ايها الاسد الهصور, حيّاك الله بين اهلك واخوانك,تعال فاجلس بجانبي فاني مشتاق لسماع قصتك,
(بعد سماع القصـــــــــة)
لقد آلمتني قصتك, واني اقول لك كما قال الرجل الصالح لموسى(لاتخفْ نجوت من القوم الظالمين)
اذهب انت آمن في ارضنا, لن يستطيع احد ان يصل اليك بسؤء مادمت فيها,لك الامان والنصرة,ولك ان تتخير ماتشاء من منازلنا لتسكن فيها,عشْ بيننا قرير العين, مطمئن البال ,هادئ النفس, مرفوع الرأس ,قد عوّضك الله بأرضٍ طيبة وقوم كرام
قل فيها ما تشاء ,وافعل فيها ماتشاء,ولن ترى احدا يوما ينظر اليك شزرا,
(تهلل وجه ابن جعفر)الحمد لله على هذه النعمة,سأعيش في ارض تنصر السنة ولو كنت طاويا ,حسبي أن تشبع روحي
(تكلّم احد الحضور)ياابن جعفر:ماهذه الدموع التي تملأ عينيك؟
انها..دموع....انهادموع الفرح
(وقف احدهم)انك ازددت رفعة عندالله بثباتك وصبرك,ودعك وماقاله فيك الواشون,فقد قالوا عن ارضنا انها ارض وهابية, ومع ذلك لم يضرنا شئ,بل سمونا كالسحاب
ياابن جعفر:هذه خشامر احلم فيها بما تشاء
ابن جعفر:اني احلم ان ارى حضرموت قد اُعتقتْ من عبودية الخرافات والبدع,وان تحيا فيها السنة واهلها,,احلم ان تموت فيها النعرات والعصبيات والنزاعات,وان يحيا فيها العدل والسلام,
احلم...(وفجأة سكت وجعل ينظر الى السماء)
وقف احدهم :أراك تحملق بعينيك الى السماء؟
اخبرنا الى ماذا تنظر؟مالك سكت!
اني انظر الى بعيد.
الى اين؟
الى هناك,
اني أراها قادمة مهرولة‍
(الجميع بصوت واحد)من هي؟
انها....انها...انها شمس السنة غدا ستشرق في حضرموت
الخاتمة
وهكذا مضى ابن جعفر -رحمه الله-مثلاً عاليا في السنة والثبات ,وقلعة صامدة استعصتْ قناتها على المبتدعين,انه رجل يشار الى قصته بالبنان,فيطرب من شوق لسماعها الجنان,
لأنه فارس امتطى صهوة الثبات والتضحية,فحاز بعدها على وسام الشرف والترقية,
واليوم جئنا بعد زمن نهدي عبير قصته للاجيال,بعد ان دُفنت في ذاكرة التاريخ ,وغطّاهاغبار النسيان والاهمال.وسعى التصوف الى طمس انوار ثباته,وحرق اعلام صموده وتضحياته.
وجئنااليوم بعد زمن لم نبحث عنه بين الاموات,بل نبحث عنه بين عظماء الاحياء,لأن ثباته مازال حياً في قلوبنا,
رحمك الله ياابن جعفر ,وصبّ على قبرك شآبيب الرحمة والرضوان,رفع الله ذكرك في العالمين,وسطّر اسمك في الخالدين
كتبه:
ابوسعد النشوندلي
رسب –مديرية ساه
15/1/1430 [email protected]

بسم الله الرحمن الرحيم


الشيخ : سلمان بلهوطلي الجابري( داعية التوحيد في رسب)

في منطقة نائية مجهولة ,من مناطق مديرية ساه المترامية الأطراف,-بمحافظة حضرموت- تسمّى رسب , بدأت قصة داعية التوحيد : الشيخ سلمان سالم بلهوطلي الجابري - رحمه الله-
الرجل الذي أزاح كابوس الشرك والجهل عن رسب, فاستنارتْ ظلمتها ,وتألّقتْ بدواتها ,واستيقظتْ من غفلتها .
إذا دخلتَ يوماً رسِّب ستجد أنَّ الجميع يعرفون فضله, ويرفعون قدره , بل لوسألتَ عن اشهر رجالات رسب : لتسابقتْ أصابع الإنصاف تشير إلى دوحة دعوته الصادقة التي تزخرُ بكل جميل ومثمر .
لعلّه الرجل الوحيد الذي أجمع عليه أهل رسب, فضلاً وخيراً على منطقتهم , التي سقطتْ يوماً فريسة سائغة بين ظلمتي الجهل والخرافات , واكتوتْ بنار النسيان والإهمال ، ومزّقتها الحروب القبليّة مع القبائل المجاورة .
أمّا اليوم إذا دخلتَ رسب فسوف تجد أعلام دعوة الشيخ سلمان –رحمه الله- ترفرفُ في زواياها, وتترّبعُ في نواحيها . فما من بيت ، إلا ستجد فيه واحداً على الأقل تعلّم على يديه في زمن ضاع فيه التعليم مع الأمن والاستقرار في حضرموت , فأربعةٌ أجيالٌ تقريباً شربوا من فُرات علمه , ودجلة دعوته ، كلمّا سألتُ أحدَ الكهول : لمن يعود الفضل في معرفتك القراءة والكتابة ؟
أجابني بكلمات يطير منها الدعاء والثناء للشيخ سلمان- رحمه الله -
* * *
كم كنتُ حزيناً لأنّ عيني لم تكتحلْ برؤيته , ولم يسعدْ قلبي بتقبيل قلبه ، لكن حسبي إني عرفتُ دعوته , وحبه للكتاب والسنة تزهر في حديقة الثناء والقلوب .
عندها صعدتُ على سلّم الأمل, انظرُ من شرفه أحلامي , وأهزُّ رأسي وأردّد: يموت الناس ويبقى أهل العلم منهم احياء! ,حيث منحهم علمهم حياة من حياته ، فصاروا به أحياء فغدتْ نجومهم عالية سائرة , تعانق السماء, وتحلّق أنوارها فوق الأرض , فهم وسط بين السماء والأرض , لأنهم زينة السماء وهداية الأرض .
ولذلك فانّ الله رفع لأهل العلم ذكرهم في الدنيا والآخرة , قال الله تعالى
(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ..) المجادلة اية 11
* * *
أربعون سنة مضتْ في دعوة الشيخ سلمان رحمه الله , لم يتوقفْ صوته عن الدعوة في رسب . حتى ألِفتْ الارض صوتة , وعشقت الجبال كلماته , وعجبتْ الناس بثبات الشيخ وصبره ،لم يعقدْ ولا مرة هدنه مع اليأس ، بل اشعل الحرب عليه في كل حصونه , كلما سقط حصن هجم الشيخ على الحصن الثاني
حتى بعد أن كبر الشيخ ورقَّ عظمه , ووقفَ على عتبة الستين من العمر ، لم يستسلم يوماً واحداً للكسل واليأس ، بل كلما زحفتْ عليه جيوش اليأس دحرها بقذائف الدعاء ,
كلما حاصره الكلل والملل ، مزّقه بسيوف الصبر واليقين ، صبر على الدعوة وأذى الناس , وذويقين بان الله لن يخذل من قصده , وتوكّل عليه ، كنتُ أعلم انّ كل شيء في هذه الحياة سرعان ما يمضي ويُنسى ، الاما كان لوجه الله فانه باقٍِ ، ولو طارتْ رياح النسيان عابثة بأوراق صاحبها في كل مكان .
لكَ الله!! ياشيخ سلمان أتتكَ خيول الذكرى تنزلُ بساحتك , وتيممُ شاطئك, وهذه القلوب تمطرُ سماؤها دعاءً ورحمة, فتغطّي رياض حفرتك , وتملأ صفحات قلبك شكرأً وعرفانا .
سافرتَ إلى بعيد إلى ارض الحرمين , وهناك سارتْ أقدامك مع الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - حتى أصبحتَ واحداً من تلاميذه , فسالت عيون قلبك آسىً وحزناً ,على غرقِ بلدك في أوحال الجهل والشركيات ، فصار قلبك لأهل رسب كقلب الأم على طفلها الصغير الشارد, فرجعتَ إليهم مسرعاً تخطُّ الأرض خطاً, وتحملُ قلبك في يديك, تطير به في جبال حضرموت وشعابها , تسابق العِيس للوصول إلى أرضك , لتمسح عن وجهها غبار الجهل, الذي دفنت تحت ركامه, فزّينت بدعوتك وجهها, وغسلّتَ بعلمك أدران جهلها, وقلّمتَ بالتوحيد أظافر الشرك فيها.
فضحك التوحيد فيها فخراً ، واندحر الشرك منها دحراً ,
*********
لقد تعمّقّت قبل قدومك في رسب الشركيات, حتى أوقف الناس حاجاتهم بأصحاب الأضرحة والقباب, فتر اهم يذبحون لها وبها يستغيثون , وعند الحاجة والكربة يلجؤون , فكم من مريض يسحب أقدامه ، ويعلّق آماله ، ويمرّغ ُعيونه في ترابها, طالباً منها الشفاء وراجياً منها العافية , لم يأتِ إليها فرداً بل جاء بقربان من الغنم , يذبحها بجوار صاحب الضريح برهاناً على حاجته ,وصدقَ ولائه للأولياء .
وكم من إمرأة لم تحبلْ واعياها اليأس بالولد , فكابدت ليل الهم ، وأثقلتها جبال الأحزان , حتى تكادُ تسمع فرقعة قلبها كمداً واسىً , عندها قررت و استقرتْ على رأيِ واحد, أن تسيرَ بقلبها وقربانها , تسكبه فوق أحجار جامدة , وأجداث هامدة , فإذا وصلتْ إلى قبر الولي : خلعتْ له جلباب حاجتها, وعرّت بين يديه فاقتها , ونادتْ بصوتٍ غلّفته الدموع : ياوليَّ الله يامولى المحيجر, أسالك الولد ,ولك ما تشاء من الرفد, رجوتك يا حامي البلد , أنْ لاتحرمني من الولد, ثم تنهال سيول دموعها دافنة خدودها في حفر عميقة من الدموع , وبجانب الضريح الآخر محتاجٌ آخر يدعوة بحرقة ولهفة , حتى غرقتْ رسب-كبقية حضرموت- بين الأضرحة والقباب.
كلمّا احتاجوا شيئاً هرعوا زرفاتٍ ووحداناً مع القرابين إلى أصحاب القباب , وانْ تأخر المطر , واحتاجوا القطر , عندها اجمعوا أمرهم أنه لا مناص ولامخرج لهم مما هم فيه , الا بدعاء الأولياء والاضرحة .
فهرعوا إليها يزٍّفون , ويذ بحون لها وينحرون ,وكلما نزلتْ قطرة زحفت قلوبهم نحو الأولياء , مضتْ على هذا رسب ردحاً من الزمن ,رايات التوحيد فيها منكّسة , وأعلام الشرك فيها مرفرفة , فوفّق الله الشيخ سلمان ليكون داعية التوحيد فيها , لم تسكتْ لسانه عن الدعوة حتى تهاتفت القباب مكّسرة من القلوب , ثم أكمل هدمها مع طلابه من العيون, وهم يرددون بصوت واحد (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً{81) الإسراء
*******
ومضى الشيخ سلمان في هدمها وإزالتها , حتى لم يبقَ حجراً إلا رماه في بئر النسيان , فتوقفت دعوة القبور في رسب وعبادتها , وبكى الناس فيها فرحاً بدعوة التوحيد , التي حرموا منها لسنواتِ قحطٍ خلتْ بهم, وعلموا أنّ الله اراد بهم خيراً ,فعلّم واحداً من أبنائهم ليكون سبباً في نجاتهم من الشرك , وسعادتهم بالتوحيد, فعندها ركبوا طوعاً في سفينة التوحيد , ونجوا من طوفان الشرك , وفتحوا عيونهم فرأو أمامهم برَّ الأمان , تلوح اعلامه مرّحباً بهم, بعد أن نجوا من أمواج الشرك المتلاطمة,واقبل الشيخ سلمان - رحمه الله بدعوة التوحيد لم يتركْ مجلساً لهم ولا مناسبة ، إلا وقف فيه ناصحاً ومرشداً .
لم تقفْ دعوة الشيخ سلمان رحمه الله إلى هنا , بل كان لزاماًعليه أن يحارب اصنافاً من الناس , أفسدوا في الأرض , واستولوا على قلوب أهل رسب, فأصبح أناس بهم متعلقون, ولأ بوابهم يطرقون ,يطلبون منهم العافية والشفاء, فا ستغلوا خداعاً تلك القلوب المريضة, التي نخر فيها الجهل حتى النخاع , فجعلوا يتظاهرون للناس بأنهم يشفون من الأمراض –في زمن خالٍ من المستشفيات - فتزاحم الناس على بيوتهم , فهذا مسحور , وذاك معيون , وهذا يشكو ضيقاً, والآخر يشكو زوجته , والآخرى تشكو زوجها ، نزلتْ حوائجهم المتفرقة بذلك الشيخ المزعوم . الذي اتكئ على السحر , وتعاقد مع الجن , والناس إليه يقبلون ,وبالأموال والهدايا يغدقون ,فاقبل الشيخ سلمان -رحمه الله - كالفجر الذي يمزّقُ أثوابَ ليل مظلم , تقدّم إلى أهل رسب , وهم يتخبطون في الدجاجير, ويتيهون في الغياهب ,ناداهم بصوت أندى من القطر, وأحلى من الشهد
,( يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{31} الاحقاف
رفع في يديه مصباح التوحيد المزهر , فرأى الناس النور تداعب بشاشته العيون , فطاروا إليه فحلّق بهم في سماء التوحيد الفسيحة, وجعل يقرأ على مسامعهم قول الله تعالى (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ{39} مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ{40} وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ{41} تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ{42} لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ{43} فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِير بالعباد ) ثم انثنى فيه منادياً وداعياً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ{24} الانفال
فلما سمعوا داعي الله فيهم يصدح ، أقبلتْ القلوب إلى ربها راغبة , وأزيلت الغشاوة من العيون, واقبل الشيخ سلمان بعزم وحزم ليؤسّسَ لهم أول وأعظم بناء تشهده رسب , لم تشهد قبله أعظم منه , أنه بناء المسجد ،( مسجد دبي ) أول مساجد رسب , لم يكن أحدٌ ينكر في رسب أن الفضل اولاً لله سبحانه وتعالى في بناء المسجد ، ثم للشيخ سلمان رحمه الله الذي امتطى صهوة التوحيد داعياً وناصحاً ,وأصبح هو أول إمام وخطيب للجمعة والعيدين, لم يمتْ الشيخ رحمه الله حتى تناثرت عشرات المساجد في رسب .
************
انه الشيخ سلمان - رحمه الله - الرجل الذي قيل عنة أربعون سنة لم تتوقفْ دعوته وتعليمية في رسب, حتى قال أحدهم ( لم أغبط ْ أحداً في رسب إلا الشيخ سلمان أربعون سنة وصوته يعطّر أرجاء رسب بدعوته المباركة) .
وعندما دخلتُ اليوم رسب بعد وفاة الشيخ سلمان -رحمه الله- ببضع سنين , وصفَ لي أ هلها سنوا ت عجاف من الجهل خلتْ بهم, ثم لفتَ نظري شدة تمسكهم بدعوة التوحيد, ورأيتُ قصور التوحيد شامخة في قلوبهم ، حتى رأيتهم يحاربون كل بدعة وشرك .
عندها تعجبتُ ! وقلتُ داعياً :اللهم أجزي الشيخ سلمان خير الجزاء على ماقدّم , وعندما اتمّ الشيخ بناء المسجد , بدأ يجّمع الناس من شتات البداوة وقساوتها , وبدأ يرفع صوته بالآذان الذي أمسى غريباً على الأسماع كغربة الدين في رسب , وعندما سمعته بصوت الشيخ سلمان كأنها استفاقت من رقاد عميق , واليوم أبصروا عيون الماء تجري نحوهم , فاقبلوا إليها مسرعين يشربون من ذلك الماء الرقراق , بعد أن كادوا يموتون عطشاً ,وروأالشيخ سلمان واقفاً في المسجد يعلّمهم الصلاة , ووقف بين أيديهم يركع ويسجد , وهم ينظرون إليه بشوق ولهفة, لتعلّم الصلاة وصفَّ بهم اماماً يصلي بهم, وراحوا يتابعونه في سكون بعد أن اندرستْ معالم الصلاة عندهم ,. واصبح من يصليها قلة, وربما لايحسن حتى قراءة الفاتحة , وجلس الشيخ سلمان بعد الصلاة يعلّمهم القران والقراءة والكتابة , حتى أصبح يتزايد عدد المصلين يوماً بعد يوم كلما سمعوا الأذان .
وبدأ الشيخ سلمان يسقي شجرة الإيمان في قلوبهم بماء التوحيد , حتى سمقت , وازينت خضرة وصفاءً, وبدأت تلقي بظلالها على الأرض , وتسبح أغصانها إلى السماء .
واستمرّ الشيخ سلمان - رحمه الله- في تعليم قومه الصيام بعد الصلاة والتوحيد, وخجلوا من أنفسهم وعلى شهور من الصيام ضاعت في أكل وشرب, واليوم جاء الشيخ سلمان -رحمه الله - لينشرَ على رسب نفحات رمضان وظلاله, فذاقوا لذة الصيام , وسالت على ألسنتهم حلاوة التراويح ,فأشرقت نور الطاعة في وجوههم. تبدّدُ ليل رسب الطويل ,وتحررت قلوبهم من رقِّ العبيد إلى دعاء رب العبيد , وأبحرت سفينة رسب تمخر عباب بحر الأيام, حتى إذا اقتربت من الشاطئ رأيتُ شراعها المميز يرقص مع الرياح , كلما دفعته للإمام عاد واتكئ على صدرها فأرجعها إلى الخلف , فهما دائماً في مزاح ولعب !!, نظرت ُ ليلة إلى القمر في رسب فرأيته يغازل السحاب , ويلقي سربالاً من الهدوء خيّم ظلاله على بيوت رسب المتواضعة .
لا ينزاح عنها إلا إذا هجمت عليه أشعة أشمس الملتهبة , تمزّق أوصال ذلك الهدوء , وتحوّلُ رسب إلى حركة دؤوبة من العمل والعطاء .
* * *
ويوماً صعد الشيخ سلمان -رحمه الله- فسمع صوتاً ذميماً, ورأى منظراً قبيحاً ,أنهم رجال ونساء يدورون في رقص كما يدور الرحى , فاقبل إليهم مسرعاً وضع يده على فم تلك المزامير والطبول فاحتزَّ لسانها, ومزّق أوتارها , وأرشدهم أنَّ الغناء صوت الشيطان الرجيم, ثم راح يرتل عليهم في وقاروخشوع
(وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً{64} اخبروه أنها عادة سرتْ في عروقهم كسريان الدم , وأنهم لن يستطيعوا أن يتوقفوا عن هذه ( الشروحات ), فاخبرهم انّ من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه, فتوقفوا عن هذه العادة القبيحة طاعة لله سبحانه وتعالى .
ونجح الشيخ سلمان - بفضل الله- في القضاء على هذه العادة , والكثير من العادات الأخرى القبيحة , بعد أن تقلّبت أرواحهم في رياض التوحيد فسمت نحو السماء .
*** ***
ياشيخ سلمان ستظلُّ تشكرك القلوب, وتذكرك الالسن, ولن تغيبَ عن خيالها , ولوغابَ جسمك في صُدع من الأرض .
يا شيخ سلمان أربعون سنة حوّلت جفاف رسب ربيعاً وخضرة , قسّمت حياتك وعمرك في الخير , فجّمع الله أوراقك المتناثرة بذكر حسن ولسانَ صدق بعد الموت .
ذهبتَ يا شيخ سلمان إلى ربك ,وأهل رسب جميعهم يشهدون لك بالخير , وانا اليوم أتيتُ بعد وفاتك بسنين, أشهدُ لك كذلك بالخير, ومن تداعبُ عيونه صفحاتي , سيشهد لك كذلك بالخير, وأيُّ خير أعظم من دعوة التوحيد ؟!! كنتُ اسمع يا شيخ سلمان أنّ الله رزقك هيبة في القلوب , شهد بها كل من رآك حتى لكأنك ابن طهيش شيخ القبيلة !.
* * * *
وفي عام 1421هـ وفي زيارة قصيرة للشيخ سلمان إلى بعض أرحامه , في وادي ا بن علي بمديرية شبام, لم يكن الشيخ يعلم إنها رحلة الوداع والفراق ,وعندما استيقظ الصباح من يوم السبت بدأ يتقيأ, وضعفت حركته, اُسعف عندهاسريعاً إلى مستشفى سيؤن العام , وهناك على سرير المستشفى رفع إصبعه بالشهادة , وفاضت روحه إلى بارئها في هدوءً وسكون, أغلقت معها ديوان حياته الدعوية الحافلة , والتي تقطر صفاء ونصاعة, ,ونصيحة وصدقا, وحملت جنازته من سيؤن إلى مسقط رأسه رسب, وبعد صلاة العصر صُلىَّ عليه صلاة الجنازة في تزاحم كبير أختلط فيه البشر بالحديد, حتى أنّ رسب لم تشهد جمعاً في جنازة أكثر من جنازته! , ودُفِنَ في قبره ,غير أنّ سيرته ودعوته حيّة في قلوبنا لم تدفنْ ولن تدفنَ -بإذن الله -, بل بقيتْ ارثاً يتداوله أجيال رسب, ومات الشيخ سلمان - رحمه الله- وهوقرير العين بعد ان ترك رسب تنعم بدعوة التوحيد ,
*************
رحلتَ يا شيخ سلمان وفي القلب من فراقك حرقة وآسىً , وفي الحلق غصّة وشجىً, كلما هبتْ ريح الصبا حملتْ شذا عبيرك المترنمِ ,يداعب القلوب,ويغازل العيون, لن تنساك رسب , وستبقى تذكرك بالدعوات, وتمطرك سحائبها بالرحمات,
رحمك الله يا شيخ سلمان يا داعية التوحيد في رسب, وجمعنا الله بك في جنات الخلود مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

الخاتمة
إني أهديتُ للأجيال في حضرموت قارورة عطر , من حياة الشيخ سلمان رحمه الله ,بعد أن دفنت في لحد النسيان, إني اغرسُ اليوم حروفي في بستان دعوته المباركة, التي أينعت وازهرت وآتت أكلها ضعفين , كم كنتُ اعلم يقيناً أنّ هناك الكثير من أمثال الشيخ سلمان, كانوا يوماً نجوماً زاهرة للدعوة في حضرموت , صارت اليوم حياتهم منسيّة, وسقطتْ سيرتهم من يد الزمن , وتهافتتْ أرضة الإهمال فأكلتْ ما بقيَ من تلك الأوراق الخضراء, ولكن كتب الله لهذا الأقلام أن تتشرّف بالكتابة والحديث عن واحدٍ منهم وما أجمل قول القائل :
كرر علينا حديثهم يا حادي ** فحديثهم يجلوا الفؤاد الصادي
ومن هؤلاء الشيخ سلمان رحمه الله , الذي استضاءت رسب بأنوار دعوته
رحمك الله ياشيخ سلمان ما برقٌ هما, وزرع نما, وبلبل قدغرداً

كتبه:
ابوسعدالنشوندلي
رسب-مديرية ساه
7/6/1430
[email protected]
حضرموت
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas