لماذا لا يصنعون أدوية للفقراء!؟

[الدكتور أحمد باذيب]

يتجاوز عدد سكان العالم اليوم 6,5 مليارات نسمة (جميعهم بلا استثناء) أصيبوا بالبرد أو الزكام خلال الثلاثة أعوام الماضية.. وبناء عليه تخيل ضخامة السوق التي يصنعها الزكام في أي دولة (... رغم عدم اكتشاف علاج له حتى الآن)!!

وفي المقابل توجد أمراض نادرة - أو منحسرة - لدرجة أن شركات الأدوية تتجاهلها عمدا بسبب سوقها الصغير أو أرباحها الضئيلة.. وحتى في حالة انتشارها قد يتم تجاهلها عمدا كونها تتركز في الدول الفقيرة فقط (حيث القوة الشرائية ضعيفة أو معدومة)... فمرض الإيدز مثلا - رغم شهرته العالمية - يتركز 95٪ من ضحاياه في الدول الفقيرة والنامية (حيث لاتغطي نسبة المبيعات نفقات الأبحاث). وكان رئيس مركز الأبحاث الفيدرالية في واشنطن قد اتهم (في ديسمبر 2005) شركات الأدوية الكبرى بالتهرب من إنتاج عقاقير ضد الإيدز والأمراض الاستوائية الخطيرة.. واعترف حينها بأن التكاليف الباهظة للأبحاث الطبية وعدم انتشار هذه الأمراض في الدول الثرية لايشجعان على تسويق العقاقير في الدول الفقيرة!!

.. ومقابل الهرب من الأسواق الفقيرة تضع شركات الأدوية نصب عينيها ثراء الأفراد في الدول الصناعية فتروج لمشاكل صحية بسيطة طمعا في اقتطاع جزء من الكعكة. وكان المرصد البريطاني للأبحاث الطبية قد اتهم وسائل الإعلام بالمساعدة على ترويج أمراض غير موجودة - أو تضخيم مشكلات صحية بسيطة - لتعزيز أرباح المعلنين (وهي شركات الأدوية في هذه الحالة).. وقال بأنه كثيرا ما تصور عوامل سلبية (كارتفاع الكوليسترول وهشاشة العظام وهبوط الضغط) على أنها مشاكل صحية خطيرة لخلق أسواق جديدة.. كما قد يتم تهويل حالات نادرة (مثل القولون العصبي وفرط التعرق وقدم الرياضي) لإنتاج عقاقير مكلفة لم يحتجها الناس من قبل..

... وأذكر شخصيا أن صحيفة الاندبندنت أجرت - قبل عام تقريبا - لقاء مع صيدلي مشهور (يدعى آلن روز) اعترف فيه بأن معظم الأدوية التي تنتجها الشركات الكبرى غير فعالة بشكل كامل أو جزئي.. وتأتي قوة هذا التصريح من حقيقة أن الدكتور آلن ساهم شخصيا في اكتشاف عقاقير مهمة ووصل الى منصب نائب رئيس شركة جلاسكو للأدوية (التي تعد من أكبر خمس شركات في العالم).. وخلال اللقاء ضرب مثلا بعقاقير الزهايمر التي تنتجها الشركة ولا تفيد سوى واحد من كل ثلاثة مرضى، وأدوية السرطان والإيدز التي لا تنفع إلا ربع المرضى، وأدوية الصداع النصفي والتهاب المفاصل والتهابات الأذن - ومعظم المضادات الحيوية - التي لاتفيد سوى نصف المرضى!!

... ومقابل هذا الاستغلال التجاري توجد منظمات صحية تطوعية تحاول تذكير الناس بوجود علاجات بديلة أقل كلفة وأكثر فعالية وأمنا.. فأدوية الكولسيترول المكلفة مثلا يمكن الاستعاضة عنها بالتحول ل «زيت الزيتون» ، وعقاقير منع التجلط الغالية يمكن استبدالها ب «أسبرين الأطفال» ، أما الضغط وتلف القلب ومشكلات السكري - ومعظم السرطانات - فيمكن تجاوزها بالتركيز على فيتامين «سي» و «بي» والأحماض الأمينية (الموجودة في عدد كبير من الأغذية البروتينية)!!

... ورغم أن أحدا لا يجرؤ على تجاوز وصفة الطبيب - أو منعك من تناول هذا الدواء أو ذاك - اسمح لي فقط بتذكيرك بأربع حقائق مهمة:

أن الحبة التي تتناولها في المساء تقف خلفها تجارة سنوية تفوق تجارة السلاح بعشرين مرة!

وأن آثارها الجانبية - وإضرارها بالأعضاء السليمة - قد يفوق تأثيراتها الإيجابية بمراحل!

وأن هناك ثلاثة أو أربعة بدائل طبيعية يمكن أن تحل محلها (... من واجبك السؤال عنها)!

أما الحقيقة الرابعة فهي أن الأطباء أنفسهم قد يقعون ضحية لحملات الترويج التي توجهها نحوهم شركات الأدوية!

منقول