المحضار مرآة عصره (( رياض باشراحيل ))مركز تحميل سقيفة الشباميحملة الشبامي لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم
مكتبة الشباميسقيفة الشبامي في الفيس بوكقناة تلفزيون الشبامي

العودة   سقيفة الشبامي > الدين والحياه > السقيفه الرمضانيه
التعليمـــات روابط مفيدة Community التقويم مشاركات اليوم البحث


رساله واجازه في ابدعةلمولد النبوي

السقيفه الرمضانيه


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-10-2009, 03:36 PM   #1
القسام
شاعر السقيفه

افتراضي رساله واجازه في ابدعةلمولد النبوي

حكم الاحتفال بالمولد والرد على من أجازه - الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

--------------------------------------------------------------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وآله وصحبه.
أما بعد:
فإن مما أحدث بعد القرون المشهود لها بالخير بدعة الاحتفال بالمولد النبوي، وقد تجاهل محمد مصطفى الشنقيطي ذلك؛ حيث برر البدعة في مقالته المنشورة في جريدة (الندوة)
(عدد1112) الصادر في 7/4/1383 هـ بأمور:
أحدها: دعوى تلقي الأمم الإسلامية هذا الاحتفال بالقبول منذ مئات السنين.
الثاني: تقسيم العز بن عبد السلام البدعة إلى أحكام الشريعة الخمسة.
الثالث: قول عمر بن الخطاب في قضية التراويح: (نعمت البدعة).
الرابع: قول عمر بن عبدالعزيز: (تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور).
الخامس: دعوى الكاتب: أن في إقامة الاحتفال بالمولد صون عرض المملكة العربية السعودية عن أن تنسب إلى تنقص النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يذاع عنها تنقصه وإحراق كتب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
فلهذا وجب نقض هذه الشبه التي أتي بها هذا الشخص أولاً، وبيان حكم المولد ثانياً.
فنقول وبالله التوفيق:
أما دعوى الشنقيطي: أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي- وإن كان بدعة- فقد تلقته الأمة بالقبول، فمن أقوى الأدلة على جهالته؛ لأمور:
أحدها: أن الأمة معصومة من الاجتماع على ضلالة، والبدعة في الدين بنص الأحاديث النبوية ضلالة، فمقتضى كلام الشنقيطي: أن الأمة اجتمعت في قضية الاحتفال بالمولد على ضلالة.
الثاني: أن الاحتجاج على تحسين البدع بهذه الدعوى ليس بشيء في أمر تركته القرون الثلاثة المقتدى بهم، كما بينه الشاطبي في "الاعتصام" نقلاً عن بعض مشايخه، ثم قال: (ولما كانت البدع والمخالفات وتواطأ الناس عليها صار الجاهل يقول: لو كان هذا منكراً لما فعله الناس)، ثم قالنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةوما أشبه هذه المسألة بما حُكي عن أبي علي بن شاذان بسند يرفعه إلى أبي عبدالله ابن إسحاق الجعفري قال: كان عبدالله بن الحسن- يعني: ابن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم- يكثر الجلوس إلى ربيعة، فتذاكروا يوماً، فقال رجل كان في المجلس: ليس العمل على هذا، فقال عبدالله: أرأيت إن كثر الجهال حتى يكونوا هم الحكام أفهم الحجة على السنة ؟ فقال ربيعة: أشهد أن هذا كلام أبناء الأنبياء).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم": (من اعتقد أن أكثر هذه العادات المخالفة للسنن مجمع عليها بناءً على أن الأمة أقرتها ولم تنكرها فهو مخطئ في هذا الاعتقاد، فإنه لم يزل في كل وقت من ينهى عن عامة العادات المستحدثة المخالفة للسنة)، قالنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةولا يجوز دعوى إجماع بعمل بلد أو بلاد من بلدان المسلمين، فكيف بعمل طوائف منهم !) قالنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةوإذا كان أكثر أهل العلم لم يعتمدوا على عمل أهل المدينة وإجماعهم في عصر مالك، بل رأوا السنة حجة عليهم كما هي حجة على غيرهم مع ما أٌتوه من العلم والإيمان، فكيف يعتمد المؤمن العالم على عادات أكثر من اعتادها عامة، أو من قيدته العامة، أو قوم مترئسون بالجهالة لم يرسخوا في العلم، ولا يعدون من أولي الأمر، ولا يصلحون للشورى، ولعلهم لم يتم إيمانهم بالله وبرسوله، أو قد دخل معهم فيها بحكم العادة قوم من أهل الفضل عن غير روية أو لشبهة، أحسن أحوالهم فيها أن يكونوا فيها بمنزلة المجتهدين)، ثم ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: أن الاحتجاج بمثل هذه الحجة - وهي دعوى الإجماع على العادات المخالفة للسنة - ليس طريقة أهل العلم؛ لكن لكثرة الجهالة قد يستند إلى مثلها خلق من الناس حتى من المنتسبين إلى العلم والدين، وذكر أن الاستناد إلى أمور ليست مأخوذة عن الله ولا رسوله ليس من طريقة أولي العلم والإيمان، ثم قالنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةوالمجادلة المحمودة إنما هي بإبداء المدارك وإظهار الحجج التي هي مستند الأقوال والأعمال، وأما إظهار الاعتماد على ما ليس هو المعتمد في القول والعمل فنوع من النفاق في العلم والجدل والكلام والعمل).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاقتضاء": (ما أكثر ما قد يحتج بعض من يتميز من المنتسبين إلى علم أو عبادة بحجج ليست من أصول العلم التي يعتمد في الدين عليها).
وذكر أن التعلق في تحسين البدع بما عليه الكثير من الناس إنما يقع ممن لم يحكم أصول العلم؛ فإنه هو الذي يجعل ما اعتاده هو ومن يعرفه إجماعاً، وإن لم يعلم قول سائر المسلمين في ذلك ويستنكر تركه.
وذكر الشاطبي في "الاعتصام": أن منشأ الاحتجاج بعمل الناس في تحسين البدع الظن بأعمال المتأخرين وإن جاءت الشريعة بخلاف ذلك، والوقوف مع الرجال دون التحري للحق.
الأمر الثالث: ما سنذكره عن علماء المسلمين من احتواء الاحتفال بالمولد على المحرمات، وبيان أن ما لم يحتو على المحرمات منه بدعة.
وأما تقسيم الشنقيطي البدعة إلى أحكام الشريعة الخمسة، وتمثيله للبدعة الواجبة بنقط
حروف القرآن وتشكيلها وبناء مدارس العلم.
فالجواب عنه: أن هذا التقسيم في غاية المناقضة لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة ، وفي رواية النسائي: وكل ضلالة في النار وروى أصحاب السنن عن العرباض بن سارية، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عَضُّو عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاقتضاء"نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةلا يحل لأحد أن يقابل هذه الكلمة الجامعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلية، وهي قوله: كل بدعة ضلالة بسلب عمومها، وهو أن يقال: ليست كل بدعة ضلالة، فإن هذا إلى مشاقة الرسول أقرب منه إلى التأويل)، وقالنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةإن قصد التعميم المحيط ظاهر من نص رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة الجامعة، فلا يعدل عن مقصوده بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم)، وذكر شيخ الإسلام: أن تخصيص عموم النهي عن البدع بغير دليل من كتاب أو سنة أو إجماع لا يقبل، فالواجب التمسك بالعموم.
وقال الشاطبي في "الاعتصام" في رد تقسيم البدعة إلى أحكام الشرع الخمسةنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةأن هذا التقسيم أمر مخترع، لا يدل عليه دليل شرعي)، قالنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةهو- أي: هذا التقسيم- في نفسه متدافع؛ فإن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي؛ لا من نصوص الشرع ولا من قواعده، إذ لو كان هناك من الشرع ما يدل على وجوب أو ندب أو إباحة؛ لما كان ثم بدعة، ولكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها، أو المخير فيها. فالجمع بين كون تلك الأشياء بدعاً، وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متناقضين.
أما المكروه منها والمحرم؛ فمسلم من جهة كونها بدعاً لا من جهةٍ أخرى، إذ لو دل دليل على منع أمر أو كراهته؛ لم يثبت ذلك كونه بدعة؛ لإمكان أن يكون معصية كالقتل والسرقة وشرب الخمر ونحوها، فلا بدعة يتصور فيها ذلك التقسيم إلا الكراهية والتحريم ).
وممن تعقب تقسيم العز بن عبد السلام البدعة إلى أحكام الشريعة الخمسة العلامة زروق في "شرح رسالة القيرواني"، قال بعد ذكر هذا التقسيمنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةقال المحققون: إنما تدور- أي البدعة- بين محرم ومكروه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكلام العلماء في رد هذا التقسيم كثير.
وأما التمثيل بنقط المصحف وتشكيله وبناء المدارس للبدعة الواجبة فليس بمسلم؛ لأن ما ذكر ليس من البدعة في الدين، فإن نقط المصحف وتشكيله إنما هما لصيانة القرآن من
اللحن والتحريف، وهذا واجب شرعاً. وأما بناء المدارس للعلم فيقول الشاطبي في "الاعتصام"رداً على التمثيل به للبدعة ما نصه:
(أما المدارس؛ فلا يتعلق بها أمر تعبدي يقال في مثله: بدعة؛ إلا على فرض أن يكون من السنة أن لا يقرأ العلم إلا في المساجد، وهذا لا يوجد، بل العلم كان في الزمان الأول يبث بكل مكان؛ من مسجد، أو منزل، أو سفر، أو حضر، أو غير ذلك، حتى في الأسواق فإذا أعد أحد من الناس مدرسة يعين بإعدادها الطلبة؛ فلا يزيد ذلك على إعداده له منزلا من
منازله، أو حائطاً من حوائطه، أو غير ذلك، فأين مدخل البدعة ههنا؟!
وإن قيل: إن البدعة في تخصيص ذلك الموضع دون غيره، فالتخصيص هنا ليس بتخصيص تعبدي، وإنما هو تعيين بالحبس كما تتعين سائر الأمور المحبسة).
وأما استدلال الشنقيطي على أن البدعة في الدين تكون حسنة بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قضية التراويحنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةنعمت البدعة هذه) فاستدلال ليس في محله، فإن عمر لم يقصد بذلك تحسين البدعة في الدين.
قال الشاطبي في "الاعتصام": (إنما سماها بدعة باعتبار ظاهر الحال من حيث تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتفق أن لم تقع في زمان أبي بكر رضي الله عنه لا أن هذه بدعة من حيث المعنى، فمن سماها بدعة بهذا الاعتبار فلا مشاحة في الأسامي)، قال: (وعند ذلك فلا يجوز أن يستدل بها على جواز الابتداع بالمعنى المتكلم فيه؛ لأنه نوع من تحريف الكلم عن مواضعه).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم": (أما قول عمرنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةنعمت البدعة هذه) فأكثر المحتجين بهذا؛ لو أردنا أن نثبت حكماً بقول عمر الذي لم يخالف فيه؛ لقالوانقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةقول الصاحب ليس بحجةٍ)، فكيف يكون حجة لهم في خلاف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! ومن اعتقد قول الصاحب حجة؛ فلا يعتقده إذا خالف الحديث. فعلى التقديرين: لا تصلح معارضة الحديث بقول الصاحب). ثم قالنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةثم نقول: أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعةً، مع حسنها، وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداءً من غير مثال سابق، وأما البدعة الشرعية؛ فكل ما لم يدل عليه دليل شرعي).
ثم قالنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةفإذا كان نص رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دل على استحباب فعلٍ، أو إيجابه بعد موته،
أو دل عليه مطلقاً، ولم يعمل به ألا بعد موته، ككتاب الصدقة الذي أخرجه أبوبكر رضي الله عنه، فإذا عمل أحد ذلك العمل بعد موته، صح أن يسمى بدعة في اللغة؛ لأنه عمل مبتدأ. قال: وقد علم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: كل بدعةٍ ضلالة لم يرد به كل عمل مبتدأ؛ فإن دين الإسلام، بل كل دين جاءت به الرسل؛ فهو عمل مبتدأ، وإنما أراد ما ابتدئ من الأعمال التي
لم يشرعها هو صلى الله عليه وسلم). قالنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةوإذا كان كذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادى، وقد قال لهم في الليلة الثالثة أو الرابعة لما اجتمعوا: إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن يفرض عليكم، فصلوا في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ، فعلل صلى الله عليه وسلم عدم الخروج بخشية الافتراض، فعلم بذلك أن المقتضي للخروج قائم، وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم، فلما كان في عهد عمر؛ جمعهم على قارئ واحدٍ، وأسرج المسجد فصارت هذه الهيئة- وهي اجتماعهم في المسجد وعلى إمامٍ واحدٍ مع الإسراج- عملاً لم يكونوا يعملونه من قبل، فسمي بدعةً؛ لأنه في اللغة يسمى بذلك، وإن لم يكن بدعةً شرعيةً، لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح لولا خوف الافتراض، وخوف الافتراض زال بموته صلى الله عليه وسلم، فانتفى المعارض).
وقال شيخ الإسلام أيضاً في "الاقتضاء": (أما صلاةَ التراويح فليست بدعةً في الشريعة، بل هي سنة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله، فإنه قال: (إن الله فرض عليكم صيام رمضان، وسننت لكم قيامه)، ولا صلاتها جماعة بدعة، بل هي سنة في الشريعة، بل قد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجماعة في أول شهر رمضان ليلتين، بل ثلاثا. وصلاها أيضاً في العشر الأواخر في جماعة مرات، وقال: إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ، لما قام بهم حتى خشوا ان يفوتهم الفلاح) رواه أهل السنن، وبهذا الحديث احتج أحمد وغيره على أن فعلها في الجماعة أفضل من فعلها في حال الانفراد.
وفي قوله هذا ترغيب في قيام شهر رمضان خلف الإمام، وذلك أوكد من أن يكون سنة مطلقاً، وكان الناس يصلونها جماعة في المسجد على عهده صلى الله عليه وسلم و يقرهم، وإقراره سنة منه صلى الله عليه وسلم).
وأما استدلال الشنقيطي على استحسان الابتداع في الدين بما عزاه إلى عمر بن عبد العزيز أنه قالنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةتحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور) يقصد الشنقيطي بذلك: القياس، أي: فكذلك تحدث لهم مرغبات في الخير بقدر ما أحدثوا من الفتور.
فقد أجاب الإمام الشاطبي في "الاعتصام" عن هذا الاستدلال بأمور:
أولها: أن هذا قياس في مقابلة النص الثابت في النهي عن الابتداع، وهو من باب فساد الاعتبار.
الثاني: أن هذا قياس على نص لم يثبت بعد من طريق مرضي.
الثالث: أن هذا الكلام على فرض ثبوته عن عمر بن عبد العزيز لا يجوز قياس إحداث العبادات عليه؛ لأن كلام عمر إنما هو في معنى عادي يختلف فيه مناط الحكم الثابت فيما تقدم؛ كتضمين الصناع، أو الظنة في توجيه الأيمان دون مجرد الدعاوى، فيقول: أن الأولين توجهت عليهم بعض الأحكام لصحة الأمانة والديانة والفضيلة، فلما حدثت أضدادها أختلف المناط، فوجب اختلاف الحكم، وهو حكم رادع أهل الباطل عن باطلهم، فأثر هذا المعنى ظاهر مناسب، بخلاف ما نحن فيه فإنه على الضد من ذلك، ألا ترى أن الناس إذا وقع فيهم الفتور عن الفرائض فضلاً عن النوافل- وهي ما هي من القلة والسهولة- فما ظنك بهم إذا زيد عليهم أشياء أخرى يرغبون فيها ويحضون على استعمالها، فلا شك أن الوظائف تتكاثر حتى تؤدي إلى أعظم من الكسل الأول وإلى ترك الجميع، فإن حدث للعامل بالبدعة هو في بدعته أو لمن شايعه فيها فلا بد من كسله عن ما هو أولى، قال: فصارت هذه الزيادة عائدة على ما هو أولى منها بالإبطال أو الإخلال، وقد مر أنه ما من بدعة تحدث إلا ويموت من السنة ما هو خير منها.
الرابع: أن هذا القياس مخالف لأصل شرعي، وهو طلب النبي صلى الله عليه وسلم السهولة والرفق والتيسير وعدم التشديد، فزيادة وظيفة لم تشرع تظهر ويعمل بها دائماً في مواطن السنن هي تشديد بلا شك، فليس قصد عمر بن عبد العزيز بهذا الكلام على فرض ثبوته عنه فتح السبيل إلى إحداث البدع.
وقال العلامة قاسم بن عيسى بن ناجي المالكي في "شرح رسالة القيرواني" في معنى (تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور) قال: (معناه: ما أحدثوا من الفجور مما ليس فيه نص)، وقال: قال التقي السبكي في الكتاب الذي ألفه في شأن رافضي جاهر بلعنة أبي بكر الصديق، وقال فيه: عدو الله، فقتله القاضي المالكي، قال في هذه الكلمة بعدما عزاها إلى مالك بن أنس بلفظ: (يحدث للناس أحكام بقدر ما يحدثون من الفجور): لا نقول إن الأحكام تتغير بتغير الزمان، بل باختلاف الصورة الحادثة، فإذا حدثت صورة على صفة خاصة علينا أن ننظر فيها، فقد يكون مجموعها يقتضي الشرع له حكماً، على هذا حمل التقي السبكي هذه الكلمة، وذكر أنها منطبقة على قضية الرافضي؛ لكون صورتها مجموعة من إظهار سب الصديق في ملأ من الناس ومجاهرته وإصراره عليه وإعلاء البدعة وغمض السنة، ونقل السيوطي هذا التأويل عن السبكي في "الحاوي".
ومن هذه النقول يعلم أن عمر بن عبد العزيز لم يقصد بهذه الكلمة فتح أي باب يناقض الشريعة، وكيف ينسب إلى عمر بن عبد العزيز فتح باب الابتداع في الدين، وهو الذي يقول حينما بايعه الناس بعدما صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه: (يا أيها الناس، إنه ليس بعد نبيكم نبي، ولا بعد كتابكم كتاب، ولا بعد سنتكم سنة، ولا بعد أمتكم أمة، ألا وإن الحلال ما أحله الله في كتابه على لسان نبيه حلال إلى يوم القيامة، ألا وإن الحرام ما حرم الله في كتابه على لسان نبيه حرام إلى يوم القيامة، ألا وإني لست بمبتدع ولكني متبع).
وأما دعوى الشنقيطي: أن عدم احتفال المملكة السعودية بالمولد النبوي يعرضها إلى أن تُـنسب من قبل الدول الأخرى إلى تنقص الرسول صلى الله عليه وسلم وازدرائه حيث تحتفل بغيره ولا تحتفل لمولده، ويذاع عنها ذلك، كما يذاع عنها أنها تحرق كتب الصلاة عليه، فهذا من عندياته، وذلك لأمور:
أحدها: أن الحكومات الإسلامية كلها تعترف للحكومة السعودية بتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، مع
علمها بأنها لا تحتفل بالمولد النبوي مخافة من الابتداع، وأقرب شاهد في زماننا هذا على ذلك إقبال وفودها على المؤتمر الإسلامي الذي يعقد بمكة، فإنه لا يتصور ذلك الإقبال الشديد على من يتهم بما ذكره الشنقيطي، وكذلك على الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وتلك الإشاعات التي يشير إليها الشنقيطي إنما حاول المبطلون التنفير بها عن دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. وكان الشيخ يجيب عن كل ذلك بقولهنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةسبحانك هذا بهتان عظيم).
وكان يذكر أن ما ينسب إليه من إحراق كتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليس له أصل، إلا أنه نصح بعض من يتعلق بكتاب "دلائل الخيرات" بأنه لا يصير هذا الكتاب أجل في قلبه من كتاب الله، فيظن أن القراءة فيه أنفع من قراءة القرآن، ورغم هذه الافتراءات أبى الله إلا أن يظهر الحق ويبطل الباطل، ويعلي الدعوة التي حاول أولئك المبطلون التنفير عنها بمثل تلك الإشاعات الباطلة.
الثاني: أن القائل بـ: أن تارك الاحتفال بالمولد متنقص للنبي صلى الله عليه وسلم، إن أراد بقوله هذا أن
ذلك اعتقاد التارك فقد كذب وافترى، وإن أراد أن ذلك تنقيص للنبي عما يستحقه شرعاً فالمرجع في ذلك إلى الكتاب والسنة، وما عليه القرون المشهود لها بالخير فنحاكم كل من يطالبنا بهذا إلى ذلك، فإن جاء بدليل صحيح صريح، وإلا فنحن مستمسكون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل بدعة ضلالة ، وبما روى أبو داود في سننه، عن حذيفة رضي الله عنه قال: (كل عبادة لا يتعبدها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها، فإن الأول لم يترك للآخر مقالاً)،
ولا نصون أعراضنا في الدنيا بالتقرب إلى الله تعالى بما لم يشرعه.
الثالث: أن أكثر ما يقصد من تلك الاحتفالات التي تقام للرؤساء إحياء الذكرى، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال الله في حقه: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ )الانشراح:4، فذكره مرفوع في الأذان والإقامة والخطب والصلوات وفي التشهد والصلاة عليه وفي قراءة الحديث واتباع ما جاء به، فهو أجل من أن تكون ذكراه سنوية فقط، ولكن الأمر كما قال السيد رشيد رضا في كتابه "ذكرى المولد النبوي"‏ قال: (إن من طباع البشر أن يبالغوا في مظاهر تعظيم أئمة الدين أو الدنيا في طور ضعفهم- أي البشر- في أمر الدين أو الدنيا؛ لأن هذا التعظيم لا مشقة فيه على النفس ، فيجعلونه بدلاً مما يجب عليهم من الأعمال الشاقة التي يقوم بها أمر الدين أو الدنيا، وإنما التعظيم الحقيقي بطاعة المعظم، والنصح له، والقيام بالأعمال التي يقوم بها أمره ويعتز دينه إن كان رسولا، وملكه إن كان ملكا، وقد كان السلف الصالح أشد ممن بعدهم تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم ثم للخلفاء، وناهيك ببذل أموالهم وأنفسهم في هذا السبيل، ولكنهم دون أهل هذه القرون التي ضاع فيها الدين في مظاهر التعظيم اللساني، ولاشك أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم أحق الخلق بكل تعظيم، وليس من التعظيم الحق له أن نبتدع في دينه بزيادة أو نقص
أو تبديل أو تغيير لأجل تعظيمه به، وحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين فقد كان جل
ما أحدث أهل الملل قبلنا من التغيير في دينهم عن حسن نية.
ومازالوا يبتدعون بقصد التعظيم وحسن النية حتى صارت أديانهم غير ما جاءت به رسلهم، ولو تساهل سلفنا الصالح كما تساهلوا، وكما تساهل الخلف الذين اتبعوا سننهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع لضاع أصل ديننا أيضا، ولكن السلف الصالح حفظوا لنا الأصل، فالواجب علينا أن نرجع إليه ونعض عليه بالنواجذ) اهـ.
هذا مع أن الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان بطريق القياس على الاحتفالات بالرؤساء صار- أي النبي صلى الله عليه وسلم- ملحقاً بغيره وهذا ما لا يرضاه عاقل.
* حكم المولد:
قسم العلماء الاجتماع الذي يعمل في ربيع الأول ويسمى باسم: المولد إلى قسمين:
أحدهما: ما خلا من المحرمات فهو بدعة لها حكم غيرها من البدع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى": أما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي شهر رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال: عيد الأبرار- فإنها من البدع التي
لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها.
وقال في "الاقتضاء"نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةإن هذا- أي اتخاذ المولد عيداً- لم يفعله السلف، مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه)، وقالنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةولو كان هذا خيراً محضا، أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله r وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص).
وقال ابن الحاج في "المدخل"نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةفإن خلا- أي المولد- منه- أي من السماع وتوابعه - وعمل طعاما فقط، ونوى به المولد ودعا إليه الإخوان، وسلم من كل ما تقدم ذكره فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ إن ذلك زيادة في الدين ليس من عمل السلف الماضين، وإتباع السلف أولى، بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه، لأنهم أشد الناس اتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيما له ولسنته صلى الله عليه وسلم، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع، فيسعنا ما وسعهم، وقد علم ان إتباعهم في المصادر والموارد، كما قال الشيخ أبو طالب المكي- رحمه الله- في كتابه. وقد جاء في الخبر: لا تقوم الساعة حتى يصير المعروف منكراً والمنكر معروفاً ، وقد وقع ما قاله عليه الصلاة والسلام بسبب ما تقدم ذكره وما يأتي بعد؛ لأنهم يعتقدون أنهم في طاعة، ومن لا يعمل عملهم يرون أنه مقصر، فإنا لله وإنا إليه راجعون) اهـ.
وقال العلامة تاج الدين عمر بن علي اللخمي الإسكندراني المشهور بـنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةالفاكهاني) في رسالته في المولد المسماة بـ "المورد في عمل المولد"نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةلا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بِدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفسٍ اغتنى بها الأكالون، بدليل أنَّا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا: إما أن يكون واجباً، أو مندوباً، أو مباحاً، أو مكروهاً، أو محرماً.
وهو ليس بواجب إجماعاً، ولا مندوباً؛ لأن حقيقة الندب: ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشرع، ولا فعله الصحابة، ولا التابعون ولا العلماء المتدينون- فيما علمت- وهذا جوابي عنه بين يدي الله إن عنه سئلت. ولا جائز أن يكون مباحاً؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين. فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً، أو حراماً). ثم صور الفاكهاني نوع المولد الذي تكلم فيه بما ذكرنا بأنه: هو أن يعمله رجل من عين ماله لأهله وأصحابه وعياله، لا يجاوزون في ذلك الاجتماع على أكل الطعام، ولا يقترفون شيئاً من الآثام، قال: (فهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة وشناعة، إذ لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة، الذين هم فقهاء الإسلام وعلماء الأنام، سُرُجُ الأزمنة وزَيْن الأمكنة) اهـ.
ويرى ابن الحاج في "المدخل": أن نية المولد بدعة، ولو كان الاشتغال في ذلك اليوم بصحيح البخاري، وعبارتهنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةوبعضهم- أي المشتغلين بعمل المولد- يتورع عن هذا- أي سماع الغناء وتوابعه- بقراءة البخاري وغيره عوضاً عن ذلك، هذا وإن كانت قراءة الحديث في نفسها من أكبر القرب والعبادات وفيها البركة العظيمة والخير الكثير، لكن إذا فعل ذلك بشرطه اللائق به على الوجه الشرعي لا بنية المولد، ألا ترى أن الصلاة من أعظم القرب إلى الله تعالى، ومع ذلك فلو فعلها إنسان في غير الوقت المشروع لها لكان مذموماً مخالفاً، فإذا كانت الصلاة بهذه المثابة فما بالك بغيرها).هذا ما بينه المحققون في هذا النوع من المولد.
وقد حاول السيوطي في رسالته "حسن المقصد في عمل المولد" الرد على ما نقلناه عن الفاكهاني، لكنه لم يأت بشيء يقوى على معارضة ما ذكره الفاكهاني؛ فإنه عارضه بأن الاحتفال بالمولد النبوي إنما أحدثه ملك عادل عالم قصد به التقرب إلى الله، وارتضاه ابن دحية، وصنف له من أجله كتاباً وهذا ليس بحجة؛ فإن البدعة في الدين لا تقبل من أي أحد كان بنصوص الأحاديث، فلا يمكننا أن نعارض الأحاديث المحذرة من الابتداع في الدين بعمل أبي سعيد كوكبري بن أبي الحسن علي بن بكتكين الذي أحدث الاحتفال بالمولد في القرن السادس، وعدالته لا توجب عصمته.
وقد ذكر ابن خلكان أنه يحب السماع، وأما ابن دحية فلا يخفى كلام العلماء فيه، وقد اتهموه بوضع حديث في قصر صلاة المغرب كما في تاريخ ابن كثير.
وأما القسم الثاني من عمل المولد وهو: المحتوي على المحرمات، فهذا قد منعه العلماء وبسطوا القول فيه، وإليك بعض عباراتهم في ذلك:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في فتوى لهنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةفأما الاجتماع في عمل المولد على غناء ورقص ونحو ذلك واتخاذه عبادة، فلا يرتاب أحد من أهل العلم والإيمان في أن هذا من المنكرات التي ينهى عنها، ولا يستحب ذلك إلا جاهل أو زنديق).
وقال الفاكهاني في رسالته في المولدنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةالثاني- أي من نوعي عمل المولد- أن تدخله الجناية، وتقوى به العناية، حتى يعطي أحدهم الشيء ونفسه تتبعه، وقلبه يؤلمه ويوجعه؛ لما يجد من ألم الحيف، وقد قال العلماء رحمهم الله تعالى: أخذ المال بالحياء كأخذه بالسيف، لا سيما إن انضاف إلى ذلك شيء من الغناء مع البطون الملأى بآلات الباطل، من الدفوف والشبابات واجتماع الرجال مع الشباب المرد والنساء الفاتنات إما مختلطات بهم أو مشرفات ويرقصن بالتثني والانعطاف، والاستغراق في اللهو ونسيان يوم المخاف، وكذا النساء إذا اجتمعن على انفرادهن رافعات أصواتهن بالتهنيك والتطريب في الإنشاد، والخروج في التلاوة والذكر عن المشروع والأمر المعتاد، غافلات عن قوله تعالىنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةإِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ الفجر:14 .
وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان، ولا يستحسنه ذوو المروءة الفتيان، وإنما يَحِلُّ ذلك بنفوس موتى القلوب، وغير المستقلين من الآثام والذنوب، وأزيدك أنهم يرونه من العبادات لا من الأمور المنكرات المحرمات، فإن لله وإنا إليه راجعون، بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ. ولله در شيخنا القشيري حيث يقول فيما أجازناه:
قد عرف المنكر واستنكر الـ ـمعروف في أيامنا الصعبة
وصـار أهـل العلم في وهدةٍ وصار أهل الجهل في رتبة
حـادوا عن الحـق فما للذي ساروا به فيما مضى نسبة
فقلت للأبـرار أهـل التـقى والـدين لما اشتدت الكربة
لا تنكـروا أحوالكـم قد أتت نوبتكـم في زمن الغربـة
قال الفاكهانينقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةولقد أحسن أبو عمرو بن العلاء حيث يقول: لا يزال الناس بخير ما تعجب من العجب، هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم - وهو ربيع الأول- هو بعينه الذي توفي فيه، فليس الفرح بأولى من الحزن فيه، وهذا ما علينا أن نقول، ومن الله تعالى نرجو حسن القبول).
وقال الشيخ أبو الحسن ابن عبدالله بن الحسن النباهي المالقي الأندلسي في كتابه "المرتبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا" في ترجمة القاضي أبي عبدالله محمد بن عبد السلام المنستيرينقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةإن الأمير أبا يحيى استحضره مع الجملة من صدور الفقهاء للمبيت بدار الخلافة والمثول بين يديه ليلة الميلاد الشريف النبوي، إذ كان قد أراد إقامة رسمه على العادة الغريبة من الاحتفال في الأطعمة وتزيين المحل بحضور الأشراف، وتخير القوالين للأشعار المقرونة بالأصوات المطربة، فحين كمل المقصود من المطلوب، وقعد السلطان على أريكة ملكه ينظر في ترتيبه، والناس على منازلهم بين قاعد وقائم هز المسمع طاره، وأخذ يهنؤهم بألحانه، وتبعه صاحب يراعه كعادته من مساعدته، تزحزح القاضي أبو عبدالله عن مكانه، وأشار بالسلام على الأمير، وخرج من المجلس، وتبعه الفقهاء بجملتهم إلى مسجد القصر فناموا به، فظن السلطان أنهم خرجوا لقضاء حاجتهم، فأمر أحد وزرائه بتفقدهم والقيام بخدمتهم إلى عودتهم، وأعلم الوزير- الموجه لما ذكر- القاضي بالغرض المأمور به، فقال له: أصلحك الله، هذه الليلة المباركة التي وجب شكر الله عليها، وجمعنا السلطان- أبقاه الله- من أجلها لو شهدها نبينا المولد فيها صلوات الله وسلامه عليه لم يأذن لنا في الاجتماع على ما نحن فيه من مسامحة بعضنا لبعض في اللهو، ورفع قناع الحياء بمحضر القاضي والفقهاء، وقد وقع الاتفاق من العلماء على أن المجاهرة بالذنب محظورة، إلا أن تمس إليها حاجة؛ كالإقرار بما يوجب الحد أو الكفارة، فليسلم لنا الأمير- أصلحه الله- في القعود بمسجده هذا إلى الصباح، وإن كنا في مطالب أُخر من تبعات رياء ودسائس أنفس وضروب غرور، لكنا كما شاء الله في مقام الاقتداء، لطف الله بنا أجمعين بفضله. فعاد عند ذلك الوزير المرسل للخدمة الموصوفة إلى الأمير أبي يحيى وأعلمه بالقصة، فأقام يسيراً وقام من مجلسه، وأرسل إلى القاضي من ناب عنه في شكره وشكر أصحابه، ولم يعد إلى مثل ذلك العمل بعد، وصار في كل ليلة يأمر في صبيحة الليلة المباركة بتفريق طعام على الضعفاء، وإرفاق الفقراء؛ شكراً لله. انتهى كلام النباهي.
وقد ذكر ابن الحاج في "المدخل" مما احتوى عليه الاحتفال بالمولد في زمانه- فكيف بزماننا هذا- ما يلي:
1- استعمال الأغاني وآلات الطرب من الطار المصرصر والشبابة وغير ذلك.
قال ابن الحاجنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةمضوا في ذلك على العوائد الذميمة في كونهم يشتغلون في أكثر الأزمنة التي فضلها الله وعظمها ببدع ومحرمات)، وذكر ابن الحاج قول القائل:
يا عصبة ما ضر أمة أحمد وسعى إلى إفسادها إلا هي
طار ومزمار ونغمة شادنٍ أرأيت قـط عبادة بملاهي
2- قلة احترام كتاب الله عز وجل، فإنهم يجمعون في هذه الاحتفالات بينه وبين الأغاني، ويبتدئون به قصدهم الأغاني.
قال ابن الحاجنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةولذلك نرى بعض السامعين إذا طول القارئ القراءة يتقلقلون منه؛ لكونه طول عليهم ولم يسكت حتى يشتغلوا بما يحبونه من اللهو)، وقالنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةوهذا غير مقتضى ما وصف الله تعالى به أهل الخشية من أهل الإيمان؛ لأنهم يحبون سماع كلام مولاهم؛ لقوله تعالى في مدحهمنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةوَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)المائدة:83 ، فوصف الله تعالى من سمع كلامه بما ذكر، وبعض هؤلاء يستعملون الضد من ذلك، فإذا سمعوا كلام ربهم عز وجل قاموا بعده إلى الرقص والفرح والسرور والطرب بما لا ينبغي، فإنا لله وإنا إليه راجعون على عدم الاستحياء من عمل الذنوب، يعملون أعمال الشيطان، ويطلبون الأجر من رب العالمين، ويزعمون أنهم في تعبد وخير).
قالنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةويا ليت ذلك لو كان يفعله سفلة الناس، ولكن قد عمت البلوى، فتجد بعض من ينسب إلى شيء من العلم أو العمل يفعله، وكذلك بعض من ينتسب إلى المشيخة- أعني في تربية المريدين- وكل هؤلاء داخلون فيما ذكر، ثم العجب كيف خفيت عليهم هذه المكيدة الشيطانية والدسيسة من اللعين؟!).
الافتتان بالمردان؛ فإن الذي يغني في الاحتفالات ربما يكون شاباً نظيف الصورة حسن الكسوة والهيئة، أو أحداً من الجماعة الذين يتصنعون في رقصهم، بل يخطبونهم للحضور، فمن لم يحضر منهم ربما عادوه ووجدوا في أنفسهم عليه، وحضوره فتنة، سيما وهم يأتون إلى ذلك شبه العروس، لكن العروس أقل فتنة؛ لأنها ساكنة حيية، وهؤلاء عليهم العنبر والطيب يتخذون ذلك بين أثوابهم، ويتكسرون مع ذلك في مشيهم إذ ذاك، وكلامهم ورقصهم، ويتعانقون فتأخذهم إ ذاك أحوال النفوس الرديئة من العشق والاشتياق إلى التمتع بما يرونه من الشبان ويتمكن منهم الشيطان، وتقوى عليهم النفس الأمارة بالسوء، وينسد عليهم باب الخير سداً.
هذا بعض ما ذكره ابن الحاج من المحرمات التي تحصل في احتفال الرجال بالمولد.ثم ذكر من المفاسد المتعلقة بالنساء ما يلي:
1- افتتان الرجال بالنساء؛ لأن بعض الرجال يتطلع عليهن من بعض الطاقات والسطوح، وتزداد الفتنة برفع أصواتهن، وتصفيقهن بالأكف، وغير ذلك مما يكون سبباً إلى وقوع المفسدة العظمى.
2- افتتانهن في الاعتقاد؛ وذلك لأنهن لا يحضرن للمولد إلا ومعهن شيخه تتكلم في كتاب الله وفي قصص الأنبياء بما لا يليق، فربما تقع في الكفر الصريح وهي لا تشعر؛ لأنها لا تعرف الصحيح من السقيم والحق من الكذب، فتدخل النسوة في الغالب وهن مؤمنات، ويخرجن وهن مفتتنات في الاعتقاد أو فروع الدين.
3- خروج النساء إلى المقابر وارتكاب أنواع المحرمات هناك من الاختلاط وغيره، ويذكر ابن الحاج: أن هذه المفسدة من آثار بناء البيوت على المقابر قالنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةإذ لو امتثلنا أمر الشرع في هدمها لانسدت هذه المثالم كلها وكفي الناس أمرها)، قالنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةفبسبب ما هناك من البنيان والمساكن وجد من لا خير فيه السبيل إلى حصول أغراضه الخسيسة ومخالفة الشرع)، قال: (ألا ترى ما قد قيل من العصمة أن لا تجد، فإذا هَمَّ الإنسان بالمعصية وأرادها وعمل عليها ولم يجد من يفعلها أو وجده، ولكن لا يجد مكاناً للاجتماع فيه فهو نوع من العصمة، فكان البنيان في القبور فيه مفاسد: منها: هتك الحريم بخروجهن إلى تلك المواضع، فيجدون أين يقمن أغراضهن، هذا وجه، الثاني: تيسير الأماكن لاجتماع الأغراض الخسيسة، فتيسير المساكن هناك سبب وتسهيل لوقوع المعاصي هناك.
4- فتح باب الخروج لهن لغير ضرورة شرعية؛ فإنهم- أي: أهل زمانه- ضموا لأيام
المولد النبوي الثلاثة، يوم الإثنين لزيارة الحسين، وجعلوا يوم الأربعاء لزيارة نفيسة، فالتزمن الزيارة في تلك الأيام لما يقصدن من أغراض، الله أعلم بها. قال ابن الحاج: ولو حكي هذا عن الرجال لكان فيه شناعة وقبح فكيف به في النساء ؟! فإنا لله وإنا إليه راجعون.
هذا ما ذكره ابن الحاج في "المدخل" من مفاسد الاحتفالات بالمولد في زمانه بالنسبة لمن يقصدون المولد، ثم قسم الذين يعملون المولد في ذلك الزمن لا لقصد المولد إلى خمسة أقسام:
أحدها: من له فضة عند الناس متفرقة قد أعطاها لهم في بعض الأفراح والمواسم فيعمل المولد ليستردها، قال ابن الحاج: فهذا قد اتصف بصفة النفاق، وهو أنه يظهر خلاف
ما يبطن، إذ ظاهر حاله أنه عمل المولد يبتغي به الدار الآخرة، وباطنه أنه يجمع به فضته.
الثاني: من يتظاهر من ذوي الأموال بأنه من الفقراء المساكين، فيعمل المولد لتزيد دنياه بمساعدة الناس له، فيزداد هذا فساداً على المفاسد المتقدم ذكرها، ويطلب مع ذلك ثناء الناس عليه بما ليس فيه.
الثالث: من يخاف الناس من لسانه وشره وهو من ذوي الأموال، فيعمل المولد ليأخذ من الناس الذين يعطونه تقية على أنفسهم وأعراضهم، قال ابن الحاج: (فيزداد من الحطام بسبب ما فيه من الخصال المذمومة شرعاً، وهذا أمر خطر؛ لأنه زاد على الأول أنه ممن يخاف من شره، فهو معدود بفعله من الظلمة).
الرابع: من يعمل المولد وهو ضعيف الحال ليتسع حاله.
الخامس: من له من الفقراء لسان يخاف منه ويتقى لأجله، فيعمل المولد حتى يحصل له من الدنيا ممن يخشاه ويتقيه، حتى أنه لو تعذر عن حضور المولد الذي يفعله أحد معارفه لحل به من الضرر ما يتشوش به، وقد يؤول ذلك إلى العداوة أو الوقوع في حقه في محافل بعض ولاة الأمور؛ قاصداً بذلك حط رتبته بالوقيعة فيه أو نقص ماله.. إلى غير ذلك مما يقصده من لا يتوقف على مراعاة الشرع الشريف.
قال ابن الحاج بعد بسط الكلام على هذه المفاسد:
(هذا الذي ذكر بعض المفاسد المشهورة المعروفة، وما في ذلك من الدسائس ودخول وساوس النفوس وشياطين الإنس والجن مما يتعذر حصره، فالسعيد السعيد من أعطى قياده للاتباع وترك الابتداع، وفقنا الله لذلك بمنه).
وذكر ابن الحاج: أن سكوت من سكت من العلماء على إنكار ما ذكر ليس بدليل؛ لأن الناس كانوا يقتدون أولاً بالعلماء، فصار الأمر بعد ذلك بالعكس، وهو: أن من لا علم عنده يرتكب ما لا ينبغي فيأتي العالم فيقتدي به في ذلك، قال: (فعمت الفتنة، واستحكمت هذه البلية، فلا تجد في الغالب من يتكلم في ذلك، ولا من يعين على زواله أو يشير إلى ذلك أن ذلك مكروه أو محرم) اهـ.
وقد ذكر ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الحديثية": أن الموالد التي تفعل عندهم في زمنه أكثرها مشتمل على شرور لو لم يكن منها إلا رؤية النساء الرجال الأجانب لكفى ذلك في المنع، وذكر أن ما يوجد في تلك الموالد من الخير لا يبررها ما دامت كذلك؛ للقاعدة المشهورة المقررة: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. قال: (فمن علم وقوع شيء من الشر فيما يفعله من ذلك فهو عاص آثم، وبفرض أنه عمل في ذلك خيراً فربما خيره لا يساوي شره، ألا ترى أن الشارع صلى الله عليه وسلم اكتفى من الخير بما تيسر، وفطم جميع أنواع الشر، حيث قال: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه )، فتأمله تعلم ما قررته من أن الشر وإن قلَّ لا يرخص في شيء منه، والخير يكتفى منه بما تيسر.
هذا ما ذكره أهل العلم في بحث الاحتفال بالمولد النبوي، ولم يخل عصر من العصور المتقدمة منذ أُحدث من عالم يبين الحق فيه، ولم يزل المتبصرون من أهل العلم في وقتنا هذا ينكرون ما يقع في تلك الأيام من البدع والمحرمات.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الطائفة المنصورة التي لا يضرها من خذلها، وصلى الله على محمد، وآله وصحبه وسلم .
انتهت رسالة "حكم الاحتفال بالمولد النبوي والرد على من أجازه" للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، ويليها ملحق في إنكار ذلك.

* * *


ملحق رسالة
"حكم الاحتفال بالمولد
والرد على من أجازه"
للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله


بعد ما نشر ردنا على الشنقيطي كتب مرة أخرى في الموضوع رددنا عليها بالرد التالي:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد وآله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فقد نشرت جريدة الندوة في العدد الصادر يوم السبت 16 / 4 / 1382 هـ للشنقيطي محمد مصطفى العلوي في تبرير الاحتفال بالمولد النبوي مقالاً آخر تحت عنواننقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةهذا ما يقوله ابن تيمية في الاحتفال المشروع بذكرى المولد النبوي)، مضمون ذلك المقال: أن شيخ الإسلام ابن تيمية يرى الاحتفال بالمولد النبوي، واعتمد الشنقيطي في تلك الدعوى على ثلاثة أمور:
1- قول شيخ الإسلام في "اقتضاء الصراط" في بحث المولدنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةفتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم؛ لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما قدمت أنه يستحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد).
يقول الشنقيطي: فكلام شيخ الإسلام- يقصد هذه العبارة- صريح في جواز عمل مولد النبي صلى الله عليه وسلم، الخالي من منكرات تخالطه.
2- قول شيخ الإسلام في "الاقتضاء" أيضاًنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةإذا رأيت من يفعل هذا- أي المنكر- ولا يتركه إلا إلى شر منه، فلا تدع إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر،أو بترك واجب أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه).
يقول الشنقيطينقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةمن الجدير بالذكر ما أشار إليه شيخ الإسلام أن مرتكب البدعة لا ينهى عنها إذا كان نهيه عنها يحمله إلى ما هو شر منها، ومن المعلوم عند العموم: أن أكثر أهل هذا الزمان يضيعون الليالي وخصوصاً ليلة الجمعة في سماع أغاني أم كلثوم وغيرها من حفلات صوت العرب الخليعة مما يذيعه الراديو والتلفزيون، فلا يخفى على مسلم عاقل أن سماع ذكر صفة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من سماع الأغاني الخليعة والتمثيليات الماجنة).
3- دعوى أن شيخ الإسلام ابن تيمية لا ينكر الابتداع في تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكر الشنقيطي أن أكبر شاهد على ذلك تأليفه كتاب "الصارم المسلول".
هذا ما ذكره الشنقيطي مما برر به هذه الدعوى الباطلة.
والحق أنه إنما أٌتي من سوء فهم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وسيرته، وفي نوع ما وقع فيه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب "الاستغاثة"نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةالوهم إذا كان لسوء فهم المستمع لا لتفريط المتكلم لم يكن على المتكلم بذلك باس، ولا يشترط في العلماء إذا تكلموا في العلم أن لا يتوهم متوهم من ألفاظهم خلاف مرادهم، بل ما زال الناس يتوهمون من أقوال الناس خلاف مرادهم)، وهذا هو عين ما وقع للشنقيطي في عبارات شيخ الإسلام ابن تيمية .
وإلى القراء بيان ذلك فيما يلي:
أما قول شيخ الإسلامنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةفتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم؛ لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم)، فليس فيه إلا الإثابة على حسن القصد، وهي لا تستلزم مشروعية العمل الناشئة عنه؛ ولذلك ذكر شيخ الإسلام أن هذا العمل- أي الاحتفال بالمولد- يستقبح من المؤمن المسدد، ولكن الشنقيطي أخذ أول العبارة دون تأمل في آخرها، وفي أول بحث المولد في "اقتضاء الصراط المستقيم" فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الذين يتخذون المولد عيداً محبة للنبي r (ص 294، 295):
(والله تعالى قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم
عيداً، مع اختلاف الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي وعدم المانع
منه، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا؛ فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله r وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطناً وظاهراً، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان).
فهذا تصريح من شيخ الإسلام بأن إثابة من يتخذ المولد عيداً محبة للنبي صلى الله عليه وسلم من ناحية قصده لا تقتضي مشروعية اتخاذ المولد عيداً ولا كونه خيراً، إذ لو كان خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا؛ لأنهم أشد محبة وتعظيماً لرسول الله منا.
ثم بعد ذلك صرح شيخ الإسلام بذم الذين يتخذون المولد عيداً، فقال في (ص 295، 296)نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةأكثر هؤلاء تجدهم حرصاء على أمثال هذه البدع مع ما لهم فيها من حسن القصد والاجتهاد الذي يرجى لهم به المثوبة، تجدونهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلي فيه، أو يصلي فيه قليلاً، وبمنزلة من يتخذ المسابح والسجادات المزخرفة، وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع ويصحبها من الرياء الكبير والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها).
وقال شيخ الإسلام في "الاقتضاء"(ص 317)نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةمن كانت له نية صالحة أثيب على نيته وإن كان الفعل الذي فعله ليس بمشروع إذا لم يتعمد مخالفة الشرع).
وصرح في (ص290) بأن إثابة الواقع في المواسم المبتدعة متأولاً أو مجتهداً على حسن قصده لا تمنع النهي عن تلك البدع والأمر بالاعتياض عنها بالمشروع الذي لا بدعة فيه، وذكر أن ما تشتمل عليه تلك البدع من المشروع لا يعتبر مبرراً لها( 1 ).
كما صرح في كلامه على مراتب الأعمال بأن العمل الذي يرجع صلاحه لمجرد حسن القصد ليس طريقة السلف الصالح، وإنما ابتلى به كثير من المتأخرين، وأما السلف الصالح فاعتناؤهم بالعمل الصالح المشروع الذي لا كراهة فيه بوجه من الوجوه، وهو العمل الذي تشهد له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قالنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةوهذا هو الذي يجب تعلمه وتعليمه، والأمر به على حسب مقتضى الشريعة من إيجاب واستحباب)، أضف إلى هذا أن نفس كلام شيخ الإسلامنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةفتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له أجر عظيم لحسن قصده) إلخ، إنما ذكره بصدد الكلام على عدم محاولة إنكار المنكر الذي يترتب على محاولة إنكاره الوقوع فيما هو أنكر منه، يعني أن حسن نية هذا الشخص- ولو كان عمله غير مشروع- خير من إعراضه عن الدين بالكلية.
ومن الأدلة على عدم قصده تبرير الاحتفال بالمولد تصريحاته في كتبه الأٌخر بمنعه، يقول في "الفتاوى الكبرى"نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال: عيد الأبرار فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها).
وقال في بعض فتاواهنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةفأما الاجتماع في عمل المولد على غناء ورقص ونحو ذلك،
واتخاذه عبادة، فلا يرتاب أحد من أهل العلم والإيمان أن هذا من المنكرات التي ينهى عنها، ولا يستحب ذلك إلا جاهل أو زنديق).
وأما قول شيخ الإسلامنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةإذا رأيت من يعمل هذا- أي المنكر- ولا يتركه إلا إلى شر منه فلا تدع إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر منه، أو بترك واجب أو مندوب تركه اضر من فعل ذلك المكروه).
فمن غرائب الشنقيطي الاستدلال به على مشروعية الاحتفال بالمولد ما دام شيخ الإسلام يسمي ذلك منكراً، وإنما اعتبر ما يترتب على محاولة إزالته من خشية الوقوع في أنكر منه عذراً عن تلك المحاولة من باب اعتبار مقادير المصالح والمفاسد، وقد بسط شيخ الإسلام الكلام على هذا النوع في رسالته في "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، ومن ضمن بحثه في ذلك قولهنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةومن هذا الباب ترك النبي صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن أبي بن سلول وأمثاله من أئمة النفاق والفجور؛ لما لهم من أعوان، فإزالة منكره بنوع من عقابه مستلزمة إزالة معروف أكثر من ذلك بغضب قومه وحميتهم، وبنفور الناس إذا سمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه، ولهذا لما خطب الناس في قضية الإفك بما خطبهم به واستعذر منه، وقال له سعد بن معاذ قوله الذي أحسن فيه حمي له سعد بن عابدة- مع حسن إيمانه وصدقه- وتعصب لكل منهما قبيلته حتى كادت أن تكون فتنة). ومن هذا يُعلم أن لا ملازمة بين ترك النهي عن الشيء لمانع وبين إباحة ذلك الشيء كما تخيله الشنقيطي. وقد فاته أن هذه العبارة التي نقلها عن شيخ الإسلام في عدم النهي عن المنكر إذا ترتب عليه الوقوع في أنكر منه لا تصلح جواباً لمن سأل عن حكم الإنكار على من اتخذ المولد عيداً إذا ترتب على الإنكار الوقوع في أنكر منه.
كما فاته أن ما ذكره من جهة أغاني أم كلثوم وما عطفه عليها لا يعتبر مبرراً للابتداع، فإن الباطل إنما يزال بالحق لا بالباطل، قال تعالىنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةوَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً) الإسراء:81، وليس النهي عن الاحتفال بالمولد من ناحية قراءة السيرة، بل من ناحية اعتقاد ما ليس مشروعاً مشروعاً، والتقرب إلى الله تعالى بما لم يقم دليل على التقرب به إليه، ومن أكبر دليل على عدم اعتبار ما ذكره الشنقيطي أن المواضع التي تقام فيها الاحتفالات بالموالد ما حالت بينها وبين الاستماع لأغاني أم كلثوم وما عطف عليها، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم أرفع من أن لا تقرأ في السنة إلا في أيام الموالد.
وأما دعوى الشنقيطي فتح شيخ الإسلام ابن تيمية باب الابتداع فيما يتعلق بتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، فكتابات شيخ الإسلام ابن تيمية تدل أوضح دلالة على بطلانها، فقد قرر فيها أن كيفية التعظيم لا بد من التقيد فيها بالشرع، وأنه ليس كل تعظيم مشروعاً في حق النبي r، فإن السجود تعظيم، ومع ذلك لا يجوز لغير الله، وكذلك جميع التعظيمات التي هي من خصائص الألوهية لا يجوز تعظيم الرسول بها، كما قرر في غير موضع من كتبه أن الأعمال المضادة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وإن قصد فاعلها التعظيم، فهي غير مشروعة؛ لقوله تعالى:
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) آل عمران:31 ، ويستدل كثيراً بما جاء في النصوص من النهي عن الإطراء، وكلامه في ذلك كثير لا يحتاج إلى الإطالة بذكره ما دامت المراجع بحمد لله موجودة، هذا على سبيل العموم.
أما ما يخص مسألة اتخاذ المولد النبوي عيداً بدعوى التعظيم فقد تقدم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية فيه: إنه لم يفعله السلف مع قيام المقتضي وعدم المانع منه، قالنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا،فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطناً وظاهراً، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان) اهـ.
وتمثيل الشنقيطي بــ "الصارم المسلول" لدعواه فتح شيخ الإسلام ابن تيمية لباب الابتداع في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، إنما نشا من عدم تدبر كلام شيخ الإسلام في مقدمته، فإنه قد بين فيها أن مضمون الكتاب "الصارم المسلول" بيان الحكم الشرعي الموجب لعقوبة من سب النبي صلى الله عليه وسلم، من مسلم أو كافر بياناً مقروناً بالأدلة، ومن نظر إلى الأدلة التي سردها شيخ الإسلام في هذا الكتاب من نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة- تبين له أن دفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحماية لجنابه من التعرض له بما لا يليق به، وهذا لا صلة له بالابتداع.
هذا وليت الشنقيطي فكر في تعذر الجمع بين الأمور التي استدل بها على تبرير الاحتفال بالمولد، فإن كون الشيء الواحد مشروعاً ومنكراً بدعة في آن واحد لا يتصور، لكن من تكلم فيما لا يحسنه أتى بالعجائب.
هذا ما لزم بيانه وبالله التوفيق.
انتهى ملحق رسالة "حكم الاحتفال بالمولد والرد على من أجازه "
للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه.
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
عجائب الطب النبوي شذى عيادة السقيفه 4 12-21-2009 04:09 PM
دراسات في أهل البيت النبوي الحضرمي التريمي مكتبة السقيفه 5 11-17-2009 09:08 PM
القبض على يمني قتل مواطنه 'طعنا قرب المسجد النبوي الشريف ولاذ بالفرار ! حد من الوادي سقيفة الأخبار السياسيه 23 08-06-2009 07:46 PM
الادله على تحريم الاحتفال بالمولد النبوي الواثق بالله سقيفة الحوار الإسلامي 1 04-18-2009 08:28 PM


Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas