المحضار مرآة عصره (( رياض باشراحيل ))مركز تحميل سقيفة الشباميحملة الشبامي لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم
مكتبة الشباميسقيفة الشبامي في الفيس بوكقناة تلفزيون الشبامي

العودة   سقيفة الشبامي > سياسة وإقتصاد وقضايا المجتمع > سقيفة الأخبار السياسيه
سقيفة الأخبار السياسيه جميع الآراء والأفكار المطروحه والأخبار المنقوله هنا لاتُمثّل السقيفه ومالكيها وإدارييها بل تقع مسؤوليتها القانونيه والأخلاقيه على كاتبيها ومصادرها !!


الجنوب الجديد (66 سؤال وجواب) للجنوبي / علي هيثم الغريب،

سقيفة الأخبار السياسيه


إضافة رد
قديم 10-29-2010, 12:35 AM   #1
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

الجنوب الجديد (66 سؤال وجواب) للجنوبي / علي هيثم الغريب،

[SIZE="5"]

مقابلة علي هيثم الغريب مع منتديات قبيلة يافع

تقييمات : [0]
عدن اف ام Aden FM اليوم - 11:25 مساءً

بسم الله الرحمن الرحيم

نبذة مختصرة:

علي هيثم الغريب، من مواليد 12أكتوبر1964م-يافع.ماجستير حقوق-موسكو1987م.كان محاميا ومعيدا في كلية الحقوق جامعة عدن.طرد منها بعد اعتقاله الأول عام 1996م.من أبرز الطلائع الأولى في الحراك الجنوبي السلمي... , عرف الغريب من خلال كتابات ومقالات سجالية تميزت بالنظرة الواقعية الموضوعية وبمغايرة كثير من الكتابات السائدة في اليمن والجنوب العربي , أكان في النظرة التاريخية للجنوب كهوية أو إلى الاحتلال اليمني الذي تم باسم الوحدة أو في رؤى ومطالب أبناء الجنوب.{للتوضيح تمت هذه المقابلة بعضها من قبل صحيفة النهار البيروتية من قبل الصحفي محمد أبو سمرة في 30 نوفمبرعام2001م , وفي صحيفة الطريق والأيام والنداء , وأسئلة أخرى من قبل من قام بتجميع هذه الرحلة الدكتور عادل حسين –جامعة عدن . وقد تجد أخي القارئ بعض الطرح والإجابات وفق السقف الصحفي الذي كان سائدا في تلك المرحلة }.كان الأستاذ الغريب من أوائل المشاركين في مسيرات الضالع 96-1999م,هو ومحمد ناجي سعيد وأمين صالح محمد وعبد الحميد طالب ومحسن الدباء وغيرهم وكذلك مظاهرات حضرموت.ومن المؤسسين لمنتدى عدن في 5يناير 1996م,الذي شهد أكبر تجمع حينها ,وأول فعالية أقيمت في عدن في 11 فبرا1998م هو والأستاذ احمد عمر بن فريد وعلي محمد السعدي والسفير محسن المرقشي(رحمة الله علية) وآخرين أمام محطة المنصورة التي حرفت وسميت بعد حرب الاحتلال عام 1994م"محطة الرويشن",يعتبر الأستاذ الغريب من مؤسسي اللجنة الشعبية في عدن التي تأسست بعد خروجه من السجن( 1998م). ...ولأن المرحلة كانت صعبه والخوف كان يدب في كل أوصال الجنوب ,رفض بعض المحاميين الدفاع عن المعتقلين ومنهم الأستاذ الكاتب فاروق ناصر علي وحسن بن حسينون فكان الغريب متهما من جهة ومدافعا عن رفاقه المعتقلين من جهة أخرى.

قطع راتبه في فبراير 1995م بعد نشرة كتاب"اليمن أسباب الأزمة وإعلان الحرب وإعلان الانفصال"حيث شكل ضربة كبيرة لحياة الغريب المعيشية...يعتبر الأستاذ علي هيثم الغريب أول سجين سياسي ضد الاحتلال اليمني في الجنوب ,وأول مناضل يحاكم من قبل الأمن السياسي في محكمة صيره الابتدائية هو وشيخ القضية الجنوبية الأستاذ هشام باشرا حيل ,كانت التهم الموجهة لهما المساس بالوحدة الوطنية ,وزرع الكراهية وإثارة المذهبية والانقلاب على النظام الجمهوري ,وكانت عقوبة هذه الاتهامات الإعدام...حكم على الغريب بالسجن عشرة أشهر وعلى الأستاذ هشام باشرا حيل ستة أشهر مع وقف التنفيذ....كان الأستاذ الغريب أول المؤسسين للتصالح والتسامح في 13 يناير 2006م ,مع رئيس جمعية ردفان الخيرية الأخ/المهندس/محمد محسن والأخ/ صالح هيثم فرج والمحامي بدر باسنيد وأحمد عمر بن فريد .ومن محافظة عدن نجيب يابلي ومحمد باشراحيل ومحمد أمان وآخرين. ومن محافظة لحج: صالح طاهر وعلي منصر محمد ومحمد عمر صالح الدكتور عبد الرحمن الوالي والدكتور عبدالناصر الوالي. ناصر النوبة ,محمد المسلمي والحبشي (شبوة).علي محمد السعدي وعبد الله عمر صالح والفقيد المناضل حسين العاقل والشاعر الكبير علي حسين البجيري وآخرين (أبين). وعمر جبران والكثيري وغيرهم(حضرموت) ...أبناء المهرة أرسلوا برقية تأييد للتصالح والتسامح....بعد هذه الرحلة النضالية المؤلمة بدأ العسكريون والمدنيون المتقاعدون أعتصاماتهم أمام مكتب محافظ عدن وشارك الأستاذ الغريب في تلك الأعتصامات وحتى انطلاقة الحراك الكبرى التي تمت بفضل الله ثم بفضل صحيفة"الأيام" وكتابها وكافة شرائح المجتمع الجنوبي يوم 7/7/2007م في ساحة الحرية في مدينة خور مكسر...في الأول من أبريل 2008م أعتقل الأستاذ علي هيثم الغريب الاعتقال الثالث مع الأخوة المناضلين حسن باعوم وأحمد عمر بن فريد وعلي منصر محمد والمحامي يحي غالب الشعيبي و14 مناضل من أبناء ردفان.

ونحن بعد هذه النبذة النضالية للأستاذ علي هيثم الغريب نود أن نسير معه إلى تلك المحطات التي صنعت فجر الحرية للشعب الجنوبي...فبضل الله ثم بفضل الأوائل من طلائع النضال التحرري والشهداء والجرحى والمعتقلين أرتفع علم دولتنا خفاقا على سهول ووديان الجنوب...وتحررت ذاكرتنا من الاحتلال اليمني تماما وبدأت الأرض تتحرر من المهرة إلى باب المندب...

س1: كتاب اليمن أسباب الأزمة و إعلان الحرب و الانفصال هو آخر ما أصدرت منذ بداية عام 1995م،والذي كان ردا على كتاب الشميري"ألف ساعة حرب",ولكن مؤخرا قلت كتاباتكم في الصحافة الألكترونية ؟

ج1: الكتابة بالنسبة لنا هي أداة نضال لا الجأ إليها إلا لتوضيح قضية ما جوهرية تاريخية أو سياسية أو قانونية أو وطنية....ولكن كان موقعنا الأساسي وسيظل هو الكتابة والميدان.

س2: لكن الأوضاع والاختلافات في ظل هذا الاحتلال الهمجي شديدة و ضرورات التوضيح المتواصل ملحة ؟!

ج2:تعرف أن هناك ثلاثة أشكال تحاول السيطرة على الصحافة الالكترونية وذلك للسيطرة على الجنوبيين في الخارج ,وهي الأمن القومي وتيار المتطرفين داخل الحراك والهواة في نشر غسيلهم.ويخطئ من يقول أن هناك اختلافات جوهرية داخل الحراك ,ولكن كانت هناك تباينات في تحديد مسار الحراك وهويته وأهدافه السياسية بدأت تتضح و تأخذ مسار الاصطفاف الوطني(حزبي بهوية يمنية وجنوبي بهوية الجنوب العربي) و ضرورات التوضيح لا تحتاج إلى ذات نرجسية بل إلى تأني وموقف. ثم أن الكتابة ليست الشكل الوحيد للمشاركة في إيضاح القضايا الوطنية التي لم أتخلف يوماً عن المشاركة فيها بطرق كثيرة...عندما وضعت حرب 94م أوزارها تحدثنا عن مدى خطورتها مستقبلا على الوطن الجنوبي . و عندما استولى نظام صنعاء على أملاك الجنوبيين بصورة وحشية لجأنا إلى ألكتابه ,ونحن لسنا صحفيين , كتبنا و خاطبنا الضمائر الحية التي نادراً ما تظهر بعد الحروب الأهلية...حينها كنا نتمنى رفع اليد ورد السلام حتى من الأصدقاء...فالجنوبيون كانوا يعيشون مرحلة ضياع...

س3: ما هي المجلات أو الصحف التي فضلت النشر من خلالها؟

ج3: نشرنا مقالاتنا في صحف عديدة منها "الطريق" و"التجمع" ولكن " الأيام "كانت هي ملجأنا الوحيد..فجيل التحرر الوطني الأول ضد بريطانيا والثاني ضد الاحتلال اليمني تخرج من مدرسة "الأيام".

س4:نعم ,ولكن لماذا لم تؤد الصحف الأخرى دورها إلى جانب"الأيام" ؟

ج4: في الجنوب مآسي كثيرة والعناصر القليلة التي بدأت تترأس الصحف كانت تحتاج إلى أن تعي ضرورة الوضوح وكشف جرائم المحتل و إظهار مطالب وحقوق أبناء الجنوب ولإعادة الصحافة إلى منبر حر للنقاش والتوضيح الفكري والسياسي عسى أن يقضي ذلك في نهاية المسار إلى اتفاق بين شريكي الوحدة لإصلاح ذات البين(هذا كان في رحلتنا النضالية الأولى) . و أقدر أقول أن حرية الرأي بدأت من داخل صحيفة " الأيام " وهكذا ظلت"تتعرض لأشرس هجمة تشهدها الجنوب منذ عام 94م من قبل أمن وقوات الاحتلال.

س5: فعلاً لابد من صحافة تكون نواة للتحرر الوطني ؟.

ج5: هذا الطرح لم يكن موجودا في تلك المرحلة ,ولأن الطريق كانت مازالت فيما يبدو لم تتضح بعد للأغلبية الجنوبية. لأن عوامل طمس الوعي واحتلال الذاكرة وتزوير التاريخ و تشويه الواقع كانت قوية جدا...وكانت تتنقل بين التضليل السياسي والتضليل الحزبي الوحدوي مروراً بالأباطيل الانتخابية و شرعيات أخرى تمر عبر التعدد السياسي الذي سيطر على الجنوب لصالح الشمال.. الخ.فكان لابد من البداية التي نتوق لها.

س6:في مرحلة الصراع داخل الحزب الأشتراكي هل كان يسوغ إصلاح مسار الوحدة الذي كان مرفوعا من قبل بعض الاشتراكيين الجنوبيين أن يرفض ما أقرته كل أحزاب اللقاء المشترك في شأن إصلاح النظام السياسي ؟!

ج6: رغم أن هذا السؤال قد تجاوز الواقع الإجابة عليه، و لكن سأجيب حباً بالتوضيح و للتاريخ،فأصلاح مسار الوحدة ظهر كرأي داخل الهيئات العليا للحزب الاشتراكي اليمني ولم يظهر كمشروع , وعندما يقال(طبعا في بداية نضال الاشتراكيين الجنوبيين داخل حزبهم) أن أحزاب اللقاء المشترك قد أقرت بصدق إصلاح النظام السياسي، و أن تيار إصلاح مسار الوحدة يعترض على هذا الموقف ولا يقبله، فإن ذلك يبدو أمراً غير سائغ سياسياً و قانونياً، إذ كيف لتيار أصلاح مسار الوحدة أن يعترض على ما أقرته أحزاب اللقاء المشترك في شأن خاص من شؤونها؟! و كيف يمكن أن يقف ذلك مع مبدأ نضالي آخر ؟! وواقع الأمر أن سياسة تيار إصلاح مسار الوحدة -كان تيارا صغيرا جدا داخل الحزب الاشتراكي -, ولا كان أحد يتصور أن يخرق هذا التيار عصابة الاشتراكيين الشماليين المسيطرين على القرار الاشتراكي ،فكيف تتوقع من تيار صغير أن يكسر إجماع اللقاء المشترك في شأن داخلي خاص بتلك الأحزاب؟. و لكن التيار كان يتصور حينها بأنه يطرح مشروع كبير لإصلاح الوحدة؟.ونحن في الجنوب عبر التجمعات الأولى ,وعبر الصحافة بعد الحرب بدأنا برفض المشاريع النابعة من موروث الشمال وهمجية نظام الاحتلال , و كنا نريد مشروعاً آخر يشارك فيه الشمال والجنوب ، هدفه ليس شكل النظام السياسي و إنما إعادة الشراكة ,وإعادة حقوق أبناء محافظات الجنوب . أن التيار كان يعترض –في حينها- على الأغلبية الاشتراكية من الجنوبيين والشماليين لأنها كانت تخاطب الشمال –سلطة ومعارضة- وليس الجنوب .

و نحن عبر الكتابات الصحفية والتجمعات الأولى كنا نرفض المبادرة الآتية من صنعاء سواء كانت من النظام هناك أم من المعارضة لأننا كنا نعلم أنها سلاح سياسي يائس يدفع ضد مطالب أبناء الجنوب. و كل اليمنيين(سلطه ومعارضه) كانوا لا يعلمون أن استبعاد قضية الجنوب من بياناتهم و وثائقهم بأنه سيعمق شعور الجنوبيين بهويتهم. وسيسقط اليمن(الشمال حاليا) في أتون صراعات قبلية- مذهبية على الثروة الجنوبية وعلى السلطة لا نهاية لها و هذا ما يحصل اليوم. وأقولها بصدق أن الله سبحانه وتعالى كان يرسل ملائكته ليقاتلوا معنا ,فكل المبادرات التي كانت تتقدم بها سلطات نظام صنعاء أو أحزاب اللقاء المشترك لم تكن يوما ما هي وسيلة لحسم الصراع على الثروة و الأرض و السلطة بل هي وسيلة لتفجير أزمة جديدة بين الشمال والجنوب...فالله القادر أعمى بصيرتهم جميعا عن قول الحق.

س7: هل إقرار حق إصلاح مسار الوحدة كانت إرادة حقيقية لكل الاشتراكين ؟! أم أنها مقتصرة على أبناء محافظات الجنوب داخل الاشتراكي ؟!

ج7:كانوا فقط ثمانية أعضاء قياديين الذين يمثلون تيار أصلاح مسار الوحدة داخل حزبهم على رأسهم مسدوس وباعوم...ثم أزداد هذا العدد بعد أنطلاقة الحراك الجنوبي السلمي.وللفائدة التاريخية فقط , سنتناول الإجابة على هذا السؤال مستعرضين موقف مختلف القوى السياسية الكائنة في صنعاء في تلك الفترة حتى يعرف المواطن الجنوبي إنها كلها كانت ضده . و نبدأ بموقف مجلس تنسيق أحزاب المعارضة ، التي أظهر نفسه بعد انتخابات 1997م البرلمانية ومن خلال كل مشاريعه يظهر بأنه معارضة شمالية للنظام الشمالي .

هذه الأحزاب ظلت بخطابها السياسي و بعض قياداتها قائمة في صنعاء منذ ما بعد حرب 94م دون أن تنادي في أي يوم من الأيام بوقف مسلسل قتل الجنوبيين ,ونهب وسلب محافظات الجنوب أو بمنح حق أبناء محافظات الجنوب حق إدارة ثروتهم و أراضيهم و أملاكهم و وظائفهم و حق تقدير ميزانيتهم و محاصيلها بمفهوم وحدوي جديد. و على الرغم من اشتعال الرفض في الجنوب لنتائج حرب 94م، شاركت هذه الأحزاب السلطة في ثلاث حقب انتخابية دون أن تقدم هذه الأحزاب على إقرار أبسط حقوق و مطالب أبناء الجنوب، و لم يكن في يوم من الأيام أحد الخيارات الإرادية لتلك الأحزاب. ومن حين شكل في صنعاء ذلك المجلس بعد انتخابات 97م البرلمانية، ثم أحزاب اللقاء المشترك بعد الانتخابات الرئاسية عام 1999م افتقرت هذه الأحزاب افتقاراً شديداً إلى المصداقية و إلى قوة الضغط على نظامها السياسي ماعدا بعض القيادات التي كانت تطرح آراء معقولة و بصورة فردية مثل الدكتور محمد عبد الملك المتوكل . ولأن هذه الأحزاب تعمل في الشمال إذن كان لابد لها إن تبحث عن زعيم قبلي فكان حينذاك الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر زعيمها . هكذا وجد أبناء محافظات الجنوب منذ بداية نشاطهم الرافض في المظاهرات والمسيرات وفي تشكيل تجمعاتهم الخاصة بهم وبعيدا عن الأحزاب خير طريق للدفاع عن حقوقهم ,ومن جهة أخرى كان تيار إصلاح مسار الوحدة يلعب دورة السياسي داخل الحزب الاشتراكي وليس خارجه وذلك لتقوية قدرة الاشتراكي في ميزان الوحدة، و في ميزان الصراع بين الشمال والجنوب. .

س8: ولكن، هل ظل عدم الاعتراف بحقوق أبناء محافظات الجنوب و عدم إزالة آثار حرب 94م، و عدم الاعتراف بإصلاح مسار الوحدة إرادة دائمة لهذه الأحزاب ؟!

ج8: طبعا ,فهذا هو سقفهم وسيظل كذلك لان مصالحهم تختلف عن مصالح أبناء الجنوب .بل ومستقبلا ستشكل الأحزاب عقبة كئدى إمام مطالب الجنوبيين ,ويمكن يحدث نظام صنعاء الفتنه في الجنوب من داخلها .

س9: تيار إصلاح مسار الوحدة هل كان هو أول شكل يعبر عن القضية الجنوبية أم إن هناك إشكال أخرى؟

ج9: قيادة الحزب الاشتراكي التي وقعت اتفاقية إعلان الوحدة بعد حرب احتلال الجنوب عام 1994م تركت الوطن وأصبحت تعيش في المنفى ما عدا الأخ الرئيس علي سالم البيض الذي ظل على تواصل مستمر مع الداخل إلى إن خذلوه الاشتراكيون عندما تفرقوا للمطالبة بحقوقهم ومقرات حزبهم. وبعد عودة مسدوس وباعوم من المنفى ظهرت بوادر تيار إصلاح مسار الوحدة داخل الحزب الاشتراكي برئاستهما .لكن التجمعات الأولى من خارج الاحزاب كانت عبارة عن مظاهرات عارمة شهدتها حضرموت ومواجهات عسكرية شهدتها الضالع وتجمعات في عدن .انبثق عنها المجلس الوطني لعدن وأبين ولحج عام 1996م .الشئ الأهم في هذا كله أن أبناء الجنوب شاركوا إخوانهم في الضالع وحضرموت وعدن وتعرضوا لأقسى المعاملات من قبل الأمن المركزي خاصة .ثم تأسست اللجان الشعبية في عموم محافظات الجنوب في نوفمبر 1998م قبل أن يتحول إصلاح مسار الوحدة إلى تيار.وقد كان ذلك التأسيس في منزل المناضل الدكتور عبد الرحمن الوالي عام 2005 م.

س :يعني أن الجنوب انتفض بدون قيادة؟

ج : لقد استشعر أبناء الجنوب عامة منذ دخول قبائل الشمال عدن و المكلا أنهم يعانون نوعاً من التفرقة التي تعطيهم درجة أدنى من أبناء الشمال دون أن يوجد أي اختلاف لغوي أو ديني أو عرقي حتى نقول أن ذلك يمكن أن يحصل، و قد تجسد ذلك في نوع واضح من الانفصال الاجتماعي بين أبناء الشمال و أبناء الجنوب، و اختلاف في درجة المواطنة و تولى المناصب الإدارية و السياسية و التوظيف و قد أدى ذلك إلى بروز مطالب أولية لأبناء وذلك الجنوب بإقامة نظام فيدرالي ثنائي يتحقق فيه للجنوبيين قدر كاف من إدارة مواردهم و قدر من عدالة اقتسام السلطة و الثروة و لكن عاملاً حاسماً ظهر في أفق الحياة السياسية لنظام صنعاء هو الذي أوجد لدى أبناء الجنوب نوع من التوحد والدعوة إلى ممارسة حق رفض نتائج الحرب، و هذا العامل هو عامل استيلاء على الأراضي و الثروة و المزارع و أملاك دولة الجنوب بعد إسقاطها بالقوة المسلحة، ذلك أن أبناء الجنوب قد شعروا بأن الاستيلاء على الأرض و الثروة يعني تأكيداً رسمياً لسمو العنصر الشمالي المالك على العنصر الجنوبي غير المالك، و تعني مضاعفة التفرقة التي يشعر بها المواطن الجنوبي أصلاً، و تعني أن المالك الشمالي هو العنصر الأساسي و صاحب الدولة و أن العنصر الجنوبي هو عنصر موجود في الدولة على سبيل الشر عنة للوحدة فقط. و تحت تأثير هذه المشاعر و الأسباب رفضنا الوحدة المعمدة بالدم و المعمدة بنهب أرض الجنوب رفضاً قاطعاً و دعونا حينذاك إلى وضع أسس حل المشكلات المسببة للرفض الذي بدأ يتولد في الجنوب . و كان الشرط الأساسي لنشاطنا السياسي الجنوبي هو تجميد الأوامر الخاصة بالتوزيع العشوائي للأرض و حماية الأراضي الباقية للأجيال القادمة و قد ظهر الخطاب السياسي للحراك الجنوبي السلمي الربط الأكيد بين مطالب أبناء الجنوب بحق الأرض و الثروة و السلطة و مسألة الحفاظ على الجنوب كجغرافيا وشعب ، حين أكد الأغلبية أن استمرار الوحدة بين شمال اليمن و جنوبه مرتبط بإلغاء فكرة ضم الأرض و إبادة الإنسان و بعدالة إعادة حقوقنا.

س10: ولكن ، أنتم في بدايات نضالكم في الجنوب وضعتم مطالب ومعالجات لإزالة آثار حرب 94م ولكنكم لم تضعوا مخارج عملية لكيفية بناء الدولة ؟!

ج10: نحن لم يكن همنا مسألة بناء دولة لوحدة قتلتها الحرب... وحين رفضنا نتائج حرب 94م، هذا يعني أن تكون الوحدة بين الدولتين وحدة طوعية تتقرر فيها المساواة الكاملة على أساس المواطنة ، و ليس مجرد قبول الآخر على سبيل الشر عنة للوحدة , و بهذا وحده-لو وجد- يتفادى أبناء الشمال شرور التمزق و الصراع القبلي و المذهبي المدمر الذي يهدد الشمال نفسه اليوم. وباختصار أن المتابع لمسيرة النضال الأولى أننا ومن خلال تجمعاتنا وكتاباتنا الأولى- هذا رد لم يقول أننا لم نبدأ بالمطالب الحقوقية المكتسبة والطبيعية-كنا قد وضعنا نموذج توفيقي جديد بشأن الوحدة بين الشمال والجنوب يتسم بأربع سمات، هي:

أولاً: المصالحة و التسامح المبني على مبدأ إزالة آثار حرب 94م و الاعتراف بالجنوب كشريك في الوحدة. بناء دولة للوحدة تجسد روح الشراكة بين الدولتين.
ثانيا: أحياء المجتمع المدني في مواجهة أجهزة الدولة البوليسية ,وسحب الألوية العسكرية من الجنوب التي دخلت بعد احتلاله . ثم إطلاق الديمقراطية و الانتخابات العامة المبنية على الشراكة بين الدولتين . ولا شك أن ما تقدم به أبناء الجنوب في تلك الفترة المؤلمة كانت مهمة بالغة الصعوبة، وكانت محكومة في ذات الوقت بفرصة زمنية محدودة فنحن نسعى لتحقيق إقناع قوى المعارضة من الأحزاب و الشخصيات الاجتماعية و السياسية الشمالية بأسباب موقفنا من جرائم نهب الأرض و الثروة ونتائج الحرب، و معرفة تحقيق التفاهم المؤدي إلى إزالة المسببات التي دعت أبناء الجنوب للمطالبة بهذه الحقوق.ولكن لا حياة لمن تنادي...بل كلموا طالبنا بهذه الحقوق البسيطة أزدادوا لنا بطشا.

س11: ما هو أول شكل حاولتم تنظيمه للتعبير عن القضية الجنوبية ؟

ج11: نشأت عدة تسميات، و كلما تعثرت وزادت قبضة الأمن عليها انتقلنا إلى شكل آخر وتسمية جديدة.. ومن تلك التسميات " منتدى عدن الوطني –1996م" وانتقلت هذه التسمية إلى أبين و لحج و الضالع.. ثم جاءت حملت الاعتقالات الأولى -3فبراير1998م - وبقيت في سجن المنصورة المركزي بعد نقلي من سجن الأمن السياسي الى سجن البحث الجنائي و بدأت محاكمتنا أنا و الأستاذ هشام باشراحيل التي استمرت ثلاثة أشهر، ثم محاكمة الأستاذ عبداللطيف كتبي و حسن بن حسينون في صنعاء.. و توسعت قاعدة الحراك السلمي وتقوى بدخول أبين و شبوة فيه إلى جانب حضرموت والضالع وعدن.

س12: و ما هي الأهداف التي تبنيتموها في تلك المرحلة المبكرة من التحرر الوطني ؟!

ج12: في البداية كنا نوضح حقيقة الحرب غير المشروعة التي قامت ضد الجنوب.. و أنها كانت حرب للسيطرة والفتح وفرض الوحدة بالقوة و هذه من الأعمال غير المشروعة.. و أكدنا أن دفاع الجنوبيين عن أرضهم وقرارات مجلس الأمن الدولي بشأن وقف الحرب ورفض الوحدة بالقوة، هذا لأن الجنوب كانت تتمتع بوصف الدولة وفقاً لأحكام القانون الدولي. ثم تحدثنا عن الآثار العامة للحرب ( نهب أملاك الدولة السابقة ) و الآثار الخاصة للاستيلاء على أملاك المواطنين.. بعد حرب الاحتلال كنا نجتمع في مقر حزب التجمع الوحدوي اليمني بوجود المناضل عمر الجاوي رحمه الله ثم في مقر رابطة أبناء اليمن في المعلا – دكه.

س13: هل كانت تجمعاتكم الأولى كبيرة كما هي عليه الحال اليوم؟

ج13: في حضرموت نعم كانت المسيرات والمظاهرات كبيرة جدا ,وفي الضالع كانت نسبية ,وفي عدن كانت أول محاولة اشتركنا بها مع المناضل الفقيد عمر الجاوي في فبراير 1995م أمام السوق المركزي في كريتر للتضامن مع صحيفة"الأيام"التي تعرضت لحملة إعلامية وأمنية مجحفة من قبل نظام صنعاء بسبب نشرها مقال للأستاذ والمفكر العربي الدكتور أبوبكر السقاف تحت عنوان" الاحتلال الداخلي" ,والذي وضح فيه فعلا أن الشمال احتلت الجنوب. وبسبب ذلك قام مجلس النواب بصياغة قانون تنظيم المظاهرات والمسيرات لإخماد ذلك الاندفاع الجنوبي الشعبي الرافض للاحتلال ... كانت المشاركة في بعض المحافظات خفيفة لأسباب كثيرة , حيث أدت قسوة الحرب إلى انعزال أبناء الجنوب عن بعضهم البعض بفعل الماضي و بفعل الحرب. و كان كل إنسان يعتمد على نفسه في طرح ما يقتنع فيه.. و بكل صراحة بعد الحرب كان هناك موت حقيقي للأغلبية الجنوبية و أصبحت الهزيمة حقيقة واقعة تلاحظها في وجوه الناس وتعيشها في الواقع الجنوبي.. لذا كانت تجمعاتنا صغيرة جدا.. ويمكن أن أنقل واقعة واحدة هنا وهي إننا بادرنا إلى إعلان موقف موحد تجاه ما يجري في الجنوب في مقر الرابطة في المعلا- وهو المقر الحزبي الوحيد الذي فتح لغير للجنوبيين بحضور/ أنا وعلي محمد السعدي و أحمد عمر بن فريد / و طلبنا حضور الأستاذ هشام باشراحيل لتعزيز طرحنا.. و فعلاً كان الحضور يفوق تصورنا ,.. و من الحاضرين كان/ السفير محسن المرقشي رحمة الله علية , ورضية شمشير و 36 امرأة، والسفير ياسين أحمد صالح و عبدالرحمن خباره و غيرهم. كان ذلك في 15 أبريل1997م.. وطرحنا فكرة أن نقيم ندوة في الشارع أمام مقر الرابطة في المنصورة – أمام محطة المنصورة التي سميت بعد الحرب محطة الرويشان للنقل البري – و فعلاً أقمنا الندوة و لكن عندما بدأت الكلمات ترتفع منددة بالظلم أندفع الأمن و أخذ الميكرفون و فرق الحاضرين بالقوة و كانت هذه ثاني تجربة للأحتجاجات العامة في عدن.

س14: ما هي النواقص السياسية التي لازمت الحراك الجنوبي السلمي ؟!

ج14: نحن وفي بداية الحراك – ويمكن العودة إلى كتابات وندوات طلائع النضال الأولى في الجنوب ستجدون أننا واجهنا الاحتلال بقوة ,ولكن دون أن نذكر كلمتي"الاحتلال أو الاستقلال",فمثلا في المقالات التي حوكمت بسببها مع الأستاذ باشراحيل كانت هناك في نهاية المقال قلت فيها"...فإذا لم تعاد تلك الحقوق فأن المظلومين سيلجئون إلى الجبال"...ونحن نظرنا إلي الحراك من زاوية الرفض الشعبي العارم فقط، و لم نقدر كل ما سيأتي به الحراك والاندفاع المجتمعي الواسع من تطورات ومطالب ذات طبيعة متنوعة في الوعي داخل رموز الحراك والمجتمع الجنوبي بصفة عامة. خاصة بعد أن بدأ الحراك في الضالع وحضرموت وعدن و توجهنا به بعد التصالح والتسامح للأرياف.

س15: يعني أن الأجهزة الأمنية كانت تحاصركم في المدن ؟

ج15: هذا من جهة،ولكن من جهة أخرى , نحن توجهنا إلى الريف لأننا نعرف المؤهلات النضالية العميقة للشعب في الأرياف،وحرية الحركة فيها ، ونعرف صعوبة تحركات الأمن القمعية هناك هذا من جهه ,ومن جهة أخرى كان هدفنا هو أن نحثهم على النزول الى المدن .

س16: وماذا بشأن فروع الأحزاب في الجنوب هل كانت لها وجهة نظر بشأن ما يجري في الجنوب؟

ج16:نعم فقد كان للأشتراكي دور في عدن بعد مجيء الأخ علي منصر محمد. وللرابطة كذلك دور قبل عودة الأخ عبد الرحمن الجفري فقط. ففروع الأحزاب في الجنوب كانت راكدة بسبب حرب 94م وحسابات أخرى كثيرة(الاشتراكي كان مهزوم والإصلاح كان شريكا بالحرب).... وكانت تلك الفروع الضعيفة أصلا تنظر إلى تجمعاتنا الأولى في نهاية عام 1995م في عدن والانتفاضة في حضرموت و المواجهات المسلحة والمظاهرات في الضالع بنظرة متكاسلة، بل و كانت تنظر إلى وضع الجنوب من نافدة الهزيمة، و على أنه أمر واقع حقيقي.فعاد بعض الاشتراكيين الجنوبيين يناضلون من داخل أحزابهم. ولم يكن إلا القليليين المؤمنيين بما سنه الخالق " و تلك الأيام نداولها بين الناس " صدق الله العظيم.

س17: وهل كان يتم التنسيق مع تلك الأحزاب؟

ج17: بكل صراحة، أن الحراك الجنوبي بعد حرب 94م أتخذ أشكالاً متنوعة، و طلائعه الأولى كانت منفصلة عن الأحزاب إلى حد ما، و منفصلة عن مفاهيم الأحزاب القديمة، و لكن هذا الانفصال لم يكن نهائياً، لأن طلائع الحراك الأولى كانت لها خطة عمل ظهرت من خلال الفعاليات السياسية المتلاحقة التي شهدتها الجنوب.. و كنا نرمي في بداية عملنا إلى بعث الرفض الشعبي و ذلك عن طريق الكتابات والفعاليات المشتركة من قبل أبناء الجنوب.. فمثلاً في مظاهرات الضالع الأولى وحضرموت كان المنظمون هناك حريصين على أن يشارك أبناء أبين و شبوة و المحافظات الجنوبية الأخرى. لذا كان نجاح الفعاليات بسبب هذه المشاركة الوطنية....ولكن في عدن كان هناك تنسيق مع حزب الرابطة كون مقره كان مفتوحا أمام أبناء الجنوب ,وكذلك بدأ بعض الاشتراكيين ينشطون في عدن ,ومن داخل مقر حزب الرابطة-مقرهم كان محتل من قبل شيخ شمالي- ,ولكن نشاطهم الأول كان يتركز حول أعادة مقراتهم الحزبية , وأحيانا للتضامن مع العمال المفصولين.

س18: ماذا كان هدف فعالياتكم تلك؟

ج18: في تلك المرحلة الصعبة لم نهتم بمسألة أظهار الأهداف كما هو عليه الآن، و كان الهدف الكبير المسجل في بياناتنا هو رفض حرب 1994م ونتائجها .

س19: يعني ممكن نقول أن بداية الحراك الجنوبي كان يصب في اتجاه رفض حرب 1994م ونتائجها فقط ؟

ج19: نعم، ولكن ليس أخذ الأمور بهذه الصورة فقط. فالحركة الوطنية الأولى كان يعبر عنها الكتاب و الموظفون المدنيون الذين سرحوا من أعمالهم (قبل التسريح الكبير الذي حدث للعسكريين )، و أول شهيد كان الشهيد عامل السياحة في مطلع عام 1996م، و لعب حزب الرابطة في عدن فقط دور ايجابي في تلك المرحلة من خلال فتح مقره في المعلا – عدن للتجمعات الأولى . فأن أول اعتصام قمنا فيه كان في الساحة المقابلة للسوق المركزي في كريتر و كان يترأس هذا الاعتصام فقيد الوطن الأستاذ عمر الجاوي و ذلك تضامناً مع " الأيام " التي كانت قد نشرت مقالة للدكتور أبوبكر السقاف تحت عنوان " الاستعمار الداخلي ". و لم نلقي في هذا الاعتصام التضامني أي كلمات فالأمن والأطقم العسكرية كانت أكثر من المعتصمين.

س20: و هل كانت هناك عمليات رفض في أماكن أخرى من الجنوب؟

ج20:طرق الرفض الأولى بعد الاحتلال مباشرة كانت سلمية ومسلحة ,فالقائد/العقيد بجاش وآخرين قاموا بأول عملية ضد قوات الاحتلال في المهرة نهاية عام 1995م-حكم علية بالسجن عشرين عاما-والمواجهة الثانية في يافع في منطقة فلسان ,عن طريق كمين راح ضحيتها 12 عسكري شمالي وأخر يافعي و عشرة جرحى ,وكذلك عمليات الشهيد المناضل أحمد عبد ربة اليافعي ومحسن ناجي اليافعي ومحمد العجينه في عدن وأبناء شبوة وأبين الذين حكم عليهم بالسجن لفترات طويلة(التقيت بهم في سجن المنصورة خلال فترة أعتقالي الثانية) وغيرهم. وكانت توجد مناوشات ومواجهات مسلحة في الضالع بين الجيش والمواطنين ودكت منازل بعض المواطنين في جحاف . و أول تأبين في الجنوب عكس روح التصالح و التسامح كان يوم تأبين الشهيد أحمد عبدالله (دفن في مقبرة مسجد الرحمن في المنصورة) في قرية شكع. حيث حضر من خارج الضالع: أنا وعباس العسل و أحمد القمع والشاعر علي حسين البجيري وعامر الصوري ( من أبين ) و د. سعودي علي و عبدالواحد المرادي و الدكتور فضل الربيعي والأخ عوض كرامة وعلي سيف حسن وعبد الواحد المرادي وآخرون , ولعب أبناء الضالع دور لن ننساه وذلك في تجميع أبناء الجنوب للمشاركة في الاحتجاجات هناك , وكان على رأسهم الإخوة محمد ناجي سعيد وأمين صالح محمد ومحسن الدبا والشاعر البصير توفيق والعميد سيف علي صالح والدكتور سيف وعبد الحميد طالب وآخرون .

س21: كيف كانت الأيام الأولى لرفض الاحتلال ؟!

ج21: كانت معقدة، ليس بسبب الحرب والهزيمة، و لكن بسبب الماضي وقتال الأخوة . فالشعب في الجنوب بعد الحرب كان شعباً مقهوراً ومتعبا جداً، ولم يكن بحاجة إلى إعادة تثقيفه، بل كان لابد له ذاته أن يخرج من مأساة تمزقه. و بكل صراحة لقد رفض الظلم والقتل ونزع الأملاك بالقوة أي أن النضوج المجتمعي كان موجودا رغم الخسارة والألم . وكان المطلوب ( و لازال ) هو في كيفية استنباط صيغ وأشكال للعمل السياسي من تجارب شرائح المجتمع الجنوبي.. فنشأت التقاليد النضالية الأولى للعمال الذين سرحوا من أعمالهم قسراً أو قطعت رواتبهم بعد أن تحولت أملاكهم وأملاك دولة الجنوب السابقة إلى أملاك خاصة لأبناء الشمال.. حيث بدأت الإعتصامات في بعض المصانع والورش والمجمعات الاستهلاكية، و لكنها ضربت بصورة قاسية من قبل الأمن. وكلما بدأنا نفكر بطريقة لتنظيم المساعدة للمضربين من العمال الذين طردوا من أعمالهم كنا نفشل.لأن العمال كانوا بأعداد كثيرة لكنهم كانوا مفرقين , أضافة الى ان النقابات في عدن كانت تحت قبضة الأمن , وعملت أعمال مخزية ضد حقوق العمال .

س22: كيف ؟!

ج22:كان جهاز الأمن المركزي وجهاز الأمن السياسي أجهزة بوليس متوحشة ,أقول متوحشة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ,حيث كانت تقوم بقمع أي مظاهر للتجمع أو الاحتجاج في عدن , لكنها وجدت نفسها عاجزة أكثر من مرة حيال المظاهرات الكبيرة التي كانت تقام في حضرموت والضالع .. حيث كان يشارك أبناء الجنوب من مختلف المحافظات في تلك المظاهرات و المسيرات والتي أستشهد فيها العديد من المواطنين العُزل. و كانت تلك الأعمال الوطنية هي البذور الأولى للتصالح و التسامح التي تعمقت في الأنفس، و نبتت في جمعية ردفان الخيرية في عدن في 13 يناير 2006م..

س23: يعني أن الحراك الجنوبي بدأ مسلحا وسلميا ؟

ج23: نعم.ولكن دون ترابط بين النشاطين.

س24:وهل كان للأحزاب دور في ذلك؟

ج24: بعد أن أصبحت المظاهرات و المسيرات عبارة عن ظاهرة في المكلا والضالع ,يشارك فيها كل أبنا الجنوب انتقلت إلى أبين والحوطة في لحج ,وإلى مودية , وظهرت الانتماءات الحزبية بكل تذبذبها و قدرتها على تغيير المواقف،أو السيطرة ,منها مع بعض الاشتراكيين ,ومنها ضد ,ولكن ونقول ذلك للتاريخ فقد حاولت تلك الانتماءات الحزبية إدخال قناعاتها إلى الحياة الجنوبية الجديدة الرافضة للاحتلال اليمني , وفرض نمط الأساليب التي تعودت عليها خلال حكمها أو داخل أحزابها التي تنتمي إليها. أضيف إلى ذلك، أن بعض القائمين على تلك الاحتجاجات الواسعة كانت تمتاز بالجهل و عدم الرغبة في محو ماضيها، و بالولوع بالقيادة و هي غير كفاءة لها...فعندما شكلنا اللجان الشعبية حاول الاشتراكيون السيطرة على قيادتها ,وعندما أقمنا التصالح والتسامح كذلك حاول الاشتراكيون عمل قيادة له...وهكذا دواليك ,فكلما أقدم الجنوب على شيء ,أقدم بعض الاشتراكيين على محاولة قيادته رغم أنهم يعرفون أنهم يفشلون في كل مرة.

س25: يعني كانت هناك أزمة بالقيادة ؟

ج25: ليس بهذه الصورة. و لكن ثمة علاقة بين مسألة حب الناس للخلاص من الظلم والاحتلال اليمني والمشاركة في إنهاءه , واعتبار ذلك فرض عين و واجب وطني , ومسألة من يقود هذا الخلاص الوطني لم يكن إلا في بال بعض الحزبيين.. فخلال المظاهرات الكبرى في حضرموت ظهرت تباينات حول كيفية خلق قيادة لتلك الموجة العارمة من الاندفاع الشعبي الذي شهدته المكلا عام (96م - 1998م ) و الذي لم يتكرر حتى اليوم.. و حاولنا مع د.مسدوس و د. أبوبكر السقاف و د. محمد علي السقاف و السفير ياسين أحمد صالح و فاروق ناصر علي و غيرهم إصلاح ذلك لكن دون فائدة. لأن بعض أعضاء المكتب السياسي للاشتراكي من أبناء الشمال كانوا خائفين من تلك اليقظة أن تمس الوحدة التي سعوا من أجلها و وقعوها بدماء أبناء الجنوب.. ثم جاءت المجزرة في 27 أبريل 1998م و التي راح ضحيتها الشهيدان بن همام و بارجاش و عشرات الجرحى و مئات المعتقلين وبدأت مطاردة الأخ حسن باعوم حامل راية تلك المظاهرات.

س26: وإلى متى ستظلون تعانون من أزمة القيادة؟

ج26:إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا , وإلى أن يكف الناس عن تمجيد الإفراد .

س27: كيف ؟

ج27: الحراك الجنوبي السلمي، بالرغم من رفضه الواضح للطغيان،وللاحتلال إلا أنه لم يستطع طوال سنوات كثيرة أن يجد قيادة منسجمة. و ظل التعبير عن إيجاد قيادة للحراك عاطفياً أكثر منه سياسياً. و بالرغم من المطالب الشعبية بضرورة توحّد الحراك الجنوبي السلمي، إلا إنها ظلت في مجموعها إصلاحية أكثر منها وطنية , وتسابق تضعفا النفوس على تأسيس الهيئات بالكتبة , ونشروها عبر الصحافة الالكترونية , ورحب بها المنفيين الذين لا يعرفون جيدا ماذا يدور في الداخل...ونخاف أن تتولد مشاعر شعبية ,تعتبر كل من هو في القيادة همجي أو جاهل...وكما قال الأخوة من ابنا أبين: مشكلتنا أن الذين يستحقون القيادة ليسوا قياديين ,والذين في القيادة لا يستحقونها...ولكن مبدأ التصالح والتسامح هو الكفيل بتصحيح الأوضاع في القيادة.



س28: ما هو الزخم الذي أحدثته عملية التصالح و التسامح ؟
و كيف تم تنظيم ذلك في جمعية ردفان الخيرية عام 2006م ؟


ج28: لقد أعطى التصالح و التسامح أسلوباً جديداً للنضال السلمي التضامني. و يعود الفضل بذلك لله ثم لهيئة جمعية ردفان الخيرية التي عملنا معها منذ وقت مبكر للوصول إلى ذلك اليوم التاريخي . و كنت قد نشرت مقالة تاريخ 13101998م في صحيفة " الطريق " موجهة للأستاذ / الرئيس علي ناصر محمد تحت عنوان " الأستاذ علي ناصر محمد.. التسامح هو المهمة الأسمى أمامكم ". قبل قيام فعالية التصالح والتسامح في 13 يناير 2006م تكونت لجنة كانت مؤلفة من هيئة جمعية ردفان الخيرية رئيسها المهندس/محمد محسن ورئيس دائرة الشئون الاجتماعية/صالح هيثم فرج وآخرين والمحامي بدر باسنيد و أنا و أحمد عمر بن فريد و صالح طاهر سعيد و عبدالله عمر صالح العوذلي و محمد عمر صالح البري وعمر أحمد جبران.. و حضر رؤساء الجمعيات الخيرية لأبناء أبين و لحج و عدن و شبوة و حضرموت و أبناء المهرة و سقطرة وجمع غفير جدا من المواطنين , وكان يوما مشهودا في تاريخ الجنوب .تطور هذا المبدأ السامي وانتقل إلى كل محافظات الجنوب، وعلى التوالي إلى أبين في منزل الأخ حسين زيد بن يحيى – زنجبار – ثم إلى الضالع ,ويافع ثم إلى شبوة ثم إلى حضرموت ثم إلى المهرة.

س29: و كيف كان التصالح و التسامح يسير ؟!

ج29: أن الاستحقاق الأول لمن اكتووا بنار الحكم السابق بسبب " الحرب الباردة " أنهم أحسوا بأنه لا وجود لأي مبرر في أن يدفع هذا الجيل ثمن فاتورة الماضي.. و يعود الفضل لله سبحانه و تعالى ثم لتلك القوى الوطنية التي قامت بتعبئة الناس باتجاه هذا المبدأ السامي..إضافة إلى أن زيادة " مهزلة " نظام صنعاء الرافضة للتصالح و التسامح زاد من شدة اندفاع الناس إليه.

س30: و هل كان هناك من أراد تأطير التصالح و التسامح في هيئات ؟

ج30: كان هناك ميل إلى الارتجال والاستحواذ على أي عمل يحظى بشعبية كبيرة من قبل بعض المشاركين فيه، و ذلك لنقص في ثقافتهم الوطنية و تربيتهم السياسية.. طبعا حاول البعض أن يشكلوا له هيئة في المكلا ولكنهم تعثروا. وأصبح هذا المبدأ كما هي طبيعته ملك الناس جميعاً.

س31: بناءً على هذه الإجابات، هل يمكن تقسيم الحراك الجنوبي السلمي بصورة أجمالية إلى مرحلتين كبيرتين: ما قبل التصالح و التسامح ( 771994م – 13 يناير 2006م ) و ما بعد التصالح و التسامح ؟

ج31: ممكن. و لكن الأهم هو التقييم السياسي السليم للمرحلتين.

س32: وهل كان هناك تأثير جدي على الحراك نتيجة القتل والقمع والاعتقالات التي تعرض لها رموزه من قبل نظام الاحتلال؟

ج32: السلطة خسرت الكثير من جرى ذلك. و قد يدفع القمع الشديد في المدن بالمناضلين إلى الالتحاق بالأرياف , واللجؤ إلى الجبال ,كما قلت في مقالي الذي اعتقلت وحوكمت بسببه.

س33: و ماذا عن الأحزاب بعد هذه المسيرة النضالية المتواصلة ,والتضحيات الكبيرة ؟

ج33: الأحزاب ؟! . الأحزاب تنسى أحيانا حتى أخلاقها. وهدف نشأتها هو نفس هدف نظام صنعاء أي ضم الجنوب واحتلاله.. نسيت " الجنوب " وكل برامجها انغمست في " لعبة التعديلات الدستورية ".. فمن يوم عرفنا هذه الأحزاب بعد إعلان الوحدة و هي تتحدث عن التعديلات الدستورية.. أي حذف مادة واستبدالها بمادة أخرى و هكذا..ونحن نقول دائما أنه إذا كان من حق هذه الأحزاب أن تدافع عن أهدافها ، لكن ليس من حقها أن تتحدث باسم الجنوب أو تحتوي الحراك فيه...أو تنسبه أليها ,أو تأتي بضعفا النفوس ليحتووا الحراك تحت أسماء هي بالأصل حزبية ,كما حصل في تشكيل بعض الهيئات مؤخرا.

س34:ولكن كيف سار عمل المكونات قبل اندماجها ( هيئات الحراك الجنوبي السلمي ) ؟

ج34: مع الأسف هذه أشكال للهيمنة فقط ,وتجسد مصالح ذاتية . و قد حاولت أن تجرف في تيارها قيم كثيرة كانت قد تولدت من خلال التصالح والتسامح ، بالإضافة إلى أنها أصبحت مكان لكل من يريد مسئولية مزيفة , وقد تركها المناضلون المعروفون بتاريخهم النضالي وبالإخلاص والشجاعة و الاستقامة،واستمروا يناضلون من أجل توحيد هذه المكونات , والحفاظ على الحراك الجنوبي الموحّد. ووجد داخل هذه المكونات ما يطلق عليهم بالمناضلين الجدد , هذه العناصر قامت ب (الكتبة) وأدت أعمالها هذه إلى تفتت الحراك الشعبي الجنوبي في تجمعات و شراذم متنافسة.. و خفنا أن تتحول هذه " الخلايا- الهيئات " إلى اختلافات سياسية وإلى نزعة أبائية , وهذا ما حصل فعلا بعد أيام فقط من تأسيسها مع الأسف . ولكن كنا على يقين أن الحراك في المحافظات و المديريات و ما ينطوي عليه من إخلاص للوطن و لدماء الشهداء هو وحده الذي يستطيع أن يرغم هذه " الخلايا-الهيئات " أو ما يطلق عليها بمكونات الحراك الجنوبي على التوحد.. والشارع المنتفض من أجل قضيته لن يسمح بتسمم المناخ السياسي الجنوبي. لأن الأصل في الحراك الجنوبي هو التوحد و ليس التعدد ..

س35: و لكن كان هناك من قبلكم صمت على هذه التكوينات؟

ج35: بالعكس نحن حاولنا / مسدوس و عكوش و أنا و السعدي و آخرين / أن نجمع هؤلاء لكن الذاتية كانت هي الأقوى.. ثم أن هذه المكونات الأربع كلها ظهرت في محافظة واحدة من محافظات الجنوب , وخلال شهر واحد , وأستطاع الخيرين توقيف ذلك التوالد.

س36: و هل كانت هذه المكونات تمتلك رؤى متناقضة ؟

ج36: لا.كانت هذه المكونات تجمعها وسائل نضالية سلمية واحدة وأهداف واحدة . فقط كانوا يتسابقون على القيادة الهلامية , وهناك من كان يسعى إلى الظهور فقط . ومع الأسف أن بعض إخواننا في الخارج كانوا يشجعون ذلك ويدعمونه بحسن نية.. وقد كاد الخارج أن يخسر احترامه عندما شجع قيام مثل هذه الهيئات.

س37: يعني أن هذه التكوينات كانت غير شرعية ؟

ج37: هي بالأصل لا تعبر عن وحدة الحراك الجنوبي السلمي , ونحن رفضناها منذ اليوم الأول عندما طلبونا للمشاركة فيها.. فالاختلافات بين ثلاثة أفراد فقط صنعت هذه التكوينات. والبعض أيد هذا التكوين أو ذاك إنطلاقاً من حساب شخصي أو مصلحة حزبية أو لأنه جاء للحراك متأخرا فيحاول تعويض ذلك بوقوفه إلى جانب شخصية مناضلة لمنحة عضوية قيادية تروي عطشه . ولكن وبالمقابل ظل 90% من الحراك الجنوبي تقوده نخب سياسية صقله في الميدان والسجون و المحاكمات تطالب بإيجاد كيان نضالي واحد وموحد ,ولو بنسبة 70% –وليس كيانات أو خلايا غير موحدة ومتعددة - والذي يريد رئاسة هذا الكيان الموحد نعطيه ستة أشهر يجرب ,وتجربه الجماهير, ولا خوف على الحراك منه , فالجماهير نفسها ستعيده إلى مكانة الطبيعي .

س38: إذن ما هو الحل الذي كنتم تنظرون إلية في تلك الفترة ؟

ج38:بكل صراحة كنا نقول حينها أنه إذا وجدت دولة للوحدة من الشريكين وأعيدت أملاك الجنوبيين وقدم القتلة إلى القضاء ,أنه ممكن تفتح صفحة جديدة بين الشعبين.ولكن الله سبحانه وتعالى أعماهم...

س39: فلنترك حال بدايات النضال الأولى الذي سنعود إليه و نتحول إلى الحزب الاشتراكي اليمني باعتباره كان يشكل جزء من النضال في تلك الفترة ؟!

ج39: لا، مثل هذا السؤال قد أسقطته الثقافة الاجتماعية ,والاشتراكي لم يكن يستطيع أن يناضل باسمة أبدا لا في تلك الفترة المبكرة من الرفض الشعبي الجنوبي ولا الآن. فالثنائيات التي اشتعلت في القرن الماضي سقطت تماماً، وهي التي حافظت على الأنظمة الاستبدالية و الشمولية في الوطن العربي , لكن الآن أصبحت كل الأنظمة مفتوحة و مركبة من عناصر كانت يوماً متضادة و متصارعة.. و رأيي الشخصي أن الحزب الاشتراكي-كحزب وليس كأعضاء جنوبيين- كان/وما يزال شريكا في احتلال الجنوب.

س40: أسمح لي أخي الأستاذ الغريب أن ننتقل إلى خارج قضيتنا ولكن بمفاهيم قد تؤثر في سيرها فهناك من يقول أن الحزب الاشتراكي كان وما يزال يحمل مشروعا عالميا كالليبرالية والعلمانية مثلا ؟!

ج40: لا، و من قال هذا. شف أي فكرة أحادية (ماركسية، رأسمالية، قطاع عام، قطاع خاص، علماني، ليبرالي ) ستتلاعب من جديد بمصيرنا . فالتحليلات و الحلول من وجهة نظر واحدة – كما قلت سابقاً – سقطت. إن الأنظمة نفسها غير ثابتة، هي مشاريع متغيرة. فالصين تقود ثورة رأسمالية تحت ضوابط اشتراكية ؟! .. و تعايش الدين مع العلمانية في تركيا. و علينا أن نميز بين الصراعات الفكرية و بين المناهج الفكرية التي سقطت شأنها شأن كثير من الديانات منها المسيحية نتيجة خطاء في التطبيق . فها هو فوكوياما الذي قال أن الرأسمالية انتصرت انتصاراً حاسماً اعتذرً مؤخراً و اعترف أن هذا قول ساذج و زائف. و إذا عدنا إلى أواخر القرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين سنجد أن القضية الأساسية التي كانت تواجه البشرية – خاصة الدول النامية – هي الاختيار بين الرأسمالية أو الاشتراكية. و قد كانت هناك أسباب كثيرة و وجيهة للاختيار .واليوم بعد أن سقطت القطبية الثنائية و انتهت الحرب الباردة، لا يعني أن الرأسمالية ليست بحاجة للإصلاح. فالإصلاح سيظل مفتوحاً على مصراعيه.

س41: ولكن، الاشتراكية استخدمت وسائل بشعة في توسعها الجغرافي خاصة في آسيا ؟!

ج41: نقول نعم ولكن لماذا؟ لأن الاشتراكية كانت مشروعا توسعيا شأنها شأن الرأسمالية، فالرأسمالية بدأت باحتلال الشعوب و نهب ثرواتها، فالاشتراكية والرأسمالية كانا مشروعان توسعيان لا حدود ولا دين لهما . و لا ننسى أن هناك نظم رأسمالية كانت همجية في علاقاتها مع الشعوب الأخرى.. و في القرن الماضي بشكل عام لم يكن هناك طريق أخر أمام طرد الاستعمار الذي ارتبط بالرأسمالية سوى العصيان المسلح و الهند كانت الدولة الوحيدة التي خرجت عن هذا الطريق، و كذلك مصر العربية بداية القرن الماضي عندما فوض الشعب المصري وفده لعرض قضيته على الرأي العام البريطاني برئاسة سعد زغلول.. و لكن اعتقد أن ذلك الاختيار الاستثنائي في التحرر من الاستعمار كان بفضل قادة ذلك الزمان فالمهاتما غاندي كان شديد العطف على جميع مواطنيه بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية فتعلقت به قلوب الهندوس و المسلمين معاً و عندما أثمرت نضالا ته السلمية وأخرج البريطانيين من بلاده، رأى في بعض الهندوس تعصباً أدى بالمسلمين إلى المطالبة بأرضهم فاقتنع بوجاهة مطلبهم و رضي بتقسيم الهند و لم يبال بتعصب المتعصبين من أبناء دينه. و أصبح من زعماء الحرية في الهند و باكستان و العالم، و كذلك مانديلا الذي وضع مبدأ سامياً في التعايش بين البيض و السود و الملونين في جنوب أفريقيا، و رفض بعد خروجه من السجن أن ينتقم من البيض الأبارثيد، فعاشت البشرية أكبر مصالحة تاريخية دفنت التمييز العنصري، و رضي بعد استقرار بلاده أن يكون مواطناً عادياً و عهد إلى شعبه أن ينتخب مواطن آخر، و نهى بحكمته أسباب النزاع بين الأبيض و الأسود و أسباب النزاع على السلطة. و هؤلاء لم يتسلحوا بأي أيدلوجيات و لا انتماءات عرقية أو مناطقية أو سلالية، و خدموا بلدانهم خدمات نرى آثارها بأعيننا بغض النظر عن التقلبات التي ستحصل فيما بعد.

س42:ولكن الغرب المتطور ماديا انتصر بعد سقوط الأنظمة الاشتراكية ؟!

ج42: نعم انتصر الغرب و لكن المعركة الحقيقية انتقلت إليه هذه المرة بعد أن كانت تدور أيام الحرب الباردة في العالم الثالث. فمثلاً أيام الحرب الباردة كانت الولايات المتحدة تملك نصف ثروة العالم، و نقصت النسبة إلى ربع الثروة سنة 1970م حسب الإحصاءات الدولية و تحولت التجارة العالمية من تجارة تخدم الإنسانية إلى تجارة غير إنسانية و غير أخلاقية و اسمح لي أن أخذ الآن من مذكرتي هذه الأرقام.. فالحجم الكلي لتجارة المخدرات عالمياً900 بليون دولار سنوياً، و تبلغ تجارة الأسلحة غير الشرعية 15 بليون دولار سنوياً.. ، و يقدر الاتجار المحظور بالنفايات السامة بنحو 12 بليون دولار سنوياً.. و إذا كان حجم التجارة العالمي قد وصل عام 2003م إلى عشر تريليون دولار فإن قيمة الأموال التي تغسل عبر العالم تصل إلى 1,5 تريليون دولار . و رغم تكاثر و تشابك هذه الجرائم الإنسانية و في ظل هذه التدويل للمهربين ظلت ميزانية الانتربول 50 مليون دولار فقط , وبينما العالم يعاني من انتشار الفيروسات القاتلة تتصارع البلدان المتطورة بواسطة شركات كبيرة للمستحضرات الصيدلانية على براءات الاختراعات. الولايات المتحدة حددت 7 ملايين دولار لمساعدة البلدان التي انتشرت فيها أمراض قاتلة بينما هي تنفق 7 بلايين دولار لتستثمر في مجال مزارع الخلايا فقط، إذن فالأوضاع في بلدان الرفاهة و اللذة أصبحت أكثر انحطاطاً و تأزماً منها في أي وقت مضى و ظهر من جديد نمط الحياة العبودية و التمييز في الحياة و البقاء. و قد رأينا مؤخراً كيف استعلت الأحياء الفقيرة في ضواحي باريس عاصمة حقوق الإنسان ولدى إيطاليا وأسبانيا و هولندا أسوى الضواحي الفقيرة. و ما حدث في ضواحي باريس يشبه تماماً اضطرا بات لوس أنجلوس التي وقعت عام 1992م و أدت إلى مصرع أكثر من 50 شخصاً فالقضايا تنوعت و اختلفت و أعتقد أننا لا نستطيع أن نتكلم عن زمن الأقطاب مفصول عن حاجات الشعوب الداخلة في تلك الأقطاب.

س43: لكن السؤال يبقى مطروحاً، كيف اختلفت الاشتراكية و كيف استطاع الغرب أن يستمر دون منافس، و هل الوضع خطير ؟! و ما تأثير ذلك الحياة السياسية في البلدان العربية ؟!

ج43: سقوط الاتحاد السوفيتي بتلك السرعة شكل حداً فاصلاً بين ما قبله و ما بعده. بعد ذلك بدأت الولايات المتحدة تتدخل جدياً في المسار العالمي الذي لم يكن لها عليه قبل ذلك سلطات مطلقة. أي التدخل الحاسم في وضع الطاقة و النفط من المنبع إلى المصب.. إنتاجاً و تصديراً. و لم تعد قوانين الشرق الأوسط المتبلدة تعمل على هواها كما كان حالها أيام الحرب الباردة. و القضية الرئيسية اليوم ليست في مسألة لماذا سقطت الاشتراكية أو كيف انتصرت الرأسمالية. فالسقوط و البقاء ارتبطا بالمجتمعات نفسها.. في 1969م أرسل الروس سفينة فضائية دون ملاح إلى سطح القمر و حطت في المكان المحدد لها بدقة و عادت إلى قاعدتها الأرضية سالمة، لكن 40% من المستشفيات الريفية التي كانت في الاتحاد السوفيتي لا ماء فيها و لا رعاية صحية، ثلث الأطباء باعتراف تقارير تلك السنوات غير مؤهلين لمعالجة المرض و السلع الضرورية مفقودة.. و في العام الذي بدأت فيه الصين إعداد قنبلتها النووية في 1958م مات فيها 20 مليون جوعاً. أي أن 30% من الدخل القومي استخدمه الشرق للإنفاق العسكري. و نحن على يقين تام أنه بعد سنوات معدودة ستوجد ملامح كثيرة مشتركة بين الانحطاط الاشتراكي و الانحطاط للسوق الرأسمالية التي تقود العالم اليوم. ففي حقبة انحطاط الاشتراكية أصبحت الأحزاب الحاكمة تعيش من الدخل القومي، و أصبحت غنية في مجتمعات فقيرة. أما الوطن العربي فهو سيعيش حرب المائة عام و قد بدأها في 2 أغسطس عام 1990م باحتلال العراق للكويت واحتلال اليمن للجنوب العربي.. فالأنظمة العربية مجتمعةً قائمة على نظام الحزب الواحد " الذي لم يخلق مثله في البلاد "، و أسطورة إلغاء أحزاب المعارضة أو تشويه آراءها و إطلاق نعوت الخيانة العظمى عليها منعاً لتداول السلطة سلمياً و هذه الأحزاب الحاكمة ابتلعت الدولة و المجتمع. بل أن ثلث رؤوس الأموال التي تقترضها بعض الدول العربية أعيدت إلى المصارف الغربية الدائنة في شكل حسابات سرية بأسماء أفراد. فانتشرت البطالة و عم فساد الأرض بسبب تركز السلطة بيد عصابات وأحزاب معينة، و التبذير يلتهم اليوم ثلثي الموارد المادية للدولة العربية و تنفق الدول العربية – حسب الإحصائيات الأخيرة – 30 مليون دولار في اليوم على الأمن. و في نفس اليوم يموت 300 طفل و ضعفهم من الراشدين بالجوع و الأمراض. و مائة مليون لا يأكلون كفافهم. و الحديث طويل عن هذه الأرقام التي لو لديك فرصة أخرى سأوضحها لكم بشكل أفضل.

س44: لكن التاريخ يقول أن الاشتراكية كانت تحاول أن تكون بديلاً للرأسمالية ففشلت، و اليوم هل سيحل الدين الإسلامي حكماً بين الاثنين ( الرأسمالية و الاشتراكية ) ؟

ج44: الدعوة إلى الاشتراكية نشأت في بعض بلدان أوروبا، و خاصة في ألمانيا، و كانت بسبب الجوع و الفقر من جهة و التملك و التجارة من جهة أخرى. فجاءت الاشتراكية لتحرر المجتمعات من المادة النقدية. و هي عكس الطريقة التي جاءت بها الرأسمالية للحكم. حيث كان البرجوازيون الأوروبيون يسعون لتحريرهم من سلطة الكنيسة و عندما تحرروا منها صوّر لهم التحرر بأنه مزيد من الظلم و نهب الشعوب و من خزن الثروة و الذهب و الفضة، و بأن هذا التملك – حسب ما وصفته الكنيسة الجديدة – هو صورة من صور اختيار الله للإنسان. فأحلوا بذلك فهم آخر لدينهم يعطيهم حق نهب الشعوب، محل سلطة الكنيسة القديمة. و هذا كان السبب الأول و الأخير في فصل الدين عن الدولة,أي أن الرأسمالية هي التي قضت على الدين المسيحي في أوروبا , و بذلك ظهرت الحرية الفردية المخلة بالقيم الدينية والإنسانية ,وروح الكسب الرخيص والادخار و الاستيلأ على ثروات الشعوب الأخرى و إفقارها.

لكن إذا نظرنا إلى حال البلدان الإسلامية سنجد أن الدعوة فيها إلى الإصلاح تنبثق من شقين : هل نحكم بما حكم به السلف بعد الخلفاء الراشدين أم نحكم بما جاء في القرآن و السنة النبوية و الخلفاء الراشدين و صحابة رسول الله (ص) ؟! ، وكيف يمكن أن نجعل من ديننا الإسلامي الحنيف يصلح لكل زمان ومكان ؟ .. نلاحظ أنة لا يوجد في هذا الطرح أي دعوة علمانية.. و القياس بين دعوة الأوروبيين بفصل الدين عن الدولة جاءت بها البرجوازية الأوروبية،ولكن رغم الغناء الفردي في الشرق إلا أنة لا أحد من بين المسلمين أو مذاهبه من يدعو لهذا. و لكن بعض الفئات الغنية في الأوطان الإسلامية وجدت في تفسير بعض سور وآيات القرآن الكريم ما يبرر خزنها للأموال و الذهب و الفضة و الأملاك ناسيين أن محمد (ص) مات و درعه مرهونة بينما الأموال عند قدميه. و هذه الأموال (بيت مال المسلمين ) لا يعتبرها خاتم الأنبياء (ص) ملك له، بل ذراها الله للناس جميعاً و جعل حقهم فيها متكافئاً. حتى جاء زمن معاوية وتحول {بيت مال المسلمين} إلى{ ملكية خاصة } بيد الحكام .و تحولت السلطات في الأوطان الإسلامية إلى سبيل للسيطرة والظلم و للثراء و للترف المدمر الوبيل، و إلى إفقار الشعوب المسلمة من قبل المسلمين أنفسهم. و بدلاً من أن يظهر أبي ذر الغفاري " و ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطئاً " ظهر شخص آخر يحمل حزام ناسف. فضاعت كلمة الإسلام بين ركام الأموال والرباء و عواقب الإرهاب.

س45: يعني أن الدولة هي المسئولة، و ليس الإسلام ؟

ج45: أكيد، الدولة في الوطن العربي أصبحت جابية لا عادلة، استعلاءً و ترفاً لا تواضعاً و كفاية. فمن من علماء الإسلام الذين تمتلئ بهم المساجد مثلاً خرج إلى معاقل السلطة والثروة
( و هو يرى بأم عينه كيف تتدفق جيوش الفقراء إلى الشوارع و المساجد و أماكن القمامة ) بالكلمة الصادقة المستبسلة بعيداً عن المصلحة الذاتية ؟ فهذه الخرجة لو حدثت ستكون نابعة من كتاب الله وسنة رسوله. فباسم الإسلام، قُسم المسلمين بين فقير و غني، صاحب أملاك خيالية و صاحب كوخ " عجبت لمن لا يجد القوت في بيته لا يخرج على الناس شاهراً سيفه "، فهذه كلمة عمر بن الخطاب و أبي ذر الغفاري رضوان الله عليهما. و هما اللذان تركا لغة السيف بين المسلمين و عملا بلغة المنطق و الإقناع. و قد قالها أبي ذر في وجه معاوية بن أبي سفيان " أن الناس سواسية كأسنان المشطً"

س46: شكرا جزيلا على هذه الإجابات ونحن من خلالها فقط أردنا أن ننوع المعرفة والمقابلة ,ولكن دعني أعود إلى الداخل،هل هناك من الشماليين من وقف معكم ؟!

ج46: لا. الذي حصل هو أن جميع القوى الحزبية وغير الحزبية الشمالية بدون استثناء تكالبت علينا. أما الشعب فهو مقهور مثلنا ,ولا يوجد بيننا وبينه إلا كل معاني التقدير والأحترام.

س47: و يبقى السؤال (للاستفادة فقط) عن شكل النظام السياسي الذي طرح لدولة الجنوب مستقبلا ,هل هو النظام البرلماني , أم الرئاسي ، أم أن النظام الفيدرالي هو الأسلم ؟!

ج47: كل هذه الأشكال من الأنظمة السياسية التي ذكرتها في سؤالك سأجيب عنها للتوضيح وهي تصلح اليوم للحل في بنا دولة الجنوب , بعد فك الارتباط بأذن الله تعالى , وسأجيب توضيحا لسؤالكم ...فالأنظمة في عالم اليوم أصبحت بالأساس مكونة من تركيبات مندمجة. فالولايات المتحدة الأمريكية نظامها رئاسي و لكنها دولة فيدرالية، و هي دولة فيدرالية إلا أنها ذات نظام حكم محلي واسع الصلاحيات.. و الحكم المحلي في كل ولاية هو أساس نظام الحكم فيها.. و تقليدياً أعلى سلطة تنفيذية في النظام الفيدرالي هي أما رئيس الدولة كما هو الحال في أمريكا و أما رئيس الوزراء كما هو الحال في بريطانيا. و في روسيا الاتحادية الفيدرالية، الحكم رئاسي و لكن الدولة اتحادية و هناك تسع جمهوريات ذات حكم مستقل تماماً ما عدا في الخارجية و الدفاع. أي أن هناك جمهوريات فيدرالية متحدة و داخل كل جمهورية أقاليم و هناك حكومة مستقلة في كل إقليم و هيئة تشريعية (برلمان) و دستور لكل إقليم. إذن فالقضية ليست في وجود الدولة ولكنها في صلاحيات و وظائف مؤسسات الدولة. حيث الفيدرالية بدون نظام حكم محلي هي بالأخير نظام شمولي كما هو حال نيجيريا. فالأهم من الأشكال النظامية السياسة الفوقية هي الحكومات المحلية , بحيث تعمل هذه الحكومات بصورة مستقلة و تحت مسؤولية و مصالح و نشاط المواطن الذي يقدر أهمية المسائل المحلية، و كذلك قيامة بإدارتها و تنفيذها. فسكان المحليات لا يجب أن ينتخبوا القائمين على شؤونهم فقط (لأن صلاحيات المجالس قد تكون شكلية) و لكن يجب أن يقرروا قضاياهم المحلية و أملاكهم و كيف ينتفعون بها و يشرفون عليها باعتبارها أملاك محلية تخصهم. و حدود الأراضي المحلية لا يحق لأحد تغييرها أو تخطيطها أو توزيعها بدون رضا السكان المحليين. مهما كان وسع الأرض أو ضيقها مقارنة بعدد السكان. و الحكم المحلي يمارسه السكان المحليون مباشرة عبر المجالس المنتخبة كما هو حال كثير من بلدان أوروبا أو عبر البلديات أو عبر هيئات و مؤسسات الحكم المحلي. و صلاحيات مجالس الحكم المحلي تثبت دستورياً من حيث: إدارة الأملاك المحلية

(أراضي – ثروة و موارد) و كذلك وضع الميزانية المحلية و طرق تحصيلها و جمعها و توزيعها، حماية النظام الاستثماري و الاقتصادي، كيفية التصرف و الانتفاع و امتلاك الأملاك المحلية. تكوين مصادر الحكم المحلي و مؤسساته و إقرار الضرائب المحلية و الرسوم و تحصيلها التصرف فيها و يعتبر تخطيطها لغير المصلحة العامة محرم كونها موطن الأجيال القادمة القريبة منها. ضبط و تنظيم مخططات التعمير و البناء و مراقبة حجم المياه و مكونات الطبيعة، و ما هو في جوف الأرض، و كل ذلك من أجل البناء و التشييد المحلي.

س48: وهل يتعامل الحراك مع هذا الطرح ,وكيف يتعامل المحتل مع أي طرح جنوبي ؟

ج48: هذا سؤال مهم جداً. فنظام الاحتلال يواجه أي رأي جنوبي بالقوة والبطش لأنه لا يملك مخرجاً آخر من الأزمات التي تحيط بعمله إلا تدمير الخصم.في السابق كان نظام صنعاء يدمر الخصم ثم يحاول إعادة إحياءه من جديد إذا عرف أنه سيستفيد منه ,وبعد أن يكون قد فقد قواه الحقيقية.. ثم أحيانا يعيد ما دمره ليعود له الفضل بالوئام و التسامح.ولكنه فشل في استخدام هذا الأسلوب غير الأخلاقي في الجنوب. واليوم نظام الاحتلال فقد جميع الشعارات البراقة التي تعاطاها لنهب وضم الجنوب بالقوة العسكرية .. وسياسته في الجنوب بنيت على النهب والحروب و كسب الخصوم وقتل الشرفاء ..ولكن هذا الدواء تحول إلى داء، و في الوقت الحاضر جاء بالقاعدة , كان يضن أنها ستكون عامل تخفيف للازمة ولكنها أصبحت عامل متفاقم لأزمته. أذن فإن رد نظام صنعاء على الحراك الجنوبي السلمي بشأن فك الارتباط والاستقلال يقابل بالرفض الكامل والتدمير الكامل من قبل قوات الاحتلال ,خوفاً من أن يعود التوازن بين الشمال و الجنوب كما كان عليه الحال في الربع الرابع من القرن الماضي.. أما قول نظام صنعاء في بداية الحراك أن هناك مؤسسات للدولة من خلالها يتم استيعاب ما يطرح من قبل الجنوبيين فهو مجرد تبرير للحرب. فحرب 1994م لها منطقها ومشروعها الخاصان بها, فهي قامت لا لأن الشعب اليمني يريدها، بل لأن حماية مصالح المؤسسة العسكرية القبلية الشمالية ومسألة اقتسام الثروة و أراضي محافظات الجنوب سيظلان يقودان الشمال إلى ذلك . ونتيجة لذلك وجد رفض شعبي جنوبي سلمي يقود مشروع وطني واعي: من أجل الاستقلال واستعادة الدولة وفك الارتباط. هكذا يكون الخيار المطروح اليوم: أما التفاوض مع الجنوبيين تحت قيادة الزعيم علي سالم البيض و إما أن يظل نظام صنعاء يقتل ويدمر في الجنوب إلى أن يطرد منها . ولا يوجد مخرج ثالث. هذان هما الرهانان التاريخيان اللذان تطرحهما الظروف الحالية علينا.

س49: لكن هناك دعوات يقال أنها تضر بالحراك الجنوبي ؟

ج49: أي دعوات ؟!

س50: دعوات للفيدرالية أو الكون فيدرالية وغيرها في ظل مجتمع الشمال الذي يعيش فيما قبل الدولة ؟!

ج50:لا أحد يطرح ذلك من الجنوبيين ,لا في الداخل ولا في الخارج. فالجنوب له دعوة واحدة هي فك الارتباط والاستقلال .. ؟! . و لكن هناك سر تكون في الشمال من خلال النظر إلى الحراك الجنوبي السلمي . ما هو؟، الريف الشمالي ظل مسكوناً بالثأر و الفقر و التناحر القبلي والمذهبي القاسي لذا استصعب بناء الدولة في الشمال. و بعد وحدة 22 مايو 1990م حافظت بعض القوى على هذا الجيب المسكون بأفكار ما قبل الدولة لاستخدامه ضد الشعب في الجنوب , و نمت غلغلة الخوف و الرعب على "شعار الوحدة" من خلاله. و تصاحب هذه المفاهيم تطهيرات كثيرة للجنوبيين من خلال تحريك هذا الجيب المسلح-قتل في الجنوب منذ بدأ الحراك السلمي أكثر من أربعمائة شهيد و900 جريح وعشرات الآلاف من المعتقلين-.. و تظل القضية المذهبية في الشمال التي تشكل شرخاً اجتماعيا و سياسياً لا تزال هي ذاتها منذ عقود:الحروب الداخلية التي لا تنقطع . و قد تبين أن التعددية السياسية التي ظهرت بعد إعلان الوحدة ليست كافية بحد ذاتها لربط المجتمع الشمالي المتفكك من بعضه البعض لأن الحزبية تقودها القبيلة . و الأكثر من ذلك هو أن الصيغ التي تقدم بها نظام صنعاء و بنوك القروض الدولية و المؤسسات المالية و المساعدات الكبيرة بغية النهوض باليمن فشلت تماماً و أعلنت فشلها. وهذا الفشل بحد ذاته قوى ذلك الجيب المسكون بأفكار ما قبل الدولة والآن تهيئة صنعاء لقتل الجنوبيين وتدمير مساكنهم وقراهم.. ووجد نظام الاحتلال ضالته المنشودة في مراكز القوى القبلية و العسكرية الذين تحولوا إلى مستثمرين وتجار كبار للتخلص من الخصم الجنوبي، و وجد هؤلاء بدورهم وحدتهم الوطنية الشمالية بالنظام الحالي الذي يسعى إلى تمكينهم من أجهزة الدولة و ثروة و أراضي الجنوبيين.. لذا فإن بعض الخلافات التي تصنف كدعوات مذهبية أو مناطقية في الشمال ليس سوى فرض القبول بالواقع هناك .. والحروب في الشمال تجري تحت هذه الشعارات الوهمية(ستة حروب خاضها نظام صنعاء مع الحوثيين في صعده وعلى مساحه تقدر ب 20 كيلو) . غير أن مأساة محافظات الجنوب التي جاءت بعد حرب طاحنة

(11 مليار دولار)استثمرتها هذه القوى ,التي أظهرت للعيان ما في نظام صنعاء من هشاشة و تهافت على الغنائم، و أبانت كيف أنها استخدمت هذا الجيب المسكون بالفقر و الجهل و العصبية لاستخدامه ضد الشعب الجنوبي.

س51: و الآن إذا انتقلنا إلى بدايات الحراك السلمي والاحتجاجات في محافظات الجنوب، كيف كان يتعامل نظام الاحتلال معهما، و هل كانت هناك معالجات فعلية ؟

ج51:في هذا الإطار يمكن التأكيد على عدد من الملاحظات:
أولاها:في بداية الرفض الجنوبي للاحتلال تحركت أجهزة نظام صنعاء لمواجهة الاحتجاجات الجنوبية السلمية فكانت الأولوية عند نظام صنعاء هي إنها الاعتصامات و السيطرة عليها بالقوة و من ثم بالوعود الكاذبة وتشكيل اللجان لتمييع القضايا. و جدير بالذكر أن لجوء قوات الاحتلال إلى الخيار الأمني العنيف – قتل و اعتقال و تعذيب نفسي – أدى إلى طرح المطالب السياسية بصورة قوية.

و ثانيها: جميعنا لاحظ أن ردود أفعال الاحتلال إزاء الاحتجاجات السلمية التي شكلت تحدياً له بسبب حجم المشاركين ( الذي لو جمعتهم من كل محافظات الجنوب لبلغ مليون و نصف مواطن رافض تماماً للأوضاع التي يعيشها )، لم يقم نظام صنعاء بالتعامل مع الأسباب المباشرة التي أدت إلى اندلاعها، بل إلى محاولة السيطرة الأمنية عليها و بالقوة و إطلاق الرصاص الحي على المواطنين العزل و اكتفى النظام بإصدار قرارات و إعطاء تعليمات شفوية و مكتوبة لمعالجة قضايا المتقاعدين ( كان عدد المشتغلين من المدنيين في المحافظات الجنوبية قبل الاجتياح عام 1994م (350,000 مشتغل ) ، وراح يتخلى عن التزاماته و وعوده كلما رأى أن الشارع سكن .. بل و اتخذت صنعاء بعض الإجراءات بشأن التشكيك بمطالب الناس و تقوية القرارات الخاصة بشأن تحسين الأجهزة الأمنية التي تقوم بالمراقبة و القمع.

و خلاصة القول: أنه إذا كانت الاعتصامات و المسيرات و المظاهرات السلمية التي مارسها أبناء الجنوب بدون استثناء ( متقاعد، موظف مظلوم، طالب، تاجر، مغترب، مواطن، عاطل عن العمل ) قد شكلت ضغوطاً على قوات الاحتلال ، فإن استجابة أجهزة صنعاء لهذه الضغوط على صعيد التغيير في سياساتها تجاه أبناء الجنوب كانت القتل والتدمير والاعتقالات والملاحقات . حيث اتجه إلى التحكيم في هذه الاحتجاجات السلمية و مواجهتها استناداً إلى تحريمها و إطلاق النعوت و الأسماء عليها و إلى الأسلوب الأمني المكثف في أغلب الأحوال و إلى تمزيق أصحاب الحق بالوعود غير الأخلاقية، و أحياناً الاستجابة إلى بعض المطالب الجزئية للمراوغة فقط، و ليس لأحداث تغييرات ملموسة في سياساته البشعة تجاه أبناء الجنوب و توجهاته على صعيد نهب الأرض و سلب الثروة و اغتصاب الحقوق والسير بالإبادة الجماعية للجنوبيين بصورة تدريجية.

س52: هذا التعامل مع الاحتجاجات واضح ولكن هل توجد تصورات لنظام صنعاء لهذه الاحتجاجات ؟

ج52: أخي أنت تعلم أن الاحتجاجات و قوى الرفض في الجنوب أصبحت ظاهرة شعبية عارمة الطفل فيها والأب والأم والجد. والاتجاه السائد لدى أجهزة الحكم هو فصل هذه الظاهرة عن أطرها المجتمعية، و وصفها كنتوات دخيلة أو أنها تقاد من قبل الذين فقدوا مصالحهم و أنها تتمون من الخارج و تقف خلفها قلة من الانفصاليين و الكفرة، و بالتالي – يفهم المواطن البسيط في اليمن(الشمال حاليا) ,الذي يسلح بالحقد لقتل الجنوبيين بدم بارد - أن هذه الاحتجاجات التي تعم كل الجنوب هي إجرامية و لا يمكن تصديقها و تعامل الأمن معها بالقوة و القمع جائز، شرعاً و قانوناً.. و المواطن الشمالي في هذه معذور إلى أن يبلغ المعرفة، خاصة و أن هناك هجمة إعلامية واسعة موجهة للشعب في الشمال ، خلطت الأوراق و ضيعت حقيقة ما يعتمل في الجنوب، علاوة على غياب النظرة الموضوعية وال أسلاميه لطبيعة الوضع في الجنوب و تصاعد الاحتجاجات فيه التي تشارك فيها كل شرائح المجتمع ( سلاطين ,مشايخ ,رجال دين ,تجار ,شباب , متقاعدين، عسكريين، مدنيين، ، مستثمرين و مغتربين... الخ )، و نظام صنعاء خلال الفترة الماضية-في بدايات الحراك- اتجه إلى التهويل من خطرها على الوحدة أي على الغنائم، واعتبر هذه قلة تشكل خطراً على الوحدة و الاستثمار و الديمقراطية لأخذ عطف الشماليين ,حتى ممكن يفلت المجرم إذا قتل عشرين جنديا من الفقراء الشماليين المظلومين ,ولكن إذا قتلت بقرة في مزرعة متنفذ شمالي ستهدم قرى بأكملها ثمنا لهذه الجريمة....ولكن رغم كل ذلك فشلت الحملات العسكرية الدموية والوحشية تحت الضربات السلمية لأبناء الجنوب وإصرارهم على تحرير أرضهم من دنس الهمجية والجاهلية بالوسائل الحضارية...واليوم لم يعد لهذه الأطروحات والتهويل مكانا حتى بين الشماليين.

س53: التصالح و التسامح في الجنوب، و الذي أعطى هذه الظاهرة خصوصيتها ؟هل كانت القضية الجنوبية هي مرتكزها الجوهري ؟

ج53 : في الحقيقة ، ثمة توجهات ووسائل كثيرة سلكناها منذ ما بعد حرب 94م ، في كتاباتنا و مواقفنا و ممارساتنا و اصطدمنا بألم حاد بواقع معقد بسبب الماضي الكئيب . و أنتم تعلمون كيف أنزلق الجنوب بعد الاستقلال الوطني الأول إلى فتنة داخلية دامية بفعل عوامل محلية و دولية قاهرة أدى ذلك إلى تعطيل الجنوب بصورة شبة كاملة على مدى أعوام الفتنة
(67- 1990) و أول خطوة كنا نفكر فيها بعد " حرب الغنيمة "حرب احتلال الجنوب هي لملمة الجروح الداخلية و آثارها المؤلمة.. من هنا تبنت جمعية ردفان الخيرية في عدن
( و خاصة من قبل الأخوين رئيس الجمعية محمد محسن و صالح هيثم فرج و غيرهم ) الدعوة الأولى في الجنوب للتصالح و التسامح في 13 يناير 2006م.. و عندما لاحظنا الهجمة الإعلامية و الحزبية الرسمية ضد تسامح الجنوبيين و تصالحهم وتعاملت معها صنعاء بصورة وحشية، عرفنا الأهمية الفائقة لهذا المبدأ و واصلنا السير فيه بكل قوتنا.. و أتضح لنا أن حشد الطاقات الجنوبية لن تتيسر من غير توفر هذا الشرط.. و أن التسامح و التصالح و التضامن بدأ شرطاً اجتماعياً لازماً لنجاح الحراك ونجاح مشروع الرفض الشعبي السلمي للظلم و الاستبداد و النهب و السلب وهو بالتالي يعتبر مدماك النضال الوطني لطرد المحتل اليمني.

س54: هل شاركت أحزاب اللقاء المشترك في هذا الطريق، أي طريق التصالح و التسامح ؟

ج54: لا, لم تشارك أحزاب اللقاء المشترك بهذا المبدأ السامي والديني ,بل عملت ضده شأنها شأن نظام الاحتلال. لسبب معلوم هو أن أحزاب المشترك لها وظيفتها الخاصة التي هي جزء من وظيفة نظامها .ثم أن الجنوب بالنسبة للأحزاب ونظام صنعاء يشكل الموضوع الأول و الأخير، و لكن فروعها في محافظات الجنوب شاذة عن هذه القاعدة.. إذن فالأحزاب سواء كانت في الحكم أو المعارضة ظلت خارج قنوات الحراك الجنوبي.. لأن الحراك في الجنوب الذي تكلل مؤخراً بالاحتجاجات الشعبية السلمية العارمة يقود مشروعاً سياسياً ذات انتماء طبيعي لهويته وتاريخه ووطنه الجنوب بعيد عن الصدام من أجل السلطة أو في سبيلها. من هنا تكرست مفاهيم نضالنا السلمي من أجل الاستقلال وفك الارتباط ,و فروع أحزاب المعارضة في الجنوب أصبحت تنتمي إلينا أكثر من انتماءها لبرامج أحزابها و بوجودهم كأفراد في الحراك بدأت شرعية نظام صنعاء داخل فروع الأحزاب في الجنوب تهتز بقوة...ولم يعد نظام الاحتلال يتباها أمام العالم بأن التعددية الحزبية موجودة على مستوى الشمال والجنوب.

س55: إذن كيف كنتم تطرحون قضيتكم في بداية نضالكم، هل هي سياسية أم حقوقية أم قانونية، أم ماذا ؟

ج55: نحن لم نختلف مع نظام صنعاء إلا بعد أن أحتل أرضنا ووطنا ،وبعد أن حول الجنوب إلى غنيمة لكل من هو شمالي وهذه المعركة السلمية من قبلنا،اعتبرناها معركة وجود و مقدسات. و الوجود و المقدسات يفوقان مكانة المطالب اليومية كون المطالب اليومية هي متغيرات و وقائع و حيثيات. لذا فاحتجاجاتنا السلمية التي عمت الجنوب كله من المهرة إلى عدن ليست خياراً مزاجيا قامت به فئة أو مجموعة بعينها، و لا هي وليدة مصالح جرى تقديرها في زمن سياسي محدد. إنها الوجود نفسه انتفض هذا الوجود ليبقى. ففي الصراع بين الوطن الجنوبي والاحتلال اليمني له لا وجود للخيارات غير وطنية ، إنما هناك تكليف شرعي محدد، و واجب وطني لا مناص منه.. و هذا بالضبط ما نضحي من أجله.

س56: لكن ماذا على صعيد تطور الاحتجاجات و الحراك الجنوبي المتواصل لناحية علاقته بالقوى السياسية المتعددة في الشمال ؟

ج56: أن رؤية أبناء الجنوب لا يمكن لها أن تنفصل عن هويتهم ووطنهم المحتل. وتلك القوى المتعددة في الشمال هي التي جعلت هذه الموضوعات دائماً متباينة ومتصارعة سواء داخل أحزابها أو خارجها، ومواقفنا السياسية و الوطنية يجمعها جذر منهجي واحد هو استعادة الدولة واستعادة الهوية(الجنوب العربي) والمشترك يرفض ذلك .. ويريد أن يختزل قضيتنا الجنوبية الكبرى في معادلة الحوار مع الحزب الحاكم و كيف يكون شكل صندوق الاقتراع، و توظيف حقوقنا و وجودنا في اتجاه حزبي ضعيف.. و نحن نقول أن الاعتراف بقضيتنا الجنوبية(أرض ووطن ودولة) هو من أول الشروط لعلاقتنا مع القوى السياسية في صنعاء ومع الآخرين.

س57: و هل فروع هذه الأحزاب في محافظات الجنوب لها نفس مواقفكم ؟

ج57: نعم ، فروع الأحزاب الجنوبية لها نفس سياسي جيد و أدت دوراً رئيسياً في التعبئة اليومية للناس من اجل استرداد حقوقهم و كانوا من ضمن طلائع تلك الاحتجاجات السلمية خاصة الحزب الاشتراكي وحزب الإصلاح وحزب الرابطة و غيرها من فروع الأحزاب.. فهذه الأحزاب تمتلك كوادر وطنية متنورة و أنجذب المجتمع الجنوبي إلى علاقة إيجابية بفروع تلك الأحزاب، و أظهر أن وجود قوة حية تحمل على عاتقها القضية الجنوبية، و تتشبث بإصرار بمهمة مواصلة الاحتجاجات السلمية، سيقضي حتماً في لحظة تحول سياسي اجتماعي إلى اصطفاف جنوبي واسع ,وعلى قاعدة الهم المشترك لفروع الأحزاب في الجنوب ستتحول في برامجها من خيار حزبي إلى خيار وطني لأنه على هذه القاعدة ستولد معادلة جديدة تطرح على نظام صنعاء واقعاً جنوبيا جديدا.

س58: لكن ما هي الأسباب التي دفعت نظام صنعاء بقمعكم بهذه الصورة ؟ إطلاق الرصاص، اعتقالات جماعية، اعتقالات و محاكمات ,تدمير قرى وغير ذلك ؟

ج58: هذه الأمور التي نشاهدها اليوم ليست جديدة علينا، فصنعاء دخلت في مشروع الحكم بالقوة بعد انتصارها بحرب 94م الجنوب.. و هناك المئات الذين قتلوا برصاص أجهزة الاحتلال .. و هذا الخيار القمعي هو الذي عمق جرح حرب 94م، و هو الذي ساهم في تكريس و تعميق خيار المواجهة السلمية في الجنوب.. فقوات الاحتلال تحقق انتصارات عسكرية و أمنية في الجنوب، و نحن نحقق انتصارات سياسية و اجتماعية.. و أنتم تفهمون مصير الأنظمة التي تلجأ إلى العنف.. و ما حدث في الجنوب من إبادة جماعية(قتل المواطنين العزل ,الحصار الذي تواجهه أغلب المحافظات الجنوبية المحررة ,وذلك من خلال قطع الكهرباء والاتصالات والمواد الغذائية والنفط والد يزل) وإطلاق الرصاص الحي على المواطنين العزل و اعتقالات و محاكمات صورية عمق موقف المجتمع الجنوبي نفسه و أحرج حتى السياسيين الجنوبيين المشاركين بالحكم.

س59: لكن،في بداية تنظيم الحراك السلمي يقال أن هناك اختلافات ظهرت على تشكيل الهيئات سواء في المحافظات أو على مستوى الجنوب، و أن هناك تسابق على مناصب رأس تلك الهيئات ؟

ج59: هذا الكلام الذي يشاع لا أساس له من الصحة، و لكن دعني أشرح لكم شيء مهم عاشه الجنوب وقواه المحركة بعد الحرب. فكما تعلم أن الحرب أطيحت بدولة بكامل مؤسساتها و نهب الجنوب نهباً وحشياً و أطيح بالحريات العامة و سلبت فيه أبسط حقوق الإنسان الطبيعية (المسكن، الأرض، الوظيفة ) و قتل الأبرياء،بل و تطاول نظام الاحتلال على التاريخ و ذاكرة الجنوب بعد أن أهلت علينا المرحلة السابقة بالهزائم و الانكسارات.. و انتشرت الدعاية المزيفة و التدجيل يريدون إصباغها على كل جنوبي يرفض الاستعباد. و لم يكن غريباً في ظل هذه الظروف أن يثبت الجنوب وجوده من خلال هبة شعبية واسعة و كان دور رموز الجنوب ملحوظاً في تحريك المجتمع و تنظيم انتفاضته السلمية. ثم دخل الحراك مرحلة العمل المنظم منذ عشرة أشهر فقط من تاريخنا هذا , وتشكلت هيئاته في بعض محافظات الجنوب لقيادة العمل الاحتجاجي السلمي في تلك المحافظات و كذلك للتنسيق مع المحافظات بعضها ببعض و لتوحيد الخطاب السياسي.. بعد ذلك وقع اتصال لتشكيل مكون واحد موحد للحراك الجنوبي السلمي فاندمجت الهيئات في 9 مايو 2009م في منزل الشيخ المناضل طارق ألفضلي , وتشكل مجلس الثورة السلمية لتحرير الجنوب ,ثم المجلس الأعلى لتحرير الجنوب في يافع في 18 يناير 2010م و أصبح الأغلبية جزءاً رئيسياً في هذا المجلس .

س60: و لكن يقال أنكم وقفتم ضد تلك الهيئات وكذلك ضد المجلس الوطني ،ولم تشارك في تأسيس تلك المكونات و قلت أن الوقت لم ينضج بعد إلا لمكون واحد للحراك الجنوبي ؟ فكيف و أنت رمز جنوبي معروف و أول من دخل السجون و المحاكمات عام 1996 وعام 1998م من أجل القضية الجنوبية ؟ و كذلك اعتقالك و خطفك مع رفاقك إلى صنعاء و محاكمتك مع باعوم و الشعيبي و بن فريد و علي منصر و آخرين ؟

ج60:نعم أنا كنت ضد تمزيق الحراك الجنوبي بين الإفراد والأحزاب , وضد تلك الهيئات الهشة التي كانت تسمى بأسماء مؤسسيها. وكنت أؤكد على أهمية تجميع الحراك الشعبي في المحافظات و تمتين هيئاته هناك أولا، و توحيده أمام هجمات السلطة العنيفة، و عندما تنضج الظروف في المحافظات يتحول العمل إلى إيجاد قيادة موحدة للجنوب كله. بحيث تتشكل هذه القيادة من مختلف شرائح المجتمع الجنوبي. و في عملنا لا بديل للحراك في المحافظات. و نشاط الناس هناك و تنظيمهم سيكون طريقاً لإبراز قيادة قوية وصلبة وحكيمة للحراك الجنوبي. و هذا يعني إننا نرفض أن تأتي الهيكلية من فوق وعن طريق الإفراد مهما علا شأنهم. فعن طريق إنضاج التشكيلات في المحافظات يمكن أن تحسم مسألة القيادة العليا للحراك الجنوبي. و إن التخلي عن هذا الطريق سيجرنا إلى تشكيل مكونات متعددة للحراك الجنوبي السلمي.. و بدعوات فردية وهذه الطريقة في تمزيق الحراك تخدم نظام الاحتلال.

س61: يعني أنك تريد أن تضيف بعداً جديداً للحراك الجنوبي بحرصكم على نجاح أي تشكيل شبة موحد يقود الحراك الجنوبي السلمي ؟

ج61: يا أخي المأساة التي يعيشها الجنوب اليوم، ليست إلا فصلاً مظلماً في ملحمة نضال طويل و ليس كلاماً عاطفياً أو إنشائيا.. أو بيانات عبر الصحافة الالكترونية ,فنحن نعيش أوضاع استثنائية , فالدفاع عن بيتك يعتبر جريمة و الدفاع عن رأيك يعتبر جريمة, و الاعتصام جريمة، و المطالبة بوظيفتك جريمة، حتى المغتربين أصبحوا مجرمين و يساقون إلى السجون.. ظلينا 13 عاماً نلح على نظام صنعاء أن يحسب حسابه للمستقبل ,وليس للانتصار الوهمي المؤقت ,ولكن دون فائدة، والناس الذين ضحوا طوال المرحلة السابقة من أجل هذا الوطن , يريدون اليوم تصوراً متكاملاً للحراك ,وللجنوب الذي نأمل أن يولد من جديد برؤية جديدة. و نحن -طبعا كان هذا قبل عام-كنا نهدف من مسألة تعزيز هيئات الحراك السامي في المحافظات و تقويتها قبل الشروع بتشكيل هيئة موحدة للحراك الجنوبي السلمي، هذا لأننا ضد تمزيق الحراك ,وكنا نسعى لإيجاد مجلس أعلى يوحد الانتفاضة الشعبية العارمة ويكون مؤهلا لتحقيق طموحات الجنوبيين. و كان رأيي أن تنضج الظروف في المحافظات من أجل مستقبل الحراك و ليس من أجل الحاضر فقط.

س62 :ما هي قصة الدمج الذي تم بين المكونات في 9 مايو 2009م في منزل الشيخ المناضل طارق ألفضلي ,والتي فعلا رحب بها الجميع في الداخل والخارج؟

ج62 :كانت تلك المكونات قد تشكلت من فوق وبالكتبة دون أن توجد لها أي قاعدة شعبية ,من هنا بدأ تفككها من الداخل ,بسبب طياشة بعض أفرادها من جهة ,ورفض جماهير الحراك لها من جهة أخرى ,علاوة على أنه لم يكن هناك أي احترام بين تلك الهيئات ووجهات نظرها المختلفة.وكان يستحيل أن تنظم الحركة الشعبية العارمة نفسها من خلالها لتحقيق الأهداف المنشودة- الاستقلال وفك الارتباط واستعادة الدولة-,ثم أنه وبوجود تلك الهيئات عاد النزاع مع الاشتراكيين إلى الظهور بتشجيع من نظام صنعاء للاستحواذ على قيادة الحراك ,ومن خلال هيئة"نجاح"التي كانت اشتراكية خالصة...والوسائل الإعلامية الشمالية رسمية وغير رسمية كانت تركز على الأفراد المتطرفين في الحراك الجنوبي ,والتي بواسطتهم يمكن أن يتفكك الحراك ويضعف.كانت تلك المرحلة- أكتوبر 2008م-مايو 2009م-مرحلة دقيقة وعصيبة ,بدأت بسببها تظهر الآمال وكأنها مسحوقة.ولكن طلائع العمل الوطني التحرري ,دخلوا هذا التحدي وصمموا على إدماج تلك الهيئات الهشة ...وفي 9 مايو تخلص الحراك الجنوبي السلمي من التفكك ,واعتبرنا ذلك اليوم هو نقطة الانطلاق في عملنا المنظم والموحد ولو بنسبة 70%.

س63 :بعد الاندماج في 9 مايو هل صارت الأمور على ما يرام؟

ج63 :ممكن نشير في هذا الإطار إلى الدور الريادي الهام الذي لعبته شرائح المجتمع الجنوبي ,وهي بالفعل أدوار كثيرة في سبيل وحدة الصف ,ومحاولة صيانته من أي قيادة تسلطية قد تظهر وسط الفوضى ,والتي بالفعل كانت قد بدأت تظهر من قبل بعض الاشتراكيين للأستيلأ على قيادات الحراك العليا وفي المحافظات ,ومن جانب آخر ظهر التطرف بشتى أنواعة من قبل الرافضين للاندماج.ولكن بمقابل ذنك التيارين تحرك رفض شعبي فاعل ضد من يحاول الأستيلأ على الحراك حزبيا ,وضد من يحاول تمزيق الحراك وبقا المكونات الهشة.

س64 :ولكن هل بلغ الاندماج بين المكونات مكانته المطلوبة شعبيا؟

ج64 :الأهداف العظيمة غالبا ما تكون بطيئة ومعقدة ,إنها تحتاج من بين أمور كثيرة إلى صبر وإخلاص وتضحية ,وهذه القيم أحيانا تفتقدها بعض الحركات التحررية مؤقتا.

س65 :دائما ما تشير في حديثك عن وحدة الصف الجنوبي ,هل ممكن أن يتم ذلك؟

ج65 :أقصد بوحدة الصف الجنوبي ,هو استعادة وحدة النضال الوطني كفكرة وكحركة وكصيغة عمل موحدة بين القوى والتجمعات التي تنشد نفس الأهداف...أنتم تعلمون يا أخواني أن انتكاسة أي ثورة تحررية دائما ما ترتبط وإلى حد بعيد بتجزئة هذا النضال ,وتكسير الروابط القائمة بين روافده.إن وحدة مكونات الحراك الجنوبي هي الشرط الهام لتطويره وتوسيعه ليشمل كل بقعة في الجنوب ,وكل مستويات العمل لإسقاط مشاريع نظام الاحتلال ومخططاته الجارية لتمزيقنا والإجهاز علينا.

س66 :دائما ما تتحدثون عن شرائح المجتمع الجنوبي ,وضرورة تمثيلها في قيادات الحراك؟

ج66 :نحن في الحراك نريد أن نستكمل بنية الحراك ,وكان ينبغي التطرق إلى جانب لا يحظى بالاهتمام اللازم ,نتيجة تأثير الماضي ,وهو البعد الاجتماعي...فقد أهتمينا بشرائح المجتمع نظرا لاتصالها ببنية الحراك ,وحاولنا أن ندخل تغييرات على ثقافة الحراك من ناحية الاعتراف بمكونات المجتمع الجنوبي.فالسلاطين والمشايخ ورجال الدين والتجار مثلا ,هؤلاء لهم مكانه طيبه في قلوب الناس ,ثم أن نظام صنعاء استعان بهم في حرب

التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas